أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - مازن كم الماز - ثورة ذوي السراويل الطويلة















المزيد.....

ثورة ذوي السراويل الطويلة


مازن كم الماز

الحوار المتمدن-العدد: 4177 - 2013 / 8 / 7 - 09:11
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


لم تكن الثورة السورية ثورة بيضاء , بل كانت دموية بامتياز , ربما بنفس درجة سابقتها , الثورة الفرنسية .. دفع هذا بالكثيرين ممن يدعون تأييد أفكار و شعارات كتلك التي رفعتها الثورة السورية في الحرية و وقف استباحة المجتمع لصالح سلطة ما إلى التذمر من تحولاتها تلك أو "أخطائها" .. حدث هذا من قبل في أوروبا أواخر القرن الثامن عشر : كثيرون ممن رحبوا بالثورة الأمريكية اتخذوا موقفا مغايرا من الثورة الفرنسية , إما أنهم انتقدوا دمويتها أو وقفوا ضدها .. يمكن طبعا الاستطراد طويلا عن مبررات تطور الثورة السورية نحو هذا المسار الدموي : النظام نفسه , الأكثر وحشية و دموية حتى من نظام لويس السادس عشر , و خصوصيات الوضع السوري الداخلي و طبيعة حلفائه و أعدائه الإقليميين الخ .. لا شك في أن كل تلك العوامل كانت مؤثرة بالفعل في دفع الثورتين السورية والفرنسية نحو مسار أكثر دموية من مثيلاتها , لكن هناك أيضا عاملا آخر , لا يقل أهمية ربما , هو الدور الفاعل في كلتا الثورتين لمن كانوا يسمون في فرنسا 1789 بذوي السراويل الطويلة , البروليتاريا الباريسية الفقيرة , و نظرائهم المهمشين السوريين .. على غرار الثورة السورية , لم تكن الثورة الفرنسية ثورة "واحدة" , بل كانت ثورات .. التقت في المعسكر الثوري قوى اجتماعية مختلفة بل متناقضة في كثير من الأحيان , كان هناك ذوي السراويل الطويلة , الفقراء , الثوريون "المتطرفون" , و ذوي السروايل القصيرة , الحريرية : البرجوازيون , الثوريون "المعتدلون" .. بينما دعا الأولون إلى موقف أكثر حزما من "النظام القديم" , و إلى شكل أقل نخبوية و أكثر شعبية من الديمقراطية , و رفعوا مطلب العدالة الاجتماعية , و طالبوا بأسعار منخفضة و ثابتة للمواد الغذائية و بفرض ضرائب ضخمة على البرجوازيين , دعا الأخيرون إلى ديمقراطية تمثيلية تضع السلطة في أيديهم "نيابة" عن الشعب و إلى سوق "حرة" من أية قيود ... يتهم مؤرخو الثورة الفرنسية ذوي السراويل الطويلة بأنهم كانوا وراء كل المجازر و المشاهد الدموية في تلك الثورة , خاصة مشاهد قطع رؤوس الأرستقراطيين و رجال الكنيسة و عرضها علنا في الميادين .. صحيح أن ذوي السراويل الطويلة تعاطفوا مع القمع الذي مارسه اليعاقبة , روبسبير و سانت جوست , ضد الملكيين و الجيرونديين أنصار المساومات مع النظام القديم و أعداء أي تغيير جذري في العلاقات السياسية و الاجتماعية السائدة , لكن ذوي السراويل الطويلة لم يدعموا اليعاقبة بالمطلق بل كانوا يعارضونهم في الواقع , يعارضون ترددهم أو رفضهم لتطبيق سياسة اجتماعية تقوم على العدالة و عارضوا أيضا محاولة اليعاقبة فرض دين جديد مؤسساتي مكان الكنيسة الكاثوليكية , عبادة الكائن الأسمى كما سماه روبسبير .. لم تكن مؤسسات السلطة الجديدة , كلجنة السلامة العامة اليعقوبية هي التي تعتمد على دعم ذوي السروايل الطويلة , بل كومونة باريس التي أصبحت معقلا للقوى التي كانت على يسار اليعاقبة , خاصة مجموعة الغاضبين , و كذلك أنصار جاك هربرت الأكثر "اعتدالا" .. و خلافا لمحاولة المؤرخين البرجوازيين وصف القمع الذي مارسه اليعاقبة بأنه كان عنفا ثوريا و أنه كان موجها في الأساس ضد خصومهم اليمينيين من ملكيين و جيرونديين , فإن ما جرى في الواقع هو أن اليعاقبة قد مارسوا القمع بنفس الحماسة و الشراسة ضد القوى الواقعة على يسارهم و التي كانت أقرب إلى ذوي السراويل الطويلة , و ضد ذوي السراويل الطويلة بالذات .. انتحر جاك رو زعيم الغاضبين بينما كان ينتظر محاكمته التي كان من المنتظر أن تنتهي بإعدامه على مقصلة روبسبير , و حتى جاك هربرت و غيره من قادة التيار الثوري الأكثر "اعتدالا" من ذوي السراويل الطويلة قضوا على مقصلة روبسبير نفسها .. كان قمع اليعاقبة قمعا مؤسساتيا , ممنهجا , دولتيا , و كان رمزه سلطويا بامتياز : المقصلة ( التي ستحرقها كومونة باريس في ثورتها عام 1871 ) , على العكس من مجازر ذوي السراويل الطويلة , الطقسية و العفوية , و التي كان الشارع مسرحها و رمزها الرئيسي .. أقضت تلك المجازر مضاجع الجميع , و أثارت مخيلتهم في ذم وحشية ذوي السراويل الطويلة , كما في كل مرة يقتل فيها البشر بعضهم البعض , ليس بأمر من نخبة أو سلطة ما , و ليس في سبيل قضية "سامية" ما , كما في معظم حروب و مجازر البشرية طوال آلاف السنوات المنصرمة .. بالعودة إلى الثورة السورية , لا شك أن للنظام السوري النصيب الأكبر في دفع هذه الثورة إلى أن تصبح ثورة مسلحة ثم صراعا أشبه بحكايات كافكا الغرائبية السوداء والعبثية , لكن الدور الرئيسي لذوي السراويل الطويلة السوريين في هذه الثورة كان أيضا عاملا مساعدا إن لم يكن رئيسيا في هذا التحول ... كما أن الثورة الفرنسية لم تكن تحققا لنبوءات فلاسفة التنوير , بل أقرب إلى خيالات الماركيز دي ساد عن طقوس عنف منفلتة , كتلك التي وصفها في كتابه 120 يوما في سودوم , فإن الثورة السورية لم تكن تجسيدا لأي من إيديولوجيات القوى السلطوية التي تنتمي إلى الماضي , على العكس تماما .. ليس فقط أن الثورة السورية ليست ثورة "إسلامية" , بمعنى أنه لم يكن لرجال الدين أي دور حقيقي في إطلاقها أو استمرارها , بل أكثر بكثير من ذلك , أنها ليست ثورة نخبوية , لقد كانت في تيارها الأكثر فاعلية ثورة شعبية , ثورة ذوي السراويل الطويلة .. و لهذا تحاول القوى "الثورية" السلطوية لجم تلك القوى التي انفلتت من قمقمها في آذار مارس 2011 بأساليب مختلفة , بمحاولة تأطيرها أو تكميمها بإيديولوجيا نخبوية أو بآليات سيطرة نخبوية كصناديق الاقتراع , تحاول النخب أن تكرس فكرة أن هدف ذوي السراويل الطويلة السوريين من صراعهم المرير مع مضطهديهم الحاليين هو إنتاج السلطة التي سيخضعون لها وفقا للطريقة البرجوازية التقليدية : التنافس الحر بين النخب على السيطرة على مؤسسات القمع المرتبطة بالدولة , و بالتالي السيطرة على المجتمع .. تكمل محاولات النخبة هذه عملية التبقرط الواسعة التي تجري بتسارع بين قادة الثائرين السوريين , الذين يتحولون بسرعة اجتماعيا و إيديولوجيا إلى جزء من النخبة , و على التوازي معها عملية قلب الدين الشعبي الثوري ضد سلطة غاشمة استعملت قناعا و شعارات "علمانية" لإخفاء أو تجميل استبدادها إلى دين مؤدلج دوغمائي كهنوتي , سلطوي ..



#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- و رحل نبي التمرد
- محاولة لإعادة تعريف القاعدة
- السوريون : آخر قرابين التاريخ
- 2050
- نحو بديل ثوري تحرري
- ليون تروتسكي للشيوعي المجالسي باول ماتيك - 1940
- أدب المقاومة : الشاعر و الروائي السوريالي الروسي دانييل خارم ...
- نحو جاهلية جديدة
- فانتازيا ثورية : كافكا في دمشق
- محاولة لتحليل شخصية محمد
- مي زيادة و جبران خليل جبران
- مسكين أنت أيها العبد !!!
- ماذا بقي من الحلم السوري ؟
- كيف تنظر الطبقة السياسية و المثقفة للشباب الثائر
- أخلاق -حرة- ؟ -حب حر- ؟
- القصاص أو الفوضى
- تجربة شخصية مع الله و الرغبة
- الصعاليك , الثوار العرب الأوائل
- نحو دادائية عربية
- ذكريات إدلبية


المزيد.....




- إبعاد متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين من حفل تخرج جامعة ميشيغان ...
- لقاء مع عدد من الناشطات والناشطين العماليين في العراق بمناسب ...
- صادق خان يفوز بولاية ثالثة لرئاسة بلدية لندن.. ويعزز انتصار ...
- الختان، قضية نسوية!
- جرائم الشرف، كوسيلة للإدامة بالأنظمة الإسلامية القومية في ال ...
- الرئيس السوري يؤكد أهمية المحاسبة داخل حزب البعث العربي الاش ...
- التصور المادي للإبداع في الادب والفن
- حوار مع العاملة زينب كامل
- شاهد كيف رد السيناتور بيرني ساندرز على انتقاد نتنياهو لمظاهر ...
- وثائق: تأييد عبد الناصر لفلسطينيي غزة أزعج بريطانيا أكثر من ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - مازن كم الماز - ثورة ذوي السراويل الطويلة