أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - النظام السوري ومسرحية المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري















المزيد.....



النظام السوري ومسرحية المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 4346 - 2014 / 1 / 26 - 18:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مرت حوالى خمس سنوات وما يسمى "المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري" نائمة لا تحرك ساكنا في ادراج ما يسمى "الشرعية الدولية" التي هي لاشرعية ولا دولية، بل هي احدى ادوات البلطجة الدولية الاميركية.
ولكن هذا النوم الطويل لم يكن بدون معنى.
وقبل ذلك كانت الهيئة الاتهامية في هذه المحكمة الكراكوزية قد طلبت توقيف الجنرالات الاربعة قادة الاجهزة الامنية اللبنانية في عهد الرئيس السابق اميل لحود. وتم سجن هؤلاء الجنرالات لمدة اربع سنوات والتحقيق معهم وحولهم. ومع ان الهيئة الاتهامية استعانت بما يسمى "شهود الزور"، ومنهم "الشاهد ملك" عميل السي آي ايه والسعودية زهير الصديق، "المختفي" بين الامارات العربية المتحدة وفرنسا، فإن الهيئة الاتهامية لم تستطع ان تثبت شيئا ضد الجنرالات الموقوفين، فاضطرت للافراج عنهم. وتحول الجنرالات من متهَمين الى متهـِمين. ورفع الجنرال جميل السيد شكوى ضد الهيئة الاتهامية ذاتها، ولا تزال هذه الشكوى ايضا نائمة الى اليوم.
ومن السخف المضحك والمخجل القول ان هذا النوم المصطنع للمحكمة الدولية سببه فقط حقوقي وقضائي او غير سياسي.
والان عاد تشغيل مسرحية هذه المحكمة الدولية، على وقع تفجيرات العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة التي ترسلها المخابرات الاميركية وبندر بن سلطان الى الاراضي اللبنانية، بواسطة "داعش" واخواتها في ما يسمى "المعارضة السورية".
لقد سبق وتم تشكيل هذه المحكمة على ايقاع توجيه الاتهامات، السابقة لاي تحقيق، الى النظام السوري بارتكاب جريمة اغتيال رفيق الحريري.
وبمرور كل هذا "الوقت الضائع" الذي قارب تسع سنوات من اغتيال الحريري، تأكد ان الهدف من تشكيل المحكمة لم يكن فعلا الكشف عن دور النظام السوري في اغتيال الحريري، بل كان الهدف هو التهويل على النظام السوري وممارسة الضغط عليه واجباره على متابعة السير في السياسة الاقليمية والدولية التي ترضى عنها اميركا، بعد ان فشل في اداء الدور الذي كان مطلوبا من وجوده السابق في لبنان، وهو القضاء على، وتسهيل القضاء على، المقاومة الشعبية المسلحة في لبنان، الفلسطينية والوطنية والاسلامية. وبعد الاخراج المشين للنظام السوري من لبنان بواسطة ما سمي "ثورة الارز" الاميركية، خشيت السلطة الاميركية ان يخرج النظام السوري من "تحت السيطرة"، فكان تشكيل المحكمة الدولية (تحت البند السابع الشهير) للضغط على النظام السوري ومساومته واجباره على البقاء في "بيت الطاعة".
ولكن الفشل الاميركي في افغانستان والعراق، تحت عنوان رئيسي هو الفشل في ما يسمى "مكافحة الارهاب" الذي ـ بالقاموس الاميركي ـ يشمل مقاومة الاحتلال الاميركي، وفشل اسرائيل في حرب 2006 ضد المقاومة في لبنان، ثم فشلها في الحرب الوحشية على غزة، ـ كل ذلك دفع النظام السوري، المكيافيلي بامتياز، لعدم الاقدام على حرق اوراقه بقبول المساومة و"التعاون" مجددا مع السياسة الاميركية، كما فعل في الحروب الاميركية على العراق، بل عمد الى الابتعاد اكثر عن المظلة الاميركية، والاقتراب اكثر من روسيا وايران وحزب الله.
وكان من شأن هذا الموقف "الممانع" من قبل النظام السوري ان يهدد بنقل عدواه الى ما كان يسمى سابقا "الانظمة الوطنية"، التي رضيت بالسلام مع اسرائيل و"التعاون" و"الانفتاح" على اميركا والغرب الامبريالي، كمصر وتونس وليبيا واليمن والجزائر.
وهذا ما أطار صواب الامبريالية الاميركية ودفعها الى اتخاذ قرارها الستراتيجي بإلغاء "التعاون" مع تلك "الانظمة الوطنية" العربية، والعودة الى الستراتيجية الاميركية القديمة، من عهد فرانكلين روزفلت، اي ستراتيجية الاعتماد الكلي على الرجعية العربية و"الاسلامية!" التقليدية، المتمثلة في السعودية والدول النفطية الخليجية والمنظمات "الاسلامية!" التقليدية والتكفيرية، كـ"الاخوان" المصرية و"النهضة" التونسية وتفريخات "القاعدة" واخواتها.
وفي هذا السياق بالضبط، تم إطلاق ما يسمى "الربيع العربي" الذي هو صناعة اميركية من الفه الى يائه. والمكنون الاميركي لـ"الربيع العربي" هو ما يفسر "ألغاز" " هذا الربيع المزيف التي نلخصها بما يلي:
أ ـ توجيهه فقط ضد الدول "الوطنية" السابقة "المتعاونة" مع اميركا واسرائيل. حتى القذافي "المسكين" الذي كان قد رفع يديه تماما وسلم كل اوراقه لاميركا، جرى طعنه في مؤخرته وقتله بشكل مشين و"توثيق" العملية بالصوت والصورة. وكل ذلك تحت شعارات "الدمقراطية" و"حقوق الانسان" و"حرية الاديان" وطبعا "الحقوق القومية والعشائرية والمناطقية" و"اللامركزية" و"الفيديرالية" وكل العفش الديماغوجي للبروباغندا الاميركية التي أتقنتها تماما ابواق السعودية وقطر و"كتلة 14 اذار اللبنانية" والقيادات الكردية والشيوعية ـ الليبيرالية العراقية وقيادات "المعارضة السورية" العميلة، مثل قنوات "العربية" و"الجزيرة" و"الإل بي سي" وصحيفتي "الشرق الاوسط" و"المستقبل" واضرابها، و"الخواجات" جورج صبرا وبرهان غليون وكريم مروة وفخري كريم واضرابهم.
ب ـ التحصين التام للممالك والمشيخات العربية الرجعية التقليدية، ولا سيما النفطية، من موجات "الربيع العربي" الاميركي. وقد انفضحت اللعبة تماما في المغرب والاردن والبحرين، حيث جرت بعض التحركات الشعبية، فتم خنقها بالتوافق مع الحركات "الاسلامية!" والتكفيرية التي كانت تدعي المعارضة. وظهر وكأن دول الرجعية العربية التقليدية هي "واحات للدمقراطية" وهي "قواعد ثورية" لـ"الربيع العربي"!
ج ـ تسليط "الاسلاميين!" والتكفيريين على موجات "الربيع العربي!".
د ـ اندفاع الدول الرجعية العربية، وعلى رأسها السعودية، والتسابق والمزايدة فيما بينها، لتأييد ودعم "الثورات" العربية الجديدة، اعلاميا وسياسيا وماليا وبشريا وتسليحيا، مما قلب جميع المقاييس حول الرجعية والثورة، وظهر وكأن "الرجعية" (حتى في ابشع صورها الانحطاطية خصوصا السعودية) هي أم "الثورة!" وأبوها!
وفي سوريا اتخذ هذا الدعم شكلا واسعا وضخما، وتم تشكيل "جيش اسلامي! عالمي" حقيقي، يضم عشرات آلاف المقاتلين من مختلف البلدان العربية والاسلامية والبلقان والقوقاز واوروبا والمسلمين الروس وغيرهم، أضخم بكثير من الجيش الاسلامي! العالمي الذي قاتل السوفيات في افغانستان سابقا، وانبثقت عنه لاحقا "القاعدة"!
وكانت "غرفة العمليات" الاميركية ـ الصهيونية ـ السعودية لقيادة "الربيع العربي" تعتقد ان روسيا ستصدق مرة اخرى كذبة "عدم التدخل" في الشؤون الداخلية، وهي الخدعة التي وقعت روسيا ضحيتها في ليبيا، حيث وقفت على الحياد، بينما الاطلسي والمخابرات الاميركية تشن هجومها على المكشوف ضد ليبيا وتسيطر عليها. وبناء عليه كانت "غرفة العمليات" تعتقد انه، مع ضمان الحياد الروسي، فإن النظام السوري لن يصمد اكثر من النظام الليبي، امام الهجمة الخارجية الشرسة بواسطة "الجيش الاسلامي! العالمي" العميل. ولكن هذا الجيش، وبموازين القوى داخل سوريا، عجز تماما عن تحقيق الآمال المعقودة عليه، فجنحت "غرفة العمليات" نحو خيار توجيه ضربة عسكرية ستراتيجية خارجية ضد سوريا، على غرار ما جرى في صربيا عام 1999. ولهذه الغاية استنفرت جميع القوات البرية والبحرية والجوية الاميركية والاطلسية والاسرائيلية والتركية في المنطقة الممتدة من غرب افريقيا الى بحر الصين. وفي لحظة من اللحظات حبس العالم كله انفاسه ووقف يعد الساعات والدقائق بانتظار توجيه الضربة الاميركية ـ الاطلسية ـ الاسرائيلية المشتركة لسوريا.
ولكن روسيا العظيمة، التي سبق لها ان حررت شعوب اوروبا والعالم من الهتلرية، كانت مرة اخرى وفية لتاريخها، فاستخدمت مع الصين حق الفيتو في مجلس الامن الدولي ضد اي تدخل اجنبي في سوريا، وصرح وزير الخارجية سيرغيي لافروف "ان روسيا لن تحارب احدا"، وكان يعني ما يقول، ولكن في الوقت نفسه نشرت الصحافة الروسية ان قيادة الاركان الروسية اعلنت "ان جميع مستودعات الجيش الروسي، وبجميع الاسلحة الكلاسيكية، هي مفتوحة تماما للجيش السوري، لسحب اي كمية كانت، من اي سلاح كلاسيكي كان، ومجانا". وكانت القيادة الروسية على ثقة ان الجيش السوري، بالاسلحة الروسية، سيرد الصاع صاعين ضد اي عدوان خارجي. وهذا ما كانت تعرفه ايضا القيادات الاميركية والاطلسية وخصوصا الاسرائيلية والتركية. فارتعدت فرائص تلك القيادات، وأحجمت في اللحظة الاخيرة عن توجيه الضربة العسكرية الخارجية المرتقبة الى سوريا، تجنبا لاختبار فعالية الاسلحة الروسية، بيد الجيش السوري، على اسرائيل وتركيا وجميع القواعد الاميركية والاطلسية في كل منطقة الشرق الاوسط الكبير وجوارها.
وهكذا نفـّس تماما بالون التدخل العسكري الاجنبي في سوريا. وبنتيجة ذلك، بدلا من ان يبدأ العد العكسي لاسقاط النظام السوري، بدأ العد العكسي لاسقاط وسحق "الجيش الاسلامي! العالمي" واتباعه في سوريا.
وامام الفشل الذريع لمؤامرة "الربيع العربي" وهجمة "الجيش الاسلامي! العالمي"، والسقوط التام لخيار اللجوء الى العدوان العسكري الخارجي المباشر ضد سوريا، عمدت القيادة الاميركية من جديد لاستخدام ورقة "المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري"، طبعا ليس لاجل كشف "الحقيقة"، كما كان ينادي سعد الحريري وعقاب صقر وغيرهما من صبيان "شركة السوليدار و14 اذار ليميتد"، بل لاجل الضغط على النظام السوري والمساومة معه، اذا كان لا يزال يوجد امكانية للمساومة. وما يؤكد ذلك انه في الوقت الذي عادت فيه المحكمة الدولية لعقد جلساتها بعد نوم عميق طال سنوات، كانت وفود رفيعة المستوى من المخابرات الاميركية والغربية تزور دمشق لاجراء مباحثات سرية لم يكشف عنها النقاب.
فما هي حظوظ اميركا وحلفائها في الضغط على النظام السوري بواسطة المحكمة الدولية؟
ان الجواب على هذا السؤال يقتضي اولا البحث في امكانية تحميل النظام السوري المسؤولية عن هذه الجريمة، انطلاقا من البحث في قدراته على تنفيذ مثل هذه العملية او على الاقل المشاركة فيها.
وبكلمات اخرى: ان جريمة اغتيال الشيخ رفيق الحريري، بالمواصفات وقدرات التعمية والتضليل التي نفذت بها، تتجاوز قدرات اي تنظيم، مهما كانت قدراته. وبالتالي فهي "جريمة دولة"، وليس اي دولة كانت، بل دولة تمتلك تقنيات عالية وامكانيات فعالة ضخمة. فهل ان النظام السوري هو "هذه الدولة"؟ واذا لم يكن هو "هذه الدولة"، فما هي حدود وطبيعة مشاركته في الجريمة، اذا ثبتت هذه المشاركة.
بدون هذه الاثباتات، وبالاعتماد فقط على "شهود زور" كزهير الصديق او محققين ومدعين فاسدين كما كان ميرتس الذي قدم استقالته، فإن امكانيات الضغط على النظام السوري هي بمستوى الصفر، بل يمكن ان تؤدي الى نتائج عكسية تماما، اي حشر النظام السوري الى درجة ان "يبق البحصة" ويقول هو ما يعرف عن جريمة اغتيال رفيق الحريري، وما يعرفه النظام السوري ليس ابدا في مصلحة اميركا وكل جوقة حلفائها الكبار والصغار، من بندر بن سلطان بن عبدالعزيز الى فؤاد عبدالباسط السنيورة وعقاب صقر والياس عطاالله.
ونحاول فيما يلي ان نلقي نظرة على امكانيات قيام النظام السوري بجريمة اغتيال رفيق الحريري، او المشاركة فيها:
فيما دون السقف الدولي، اي على مستوى السقف الاقليمي، والسقف المحلي اللبناني، يبقى من الضروري محاولة الاجابة عن سؤال رئيسي وبعض الاسئلة الفرعية المرتبطة به:
1 ـ هل ان النظام الدكتاتوري السوري يتحمل مسؤولية، كاملة او جزئية، عن اغتيال الشيخ رفيق الحريري؟
ـ لاجل الاجابة عن هذا السؤال الهام والحساس جدا، نجد انه من المفيد اولا اجراء مقارنة مع التجربة المرة للعراق في عهد نظام صدام حسين (التوأم اللدود للنظام البعثي السوري):
لقد شن نظام صدام حسين الحرب على ايران، ثم اجتاح الكويت، وارتكب ما ارتكب من المجازر ضد الشعب الكردي الشقيق وضد الجماهير الشعبية العراقية والمعارضة الشيوعية والاسلامية والقومية الخ. الا ان كل ما قام به نظام صدام حسين كان على الدوام في انسجام وتوافق مع سياق دولي معين. وليس عبثا ان المعارضة العراقية السابقة، قبل انضواء بعضها تحت لواء الهجمة الاميركية، كانت تتهم نظام صدام حسين بأنه كان عميلا لاميركا، او على الاقل انه كان ينفذ سياستها، بالتعاون الوثيق والدعم المكثف من قبل الانظمة الخليجية وعلى رأسها المملكة السعودية، وبما فيها النظام الكويتي، الذي اجتاحه صدام حسين لاحقا. وحتى الهجوم الصدامي على الكويت قالت المعارضة العراقية في حينه ان هذا الهجوم تم بضوء اخضر اميركي، خصوصا بعد اجتماع صدام حسين والسفيرة الاميركية السابقة في العراق كريسبي. كما ان الاسلحة الكيماوية التي ضرب بها صدام وابن عمه علي الكيماوي القوات الايرانية والمدنيين الاكراد في حلبجه، قالت المعارضة العراقية في حينه ان الذي زود النظام العراقي بها هو رامسفيلد وزير الدفاع الاميركي السابق الذي اجتمع شخصيا بصدام حسين في بغداد لهذه الغاية. ولكن فيما بعد، عشية الهجوم الاميركي على العراق في 2003، سارت بعض اطراف المعارضة العراقية في ركاب جيش الاحتلال الاميركي. ولاجل تبرير خيانتها الوطنية الخاصة، اخذت "هذه المعارضة" على عاتقها المهمة غير المشرفة، مهمة تبرئة صدام حسين من تهمة العمالة و"التعاون" مع اميركا، وتبرئة الاميركيين والانظمة الخليجية بما فيها السعودية من اي مسؤولية عن ارتكاباته الاجرامية والخيانية، وحصر ارتكابات نظام صدام حسين به وحده، وفصل هذه الارتكابات عن سياقها الدولي والاقليمي، بشكل مفضوح لا يستره اي منطق. وهذا التناقض في موقف تلك الاطراف من المعارضة العراقية السابقة لا يبرئ بأي شكل الامبريالية الاميركية من المسؤولية، بل بالعكس يزيدها مسؤولية، لانه يظهر مدى نذالتها وحقارتها اللتين تبدو معهما مسخرة اسلحة الدمار الشامل نكتة بائخة. وهذا التناقض ليس ابدا عمى او عورا او حولا متأخرا في التحليل السياسي او في النظر الى الوقائع، بل هو برهان ساطع على رغبة تلك الاطراف من المعارضة العراقية السابقة في إرضاء الاميركيين وفي الحلول محل صدام حسين، كمطية للسياسة الاميركية في المنطقة. ولو كانت بقيت لدى صدام حسين ذرة من الوطنية ومن الايمان الديني الصادق لفضح دور اميركا في المنطقة بعد ان ضحى به الاميركيون والانظمة الخليجية واصبح في القفص وامام حبل المشنقة. ولكنه تقدم الى حبل المشنقة هاتفا كذبا وبهتانا "الله اكبر"، دون ان يفضح بكلمة واحدة دور اميركا في كل ما جرى من مآس في العراق والمنطقة، اي انه ـ ظنا منه انه بذلك يستطيع ان يخدع من يخدع بأنه "شهيد وطني"، وان ينقذ بقايا نظامه من اتهامهم بالخيانة ـ ظل حتى النفس الاخير محافظا على اسرار علاقاته مع اميركا. وطبعا اننا، بالمقارنة، لا نتوقع من امثال الطالباني والبارزاني والحكيم وحميد مجيد موسى ان يعترفوا علنا بأنهم اصبحوا عملاء لاميركا واسرائيل، بل هم يتمسكون كالغريق بـ"كرديتهم" و"شيوعيتهم" و"اسلاميتهم" الكاذبة. ولكن العالم كله يرى انهم ليسوا اكثر من طاقم احصنة جديد، بدل الطاقم الصدامي القديم، لجر عربة السياسة الاميركية فوق جثث العراقيين كشعب، وجثة العراق كوطن.
وان النظام الدكتاتوري السوري، الذي لا يهمه شيء اكثر من الاحتفاظ بالسلطة ومكاسبها، على حساب القضية الوطنية والقومية، هو صنو نظام صدام حسين تماما، في "التعاون" مع اميركا و"التفاهم" مع اسرائيل. وانطلاقا من هذا التصنيف الرئيسي نجيب على السؤال الذي طرحناه بما يلي:
أ ـ ان هذا النظام هو اصغر بكثير من ان يتجرأ على اتخاذ قرار اغتيال الشيخ رفيق الحريري. لان هذا القرار يعني ببساطة شن الحرب على المملكة السعودية. والنظام السوري لم يكن في هذا الوارد البتة، لا من حيث المصلحة ولا من حيث الامكانية. وما قيل من تهديد الرئيس بشار الاسد للشيخ رفيق الحريري، ودون التشكيك في صحة الواقعة، لا يخرج عن نطاق "الكاموفلاج" والتضليل السياسي، والهدف منه، بعد اغتيال الحريري وغيره من الجرائم التي ترتكب على الارض اللبنانية، يدخل ضمن اطار التعتيم على المخطط الرئيسي للجرائم وتغيير معالم المسرح السياسي للجرائم. ولكن هذا لا يبرئ ابدا النظام السوري.
ب ـ لا يمكن للنظام السوري، الذي كان يتحكم بالشاردة والواردة في لبنان لحظة اغتيال الشيخ الحريري، الا ان يكون شريكا في الجريمة. على الاقل انه "يعلم"، ولا يقول الحقيقة في ما يعلم. وإخفاء المعلومات، حتى في ابسط جريمة، هو بحد ذاته جريمة يطالها اي قانون، حتى القانون السوري.
ج ـ ان النظام السوري يمتلئ سجله بلائحة طويلة من الاغتيالات والجرائم الكبرى في لبنان، منها اغتيال كمال جنبلاط والمشاركة في او السكوت عن "تغييب" الامام موسى الصدر. ومثل هذا النظام لا يمتلك اي مصلحة مادية او سياسية او حصانة اخلاقية او وطنية تمنعه من المشاركة في جريمة اغتيال الشيخ الحريري.
د ـ ان النظام السوري لا يستطيع الامتناع عن المشاركة في جريمة اغتيال الشيخ الحريري، وغيرها من الجرائم في لبنان، حتى لو اراد الامتناع عن ذلك. ذلك ان الكتلة المالية اليهودية ـ الانغلو/ساكسونية، التي اتخذت قرار توجيه صفعة مؤلمة للمملكة السعودية، وتخريب الساحة اللبنانية، بتصفية الشيخ رفيق الحريري، لا يمكن ان تترك النظام السوري جانبا دون الاستفادة من "خدماته" و"توريطه". وهي (اي الكتلة المالية العالمية اليهودية ـ الانغلو/ساكسونية) قادرة على اجبار النظام السوري على الاذعان لكل "امر" يصدر اليه من واشنطن، على طريقة المرأة المنحرفة التي تقع في حبائل شبكة دعارة، فتمارس الدعارة اول مرة، لاي سبب كان، وهي "مجبرة"، ولكنها بعد ذلك لا تستطيع الامتناع عن تنفيذ اوامر الشبكة التي تكون قد "وثـّقت" لها "نشاطها الاولي" واصبحت تبتزها به. وهذا هو شأن النظام السوري منذ تسليم الجولان بدون قتال في حزيران 1967. وهنا نأتي الى السؤال الفرعي التالي:
2 ـ لقد كان الفريق حافظ الاسد (الرئيس لاحقا) وزيرا للدفاع في حزيران 1967. فكيف تم تسليم الجولان بدون قتال؟ (بالرغم من وجود قوات سورية تقدر بعشرات الالاف، ومجهزة بكل انواع الاسلحة، وخط دفاع مبني على الطريقة السوفياتية ليواجه كل اشكال الهجمات بما في ذلك الهجوم الذري).
ـ لا نستطيع "تبرئة" حافظ الاسد من جريمة "تسليم" الجولان حتى باتهامه بالجبن والخوف. فوزير الدفاع السوري لم يكن مثل وزير الدفاع الاسرائيلي، موشي دايان او ارييل شارون، اللذين كانا يسيران امام جيوشهما مغامرين بحياتهما مثل اي جندي عادي. بل كان، كالعادة، قائدا "عربيا" متعجرفا يسوق الجنود بالعصا، الا انه شخصيا عند المعركة يقبع في ملجأ فاخر، بعيدا مئات الكيلومترات عن الميدان، وبالتالي لم يكن هناك ما يخشاه على حياته "العزيزة"، وهو طبعا لم يكن يهتم بحياة الجنود والضباط الصغار التي لا تساوي عنده قلامة ظفر، على الاقل بقدر ما تساوي حياة اهالي مدينة حماة، التي دمرها على رؤوس سكانها لاحقا. ولذا من المستبعد ان يكون الخوف والجبن سببا لتسليم الجولان.
ـ ولو افترضنا ان الحلفاء السوفيات هم الذين طلبوا تسليم الجولان، لقام حينذاك الف محمد حسنين هيكل ماسوني، مصري وسوري واسرائيلي وعربي وعجمي وتتري، ليفضح السوفيات، وليدعو العرب "المغفلين" لان يضربوا رؤوسهم في الحيطان ويفتحوا الف معركة مع الشيوعية ولو ظلت اسرائيل تعربد في الجولان وفلسطين الف سنة اخرى.
ـ فما هو السبب اذا لـ"تسليم" الجولان؟
ـ السبب المنطقي الوحيد للتسليم هو ان الجولان بيع بيعا. وكان اساس الصفقة حينذاك "أعطنا الجولان، وخذ سوريا!". وبالطبع انه كانت هناك "جوائز ترضية" ايضا لهذا وذاك حتى تتم الصفقة بسلاسة. ولا شك ان الاميركيين والاسرائيليين، ولضمان "حقوقهم"، قد "وثـّقوا" كل شيء "مَن قبض ماذا، كم وكيف واين!!!". وهذا هو سر تماسك الطغمة الحاكمة في سوريا، حيث ان اركان هذه الطغمة كانوا "شركاء في جريمة الخيانة العظمى" المتمثلة بتسليم الجولان، ويخشون الفضيحة.
وهذا هو في الوقت نفسه سر انصياع النظام السوري لتنفيذ كل ما يطلبه منه الاميركيون، ضمن "الاطار الوطني"، فما لا تستطيع اسرائيل تنفيذه مباشرة يطلب الى النظام السوري تنفيذه (حينما انسحبت قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت خلال اجتياح 1982، نشرت جريدة "النهار" صورة لياسر عرفات المغادر، من موقع قناص اسرائيلي. اي ان اسرائيل كان بامكانها على الاقل في تلك اللحظة التخلص نهائيا من عرفات بطلقة قناص واحدة. لكن المطلوب اميركيا حينذاك لم يكن قتل عرفات بل طرد وتشتيت قوات منظمة التحرير مع "قائدها التاريخي" ياسر عرفات، لبث اليأس في نفوس الفلسطينيين كمقدمة لتبرير اقدام عرفات على التوقيع على اتفاقيات الاستسلام على نمط اتفاقية اوسلو. ولكن بعد ان عاد عرفات الى طرابلس في شمال لبنان، تولى النظام السوري (نيابة عن اسرائيل) مطاردة عرفات وطرده مع قواته. ولكن، بدلا من الشعارات الاميركية ـ الاسرائيلية المعادية لـ"الارهاب الفلسطيني"، فإن النظام السوري، ولاجل الغاية ذاتها، استخدم ويستخدم شعارات "الصمود والتصدي"، و"الممانعة"، و"الحفاظ على المقاومة"، ومحاربة "الانحراف العرفاتي").
ـ ومثل صفقة تسليم الجولان في 1967، كانت صفقة دخول قوات النظام السوري الى لبنان في 1976، لانقاذ حزب الكتائب وكل جبهة الخونة عملاء اسرائيل من الهزيمة، والتمهيد لاحتلال اسرائيل للاراضي اللبنانية وتحويل لبنان الى محمية مشتركة "اسرائيلية ـ سورية"، ولكن على طريقة مسرحية "الابطال والحرامية". وعلى هذا الصعيد يذكر اهالي بلدة حمانا في جبل لبنان ان "المفوض السامي" السوري الاول في لبنان الراحل غازي كنعان كان يجتمع ليلا مرة ومرتين اسبوعيا مع العميل بشير الجميل في احد فنادق البلدة، حيث كانا يتعشيان معا ويقرعان كؤوس العرق اللبناني وهما يجريان احاديث طويلة لمدة ساعات. ماذا كان يجمع بشكل متواصل و"قريب" هذين الرجلين الجزارين غير الاتفاق على "توزيع الادوار"؟ حتى مجزرة صبرا وشاتيلا كان فيها توزيع ادوار، على الاقل انه بعد ان اتهم ايلي حبيقة ورجاله بالاشتراك في المجزرة، قام النظام السوري بتعويمه وطنيا وبتلقيبه "ابو علي" وتعيينه وزيرا في عدة وزارات لبنانية، وحينما صدق ايلي حبيقة نفسه بأنه اصبح "شخصية وطنية" لبنانية، واراد ان يلقي الوزر عن كاهله وان يذهب للشهادة ضد شارون في بلجيكا بخصوص دعوى مجزرة صبرا وشاتيلا، قامت المخابرات السورية مباشرة بتصفية ايلي حبيقة، او سهلت لحليفتها المخابرات الاسرائيلية تصفيته على الفور، وأغلقت الدعوى في بلجيكا. علما ان ايلي حبيقة كان في حماية مشددة من قبل المخابرات السورية على مدار الساعة، حتى لا يجرؤ احد من اقرباء ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا على الانتقام منه.
وبطبيعة الحال ان كل الصفقة السورية ـ الاميركية (والاسرائيلية ضمنا) حول لبنان هي موثقة ايضا. وهذا سبب اضافي لجعل النظام السوري لا يستطيع ان يفلت من "الابتزاز" الاميركي فيما لو اراد "التمنع" عن العهر السياسي والوطني والقومي والاخلاقي الذي قام عليه ولا وجود له بدونه.
من هنا الاستنتاج ان النظام السوري هو "ملزم"، كارها او مختارا، بالمشاركة في اغتيال الشيخ الحريري وغيره من الجرائم، ضمن الحدود والسقوف والاشكال التي تقررها مسبقا مراكز القرار الاميركية ـ الصهونية.
3 ـ لماذا اذا توافق اميركا على اخراج النظام السوري من لبنان بهذه الطريقة المهينة، طالما انه كان، وربما لا يزال ينفذ كل ما يطلب منه من قبلها؟
ـ لقد قال الجنرال ميشال عون في حينه "ان الاميركيين ادخلوا السوريين الى لبنان، وهم الذين يخرجونهم". وهذا ما جرى بالفعل. ولكن هذا لا يعني البتة ان "الاميركيين" كانوا "مع" النظام السوري واصبحوا "ضده" كليا. بل على العكس تماما، ان إخراج السوريين بهذا الشكل من لبنان كان "من ضمن اللعبة"، بهدفين: هدف اصغر هو إلقاء المسؤولية على النظام السوري وحده في اغتيال الشيخ الحريري، والتعتيم على الدور الاميركي ـ الصهيوني. وهدف اكبر ولاحق، هو تكليف النظام السوري (وهو "بعيد" او "خارجا") بمتابعة القيام بأدوار تخريبية لاحقة في الساحة اللبنانية. وفي معركة مخيم نهر البارد التي افتعلتها عصابة ما يسمى "فتح الاسلام" نرى بوضوح اصابع المخابرات السورية الى جانب المخابرات الاردنية والسعودية وغيرها، مما يعني ان "التعاون" الاميركي ـ السوري قائم على قدم وساق. وفي هذا السياق، هناك مهمة "مفترضة" كبرى ينوي الاميركيون والصهاينة تنفيذها في لبنان وهي مهمة الاطاحة برأس السيد حسن نصرالله (ومن زاوية نظر معينة، فإن اغتيال الشيخ الحريري هو "تمهيد" لتنفيذ تلك المهمة). وافضل طرف "صالح" لتنفيذ هذه المهمة هو النظام السوري. وفي هذه الحالة من "الافضل" للمخطط التآمري ان يكون النظام السوري، لدى تنفيذ هذه المهمة، "خارج" لبنان لا داخله، وذلك لاجل المزيد من التضليل، وبخاصة تضليل القواعد الشعبية لحزب الله، وتفتيت الساحة اللبنانية لا رص صفوفها ضد المؤامرة الاميركية ـ الصهيونية التي يشارك فيها النظام السوري بل يعتبر اهم اركانها.
4 ـ ولماذا اذا تعادي اميركا النظام السوري وتحتضن جماعة ما يسمى جماعة "14 اذار" الموالية لاميركا والسعودية؟
ـ مثلما لعبت اميركا في الماضي القريب على التناقضات بين نظام صدام جسين وبين ايران، وبينه وبين النظام الكويتي، من اجل ضرب وتطويع الجميع، فإنها تلعب الان على تفتيت لبنان وسوريا وعلى ضرب الكل بالكل لابتزاز الجميع وتطويعهم. ومن ضمن هذا السياق فان السياسة الاميركية ـ الصهيونية تستخدم النظام السوري ضد تيار "14 اذار" من اجل دفع مختلف اطراف هذا التيار، خصوصا "انصار السعودية" وبعض "اليساريين" المزيفين، للارتماء اكثر في احضان اميركا واسرائيل. كما ان الضغط المتواصل، ولكن ليس الى درجة الكسر، ضد النظام السوري، يهدف الى "تشغيله" اكثر في خدمة المخططات الاميركية ـ الصهيونية، من جهة، ولاخذ الوقت "الاميركي" الكافي لتطويع مختلف اطراف المعارضة السورية واحتوائها على طريقة احمد الجلبي والطالباني والبارزاني والحكيم وحميد مجيد موسى في العراق. فأميركا ليست على استعداد لاسقاط او اضعاف نظام الاسد في سوريا، بطريقة يطلع لها فيها "حزب الله سوري" يرفع الصوت، او يرفع اليد بالسلاح لتحرير الجولان المحتل. فـ"حزب الله" واحد يكفي ويزيد بالنسبة لاميركا والصهيونية العالمية واسرائيل، التي تحتار الان كيف ستتخلص من ورطة "لبنانية" مزارع شبعا التي لا تكاد تظهر على الخريطة.
XXX
نخلص مما تقدم الى ما يلي:
اولا ـ ان الصراع الاساسي في المنطقة العربية ـ الاسلامية وعليها، الذي ترتبط به كل الاحداث المحلية والاقليمية والعالمية الكبرى، في المرحلة التاريخية الراهنة، هو الصراع بين الكتل المالية العالمية ومنها الكتلة المالية العربية ـ الاسلامية، التي كان الشيخ (السعودي، اللبناني الاصل) رفيق الحريري احد ابرز ممثليها.
ثانيا ـ ان المستوى المرتفع للتحدي، السياسي والاقتصادي والامني والعسكري، الموجه الى المملكة السعودية، يؤكد ان قرار التصفية الجسدية للشيخ رفيق الحريري، هو قرار اميركي ـ صهيوني بامتياز.
ثالثا ـ ان النظام الدكتاتوري السوري ليس نظاما وطنيا مستقلا، بل هو نظام "متعاون" سريا مع اميركا و"مهادن" فعلي لاسرائيل، وبهذه الصفات الاساسية فهو لا يمكن الا ان يكون مشاركا في ارتكاب هذه الجريمة.
رابعا ـ ان النظام السوري لا يمتلك المستوى "العلمي"، العسكري والفني الرفيع، التنظيمي والتكنولوجي والمخابراتي في عملية تنفيذ الجريمة، وفي عملية التضليل البوليسي والكاموفلاج الاعلامي التي اعقبتها، وهذا ما "يبرؤه" من امكانية ارتكاب الجريمة. ولكن هذا المستوى نفسه ينبئ بوجود تنسيق شامل وعالي المستوى، اميركي ـ اسرائيلي ـ سوري، في عملية التنفيذ.
خامسا ـ ان هذه العملية الاجرامية الكبرى ليست بداية ولا نهاية المطاف، بل هي حلقة في سلسلة الجرائم الاميركية ـ الصهيونية.
سادسا ـ ان الحاجة الاميركية الى "خدمات" النظام الدكتاتوري السوري لم تنته، والا لما سمح له بالخروج سليما معافى من الفخ اللبناني. والنظام الذي سلم الجولان لاسرائيل، ووضع سوريا الابية ولا يزال تحت جزمة الدكتاتورية كل هذا الوقت، ودخل لبنان لحماية عملاء اسرائيل ولتمزيق الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، والذي ارتكب او شارك في ارتكاب سلسلة الاغتيالات في لبنان وآخرها اغتيال الحريري، لا يزال لديه الكثير ليقدمه لاميركا، وهو احدى اهم ادواتها.
سابعا ـ ان ما يسمى المحكمة الدولية هي، من جهة، اداة مثلى ليس لادانة، بل على العكس لتبرئة النظام الدكتاتوري السوري من جريمة اغتيال الشيخ رفيق الحريري وغيرها من الجرائم؛ وهي، من جهة ثانية، اداة مثلى للمساومة بين هذا النظام وبين اميركا لتقديم "خدمات" جديدة. والآتي اعظم.
Х-;-Х-;-Х-;-
بضع كلمات اخيرة نسوقها لسياسيين "يساريين" مرتدين، مثل كريم مروة والياس عطالله، من الذين يعتقدون انهم يمكنهم بسهولة ان يضحكوا على عقول الناس، بعد ان خانوا مواقعهم التاريخية السابقة:
ـ ان الشيخ رفيق الحريري كان تحت عيون المراقبة الدقيقة ثانية بثانية على مدار الـ24 ساعة.
ـ وان جميع الاجواء والحدود والطرقات الداخلية والموانئ اللبنانية كانت ولا تزال كلها تحت المراقبة الجوية والفضائية الدائمة، الاميركية ـ الاسرائيلية، ناهيك عن عمل اجهزة المخابرات التقليدية.
ـ اننا قد نصدق ان سويسرا وكولومبيا والفيليبين وتركمانستان لم تكن تستطيع ان تعلم فورا من قتل الحريري.
ـ ولكننا لا نصدق البتة ان اميركا واسرائيل والمملكة السعودية وسوريا لم تكن تعلم بمخطط، ومن ثم بتفاصيل عملية اغتيال الشيخ الحريري.
ـ لا شك ان اميركا (واسرائيل!)، مثلهما مثل المملكة السعودية والنظام الدكتاتوري السوري، تخفيان المعلومات الملموسة التي تعرفانها، عن الرأي العام اللبناني والعربي والدولي، وعن التحقيق ذاته، في جريمة اغتيال الشيخ رفيق الحريري؟؟!
قديما قيل: "الساكت عن الحق شيطان اخرس!"
واميركا واسرائيل، اللتين تحاولان تضليل العالم بأسره، عبر حصر التهمة بسوريا فقط، او بحزب الله، هما شيطان حقيقي، بل شيطان اكبر، ولكنه ليس اخرس(!!)؛
ـ فلماذا اذا يسكت الشيطان الاميركي ـ الصهيوني؟؟
ـ ولماذا يسكت "اليساريون" المرتدون، عن هذا الشيطان، بل ويتحالفون معه من اجل "الحقيقة"، والاسوأ: من اجل "حرية وسيادة واستقلال" لبنان؟؟
Х-;-Х-;-Х-;-
ان معركة "كسر العظم" التي شنها المعسكر الاميركي ـ الاسرائيلي ـ السعودي ـ التركي وجيشه الاسلامي! العالمي، ضد النظام السوري، وفشل مخطط اسقاطه، كما أسقط صدام حسين ومبارك والقذافي، يجعل النظام السوري الان اكثر صلابة، واكثر قدرة على مواجهة الضغوط التي يمارسها المعسكر الاميركي وحلفاؤه، واكثر بعدا عن مسايرة السياسة الاميركية و"التعاون" معها كما في السابق.
ولكن بلا شك ان اميركا واسرائيل والسعودية وحلفائها واذنابها، في لبنان وغير لبنان، لن يرضوا بالهزيمة بسهولة. وهذا ما تؤكده التفجيرات الانتحارية "الاسلامية!" في العراق ولبنان.
وهنا يبرز السؤال الكبير: هل ستبدأ حرب اعلامية مفتوحة بين المعسكر الاميركي ـ السعودي وبين النظام السوري، تتطور الى عملية فضح متبادل وكشف لجميع الاوراق، بما في ذلك كشف اسرار اغتيال رفيق الحريري؟
وحينذاك ستسود وجوه جميع عملاء وحلفاء و"اصدقاء" اميركا في لبنان وجميع البلدان العربية، حينما يكتشفون انه ـ سواء بمشاركة النظام السوري او بدونها ـ فإن جريمة اغتيال الشيخ رفيق الحريري، كجريمة اغتيال جون كينيدي في 1963 وجريمة اغتيال الملك فيصل في 1975، ما هي سوى نتيجة منطقية لـ"الخلافات العائلية" ضمن "البيت الاميركي ـ السعودي" الواحد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من هو -العدو غير المرئي- لاميركا؟
- نظرة عربية مسيحية شرقية في موضوعة صدام الحضارات لهنتنغتون
- المأزق التاريخي ل-منطق- الهيمنة الامبريالية الاميركية
- لمحة تاريخية مكثفة عن العلاقات الثقافية البلغارية اللبنانية ...
- الجيش الاميركي حول افغانستان الى -مملكة سعودية- للخشخاش واله ...
- الغطاء الديني للصوصية الاستعمارية
- الحرب السورية: بداية النهاية!
- بعض بنود -لائحة الشرف- للدمقراطية الاميركية المزعومة!
- سقوط أسطورة القطب الاميركي الاوحد
- -الصليبية- الاميركية على قارعة السقوط التاريخي!
- ضجة كيماوية هستيرية مفتعلة لاجل فصل المناطق الكردية عن سوريا
- المهمة الوطنية والدمقراطية الاولى في سوريا: السحق التام للغز ...
- الجيش -الاسلامي!!!- العالمي يجند المضللين البلقانيين للقتال ...
- ما خربته السياسة الغربية تصلحه المسيحية الشرقية
- اليوم سوريا وغدا روسيا!
- الحتمية التاريخية لانتصار النظام العبودي لروما
- انتصار روما على قرطاجة: انتصار للنظام العبودي -الغربي- على ا ...
- ظهور المسيحية الشرقية كظاهرة نضالية ضد الاستعمار والاستغلال ...
- معركة سوريا تتجه نحو الحسم في اتجاه واحد: تحطيم المؤامرة وسح ...
- قبل ان يرتفع العلم التركي فوق قلعة حلب...


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - النظام السوري ومسرحية المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري