أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - ابي في مواسم الجوع والخمر















المزيد.....

ابي في مواسم الجوع والخمر


سعدي عباس العبد

الحوار المتمدن-العدد: 4381 - 2014 / 3 / 2 - 15:36
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة . __ أبي في مواسم الجُوع والخمر ___

** في كلّ مرة وباستمرار , اجدني اقف مندهشا قبّالة المرآة , ارى إلى ملامحي الشاحبة , فيعتريني الفزع ! , عند كلّ صباح اكتشف في وجهي عبر المرآة ملامح مدهشة للغاية ! , لا تشبهني ! فابقى اتفرسها مليا ذاهلا , كأني اقف فوق حافة هاوية ! فامدّ يدي اتحسس شعر ذقني النافر الذي نما فجأة .. ذقني الذي حلقته صباح البارحة .. فتختلط لديّ الرؤى ! فتسندل على ذهني ستارة من النسيان ..ومن اجل انّ امسك بحافة النسيان , اشرع بعصر ذاكرتي اضغط بكامل ذكرياتي وظنوني على وقائع حدثت في الماضي البعيد . وقائع طفولة نسيت براءتها تتخبط وسط ظلام أبوّة , أبوّة كانت منتجة اوهام بامتياز . تصنع الاكاذيب عبر بحثها العقيم عن طموحات مفقودة لا تتحقق .. كانّ أبي المسرف في الشراب , او المدّمن على احتساء العرق الزحلاوي , يعمل حمالا في [ علاوي الخضار في منطقة جميلة ] .. يتساقط الفراغ من جيوبهِ المثقوبه على الدوام .. لذلك كان دائما يترك اعتذاره عاريا على المائدة .. المائدة المقفرة باستمرار والتي نشّفت مائها رياح العوز . . يطلق سعاله الطويل المحشرج فيظل لوقت عصيب يطوف في صدورنا نحن !! . ثم يجهش في بكاء ثمل يروم عبره انّ ينظف عيوننا من دموع الجوع , .. لهذه الاسباب مجتمعه , اجدني انهض كلّ صباح انؤ بخراب يتجدّد باطراد ! وباستمرار تتبدّل علاماته . ولكنه يبقى خالدا في ملامحي ,.. لا اعرف احدا ولا احد يعرفني ! . ليس لديّ علامة تميّزني او تشير ليّ , كما كنت ارى الاخرين بعلامات متغيّرة باستمرار , .. وفي لحظات غامضة تطالعني وجوه لم ارها من قبل , فابقى اتطلع مستغربا , من هذه التحولات التي ما تنفك تتناسل باستمرار ... حتى الجسور كنت اراها تهرب من خطوات الاخرين ! , فتبقى المسافة الفاصلة بين الخطوات والجسر , مثل هوة تفصل بين روحين تفتّت خيط الوصل بينهما , فتغرق الذكريات في النهر .. ذكريات تبلّلها دموع الماضي وماء النهر . .فاجري مضطربا كما النهر في في رحلاته نحو المصبّات البعيدة . اجري واجري حتى ارتطم بحطام امومة تمسك بها الضفة البعيدة من الماضي . امومة غافية على وسادة من الماضي , تغط في احلام في احلام بائدة . فاستأنف الجري مرعوبا انؤء باثقال من الاوهام , تحف بي شتاءات ابّوة , ابوّة اورثتني الجوع والخوف ومازالت تبحث ليّ عن قبرٍ يرطّب بدني بصباحات من السواد والتراب .. فاهرب من شواهد سود تلوح لعينيّ شامخة في [ علوة الخضار ] .. وعلى طول مسيرتي المفعمة برائحة نوم يشبه الغيبوبة . كنت اجهش بالبكاء على انقاض طفولة مدرّبة على اجترار الجوع , ... كانت الذكريات يابسة والماء والكلام ! الكلام الذي يشابه صمت المشردين والحمّالين ..الصمت الذي تحمله الريح للأرامل الميّتات من الجوع عند عتباب البيوت .. آخ , ايها الاب الحمّال , كم حملت من البضائع وعجزت عن حمل طفلا تاه في سوق الخضار , خمسون عاما وهو لما يزل طفلا يحبو بلحية حرق سوادّها البياض .. اي ذكرى تلك التي دفعت شبكة من الاصابع تومىء في زحام السوق نحو مشرّد تائه صغير . كنت اتلفع اسمال المشردين وانا في طريقي الحافل بالشقاء والارامل . ارامل ملفوفات باكفان سود , يتحسسنّ جيوبي المثقوبة , وهنّ يتشممنَّ رائحة صدىء وخواء كانت تضوع من بدني واسمالي , فتذكّرهنّ تلك الرائحة بتوابيت ابعالهنّ ممن قضوا في حروب شتى .. امرّ ابان مسيرتي العصيبة , في سوق الخضار على باعة يطلقون نداءات لترويج لبضاعتهم .. كانت نداءات خاملة لا تقوى على تبديّد قوى الفاقة ولا على إزاحة جدار الفقر الثقيل المتماسك ..ولا ملامح العوز المطبوعة بكامل شحوبها على الثياب المستعملة التي كانوا يروجون لبيّعها .. فقر مدهش للغاية , كأنه قناص متمرّس على اصطياد [ الفلوس ] , الشحيحة , في اصابع تزداد ضمورا .. 4 , حروب انطفأ فيها بريق الذهب , وغادرت مواكب مهولة من البشر , جنود ونساء وكهول وكلاب وعاطلين عن كلّ شيء ومتسولين وسراق . غادروا في نزوح مريع صوب مقابر بعيدة ومشفيات وبراري وغابات وقرى نائية .. ولكن ما يدهشني هو كيف اخفى ابي دمّه المتجمد في وعاء الخمر !؟ ومتى اكتشف ما مطلوب منه , فسارع للاحتماء في كنف الجنون , كملاذ اخير وكأنه يخفي امرا مهولا اقترفه ..لاذ بمحميّته الجنونية , تاركا امّي كفراشة تحوم عند لهب الافواه الصارخة من الجوع والفقر ..اسمعها في الظلام وانا اتوسد الدثار الرث , تردّد بنبرة ساخطة كلاما ناقما يتعلق بابي السكير والفقر والبرد والحكومة , وعندما ازيح الدثار , تطالعني هي بكامل ايامها القديمة واخوتي الغارقين في مجرى مضطرب من الجوع والاحلام , ولما اسهو عن معاينتها , تختفي في الحال . لا ادري اين ؟ .. اما حين يتساقط الجوع من عيوني على هيئة دموع طويلة حارة ,امدّ يدي عبر الظلام , كحبل رخو , في محاولة منهكة للامساك بحنانها ولأزيح طفولتي المندلقة من ثديّيها واخذ يدها الشائخة , كي افترسها بقلب مصنوع من الود والمحبّة ! كي اطبع قبّلة على خريطة من التجاعيد مرسومة على وجهها ! .. ولكن ذكريات ابي العاصفة برياح الجوع , والماسكة بحبل الفقر كانت تقودني دوما إلى هاوية .. فتمحي كل آثار القبّل ولا تترك غير رائحة الجوع ... ترى كم سأحتاج من الوقت كي اتعرّف عليَّ او ليتسنى ليّ تسلق جدار الخبز المر ؟ ! , .. البارحة وجدتني في المرآة ارتدي معطف امير وقبعة موشاة بالذهب ! فكيف حدث انّ وجدتني اتسوّل باسمال جندي ميّت داخل مرآب على مقربة من [ علوة االسمك ] وهذا الامر بات يحدث باستمرار , كما لو اني امثّل في إحدى مسرحيات اللامعقول لصمويل بيكت . .. قبل ساعة من الآن ولا ادري اي آن ! رأيتني اقف ساخطا في آخر رهط ما , ننتظر امام باب الهلال الاحمر او شبكة الحماية او معسكر للبرابرة , لا ادري بالضبط فما عادت تسعفني الذاكرة ..انصت لاغاني الجوع تتصاعد من ابدان متيبّسة تنضح رائحة نخالة وخواء وخمول , بتلك الابدان رأيتهم يرقصون على ايقاع الجوع ودفوف البكاء , يتساقطون في حلبة الرقص وهم يمضغون باسنان شذبها الجوع المستمر , يمضغون جيوبهم المثقوبة والمليئة بالوعود والأكاذيب .. اراهم في كلّ مكان ! كالفقر المزمن او كالنفط لا فرق !! النفط الذي خرّب مسرّاتنا .. اراهم يبحثون عن التماعاتهم في بريق الذهب الاسود او في نياشين الجنرلات !! ايضا لا فرق !! المحهم يركضون كقطارات عتيقة صدئة فوق سكك النعرات الطائفية . سكك متقاطعة اخترعتها نمور نفضت عن انيابها غبار الجليد , سكك تفضي إلى ايام اشد سوادا ... كانوا كالعميان يركضون وسط المساحات الملغومة بالعوز والعبوات الناسفة والمركبات المفخّخة .. رأيتهم يطيرون في سماء من التوابيت , فاجدني وسطهم ابحث عني وعن فنائي الذي لم يشاطرني في تأثيثه اغبياء مدجّنين من فرط ذهولهم المسرف في الذهول حسبوا القبور محطّات استراحة .. / انتهت



#سعدي_عباس_العبد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوّة الألم او / السيطرات
- عن الخوف من الله
- صوت الخال
- الله كما رايته على الارض
- حبّ في ريعان الخريف
- ظنون بحجم الحب الذي كان / من سنوات البكاء والخيبة
- امّي ذلك الكائن الغريب
- حدث ذلك في باب المعظّم
- مقطع / على مقربة من الحرب
- بلاد من دخان
- عن : الشاعر جبار الغزي : .. طائر الجنوب يحلّق فوق بارات العا ...
- .. مشهد .. / إجازات الجنود
- .. مشهد / سلمى والنهر
- قوّة الغابة
- جثتي ........
- رماد الجنود / جنود الرماد
- قصة قصيرة __ القيامة
- رواية مخطوطة في مقاطع / بقايا الجندي الطائر / 2
- رواية مخطوطة / بقايا الجندي الطائر / المقطع 3
- مقطع من روايتي المخطوطة / بقايا الجندي الطائر


المزيد.....




- “القط بيجري ورا الفأر”.. استقبل Now تردد قناة توم وجيري الجد ...
- الان Hd متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر ...
- تابع حلقات Sponge BoB تردد قناة سبونج الجديد 2024 لمتابعة أق ...
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- وفاة الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- بتهمة -الغناء-.. الحوثيون يعتقلون 3 فنانين شعبيين
- دراسة تحدد طبيعة استجابة أدمغة كبار السن للموسيقى
- “أنا سبونج بوب سفنجة وده لوني“ تردد قناة سبونج بوب للاستمتاع ...
- علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي ...
- استقبل الآن بجودة عالية HD.. تردد روتانا سينما 2024 على الأق ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - ابي في مواسم الجوع والخمر