أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميساء البشيتي - صفحات غير مشوشة














المزيد.....

صفحات غير مشوشة


ميساء البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 4100 - 2013 / 5 / 22 - 15:32
المحور: الادب والفن
    



تغيظني هذه الأوراق المستلقية ببرود على كتف الهدوء .. يغيظني هذا الهدوء الحميميُّ الذي يلفُ خاصرتها بأنامل من حرير .. ويطوقها كوشاح ربيعي .. بينما يغلي المداد داخل جوفي ويستعر .
تغيظني هذه الأوراق وهيَّ غارقة في هدوئها .. يغيظني برودها وهيَّ لا تشتعل لحرائقي .. ولا تذوب من حولي كقطع الجمر .
تغيظني هذه السطور حين لا تنتفض لقدومي وتبقى كعروس تتثاءب بكسل صيفيٍّ على هذا البياض .. بينما تقفز الأفكار في رأسي وتتصارع .. فلا تعرف لها مستقراً .. ولا يكترث منها سطر .
يغيظني هذا البياض الفاحش الذي يتحدى بنصاعته جميع ألوان التشويش والتضارب في فكري .. ويتحدى بهدوئه كلَّ التناقضات التي تتنامى من حولي كأشجار العليق والصبر .
يغيظني هذا الصمت الملوكيُّ الذي يتربع على عرش الأمان بينما تتنازعني زوابع التفكير وعواصف التغيير ورياح التهميش التي تتراقص أجسادها الشيطانية وتندفع من حولي كألسنة اللهب .
ورق .. رزمة جامدة من الورق مستلقية على كتف الهدوء تغيظني .. وأنا كتلة متقدة .. جسدٌ حيٌّ .. دم متدفق .. مشاعر جياشة تسكنها روح شفافة ترفرف في صباحات الفرح كفراشات ملونة تحط على أزهار الربيع وجدائل الياسمين وعناقيد العنب .
روح تحلق مع نسائم الصباح الهاربة من سماء الشتات والمنافي نحو آفاق الحرية التي حلمت .. فتسافر وراءها .. تركب أعالي البحار .. تغوص في أعماق المحيطات .. تفتش عنها في رئات الحيتان و تنتزعها من براثن أسماك القرش .
فلماذا تغيظني أنا رزمة ورق ؟
لماذا يغيظني هذا الهدوء الذي تنعم به وتنام مستلقية على جنباته .. بينما أتقلب أنا على فراش من الجمر والحيرة والقلق ؟
لماذا هي بيضاء .. ناصعة البياض .. بينما الألوان في داخلي يطغى عليها لون واحد .. لون كئيب .. لون داكن .. فأرى كل شيء من حولي داكن اللون .. أزهار البنفسج الناعسة داكنة اللون .. السماء الزرقاء الصافية داكنة اللون .. نفوس البشر الجميلة داكنة اللون .. جدائل الياسمين المشرقة داكنة اللون .. همسات العاشقين الدافئة داكنة اللون .. حديث الأزواج المتدفق حيوية داكن اللون .. وعود الآباء الصادقة داكنة اللون .. آفاق الأبناء الواسعة المتسعة داكنة اللون .. الحياة .. هذه الحياة التي نعشقها ونتفانى في عشقها .. داكنة اللون .. أنفاسها داكنة .. خطواتها .. أرصفتها .. وقع أقدامنا عليها .. بداياتها .. نهاياتها .. داكنة اللون .. ولا يمكن تفسيرها .. لا يمكن تتبعها .. ندور معها لكن حول أنفسنا .. لا نبرحها خطوة واحدة .. لا ننطلق منها قيد أنملة .. ولكننا نلهث ونلهث ونلهث كأننا قطعناها ألف مرة ومرة !.
ثم ينتهي بنا الحال إلى ذات اللعبة .. لعبة النوافذ محكمة الإغلاق .. نغلق نافذة داكنة صغيرة ودون أن نشعر نشرع بفتح أخرى أكبر وأكبر .. ظناً منا أننا نرى الطبيعة من خلالها أكثر زهاء .. أكثر خضرة .. أكثر خيراً وأجمل وأنقى .
ما الذي يغيظني في هذه الأوراق البيضاء المستلقية بهدوء .. بينما المداد يغلي بداخلي ويكاد ينفجر ..
لماذا يخافها هذا المداد ويخشى منها أن يقترب .. لماذا يخشاها المداد .. لماذا لا يصبُ جام غضبه عليها وينتحر ؟
لماذا يخاف أن يحرقها بألسنة اللهب المندلعة من جوفه .. لماذا يخاف أن يشوه ملامحها البيضاء النقية .. لماذا يخاف أن يغير خريطة جسدها المسكوبة بعناية التماثيل والتحف ؟
ما الذي يخشاه المداد .. ما الذي يخافه .. ما الذي يمنعه أن يندلق فوق هذا الورق ؟
لماذا يريدها صفحات بيضاء غير مشوشة .. لماذا يريد أن يبقيها بيضاء غير مشوشة ؟
هل ما زال يحتفظ بولعه القديم لهذا الورق ؟
هل أراد أن يبقيها نقية .. بيضاء .. مستلقية كقطة سيامية على كتف الهدوء والأمان دون أن يتسلل إليها مداده المشوش .. فتصبح مشوشة .. مضطربة .. نوتاتها غير متناغمة .. ونغماتها غير متناسقة .. كأفكاره المضطربة التي فقدت تناغمها وتناسقها منذ زمن بعيد .. فأصبحت كهبات الريح في فصل الربيع .. تثير الزوابع لكنها لا تثير أحداً .. لا تهزُّ أحداً .. لا يقرؤها أحد .. ولايبحث في تفسير وجهتها أحد .
ألهذا يريدها صفحات بيضاء .. صفحات غير مشوشة .. ألهذا يحترق المداد ولا يقترب .. ليبقها صفحات بيضاء .. صفحات غير مشوشة ؟!



#ميساء_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هنا القدس
- نيسان .. ارحل .
- إلى نيسان
- محطات
- همسات نورانية جزء 11
- كنتَ حلماً
- الحقيبة الحمراء
- سلسلة جاهلية جزء1
- -لما عالباب منتودع -
- أيام عَ البال
- رسالة لم تكتمل
- الأماكن
- سلسلة حافية القدمين والبحر .. جزء 8 .
- البنفسج حزين .
- أسئلة مشروعة
- ... فاخلعيني .
- ورق
- أنتَ العيد
- حدائق اللوز
- أيها البدويُّ المتعب .


المزيد.....




- الأدب الروسي يحضر بمعرض الكتاب في تونس
- الفنانة يسرا: فرحانة إني عملت -شقو- ودوري مليان شر (فيديو)
- حوار قديم مع الراحل صلاح السعدني يكشف عن حبه لرئيس مصري ساب ...
- تجربة الروائي الراحل إلياس فركوح.. السرد والسيرة والانعتاق م ...
- قصة علم النَّحو.. نشأته وأعلامه ومدارسه وتطوّره
- قريبه يكشف.. كيف دخل صلاح السعدني عالم التمثيل؟
- بالأرقام.. 4 أفلام مصرية تنافس من حيث الإيرادات في موسم عيد ...
- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميساء البشيتي - صفحات غير مشوشة