أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم ازروال - معاصر السكر بسوس في عصر المنصور الذهبي . قراءة في (أخبار أحمد المنصور)















المزيد.....


معاصر السكر بسوس في عصر المنصور الذهبي . قراءة في (أخبار أحمد المنصور)


ابراهيم ازروال

الحوار المتمدن-العدد: 4148 - 2013 / 7 / 9 - 18:56
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



1-في ضرورة تنويع المادة المصدرية :

توفر المصادر والمظان الإيبيرية والأوروبية عموما،معلومات وإفادات تاريخية هامة عن التاريخ الاجتماعي والاقتصادي لمغرب القرن السادس عشر،بحكم انطوائها على واقعات أو أحداث أو أحكام ،معضدة أو منافية أو مخالفة ، قليلا أو كثيرا ، لنسيج الواقعات الوارد في الأسطوغرافيا المغربية . لا مناص إذن من استثمارها،بالأوجه النقدية والاستشكالية المطلوبة في المعالجة التاريخية النقدية الحديثة،والتأمل في محمولاتها وتوظيفها توظيفا سياقيا ملائما،في أي استقصاء تاريخي حديث وحداثي لتحولات المجتمع المغربي منذ القرن الخامس عشر.
من الضروري التركيز كذلك ،على الاستعمال النقدي ،لهذه المصادر،بالنظر إلى النقدية المباطنة لأي كتابة تاريخية ،مبدئيا ،و إلى الحدود التاريخية والمقصديات الأيديولوجية،السارية في نسيج تلك المصادر والمظان والموجهة لبرنامجها الدلالي بالذات،كأي كتابة واعية بقصدها الآني واستشرافاتها الفكرانية.
يقدم كتاب (أخبار أحمد المنصور الذهبي ) لانطونيو دي صالدانيا ،مسارات متشعبة ،لفترة المنصور الذهبي .وبما أنه ،عايش الأحداث والأشخاص واحتك بها عن قرب أحيانا ،وعاين من موقع النبيل المسيحي البرتغالي المأسور وقائع ومشاهد ذلك الإبان،فإنه جمع معلومات وقدم إفادات وتقويمات ونظرات للأشخاص وللحوادث وللسياقات الثقافية الحافة بها ،لا يمكن كتابة التاريخ الاجتماعي أو الاقتصادي للفترة المنصورية والزيدانية دون استثمارها والاشتغال النقدي والمقارن عليها.

2-الكتابة الأيبيرية :
المنظور والإفادة التاريخية:
تغني الكتابة الإسطوغرافية الأيبيرية ، الكتابة الإسطوغرافية المغربية ، في هذا المقام ،وتهبها الكثير من المعطيات والمؤشرات والمعلومات المتعلقة بالتجارة والاقتصاد وبنيات الإنتاج والتوزيع والتسويق بالمغرب في العصر السعدي، عموما ، وفي العصر المنصوري ، خصوصا.
لقد قدم دي صالدانيا ،في معرض استعراضه لمسار أحمد المنصور الذهبي ، إفادات هامة ، عن معاصر ومطاحن السكر بسوس ،في النصف الثاني من القرن السادس عشر. وحيث إنه يركز على المادة التاريخية ،فإنه يورد معلومات دقيقة ،نادرا ما تلتفت إليها الإسطوغرافيا ذات المنزع الأسلوبي أو الاهتيامات البلاغية والأدبية أو الميولات التقريظية-الفكرانية البارزة.
يقول عبد العزيز الفشتالي في معرض استعراض فرادة المنجز المنصوري بضواحي تارودانت ، ما يلي :
(...إلى معاصر السكر الجاثمة حواليها جثوم أهرام مصر يتقاصر عن تشييدها أولو القوة من عاد وثمود الذين جابوا الصخر بالوادي ما شئت من توطيد وتشييد وبرك مستبحرة وجفان كالجواب وقدور راسيات وحركات هندسية ولوالب فلسفية ومقاييس حسبة وانهار تتسنم لإجراء أرخيتها العظيمة الأخشاب ذرى الأسوار الممتدة الأعراف إلى عنان السماء بتدبير وفلسفة تحار فيها حكماء يونان وجنان سليمان لا يطير تحت جناحها البلد الجديد من فاس الذي هو عند بني مرين مشيد به (...) ولا قصبة مراكش التي هي عند الموحدين ومن قبل الإعجاز بل إذا ذكرت المحمدية لف كل منهما رأسه استحياء...)
(-عبد العزيز الفشتالي –مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفا-دراسة وتحقيق : عبد الكريم كريم –مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والثقافة –ص.254)
يهتم دي صالدانيا بالإخبار والإعلام بالواقعات لا بالحجاج والتقريظ والمفاضلة كما هو معتاد في بعض تيارات الإسطوغرافيا التراثية ؛فهو معني،أساسا،بتعيين الواقعة وعرضها وربطها ،أحيانا بسياقها الحدثي،وبمستتبعاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. كما ينطلق أحيانا من بعض الوقائع ،للحكم ،إيجابا أو سلبا ،على الذهنية العامة وعلى السيكولوجيا الجماعية،استناد إلى موشوره الفكري الخاص(موقفه من الأعراب مثلا) .


3-التأهيل التقني للمعاصر السكرية :
لقد توافر المجال السوسي آنذاك ،على المؤهلات الايكولوجية الضرورية ،لتجويد المنتوج القصبي ،وتحريك عربات المعاصر السكرية،وإنتاج سكر تنافسي مطلوب في الأسواق العالمية. ومن البديهي ،أن تقود الاستعانة بالمهارات التقنية الأجنبية وتحسين المعدات التقنية المعتمدة في المغارس والمعاصر وأساليب إدارة العمل الجماعي،إلى تكثير و تحسين المنتوج السكري،وضمان جودته وتميزه بالقياس المنتوج السكري المنافس على الساحة الدولية.
(وشرع الشريف يقيم في مملكة سوس كلها العديد من معاصر السكر ،لأن كثرة الماء في الجبل تجعل القصب في حجم وجودة لا مثيل لهما في أي بقعة أخرى من الدنيا . وقد كان له عند وفاته ثمان عشرة معصرة من ذلك ، يشتغل في كل واحدة منها ما لا يقل عن ألفي عامل ينقلون الحطب اللازم على أزيد من مائتي عربة .)
(أنطونيو دي صالدانيا - أخبار أحمد المنصور –سلطان المغرب – تقديم وترجمة وتحقيق : إبراهيم بوطالب – عثمان المنصوري –لطفي بوشنتوف – 2011-الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر -2011–ص.76-77)
من المؤكد أن السياسة الإنتاجية الجديدة المعتمدة في عهد المنصور،ساعدت على تحسين المنتوج وتطوير التقنيات المعتمدة في عصر محمد الشيخ وعبد الله الغالب ومحمد المتوكل وعبد الملك المعتصم ،كما ونوعا،وعلى دعم مواقع المغرب ،في التجارة والدبلوماسية الدوليتين .
(ويصنع بالنحاس الكثير من القدور الضخمة وقوالب السكر فالسكر المغربي أجود من سكر ماديرا ( madeira) ) ،ويأتي في طليعة ما يصدر من بضائع بلاد البربر .)
(أنطونيو دي صالدانيا - أخبار أحمد المنصور––ص.77)

من البديهي أن يحرص المنصور الذهبي ،على توفير كل المقتضيات التقنية والبشرية ،لضمان إنتاج تنافسي ،مدر لعائدات مالية ،مرصودة،عادة، لتمويل المشاريع العمرانية(قصر البديع ) والعسكرية والصناعية آنذاك ولتوفير السيولة المالية اللازمة لمواجهة المستجدات وتحركات الخصوم والحلفاء على السواء.

4-القبائل والإنتاج السكري :
ورغم الفوائد الجمة الناتجة ،عن إنتاج السكر السوسي وتسويقه دوليا ،فإن إنتاجه لم يحظ بقبول الساكنة والقبائل المحلية،لاعتبارات معقدة،سياسية واقتصادية واجتماعية وايكولوجية وثقافية.
لقد حدد دي صالدانيا ،أسباب رفض القبائل السوسية ، لمغارس ومعاصر السكر بسوس ،في العهد المنصوري .فلئن وفر المنصور الآليات والخبرات والكفاءات ،لتطوير الإنتاج السكري والرفع من الإنتاج ودعم مواقع المغرب على صعيد التجارة والدبلوماسية العالميتين إذاك ،فإن السياسة التدبيرية المعتمدة ،في تنظيم النطاقات الفلاحية ،لم تراع منتظرات ساكنة تلك المجالات ولا تطلعاتها الاجتماعية والاقتصادية والايكولوجية. وهذا ما دفعها إما إلى التحرك الميداني،و إما إلى تشكيل متخيل سلبي عن المعاصر السكرية ،وصياغة حكايات ذات وقع عرفاني نافذ على السيكولوجيا الجمعية المحلية.
(فقد ثار مرابطان في جبال الأطلس سنة 1583نفورا من معامل السكر التي كان الشريف يستغلها بمنتهى النجاعة والفائدة ، واحتجاجا على ما تفترن به العقود مع النصارى من الاستحواذ على الأراضي لغرس قصب السكر ، فوقع سكان تلك الجبال في الفقر المدقع ، وانقطعت عنهم أسباب العيش .وصار الناس يتكتلون ،ثم إنهم هجموا على إحدى المعاصر ودمروها ونهبوا التجار اليهود الملتزمين بها والمستغلين لها، وقتلوا بعض من تصدى للدفاع عنها من المسلمين .)
(أنطونيو دي صالدانيا - أخبار أحمد المنصور–ص.72) .
لقد كلف المنصور القائد منصوريكو،حسب إفادة دي صالدانيا ،بإنهاء التمرد ،وإعادة الوضع الإنتاجي إلى حاله السالفة.ويكشف عدد القتلى في الصفوف المنصورية ،والالتجاء إلى المثلة ،عن ضراوة المنازلة وعمق الاختلافات السياسية بين الطرفين.فهل يرجع التمرد إلى نتائج فصل الإنتاج السكري ،عن محيطه السوسيو-اقتصادي،وتنميته على حساب الفلاحة المعاشية ،في زمان يعيش القحوط و المساغب والطواعين ولا يكاد يفارق الندرة إلا قليلا ؟ أم أن أوجاع المنازلات الحربية ، بتنزيرت وسهول وجبال سوس ،بين قوات المتوكل المسمى بعد وقعة وادي المخازن بالمسلوخ وقوات المعتصم، لما تبرح المتخيل السياسي الجمعي؟
(ولئن قتلوا أول الأمر ثلاثمائة جندي لمنصوريكو ،إلا أنهم مزقوا مع ذلك شر ممزق ولم ينج منهم أحد إذ أعمل السيف فيهم عن آخرهم فبددوا تبديدا ، وسلخ المرابطان حيين وحشي جلداهما تبنا لينقلا إلى مراكش .)
(أنطونيو دي صالدانيا- أخبار أحمد –ص.72)

أدت سياسة الاحتكار وعدم ربط الإنتاج السكري بالمجتمع ،إذن ،إلى إفقار الفلاحين،واندفاعهم، بقيادة بعض الأشخاص الكريزميين ،إلى التدمير والنهب والقتل.
(وبنى البديع وكان كثير الجور والجوار ، فسدت في أيامه البوادي وربح أهل المدن والجيش ..)
(مجهول –تاريخ الدولة السعدية التكمدارتية –تقديم وتحقيق : عبد الرحيم بنحادة –عيون المقالات –الطبعة الأولى -1994-ص.63).
وحيث إن التحكم في تجارة السكر السوسي ،من الأولويات الإستراتيجية ،فإن أحمد المنصور الذهبي ،وجه قواته ،لاحتواء الثوار وتشتيت صفوفهم والتمثيل بقادتهم الميدانيين.ورغم تحصنهم بالجبال المنيعة ،فإن القوات النظامية تمكنت من تطويقهم وأفقدتهم كل إمكانيات المناورة.

( كما أمر أحمد الكبير خليفته على سوس بالسعي بكل وسيلة لجعل حد لتلك الثورة وقتل من بادر إليها من رؤوس الفتنة . وكان قد اجتمع من حولهم خلق كثير وظنوا أن استنادهم على الجبل مانعهم من الشريف ( المنصور الذهبي) ،فإذا بهم يطوقون من كل جهة .)
(أنطونيو دي صالدانيا - أخبار أحمد المنصور–ص.72)
لقد اقتضت حدة الهبة واستقطاب الرافضين لتدبير المغارس والمعاصر لكثير من الفلاحين ،إجراءات صارمة،تشمل قتل الزعماء وتطويق الجموع الناهبة والمدمرة للموقع الإنتاجي.ولما كان عائدات السكر ضرورية لتحريك عجلة الاقتصاد آنذاك ،فإن المساس بهذا القطاع ،سيفقد الخزينة تدفقات مالية ،هي في أمس الحاجة إليها ،لتغطية المصاريف المبرمجة والمحتملة ،في سياق سوسيو-سياسي ،متقلب وقابل للتغيرات المفاجئة ،وفقا لإرادة الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين ،ووفقا للتقلبات المناخية كذلك .
(وكان استغلال السكر الذي هو ملك الشريف وتعشير البضائع المستوردة من الخارج موردين ماليين يعودان بأزيد من مليون دوكاطو. )
(أنطونيو دي صالدانيا - أخبار أحمد المنصور–ص.77)
يعتبر استغلال السكر السوسي ،موردا اقتصاديا وماليا أساسيا ، للمخزن السعدي ،آنذاك ، وهذا ما يفسر ، عناية المنصورالذهبي ، بالمغارس والمطاحن ، بسوس وحاحا والحوز،وإشرافه على تأهيلها ، تقنيا،وتزويدها بالكفاءات التقنية العالية،الآتية غالبا من أوروبا الغربية . فقد اقتضى الإقبال الأوروبي ، على السكر السوسي ،تحسين المنتوج وتكثيره ،وقد تم ذلك عن طريق :
-تطوير الخبرات الإنتاجية ، المتراكمة منذ زمان محمد الشيخ و ابنه عبد الله الغالب ،
(...وينبت فيها أيضا قصب السكر بكثرة ، غير أنه سكر أسود لجهلهم بطريقة طبخه وتصفيته .ويقصد تييوت عدد كثير من تجار فاس ومراكش وبلاد النيجر لشراء السكر.)
(-الحسن الوزان-وصف إفريقيا –ترجمه عن الفرنسية : محمد حجي ومحمد الأخضر –دار الغرب الإسلامي –بيروت-لبنان-الطبعة الثانية -1983-ج1-ص.115)

-توسيع المساحات المزروعة باكلي وتييوت وتزمورت وتدسي مثلا ،
(شيدت المدينة لحماية هذه الطواحين ،وتحيط بها عدة أراض صالحة للحرث تسقى بواسطة هذا الجدول .السكان فلاحون وأصحاب حقول ، يعملون في طواحين السكر مع بعض الأرقاء المسيحيين ، ويقيم عادة بالمدينة عامل مع ثلاثمائة فارس ، يسكنون في القرى المجاورة .)
(مارمول كربخال-إفريقيا –ترجمه عن الفرنسية : محمد حجي ومحمد زنيبر ومحمد الأخضر وأحمد التوفيق وأحمد بنجلون- مطابع المعارف الجديدة -1989-الجزء الثاني –ص.30-).

-تطوير أنظمة السقي على جوانب وادي سوس ،
(وفيها الكثير من القمح والمواشي ، تنبت كمية من قصب السكر على ضفاف نهر سوس الذي يمر على بعد فرسخ من المدينة ، وفيها مطاحن لمعالجته ،هذا هو سبب وجود عدة تجار من بلاد البربر وبلاد الزنوج عادة في المدينة.)
(مارمول كربخال-إفريقيا –ترجمه عن الفرنسية : محمد حجي ومحمد زنيبر ومحمد الأخضر وأحمد التوفيق وأحمد بنجلون- مطابع المعارف الجديدة -1989-الجزء الثاني –ص.37-38).

-استقطاب الكفاءات الأوروبية (البرتغال ومادرا مثلا) ،
(وكان الشريف سعيا في دعم علو شأنه والنهوض بتجارته يكاتب ملكة إنجلترا وبلاد الفلامينك وفرنسا وايطاليا واسبانيا ، وبخاصة فيها الدوك دي مدينا سيدونيا ، ملتمسا من الجميع أن يبعثوا له بما كان مفضلا عنده على كل شيء ، وهم العمال الماهرون بكل الصناعات فيبعثون له بهم ، ويتقربون إليه لشدة سخائه في كل شيء .)
(-أنطونيو دي صالدانيا –أخبار احمد المنصور -ص.76)
وقد وردت في اعترافات بعض المعتقلين البرتغاليين أمام محاكم التفتيش البرتغالية في منتصف القرن السادس عشر،إفادات دالة على انتقال بعض الخبراء البرتغاليين إلى سوس:
(وخلال الرحلة الأولى ،انطلق من جزيرة ماديرا قاصدا رأس غير(اكادير الآن) ومعه(فرانسيشكو باياوو الألكن ) صناديق لتعليب السكر ،ذلك السكر الذي نقله مركب من (بسكايا) كان هناك ، بينما نقل هو في كرفيلته الجلود التي كانت ملكا ل(كرشطفاو بايش ) والتي أفرغها هنا ، بمحل الجمارك؛وسلمها له برأس غير (فيسانت لورنسو ) .وحين ذهابه من ماديرا إلى رأس غير ، لم ينقل أية سلعة ،إلا أنه نقل من هناك رجلين خبيرين في صناعة السكر ،بقيا هناك لمدة أربعة أشهر .)
(-احمد بوشرب-وثائق ودراسات عن الغزو البرتغالي ونتائجه- دار الأمان –الرباط-الطبعة الأولى 1997-ص 261) .

-استثمار الكفاءات التدبيرية والمالية اليهودية والمسيحية(التجار الإنجليز مثلا ):
(هناك مغارس عظيمة لقصب السكر وعدد عديد من مطاحنه ،يقصدها التجار من جميع الأنحاء ، من فاس ومراكش وبلاد السوس ، لأن السكر بها في غاية الصفاء منذ أن أقام بها يهودي أسلم طواحين بمساعدة الأسرى الذين أخذهم الشريف من رأس أكير .)
(مارمول كربخال-إفريقيا –ترجمه عن الفرنسية : محمد حجي ومحمد زنيبر ومحمد الأخضر وأحمد التوفيق وأحمد بنجلون- مطابع المعارف الجديدة -1989-الجزء الثاني –ص.29-).
نقرأ في رسالة للمنصور لابنه أبي فارس ما يلي :
(....فإن زرع المعاصر إنما يلزم اليهود والنصارى المكترين للمعاصر .)
ا( الناصري–كتاب الاستقصا-لأخبار دول المغرب الأقصى –تحقيق : أحمد الناصري –منشورات وزارة الثقافة والاتصال -2001-ج5--ص.194).

-استثمار الموارد البشرية الإفريقية.

5-سياسة تدبير المعاصرالسكرية :
علاقة المخزن السعدي بالساكنة المحلية :

من الملاحظ أن هذه السياسة التدبيربة ،قائمة على الاحتكار وعلى عدم إشراك المجتمع المحلي في الإنتاج والتدبير والتسويق.علاوة على ذلك ،فإن للإنتاج الموسع والموجه للتسويق الدولي ،انعكاسات سلبية محتملة على المخزون المائي وعلى جودة التربة وعلى الغطاء الغابوي.
(اعتمد على إنتاج السكر وتصديره إلى الخارج دون أن تكون هناك أية علاقة بين هذا النشاط والسكان .كان العاملون في المعاصر الموجودة ناحية شيشاوة من الأسرى الأوروبيين وكان الملتزمون بالبيع تجارا من الإنجليز..)
(عبد الله العروي- مجمل تاريخ المغرب-المركز الثقافي العربي-الدار البيضاء –بيروت-الطبعة الأولى -1999-ج3-ص.58)
كان إقبال التجار الأوروبيين ، الإنجليز والفرنسيين والهولنديين والإيطاليين ،كبيرا على السكر السوسي ،مما مكن الخزينة السعدية من مداخيل مالية عالية ،استثمرتها في مشاريعها داخليا، وفي تدبير علائقها بشركائها السياسيين والاقتصاديين خارجيا.
(فضلا عما كان له في سوس من كثرة معاصر السكر الذي يقتني التجار كل ما ينتج منه بضعف ثمنه ، إضافة إلى المفروض على تصديره من الضرائب ، فيدخل بيت المال كل سنة أكثر من مليونين .)
(أنطونيو دي صالدانيا - أخبار أحمد المنصور–ص.102)
من المؤكد ،أن الإكثار من المعاصر السكرية ،تقصد الإكثار من الخراج وتعزيز جباية الدولة ،والاستفادة تاليا مما تسمح بانجازه وإنجاحه الخراجات والجبايات والضرائب.تفيد عوائد السكر ،إذن ،في ضمان خراج وضرائب وعائدات،مضمونة بالقياس إلى الخراجات والجبايات والنوائب المفروضة على الساكنة.وهذا ما أشار إليه ،مؤرخ الدولة السعدية ،عبد العزيز الفشتالي بقوله :
(وناهيك من إمام يستنتج بسديد رأيه وصالح تدبيره ولطيف توليده هذا القدر من الخراج الوافر الذي لا يزال بيت المال هنيئا بمرى أخلافه مع الأيام إن شاء الله بباب دار الملك وعلى عتبة حضرة الخلافة عفوا من غير احتياج إلى ما تحتاج إليه الجباية من تجهيز العساكر المعينة على انتزاع نواجدها وهو اليوم أيده الله بصدد استحداث ثالثة لصق أختها بشوشاوة قوى العزم على الاستكثار من المعاصر حتى ينموا العدد ويتضاعف الخراج كمل الله تعالى مقصده وثبت قواعده وأجرى على ما فيه صلاح المسلمين مصادره وموارده .)
(-عبد العزيز الفشتالي –مناهل الصفا –ص. -210-)
لقد أولى المنصور عناية خاصة لإعداد وتجهيز وتدبير وتوسيع المغارس والمطاحن السكرية،إلا أنه تناسى مضاعفات حرمان الفاعلين والقوى المحلية ،من عائدات وفوائض إنتاج غزير،وقدرة المعارضة الصامتة ،غالبا،على تحريك اللاوعي الجمعي والإرادة القبلية واللفية كلما ضعف المركز أو طالته تأثيرات الخارج المتقلب دوما،ولا سيما في المنعطفات الحضارية الكبرى.
لقد أراد المنصور ،بالتأكيد ،الانفصال التدريجي عن النموذج المرابطي-الموحدي ومما سماه إبراهيم القادري بوتشيش باقتصاد المغازي ،بالاستفادة من المعطيات التقنية للعصر،والتحولات الفكرانية الناتجة عن مأسسة العرفان ومغربيته مع الشاذلية –الجزولية ،وانعكاسات هذه المأسسة على التركيبة القبلية؛إلا أن مأسسة العرفان ، واستثمار فائض القيمة الفكراني الشاذلي- الجزولي ، لا يعني ، بأي حال من الأحوال، تجاوز التركيبة القبلية واللفية ،ولا مصالحها المجالية.فالإبدال الجديد(العرفاني الجزولي تحديدا) ،لا ينفي الإبدال القديم(المرابطي-الموحدي القبلي تعيينا) ،كليا ،ولا يخرجه من دائرة الفاعلية التاريخية .

6-أسباب تدمير المعاصر بعد موت المنصور :

لماذا خربت تلك المنشآت الاقتصادية ،وأوقفت صناعة السكر رغم قيمتها الاقتصادية والدبلوماسية-السياسية الظاهرة ؟
هل يرجع ذلك التخريب إلى عوامل نفسانية أم إلى معطيات سياسية بالدرجة الأولى ؟
هل ترجع دوافع ذلك التدمير العاصف إلى علاقة المنصور الذهبي بالبوادي السوسية أيام الصراع بين محمد المتوكل وعميه : عبد الملك المعتصم وأحمد بن محمد الشيخ ( المنصور الذهبي لاحقا ) ؟ هل للسياسات الجبائية والضريبية المعتمدة يد في تفكيك هذه الوحدات الانتاجية وإتلافها الواحدة تلو الأخرى دون استثناء؟ما علاقة هذا التدمير،بالمتخيل والحكايات المسرودة عن المعاصر وعن أيلولتها الغيبية إلى الاضمحلال ؟ ألا يعبر من جهة عن الاختلاف الإيديولوجي المتزايد بين السلطة السعدية والتصوف الشاذلي-الجزولي من جهة ،والى رغبة القبائل في استعادة هيمنتها التنظيمية على النطاقات الفلاحية و على التدبير الجماعي العرفي للموارد الطبيعية المحلية من جهة أخرى ؟
رغم جدوى السياسية الإنتاجية والتسويقية المعتمدة من قبل أحمد المنصور ،فإن مغارس ومعاصر السكر،انتهت بانتهاء العصر المنصوري.لم تحرص البنيات التنظيمية التقليدية بالجنوب ،على حماية هذا القطاع الاستراتيجي ،بل شاركت في تفكيك الوحدات الإنتاجية والمنشآت المائية الكبرى على وادي سوس .
(يبدو أن الوباء الذي طال ، والقحط المتوالي بالإضافة إلى سياسة المنصور الاقتصادية التي ركزت على الاهتمام بزراعة قصب السكر وأهملت "الزراعة المعاشية" بل لجأت إلى الإساءة إليها عن طريق الكلف والحركات من جهة وعن طريق استنزاف المياه واليد العاملة في مزارع الدولة السكرية،وإلا كيف نفهم موقف السكان من المعاصر السكرية من بعد وفاة المنصور لماذا هدموها ؟)
(عبد المجيد القدوري –ابن أبي محلي الفقيه الثائر ورحلته الإصليت الخريت –منشورات عكاظ –الرباط -1991-ص.32).
يشير عبد المجيد القدوري ،إذن إلى حزمة من الاعتبارات الحائلة دون الحفاظ على الموارد المالية والجبائية والعائد السياسي والدبلوماسي ،لصناعة السكر بسوس.فالراجح،أن شخصنة لا مأسسة الإنتاج السكري ،هي المسؤولة ،جزئيا،عن تحطيم بنيات هذا الإنتاج وتشتيت عمالته وتضييع خبراته وكفاءاته.
( في منطقة سوس وحدها تم تهديم ثمانية عشر معصرة من معاصر السكر يعمل في كل واحدة منها أكثر من أربعة ألاف رجل ، وتغل مليوني أوقية ، وفيها كان تجار أوربا وخاصة منهم الإنجليز والهولنديون والفرنسيون والإيطاليون قد استثمروا مبالغ كبيرة من المال .وكلهم فقدوا في يوم واحد أكثر من مليوني قطعة ذهبية ، ومعظمهم أفلسوا،لأن هؤلاء الهمج (يقصد الأعراب) ينهبون ويخربون كل شيء عندما يستسلمون لغضبهم الحيواني الشديد ، لدرجة أنه لا سبيل الآن لتحديد مواقع هذه المعاصر أو الحقول التي كان يزرع فيها قصب السكر .)
(-أنطونيو دي صالدانيا –أخبار احمد المنصور -ص.254).
يرجع تدمير المعاصر السكرية بسوس وحاحا وشيشاوة ،بعد المنصور،إلى جملة من العوامل المعقدة المرتبطة،بامتدادات الصراعات السياسية ،و مستتبعات سياسة احتكار المخزن السعدي للمنتوج السكري.وقد أسفر التخريب السريع للمعاصر،عن إفلاس التجار الأوروبيين ،وحرمان الخزينة المغربية ،في ذلك الأوان الموسوم الصراعات السياسية بين أبناء المنصور ( محمد الشيخ المأمون وأبي فارس ومولاي زيدان) ،واشتداد الآفات وتوالي موجات الطاعون.
(فنزل الأرض بذلك ما نزلها ، ونالها من الفساد والفتن ما نالها ، وطاش بها الوقور ، ونيش الحقور ، ووضع النفيس ، وارتفع الخسيس ، وفشا العار ، وخان الجار ، ولبس الزمان البؤس ، وجاء بالوجه العبوس ،وأورد ماء الاختلاف ، وأنضب ماء الوجوه والائتلاف ،وطأطأ الحق رأسه،وأخفى المحق نفسه ، وتبرقعت الحسناء ، وكشفت الشوهاء ، واعتمل الخبيث ، واحتمل على الخبائث بالسير الحثيث ، ووردت المهالك ، وسدت المسالك ، وعم الجوع ، وتبرأ الكوع من البوع ،فإنا لله وإنا إليه راجعون ، فيا لها من مصيبة ما أعظمها ، ولمحاسن الأرض ما أحطمها ..)
(أبو زيد التمنارتي –الفوائد الجمة في إسناد علوم الأمة –تحقيق : اليزيد الراضي –دار الكتب العلمية –بيروت-لبنان-2007-ص.340-341) .
يجلي الاستشهاد ،حقيقة التدهور الاجتماعي ،وصعوبة حماية المكتسبات والخبرات والتقنيات المحصلة بكثير من الجهد ،بعد استفحال التطاحنات السياسية وتطاول الأزمات والكوارث البيئية،وتضرر بنيات الإنتاج والتسويق ، مباشرة بعد غياب المنصور الذهبي عن الساحة السياسية المغربية تحديدا.
وهذا ما يؤكده ،بعبارات صريحة ، النبيل البرتغالي ، في معرض وصفه ،لأزمات وغمم ما بعد المنصور .
(وبما أنهم(الأعراب) كانوا يقطعون الطرق،ولم يكن المرور فيها بأمان ممكنا ، فإن ما ارتكب من القتل والسرقة والنهب كان من الفظاعة بمكان .)
(-أنطونيو دي صالدانيا –أخبار احمد المنصور -ص.254)


7-تركيب :
لا جدال في الزخم الإخباري،والغنى الوثائقي ،لكتاب (أخبار المنصور الذهبي).من المحقق،أن المعلومات والانطباعات والتأويلات،المبثوثة بين صفحاته ،تعين المؤرخ الحداثي،على توسيع إطاره الوثائقي،والشروع في المقارنة النقدية ،والمتفحصة، للمتن الاسطوغرافي الكلاسيكي والمتن الأيبيري على السواء ،والإفادة من المعطيات السياقية ،بعض فحصها،في تعيين الملامح العامة،والتفاعلات السياقية لإنتاج وتسويق السكر السوسي ،والمخاضات الناتجة عن احتكار إنتاجه وفوائضه ،بمعزل ،عن مكون قبلي ،فقد ،تأكيدا ،جزءا من هيمنته التنظيمية،بعد بروز عهد الصلاح والصلحاء،لكنه لم يفقد قدرته واستقلاليته النسبية ،ومصالحه المجالية ،وقدرته على التنافس الرمزي مع مبثوثات المتخيل العرفاني .



#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جماليات في عالم بلا خرائط : هوامش على -شارع الأميرات-
- مسخرة بوجلود : نحو تاريخية للكرنفال الأمازيغي
- حتى لا ننسج جوارب-للعقول-!
- أصول الرقابة في الفضاء الثقافي الإسلاميّ 4
- أصول الرقابة في الفضاء الثقافي الإسلاميّ 3
- أصول المراقبة في الفضاء الثقافي الإسلامي 2
- أصول الرقابة في الفضاء الثقافي الإسلاميّ 1
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 4
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 3
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 2
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 1
- نقد التصوف في كتاب - وصف إفريقيا - للحسن الوزان 2
- نقد التصوف في كتاب - وصف إفريقيا - للحسن الوزان 1
- القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة 2
- القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة 1
- العلمانية الرخوة واستقالة العقل النقدي 2
- العلمانية الرخوة واستقالة العقل النقدي 1
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 6
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 5
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 4


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم ازروال - معاصر السكر بسوس في عصر المنصور الذهبي . قراءة في (أخبار أحمد المنصور)