أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميساء البشيتي - بتوقيت الغربة














المزيد.....

بتوقيت الغربة


ميساء البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 4154 - 2013 / 7 / 15 - 19:08
المحور: الادب والفن
    


بتوقيت الغربة
الوقت .. علاقتي بالوقت بدأت منذ زمن بعيد .. كنت أراقبه بعيون صغيرة من ساعة خُلعت على حائط يحمل اسمها .. كان معصمي فارغاً من علامات الوقت .. إلى أن تفتحت براعم الياسمين في معصمي .. فطرقت بأنامل الصبا الخجولة أبوابه أسأله عن الوقت .
أهداني الوقت ساعة جميلة زينت فيها معصمي وارتبطت به .. وضع بصمته على معصمي فأصبحنا توأمين .. لا نفترق .. إلا للحظات الوضوء من أجل الصلاة .. فوقتي لم يكن ضد الماء ! .. لذلك كان يترجل عن معصمي .. ويجلس إلى جانبي بكل وقار .. حتى أفرغ من وضوئي وأحتضنه .. أعود إليه وتسري الدماء من جديد في روحينا .. وفي معصم ينبض من قلبين ..
الوقت كان ظلي الذي لا يسبقني ولا أسبقه .. لا أخطو خطوة إلى الأمام أو إلى الوراء إلا وهو يخطوها معي .. لا أتنفس عبير هذه الحياة إلا وهو يتنفسها معي .. نستقبل معاً النهار والصيف والأفراح .. ونودع معاً المساء والخريف وليالي الشتاء الباردة وساعات الفراق الحزينة ..
كنت في أروقة الزمن الجميل أدور معه وبرفقته .. أنتظر أحبتي في أزقته .. وينتظرونني هم على قهوة الصباح .. وعلى حديث المساء .. وكانوا أحياناً في بعض الصباحات الفريدة يضرمون المواعيد على موائد الصباح فكانت " مناقيش الزعتر " تدور بين الأيادي .. هيَّ في كف .. وكأس الشاي في كفٍ آخر.. والوقت يدور بيننا في تناغم وانسجام ولهفة مشتاق ..
كان يفرح لفرحنا .. بل كان يسبقني للفرح .. وينتظرني معهم لنكون معاً .. وحين ينتابني بعض الكسل كان يثور عليَّ .. وينتفض بعصبية .. وينتظرني عند حافة الدرج ..
الوقت كان مثلي قد أدمن قهوة الصباح في ذلك البيت العتيق .. وأدمن موائد الصباح .. وضحكات الصباح .. وغمزات الصباح .. حتى أنه كان يسبقني إلى هناك .. ويسجل حضوري ويكتب مواعيدي إلى هناك .. ليؤكد لهم أنني دائماً كنت حاضرة وعلى الوقت .
الوقت تغير .. أو ربما أنا تغيرت .. بدأت أشعر أن الوقت يخنقني .. وأن أصابع الوقت تطبق على معصمي .. تذرعت مرات ومرات بأن معصمي قد كبر وقد هرم ولم يعد يحتمل عنف الوقت .. بل أنه لم يعد يجيد قراءة رسائل الوقت دون الاستعانة بصديق من خارج دائرة الوقت .. بدأت أتذرع بحجج واهية أن الوقت ليس هو.. وأنه تخلف عن الركب .. وأنه أصبح يتثاءب في ساعات الضحى .. ويسهر حتى آذان الفجر ..
وأخذت أتربص به لأضبطه وهو يتسلل إلى أماكن لم تكن في جدول مواعيدنا .. وأكثر من مرة ضبطته متلبساً يرتشف القهوة وحده من دوني .. ومرة كان أكثر جرأة فيها من كل مرة فقد أعدَّ مائدة الإفطار له وحده .. دون أن يدعوني ..
الوقت تمرد عليَّ وأصبحت له حياته الخاصة .. وما عاد يجدي أن أصطحبه معي في مواعيد قهوة الصباح ولا على موائد الصباح حيث كانت تدور " مناقيش الزعتر " وكؤوس الشاي .. ما عاد الوقت يتقن فن انتظار الصباح والنهار والصيف والفرح .. وما عاد يتقن أيضاً وداع لحظات المساء وليالي الشتاء وخريف العمر ..
الوقت أصبح منشغلاً في نفسه .. أصبحت له ذاكرة مستقلة عني .. وربما لو فتشت في دفاتره لوجدت لديه مواعيدَ أضرمت في آخر بقاع الأرض .. خطاه أصبحت تسير عكس خطاي .. وأصبح يغلق نوافذه في عزَّ الصباح .. وعزَّ الشروق .. ولا يرحب كثيراً بساعات النهار .. وأصبح ينزوي على نفسه .. في ركن قصي .. يكتب مذكراته على أوراق من الصبر والشوك .. ولم يترك لي إلا بعضاً من العناوين التي لم أفهم منها سوى أنه أصبح متمرداً ..
وأصبح خارج معصمي ..
وأصبح معصمي فارغاً من علامات الوقت ..
حياتي لم تعد تزينها ساعة الوقت .. كتبي .. دفاتر مذكراتي .. لوحات الحائط .. وتلك النبتة المسكينة التي عاشت عمرها بيني وبينه .. كنت أشكل لها جدائلها بشرائط الوقت الحريرية .. ماذا تريد نبتة مثلها من الوقت وشرائط الوقت .. ماذا تحتاج هي من كل الوقت .. ومع ذلك لم أعفها .. وكان الوقت يتبختر على جدائلها وعلى أنفاسها .. يطول معها .. ويمتد معها .. ويتسلق تلك الجدران ..
اليوم النبتة شبه ذابلة .. وساعة الوقت لم تعد تدرك معنى الوقت ولا وقته .. الوقت شارد .. يسير بخطى تائهة أوسع من خطى الضياع .. يوغل ويوغل في مساحات أكبر من الغربة والضياع .. يوغل في غربة أكبر .. ويرسل إليًّ مواعيد جديدة من هناك .. ولكن بتوقيت الغربة ..



#ميساء_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلسلة حافية القدمين والبحر جزء 10
- وتعطلت لغة الكلام
- رواية
- الصامت إلى حين !
- سلسلة حافية القدمين والبحر جزء 9
- أوراق تنعي أصحابها .
- مطري أنت
- مطرٌّ أسود
- مجهول .. في عالم مجنون !
- صفحات غير مشوشة
- هنا القدس
- نيسان .. ارحل .
- إلى نيسان
- محطات
- همسات نورانية جزء 11
- كنتَ حلماً
- الحقيبة الحمراء
- سلسلة جاهلية جزء1
- -لما عالباب منتودع -
- أيام عَ البال


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميساء البشيتي - بتوقيت الغربة