أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - منظمة 23 مارس -- نقد برنامج - حزب التقدم والاشتراكية --















المزيد.....



منظمة 23 مارس -- نقد برنامج - حزب التقدم والاشتراكية --


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 3997 - 2013 / 2 / 8 - 18:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منظمة 23 مارس
نقد برنامج " حزب التقدم والاشتراكية " ( الحزب الشيوعي المغربي )

مقدمة : منذ ان اعلن عن تأسيس " حزب التقدم والاشتراكية " خلفا لحزب التحرر والاشتراكية ، والحزب الشيوعي سابقا ، وقيادة الحزب تشن حربا سياسية معلنة ضد ما تسميه ب " النظريات المغامرة " و " التطرف اليساري " و " دعاة التشاؤم " و " الخونة " و " العدمية الوطنية " ... لخ .
وأمامنا اليوم اشغال اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية في دورتها الاخيرة .. ان مركز اهتمام اعضاء اللجنة المركزية ومعظم تدخلاتهم ، تتمحور في محاربة اليسار ، وفي الضرورة القصوى للقضاء عليه . حتى ان احدهم صرح ، والتصريح في حد ذاته يحمل صورة عن المناخ الفكري الهستيري للحزب تجاه اليسار ، " بان الظرف الراهن هو احسن فرصة ذهبية لقتل اليسار في المهد " – وصاحبنا هذا يعي كل الوعي ان هذه الفرصة الذهبية تمتاز بتلاؤم سياسة حزبه مع مواقف الحكم في قضية استرجاع الصحراء المغربية من جهة ، وبالقمع الشرس الموجه ضد اليسار في قضية هامة وحساسة بالنسبة للجماهير من جهة ثالثة . وكل هذه العوامل تسمح بلا شك ان يقوم الحزب في هذا الجو الوطني المشحون بتقديم الغطاء " الايديولوجي " لحملات الحكم القمعية ودون ان يثير ذلك استنكارا واسعا من الجماهير .
ومع تقديرنا البالغ لخطورة الدور السياسي الذي يقوم به الآن حزب التقدم والاشتراكية ضد حركة اليسار ، فان همنا من هذا النقاش يهدف الى اكبر من كشف هذه الحقيقة للجماهير . ان غرضنا الاساسي هو تعرية جذور هذا الانحراف في مواقف حزب التقدم تجاهنا وضد القوى التقدمية ، وتعزيز وحدتها النضالية على هدى خط صحيح .
تمهيد : من اجل توضيح طبيعة الخلاف بيننا وبين حزب التقدم والاشتراكية ، وإيقاف الصراع الايديولوجي على رجليه وبمعانيه الصحيحة الايجابية ، بعدما تعرضت مواقفنا على يد حزب التقدم والاشتراكية للتشويه والتزوير ، وبعدما تحول الصراع الايديولوجي على يده الى نوع من الارهاب الايديولوجي .
اولا نطرح الخلافات كما يرويها حزب التقدم والاشتراكية ، وبالأصح كما يريد ان يصورها ويعطيها للجماهير الشعبية ، ولمناضليه القاعديين بغية الاقناع السهل المعتمد على التشويه وتحريف الحقائق . هذا ما سنلخّصه محتفظين على حرفية ما ذكر في الفقرة المخصصة ل " اليسار المتطرف " في وثيقة المؤتمر : " ان اليساريين المتطرفين يحاربون فكرة الوحدة الوطنية المعادية للامبريالية والرجعية ويهاجمون الثورة الوطنية الديمقراطية التي يعتبرونها شعارا اصلاحيا وغير ثوري ، ويزعمون ديماغوجيا وضلالة انهم يعطون الاسبقية لشعار الثورة الاشتراكية حالا . " .
--- لقد رفعوا شعار الكفاح المسلح ضد الدولة وغرروا بإفراد سذج فقذفوا بهم الى اعمال مغامرة فشلت فشلا ذريعا .
--- ان اليساريين المتطرفين ليحملون قسطا غير يسير من مسؤولية حل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب " .
ثم يأتي التقييم العام لأصول اليسار وواجبات الحزب تجاهه : " وتستمد اليسارية المتطرفة اصلها من الخارج ، ومعروف انها ازدهرت في السنوات الاخيرة في اوربا الغربية ، وكانت هي من اسباب الحوادث المعروفة بفرنسا سنة 1968 . وقول هذه الحقيقة له دلالة كبرى بالنسبة لنا ، لان عددا من طلبتنا يدرسون في الخارج ، وخاصة في فرنسا ... ويوجد مغامرون يشجعون ’متطرفينا اليساريين ويدفعونهم لارتكاب المواقف غير المسئولة التي ينجذب اليها من يختارون عن طواعية المنفى الذهبي " .
وضمن التعريف بالإيديولوجية المتطرفة التي اجتاحت اوربة الغربية في السنوات الاخيرة ، وبمصادرها من مفكرين قدامى ( برودون ، باكونين ) وجدد (؟) ، يسجل الحزب انتقاداته لنا بطريقة غير مباشرة ، غير شجاعة ، باعتبارنا في نظره فرعا من فروع هذه الايديولوجية المتطرفة عالميا . ان اصحاب هذه الايديولوجية " يمجدون فلسفة العالم الثالث ، ويطرحون ببلاهة النظريات المصطنعة عن الدول الغنية والدول الفقيرة ، والصراع الدائم بينهما ، ويلوحون كذلك بنظريات ما فوق الامبريالية ، اي انهم يتبنون كل النظريات التي تلغي التناقضات القائمة بين الامبرياليين ، وتضع التضامن الكفاحي بين الدول الاشتراكية وحركات التحرر الوطني في تصادم وعداء . اننا نقول بوجوب محاربة هذه الايديولوجية في جميع الميادين بكل حزم وصمود وبدون تحفظ " .
ليس في نيتنا الجواب على هذه النقاط الواحدة تلو الاخرى ، لأننا نختلف معها سواء في صيغة الطرح المعتمد على التزوير المفضوح لأفكار الاخرين ، وسواء في تركيبها السياسي الذي لا يسمح بتوضيح الخلافات على حقيقتها . ولهذا سنختار سبيلا آخر غير الطريق الاستفزازي الذي اختاره الحزب في طرح خلافاته معنا ولأول مرة ، والذي بدل ان ينكب على دراسة موضوعية نقدية وتحليلية ، ’يلصق بخصومه تهما تستفز مسلمات ومعتقدات الجمهور المسيّس . انها بصراحة تهم وليست افكار نقدية . وقبل ان نبدأ في وضع الخلافات على حقيقتها وتحليلها من طرفنا ، نعتقد من الضروري في هذه المقدمة التطرق لمسألتين اساسيتين :
+ + الاولى وهي ترتبط بأهمية الصراع الايديولوجي وبالكيفية التي خاض بها حزب التقدم هذا الصراع ضدنا .
+ + الثانية وترتبط بمنهجية حزب التقدم وبفكره السياسي ، وبالتالي احد الجوانب التي يريد حزب التقدم والاشتراكية ، ان يصبغ بها صراعنا معه بين فريقين " فريق المتشائمين " الذي نمثله و " فريق المتفائلين " الذي يمثله .
1 --- الصراع الايديولوجي وعلاقة حزب التقدم باليسار :
ليس الصراع الايديولوجي سلاحا نظريا وواجبا نضاليا وحسب ، بل اصبح في تاريخ الحركات الثورية البروليتارية ، تقليدا مجيدا من تقاليدها الثورية والعريقة .
ان تاريخ الماركسية اللينينية فيما بعد هو تاريخ الصراع ضد الايديولوجيات والأفكار الخاطئة سواء كانت من اليمين والرجعية ، او من اليسار المتسرع والطفولي .
وهذا الصراع الزاخر بالحيوية هو بالضبط تاريخ تكون وتبلور ونضج الماركسية ذاتها ، هو التاريخ العيني للماركسية اللينينية ، وهو الواجب الذي لم يتخل عنه لا ماركس ولا لينين في مواجهة خصوم وأعداء الطبقة العاملة ، لأنه السلاح الوحيد الذي ينير للبروليتارية طريقها ـ وينمي وعيها واستقلالها الطبقيين . ولأنه عنصر فاعل في الصراع الطبقي ، وبدونه تفقد الاحزاب البروليتارية ماهيتها ومبرر وجودها .
مبدئيا اذن ، لا خلاف حول ضرورة الصراع الايديولوجي ، بل بالعكس نطلب من غيرنا ان يقوم بهذا الواجب اعتقادا منا ان الانسجام المطلق مثالية وطوباوية ، وبأسلوب السيد علي يعته " ضلالة ما بعدها ضلالة " ، لان الواقع الموضوعي العنيد ، هو واقع التناقضات الطبقية ، بل وحتى التمايزات الفئوية داخل الطبقة الواحدة . وعلى هذا الاساس ، وبالضرورة ، ستتناقض القوى السياسية ، وستتناقض ايديولوجيتها بناء على تناقضات مصالحها الطبقية . والمهم هو ان تعي هذه القوى المتناقضة ما يجمعها ايضا ضد العدو المشترك لها في مرحلة تاريخية معينة ، وإلا تحول الصراع الايديولوجي الى فتنة يستفيد منها العدو الطبقي اولا وأخيرا .
ان حركتنا الوطنية بصفة عامة ، لم تعكس في تاريخها وتقاليدها هذه الرؤية المتقدمة والديمقراطية في نفس الوقت ، بل كانت تلتجئ دوما في حل خلافاتها الى مساومات في الكواليس ، او الى التفسير البوليسي للتاريخ ، او الى تشخيص قضايا الصراع في صراعات فردية ذاتية او ... فكل الاساليب ممكنة وكائنة إلا مسألة واحدة وهي طريق المجابهة النظرية والتربية الايديولوجية للجماهير ولقواعدها الحزبية .
عشرات الاحداث تؤكد هذه الحقيقة .. الم يقل التقرير المذهبي لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (1962) ان الحركة الوطنية بدل ان تسلح الجماهير بنظرية وبرنامج اكتفت بشحن عواطف الجماهير ، وتعويدها على التصفيق بما في ذلك للملك . وكان ذلك احد اسرار خيبة الامل في الاستقلال السياسي . الم ينتقد الاختيار الثوري بعد سنتين صراع الكواليس مع القصر وداخل اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ، والذي ادى في النهاية الى النكسة الثانية للحركة الوطنية ، وسهل انتصار القصر عليها في سنة 1960 ؟ . الم تنفضح مساومات المؤتمر الوطني الثاني للاتحاد الوطني بعد ان رسخت البيروقراطية النقابية اقدامها في الاتحاد المغربي للشغل ؟ . هذه امثلة وغيرها كثير . وبالمناسبة هل قدم لنا يوما الحزب الشيوعي ، والتحرر ، والتقدم ، ما يميزه عن القوى الاخرى بدل ان يسدي النصح الابوي للاتحاد الاشتراكي والاتحاد الوطني ، لكي يعودا الى الوحدة من جديد ، لأنه لا خلافات جوهرية بينهما ... لو تجرأ و لو فعل لاكتشف بنفسه بطلان ما يدعيه من تمثيلية طليعية للطبقة العاملة .
من البديهي ان انعدام الصراع الايديولوجي ، وغلبة كل الممنوعات الاخرى على علاقة القوى السياسية فيما بينها ، بل وبينها وبين الطبقة الحاكمة ، تعكس ليس فقط التخلف النظري والسياسي ، بل وأساسا مرحلة من الفرز الطبقي غير الواضح والهجين . وأمامنا اليوم مثالا راهنا يتمثل في الكيفية التي وجه بها حزب على يعته بأسمائه الثلاثة صراعه مع اليسار .
في البداية ، وكما هو مرتقب من تقاليد الحركة الوطنية في مثل هذه الحالة ، حالة انشقاق عن احزاب تقليدية ، التجأ الى منطق التفسير البوليسي للتاريخ ، والغرض منه هو حرق الانفصاليين وبأكبر سرعة ممكنة ، وقتل الخصم في الظلام حتى لا تعرف الجماهير محتويات الصراع وحقائقه وأهدافه . وبدأ الاستاذ علي يعته في ترويج الاشاعات ، بل وكتابة المقالات في هذا الشأن . كتب الاستاذ علي يعته في مجلة " المبادئ " مفسرا نضالات الحركة الطلابية ، والتي قادها اليسار آنذاك ، بأنها مدفوعة من طرف افقير ، وتندرج بالنتيجة في مخططه الانقلابي . ان حركة اليسار اذن مجموعة من العملاء يدفع حسابها المالي ويخطط لها ويدفعها السفاح افقير " . وحاول آخرون ادخال الصهيونية والمخابرات الامريكية في الموضوع .
لكن مثل هذا السلاح المهتري ما كان ليصمد في ساحة النضال الفعلي ، وما كان ليقنع الجماهير التي تعرفت على مناضلي اليسار كخيرة شبابها المناضلين ، وهم لا زالوا قواعد في هذه الاحزاب نفسها ، كما تعرفت على اليسار اكثر وأكثر من خلال ممارسته وتضحياته ... حيث امتلأت سجون الحكم بمئات من المناضلين عدا المخطوفين والملاحقين ، وبعدد لم يشهد تاريخ حزب علي يعته ، وفي مجموعه مثيلا له ، وهو الحزب المفترض فيه انه يمثل اقصى اليسار والعدو اللدود للحكم . انها والله رزانة وحكمة فائقة الحد ، فما كان مثل هذا السلاح في حالة استمراره إلا ليفتك بأصحابه . ولهذا كان لا بد من تبديل السلاح بشكل افضل ، وفي هذه المرة التجئوا الى شكل آخر من المواجهة ، وهو نعت الايديولوجية الدخيلة على المجتمع المغربي والمستوردة من الخارج ، سلاح قديم استعملته وتستعمله الرجعية ضدنا وأحيانا ضدهم . ان السيد علية يعته على علم تام بان 99 في المائة من مناضلي اليسار تواجدوا ولا زالوا على ارض المغرب وليس في الخارج في فرنسا ، كما انه يعلم علم اليقين ان اطروحات اليسار ، وتطوراتها لا علاقة لها مطلقا بأفكار برودون و باكونين ، فبالأحرى ماركوز وبانديت كوهين . ولكن لها كل العلاقة الجدلية بالأفكار اليمينية للسيد علي يعته ومن شبابه . وعلى حد علمنا في تاريخ النقد الماركسي لبرودون وباكونين ، ان اشكالية النقد لم تكن هي : لمن الاسبقية للثورة الوطنية ام للثورة الاجتماعية -- كما يقول السيد يعته -- ، بل ان الماركسية كانت تعتبر البرودونية اتجاها فوضويا من اتجاهات البرجوازية الصغرى والتي تنكر الصراع الطبقي وديكتاتورية البروليتارية ، وضرورة الدولة في المرحلة الانتقالية ، وتحلم بتخليد الملكية الخاصة والصغيرة ، وتدفع البروليتارية في هذا الاتجاه الى التعاون الطبقي من خلال ما قدمته من مقترحات اقتصادية مثالية لحل ازمة النظام الرأسمالي . اما الباكونينية ، فكانت تنكر ايضا ضرورة الدولة وديكتاتورية البروليتارية ، وتعتمد تكتيك التمرد والمؤامرات الفورية . فما هو وجه العلاقة بين هذه الافكار واطروحات اليسار الماركسي ؟ . وهل السيد يعته ومعيته جادون فعلا في مقارنتهم الحركات اليسارية المتطرفة في اوربة بالحركة الماركسية اللينينية المغربية ؟ هل هم جادون في وضع هذه المقارنة بين من انتجهم مجتمع الاستهلاك ، ويعتمدون نظرية يائسة عن الدور الثوري للطبقة العاملة الاوربية ، ويعقدون آمالهم على القطاعات الهامشية او الطبقة العاملة المهاجرة ، وبين من انتجهم نظام متخلف تابع للامبريالية ، ومرتبطون اشد الارتباط بالطبقات الشعبية الكادحة ، ويعتقدون بالعكس ان الطبقة العاملة وحليفها الفقراء ، هم اساس الإنعتاق والتحرير والاشتراكية . اننا لا نعير كبير الاهتمام لمثل هذه الآراء التي يفوه بها السيد علي يعته ، لأننا نعلم مقاصدها الاستهلاكية الرخيصة وننبه فقط ، ولا نحتمل ان ننبه مرة اخرى ، الى مثل هذه الهفوات الخطيرة . ان ما وقع في ماي 1968 بفرنسا ، ليس مجرد حوادث فحسب ، ولا هو من صنع اليسار المتطرف فقط . ان ما وقع بفرنسا هو انتفاضة جماهيرية فعلية تعيد الى الاذهان امجاد الطبقة العاملة في كومونة باريس ، وهذه الحقيقة يعترف بها القاصي والداني ، ومن اقصى اليمين الى اقصى اليسار ... وهي بهذا المعنى فوق فعل اليسار المتطرف ، واكبر من حجمه ودوره . انها تعبير عن انفجار تناقضات النظام الرأسمالي الفرنسي ، ودليل تاريخي جديد عن حتمية الثورة الاشتراكية ، وعن اهلية الطبقة العاملة لقيادة الثورة . يكفينا هذا القدر في التعريف بانتفاضة ماي التاريخية لأستاذ يدعي الماركسية ، ولنقل نحن ايضا قولته ، ان التأكيد على هذه " الحقيقة له دلالة كبرى بالنسبة لنا " في صراعنا مع المفاهيم الاصلاحية التي ينشرها السيد علي يعته وحزبه .
وكذلك ، فان نعت ايديولوجية اليسار بالإيديولوجية الدخيلة لا يكفي ، لان صمود اليسار وتناميه وسط الجماهير بات واضحا وراسخا . وهذا لا ينفي اننا في بداية الالتحام بالطبقات الشعبية ، ونحن نعي كل الاندماج . ولكن ليس حزب علي يعته الذي عمره ازيد من اربعين سنة هو الذي سينعتنا بالعزلة ، ويفتخر علينا بشعبيته ، لان عزلة الحزب وهامشيته في الاحداث رغم شيخوخته تفقأ العين .
وأمام هذا الواقع اصبح الاستاذ يعته ومعيته مضطرين للدخول في عملية مشبوهة ... ان دور الحزب اصبح الآن ، وببساطة ، هو القيام بتغطية ايديولوجية تضليلية لحملات الحكم القمعية ضد اليسار . حقا ، ان حزب التقدم يساند المعتقلين مهما كانت افكارهم و " انحرافاتهم " ، لكننا نتلمس في نفس الوقت الضباب الذي يثيره الحزب ضد هذا المبدأ ، وهو القائل " ليعلم هؤلاء ان للحرية حدودا " .
ونعلم اكثر من ذلك ، ان الاستاذ يعته اعترف بنفسه امام لجنته المركزية ، بان احزابا صديقة ، وهو يقصد الاتحاد الاشتراكي ، قد لامته من موقفه من اليسار ، وخالفته رأيه . وبهذا الاعتراف نسجل اولا اننا لسنا وحدنا نؤول مواقف حزب التقدم والاشتراكية ، ونثير الشبهة حولها ، بل ان قوى وطنية اخرى تعطي نفس التفسيرات ، ونفس الخطورة لما نوليه لمواقف الحزب من مسألة سياسية هامة ، وتمس المبادئ الديمقراطية الدنيا . ونسجل ثانيا ، ان علي يعته اوضح في هذا الاعتراف اكثر من السابق تضامنه مع كل المعتقلين ، لكنه تمسك بجوهر موقفه .. وإلا ما معنى شعار الحزب " اطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين باستثناء الخونة " . اننا ندرك ان سجون الحكم ليس بها إلا المعتقلون التقدميون . وهاكم تفسير هذا الشعار من احد اعضاء اللجنة المركزية ، وهو شاب تلقى تربيته اليمينية في فرنسا : " ان خطر المتطرفين اليساريين بدأ يظهر من جديد . إلا ان ظهوره في هذه المرة اكتسى طابعا خيانيا واضحا ، ذلك انهم لا يخفون ارتباطاتهم مع الحكم الجزائري ومع مرتزقة البوليساريو ، ويقومون بكل ما من شأنه ان يكمل مخططات المتآمرين على الوحدة الترابية لوطننا . ودعا الرفيق الغرباوي اللجنة المركزية الى ان تعير هذا المشكل الاهمية التي تستحق حتى نتمكن من ايقاف مد هذه العناصر العميلة في الخارج والمعادية لمصالحنا الوطنية " . ولقد اعارت اللجنة المركزية كل الاهتمام لهذا المشكل وطالبت ب " اطلاق سراح المعتقلين السياسيين باستثناء الخونة ... " .
ما كان لينين ، ولا كل الماركسيين اللينينيين في اية بقعة من العالم ، يطالبون حكامهم باعتقال من خالفهم في الرأي . لم يطالب لينين مثلا باعتقال روزا لوكسامبورج حينما انكرت حق تقرير المصير لكل الشعوب المضطهدة ، لاعتباره في نظرها شعارا طوباويا في عصر الامبريالية المنفلتة من عقالها ، بل صارع لينين هذا الرأي ، وثمن روزا لوكسامبورج رغم كل اخطائها بأنها " نسر الشيوعية " . بل لم يطالب لينين باعتقال المرتد كاوتسكي حينما خان كلية مصالح الطبقة العاملة . هنا ايضا ظل هم لينين هو مصارعة كاوتسكي ودحره ايديولوجيا . وفي جميع الاحوال لم ينصب لينين نفسه كما نصب علي يعته نفسه ، شرطيا ، او دركيا للطبقة الحاكمة .
ان اللينينية ذات البعد النظري ، وصاحبة التحليل المادي الجدلي ، تصارع الايديولوجيات والأفكار الخاطئة ، وتكشف عن جذورها في الواقع ، كما تحتفظ لنفسها بعلاقات نضالية مع كل الاتجاهات ما دامت في الخط العام للطبقة العاملة ، او ما دامت تعبر عن تناقض موضوعي في صفوف الشعب . ومن هذه الروح انطلقنا في معالجة ومواجهة خطأ فصيل من الحركة الماركسية من مسألة الصحراء المغربية ( منظمة الى الامام ) .
ونحن لازلنا نعتبرهم فصيلا ماركسيا ثوريا ، ونعمل في نفس الوقت وبكل صرامة ، لتصحيح خطئهم ، وبهدف الوصول معا الى انشاء الحزب البروليتاري الجماهيري .
لكن الخلاف مع السيد يعته لا يتضمن فقط موقفه العدائي من اليسار ، بل يعكس بشعاره السابق كل رؤيته الاصلاحية عن النظام القائم . ان علي يعته الذي يعتبر مغربة الحكم مقياسا لوطنيته ، والذي ادخل الحكام عبر قضية الصحراء الى صفوف الطبقات الوطنية ، من حقه فعلا ان يعتبر التقدميين خونة ويناشد وطنية الحكم من اجل حجزهم في المعتقلات .
هذه هي مجمل التطورات الكيفية التي خاض بها حزب التقدم ما يسميه في منطقه بالصراع الايديولوجي ضد اليسار . ولقد انهى علي يعته فقرته ضد اليسار المتطرف بدعوة كل القوى الوطنية ان تحارب بكل صبر وتأن ايديولوجي اليسار الماركسي . ونحن نطالبهم ايضا لا بمحاربة ايديولوجية حزب التقدم ، لان منطلقاتنا مختلفة في هذا المجال ، ولكن بمحاربة النزعة العدائية والشعارات اللاديمقراطية التي رفعها حزب التقدم ضدنا ، والتي تخل بمبدأ التضامن النضالي بين كل القوى الوطنية ضد الحكم . وندعو السيد يعته وحزبه بصفة خاصة ، ان يصارعنا ايديولوجيا ، إن استطاع الى ذلك سبيلا ، بدل ان يمارس ضدنا الارهاب الايديولوجي ، والذي ليس في نهاية التحليل إلا علامة العجز النظري والسياسي .
2 --- منهجية " التفاؤل والتشاؤم " و " الايجابيات والسلبيات " :
يتهمنا السيد يعته بأننا من المتشائمين ، الفاقدي الحماس والثقة بالمستقبل الثوري لشعبهم ، وأننا لا ننظر في واقع النظام القائم إلا وجهه السلبي ، دون وجهه المضيء والايجابي .
ما كنا لندخل في عالم السيكولوجية السياسية لو ان المسألة لم تأخذ عند السيد مكانة الجدية والأهمية النظرية والسياسية . وهي كذلك ، لو امعنا الفكر في الخلفيات التي تكنزها هذه المفاهيم عند السيد يعته .
ومن جهة مبدئية ، الثوريون متفائلون بالمستقبل المشرق لشعبهم وللإنسانية جمعاء ، وتفاؤلهم هذا ليس بالتفاؤل الطوباوي ، لأنه مبني على اساس وعي تاريخي مادي لحتمية انتصار الاشتراكية على كل انواع الاستغلال الطبقي والاستلاب الانساني .
وفي الحقيقة ، فان موضوع تفاؤلنا هو بالضبط ما يقلق السيد يعته ، وما يشكل موضوع تشاؤمه . ان تفاؤلنا يقوى حينما نرى الطبقة العاملة والجماهير الكادحة تستيقظ هنا وهناك ، دفاعا عن مطالبها الديمقراطية الوطنية . وتفاؤلنا اكبر حينما تنتفض الجماهير انتفاضة عارمة كمثل انتفاضة 23 مارس 1965 ، لأننا نعي ان طريق الخلاص لا بد ان يمر من حرب طاحنة ، وفي هذه الحرب ، ترتقي البروليتارية والجماهير الكادحة الى مستوى مسؤوليتها التاريخية . وهذا التفاؤل المبني على ثقتنا بالجماهير ، وبتنامي حركتها النضالية ، لا يلغي ابدا مسؤوليتنا نحن في تنظيمها ، وضبط مسيراتها الواعية نحو الثورة .
اما الحديث عن ايجابيات النظام وسلبياته ، فان القارئ سيلاحظ معنا من خلال تتبعه لهذا النقاش ، ومن خلال قراءته لوثيقة المؤتمر ، ان السيد يعته افرط في مدحه للنظام . وان هذه الايجابيات التي يراها مرتبطة كما سنرى ، بمفاهيم يمينية عن الثورة الوطنية الديمقراطية . ومع ذلك ، لنا ملاحظة منهجية عليه : ليس من شك اننا اذا عزلنا بعض خطوات الحكم ، اقتصادية كانت ام سياسية ، وجردناها عن مجموع التشكيلة الاقتصادية ، الاجتماعية والسياسية ، وعن علاقات الانتاج المسيطرة ، فان هذه الخطوات او تلك ستظهر بالنتيجة خطوة ايجابية في حد ذاتها . لكن ليس هذا بالمنهج العلمي والثوري ، ما دمنا لا نربط كل خطوة للحكم بمضمونها الطبقي ، بمدى تعزيزها او اضعافها لعلاقات الانتاج المسيطرة ، وبمدى تجاوبها مع هدف الجماهير في التغيير الجذري لكلية النظام القائم . ان الخطير في اطروحات حزب التقدم ، هو انه ارتقى بنظرة " الايجابيات والسلبيات " الى مرتبة المنهج الثابت في السلوك السياسي للحزب . وهي بهذا المستوى ، وبلا جدل ، منهجية تطورية اصلاحية . واليكم نموذجا عن النتائج السياسية التي افضت اليها هذه المنهجية في الفقرة التي يتحدث فيها يعته عن الازمة العامة للنظام في المقرر التوجيهي للمؤتمر . يقول بالحرف : " لقد عملت الجهات الرسمية على تكميم هذا القلق وضغطه بالوسائل الادارية ، فظل بعيدا عن ان يترجم الواقع البناء ، إلا ان الاوساط الاجنبية الامبريالية سارعت الى استغلاله بشكل سلبي يرضي مصالحها . وهكذا عشنا جميعا ازمات وانفجارات متعددة خلال العشر سنوات الاخيرة في مارس 1965 و يونيو 1971 وغشت 1972 ومارس 1973 . اذا اعدنا لقراءة هذه الفترة عدة مرات ، فإننا سنستنتج على الفور ، بان الامبريالية كانت وراء انتفاضة 23 مارس ، وحركة 3 مارس 1973 . لكن سنغفر لحزب التقدم ، ولكاتبه العام هذه السقطة الخطيرة التي لا تليق بمناضل . وسنحاول اعادة القراءة من جديد بطريقة اخرى ، واضعين في النهاية الملاحظات النقدية التالية :
×× -- ان الجهات الرسمية لم تعمل على تكميم القلق بالوسائل الادارية فحسب ، بل بالوسائل القمعية اساسا . ومن هذه الوسائل المبتكرة في هذه السنوات الاخيرة ، اسلوب الارهاب الذي يجعله السيد علي يعته وصحبه في نفس المستوى وبنفس المضمون مع حركة 3 مارس ، رغم ان الاول عمل رجعي وموجه ضد القوى التقدمية ، والثاني ، ورغم خطئه ، فانه من عمل قوى تقدمية ضد حكم رجعي .. قوى عريضة العطف الجماهيري ، وعريقة في صفوف الحركة الوطنية .
الفرق بين العملين ، فرق نوعي ، والخلط بينهما خطأ سياسي جسيم . واقل نتائجه ، انه يبرر تصرفات الحكم القمعية والإرهابية تجاه الحركة ، وتجاه الجماهير . لماذا لا يجرأ الحزب على ذكر الوسائل القمعية بدل الوسائل الادارية ؟ ولماذا يخلط الحزب بين نوعين من العنف ، ويدينهما معا على انهما عنف وحسب ؟ . سنترك للقارئ استنتاج هذا الامر ، وعلاقته بمفاهيم الحزب المفرطة في الاصلاحية .
ان هذا السؤال يقودنا مباشرة الى موقف الانقلابيين مع الامبريالية لدرجة ان هذه الاخيرة قامت باستغلال القلق الشعبي لصالحها وبخلق ازمات وانفجارات هي بالضرورة ضد هذه الجهات الرسمية ؟ لا شك ان الفقرة تقصد الدولة وبالذات الملك . واذا كان في الامر فعلا تناقض مع الامبريالية ، فهل يختلفان في قمع الجماهير والعمل على بقاء سيطرة التحالف الامبريالي الكمبرادوري ؟ .
ان هذا التساؤل يحيلنا مباشرة الى موقف الانقلابيين حقا . ان الاحزاب البيروقراطية لا تعتمد الانقلابات اسلوبا في الثورة ، بل هي تعمل على انماء كفاحية الجماهير الشعبية ، ودمج العمل داخل الجيش بهذا الافق الثوري والشعبي . وحقا ، ان الانقلابين كان في قيادتهما عناصر من الطبقة الحاكمة ، مما لا ينفي عنهما شبهة التنسيق مع الامبريالية ، وبالذات مع الامبريالية الامريكية . لكن الانقلابين كان في قيادتهما ايضا عناصر وطنية ذات افق برجوازي صغير . هذه الطبيعة المزدوجة للانقلابيين تسمح لنا بالقول انهما كانا وليدي مستويين ونوعين من التناقضات . احدهما مرتبط بالتناقضات الثانوية داخل الطبقة الحاكمة و الامبريالية . والغرض من الانقلاب هو استدراك الوضع لصالح اعادة تنظيم السيطرة الامبريالية الكمبرادورية ، باستبدال الطاقم الحاكم للدولة ، وبالذات ، بالقضاء على هذا الطفيلي الكبير المتمثل في الملكية . والثاني مرتبط بالتناقض بين الطبقات الوطنية والطبقة الحاكمة والامبريالية ، وفي اطار تنفيس ازمة النظام الرأسمالي التبعي بأفق برجوازي صغير . ولعل الفشل السياسي الذي لاقاه الانقلابان ، كان بالضبط في هذه الطبيعة المزدوجة . واذا كان من الواجب علينا ان ندين ونفضح الاغراض الضيقة للعناصر البرجوازية العميلة ، علينا ايضا ان نميز الروح الوطنية عند الضباط العسكريين الوطنيين . وعلينا انطلاقا من هذا التمييز ان ننشر داخل الجيش الوعي الثوري المعتمد على احترام الجماهير الشعبية . اذن المسألة اعمق من الانقلابين . وحركة 3 مارس وغيرها من اعمال العنف لا تنم إلا عن تخلف سياسي ، كما يقول علي يعته في وثيقته وليست نتيجة حتمية لتعقد التناقضات الطبقية و لازمة النظام . كما انها اعمق من موقف الادانة ، وبجرة قلم ، بتهمة العمالة للامبريالية . ولكن ، لماذا يريد السيد يعته ان تجري التناقضات الموضوعية كما يشتهيها ، بسيطة وهادئة ؟ . هذه ايضا ملاحظة ترتبط كل الارتباط بمنهجيته وخطه اليميني .
--- اذا كان بالإمكان ، حسب وجهة نظر حزب التقدم وقيادته ، ان يتحول هذا القلق الى عمل بناء ، لولا ضغط الجهات الرسمية ، ألا يعتبر حزب التقدم وقيادته ان انتفاضة 23 مارس ، وهي في حد ذاتها عمل بناء ، رغم ضغط الجهات الرسمية ؟ .
هذا السؤال مشكلة غير مفهومة بالنسبة لفكر اصلاحي تعود على هدوء المكاتب . نحن على العكس نرى ان انتفاضة 23 مارس بادرة جماهيرية بناءة وخلاقة ، لا لأن الازمات تعطينا مناخا ملائما ، بغرض اثارة البلبلة والاضطرابات وخلق الفتن والاصطدام . ولكن لإيماننا بان الصراع الطبقي هو الطريق الحتمي ، الذي لا مفر منه ، من اجل التغيير الثوري ، وبعبارة التقرير ، من اجل " ان تصل الجماهير الى مدارج المسؤولية " . كم يذكرنا هذا النقاش بمقولتين متناقضتين ، إحداهما لبلخانوف حينما قال في وجه انتفاضة 1905 " ما كان ينبغي حمل السلاح " ، والثانية لماركس حينما قال " العنف قابلة للتاريخ " .
وفي الخلاصة الختامية لهذه الفقرة نؤكد ان محاولة تصنيف خلافاتنا بين فريقين ، المتشائمين والمتفائلين ، هي محاولة تضليلية اريد منها ، عبر التظاهر بنقد افكارنا ، التغطية على مفاهيم مفرطة في اليمينية ، ومنهجية تطورية اصلاحية . وفي الواقع ، فان تفاؤل السيد يعته ، مرتبط بمنظوره الجديد عن الثورة الوطنية الديمقراطية ، والتي يعتبرها ممكنة التحقيق في اطار النظام الحالي ، بينما تعبر منهجية " الايجابيات والسلبيات " ، ضمن هذا الطور الاستراتيجي عن تكتيك " الاخذ – والعطاء " المتبادلين مع الحكم .
ولكي نستوفي نقاشنا من كل جوانبه ، فإننا سنقسمه الى قسمين ، الاول يناقش مفاهيم الحزب الاستراتيجية ، من خلال منظورنا للثورة الوطنية الديمقراطية ، والثاني يناقش خلافاتنا الراهنة ، من خلال نقاشنا لتكتيك حزب التقدم والاشتراكية فيما يسميه " الاتفاق الايجابي " ، او " المساومة التاريخية " .
خطّان في الثورة الوطنية الديمقراطية :
ا ) نقد لخطة الدفع الايجابي
ب ) نقد الموقف من المسألة الوطنية
ا --- نقد لخطة الدفع الايجابي :
في مستهل هذه الفقرة التي يلخص فيها التقدم انتقاداته او خلافاته معنا ، يزعم علي يعته اننا نعطي الاسبقية للثورة الاشتراكية ، ونهاجم الثورة الوطنية الديمقراطية ، باعتبارها شعارا اصلاحيا وغير ثوري . كم تمنينا لو ان السيد يعته اتى باستشهادات او حجج على اقواله ، كما نفعل نحن معه مرارا ، وخاصة انه يصرخ في وجهنا بان " النقد ليس هو الشتم " . لكنه لم يفعل ، ولن يفعل ما دام المراد هو ترويج بضاعة فاسدة قصد الاستهلاك الرخيص .
والحقيقة ، ان الخلاف هو بالضبط ، في هذه الثورة الوطنية الديمقراطية ، قواها الفاعلة ، وسبل تحقيقها . اما الخلاف حول الثورة الاشتراكية ، فان الشروط الموضوعية والتاريخية غير ناضجة بعد ، لكي يكون الخلاف واضحا وحاسما في ميدان الصراع السياسي ، ولكن ، بما ان لا صور صيني بين الثورتين ، الديمقراطية والاشتراكية ، كذلك لا صور صيني يفصل بين خلافاتنا الراهنة ، وامتداداتها المستقبلية ، وعلى الثورة الاشتراكية نفسها . فمن لم يكن ثوريا اصيلا في هذه الثورة الديمقراطية ، هو بالتأكيد ليس بالمناضل الاشتراكي .
اما لماذا نعطي الاسبقية للثورة الديمقراطية على الثورة الاشتراكية ، فان الوثيقة التي قدمناها على صفحات جريدة " 23 مارس " ، وكمقترح لوحدة فصيلي الحركة الماركسية اللينينية المغربية ، تعطي جوابا كاملا على هذا الموضوع :
" ... ان هدف الطبقة العاملة هو تحقيق الاشتراكية بالقضاء النهائي على الاستغلال الطبقي في كل اشكال استغلال الانسان لأخيه الانسان . لكن الوصول الى هذه الغاية ، يقتضي شروطا موضوعية وذاتية ( بغض النظر عن الاهمية الحاسمة للعامل العربي والأممي في هذه الشروط ) . فبعد تحقيق التحولات الكبرى السابقة في ميدان الانتاج والعلاقات الطبقية ، وفي بناء السلطة الديمقراطية الوطنية ، تنتقل الثورة الى مرحلة انتقالية اعلى نحو اقامة النظام الاشتراكي ." .
" ان الثورة الديمقراطية الوطنية كما هو واضح تحتفظ بالرأسمال الوطني الى جانب القطاع الاشتراكي ، وتحت نفوذه وقيادته . كما انها لا تقتلع جذور الاقتصاد البرجوازي الصغير ، اقتلاعا جذريا . ولكن الثورة صيرورة وعملية متصاعدة نحو الاشتراكية . ان المهام الاساسية في المرحلة الاخرى ، تتحدد في خطوطها العريضة ب :
++ تحويل الرأسمال الوطني الى قطاع اشتراكي .
++ الاستمرار في التقدم ، بتحويل الاقتصاد البرجوازي الصغير الى اقتصاد جماعي موسع ، وفي مقدمة ذلك ، تحويل الملكية الفلاحية الفردية الى ملكية جماعية للأرض .
ان التمييز بين المرحلتين ضروري . في الاولى يتجه رأس السهم ضد التبعية للامبريالية وضرب ركائزها المحلية ، الرأسمال الامبريالي والكمبرادوري . وفي المرحلة الثانية يتجه رأس السهم ضد الرأسمال الوطني . والتقدم بخطوات هامة في تحويل الاقتصاد البرجوازي الصغير ، وبالأخص تحويل ملكية الارض الفردية الى ملكية جماعية .
وفي المرحلتين يتغير ، بالتالي ، التركيب الاجتماعي للسلطة والحكم ، ويتقدم طابعها الديكتاتوري البروليتاري . لكن الفرق بين المرحلتين تجاه التناقضات الطبقية ، هو ان الاولى تحل بطريقة العنف الثوري ، وبتحويل جذري لطبيعة السلطة ، بينما المرحلة الثانية تحل فيها التناقضات الطبقية كتناقضات في صفوف الشعب ، لان الطبيعة البروليتارية في السلطة هي الغلابة ، والطبقة العاملة المتحالفة مع الفلاحين الفقراء ، هي القائدة والموجهة . ومع العمل فان تحويل الاقتصاد البرجوازي الصغير يتم على تصاعد وبالإقناع وإعطاء البديل في النموذج الاشتراكي .
" ليس معنى هذا ان الفواصل بين المراحل ، فواصل جامدة وقاطعة ، بل بالعكس ، فان كل مرحلة تحتوي على عناصر من المرحلة الثانية . لكن الطابع العام للتشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية ، والمهام الاساسية ، مختلفة عن الاخرى .
اما الشرط الاساسي لهذا الانتقال ، فهو ضمان اكبر تعبئة جماهيرية ، تحت النفوذ السياسي والإيديولوجي الاشتراكي ، والتحالف المتين بين العمال والفلاحين الفقراء ، وتقوية نفوذ ودور القطاع الاشتراكي على الصعيد الاقتصادي " .
هذه بعض الملامح العامة الانتقالية نحو الاشتراكية ، وهي تبين ان بين الثورتين ، تمايزا وترابطا جدليا في آن واحد . ان الخلط بين المرحلتين ، يؤدي حاليا الى عزل الطبقة العاملة عن حلفائها الموضوعيين ، وفي المستقبل الى حلول فوقية بيروقراطية وقمعية ، إن لم تؤدي الى الاجهاض في المهد .
بعد هذا التوضيح ، سنترك السيد يعته يصطنع خلافاته على حسب هواه او على قدر امكانياته في المواجهة ، لأنه لم يفعل ذلك معنا وحدنا ، بل سبق لجريدة البيان ، ان طرحت نفس الموضوع مع الاتحاد الاشتراكي ايضا . ولو ان السيد يعته تمعن قليلا في موضوع " المرحلة الانتقالية " التي يقول بها الاتحاد الاشتراكي ، لوجد في نصها نفس ما يقوله من حيث البرنامج عن الثورة الوطنية الديمقراطية ، لأنه في الواقع ، ينتقد الثورة الرأسمالية البرجوازية التقليدية . وثورتنا في جميع الاحوال ، وسواء انتصرت فيها قيادة البروليتارية ام لم تنتصر ، فإنها لن تكون ثورة برجوازية من الطراز الرأسمالي الاوربي التقليدي .
الخلط بين طبيعة النظام وطبيعة الثورة الوطنية الديمقراطية : عشرات الكلمات على لسان الكاتب العام للحزب تؤكد اننا الآن ، في مرحلة الثورة الديمقراطية الوطنية ، وبدقيق العبارة في مرحلة استكمال الثورة الديمقراطية الوطنية . لكننا لم نجد ولو مرة واحدة ما يميز او يفصل بين مهام الثورة الديمقراطية الوطنية وطبيعة النظام القائم . بل العكس هو الصحيح ، ذلك ان الحزب يعتقد صادقا بان هناك استمرارية واحدة ، وتدريجية ، لاستكمال الثورة الديمقراطية الوطنية داخل النظام القائم .
التمييز بين هذين الوجهين ، بين النظام وطبيعة الثورة ، له مدلول سياسي فاصل بين الاختيارين الاصلاحي والثوري . ان تحديد طبيعة النظام تعني فحص علاقات الانتاج المسيطرة ، وتحديد العدو الاساسي الذي يستفيد منها ويكرسها ، والذي يجب ضربه والقضاء عليه اقتصاديا وسياسيا . ان هذا التحديد يبين ايضا ضرورة القفزة النوعية المطلوب تحقيقها وتدقيق القوى التي في مصلحتها هذه القفزة ، الثورة . وعلى العكس ، يقوم الخلط بين طبيعة النظام وطبيعة الثورة على غرض سياسي ، هو طمس ضرورة الثورة ، و ستر طبيعة السلطة ، تضبيب العدو الاساسي ، وخاصة المحلي .
واليكم الطريقة الملتوية التي واجه بها السيد يعته هذا المشكل ، ودون ان يقول شيئا عن طبيعة الحكم :
" نحن لا نعتقد بان الحكم قد تغير وتبدل ، وانه كما يقول البعض كان حكما فاشيا وسفاكا بالأمس ، وأصبح حكما ليبراليا ومسالما . اننا نعتبر بان الحكم هو الحكم ، وطبيعته هي هي ، ولا يزال وفيا لأصله وفلسفته " .
وكالعادة في هذه الفقرة وفي غيرها ، ينسب السيد يعته " الاوصاف السيئة للحكم " على لسان الاخرين ، ويتخفى هو وراء تأكيدات عامة ، او ينسب له ما هو " ايجابي " في الوضع . ان الغرض من طرح ازمة النظام يعني البرهان التاريخي والعلمي عن عجزه ، وعن ضرورة قلبه وتحطيمه . المهم اليكم مثلا عن حديثه عن الازمة : " نعم ، لقد كان في السابق شبه عادة ان لا يتكلم اي سياسي ، ومن اي اتجاه كان ، وأي ملاحظ من اي بلد كان ، في الشؤون المغربية . ان تدهور الاوضاع يتفاقم ، وهناك الى حد الساعة بعض المتشائمين ، وبعض ضعفاء الابصار ، وبعض المغرضين ، الذين ما زالوا يكررون نفس الكليشيهات " .
" اما نحن مناضلي حزب التقدم والاشتراكية سيسعدنا ويشرفنا ان نعترف امام الملأ ، بان بعض التغييرات وقعت في الاشهر الاخيرة ببلادنا ، وان هذه التغييرات من الاهمية بمكان ، وان احتمال ادخال بعض التغييرات الجذرية لم يظل حلما من الاحلام " .
ان ازمة النظام اصبحت مجرد كليشيهات ، وان بعض التغييرات ، بل واحتمال ادخال بعض التغييرات الجذرية داخل النظام اصبح هو الجوهر . ان المتشائمين ، وضعفاء الابصار ، والمغرضين المتعنتين هم الذين لا زالوا يتحدثون عن ازمة النظام ، بينما الازمة في منظور السيد يعته ، وبكل سعادة وشرف ، اصبحت في صيرورة خبر كان .
اذن ، لا حاجة بنا الى الثورة وعاش الاصلاح . اذن ما هو هذا الاسهال الايديولوجي والسياسي ؟ وما هي خلفيته ؟ .
اعطاء الشرعية للحزب ، ليس واحده كافيا لتفسير هذا المرض العضال . انه يعني مرة اخرى ، الرهان على امكانية جزء من الطبقة الحاكمة ، او على دولتها الملكية ، لكي تنقد الموقف وتتحمل بدورها جزءا ، بل الجزء الهام من اعباء الثورة الديمقراطية الوطنية ( تأميم المصالح الامبريالية والإصلاح الزراعي ) ، ولكي تمهد الطريق فيما بعد " للقفزة " بعد انتهاء المرحلة الديمقراطية في اهم اجزائها ، للزعامة البروليتارية المتجسدة في " حزب التقدم والاشتراكية " .
ستسمح لنا الفرصة في فقرات اخرى لمناقشة هذه التغييرات " التي وقعت في الاشهر الاخيرة " ، وإعطائها حجمها الحقيقي ، وخاصة لتخييب آمل ، وتفاؤل السيد يعته وحزبه في دور البرجوازية الكمبرادورية وآفاقها . ولكن همنا الآن ان نؤكد على هذا التشويه الذي يقوم به الحزب للثورة الديمقراطية ، وعلى الخلط المقصود بين طبيعة النظام وطبيعة الثورة . وفي هذا المنظور ، يصبح الاستقلال الشكلي الذي حصل عليه المغرب في سنة 1956 ، استقلالا شبه ناجز . لقد ظل " اخرقا واعرجا " كما تقول الوثيقة ، لكنه على اي حال في طريق الاستكمال والتطور :
" لقد حصل المغرب على السيادة الوطنية في جزء من اراضيه ، وهو في طريق استكمال الجزء الباقي ... وفضلا عن هذه المكاسب الوطنية ، تكوّن جيش اصبح الآن طاهرا من الارث الاستعماري ، وقد تكونت اطره في ظل السيادة الوطنية ، والى جانب هذا اسست بلادنا دبلوماسية وطنية تلعب دورا هاما في الاستقلال الوطني ، وتمت عملية استرجاع اراضي المعمرين ، وتحققت كذلك مغربة قطاعات هامة ، واستولت الدولة على بعض القطاعات الحيوية " .
من اي منطلق يمكن لنا ان نقيم الاستقلال الشكلي ؟ هل بالسيادة الوطنية ، ومغربة الحكم وجزءا من الاقتصاد مع الابقاء على نظام التبعية ؟ .
من يحلل انطلاقا من الصراع الطبقي الملموس ، ومن مصالح الطبقة العاملة والجماهير الكادحة ، سيستنتج بالضرورة ان الاستعمار والإقطاع والبرجوازية العميلة ، قد انتصروا على الشعب المغربي بمناورة الاستقلال السياسي الشكلي . فالكل يعلم ان الاستقلال السياسي الشكلي ، جاء في ظروف اصبحت فيه المقاومة المسلحة ممتدة وشاملة لكل بلدان المغرب العربي . وان اندلاع المقاومة في المدن ، وتشكيل جيش التحرير في البادية ، والاتحاد المغربي للشغل للطبقة العاملة ، كانت كلها علامات لتحول عميق يجري داخل قيادة الثورة المغربية .
كانت بداية لأخذ زمام القيادة من يد البرجوازية التقليدية الطامعة في التحالف مع الاقطاع والاستعمار الجديد ، ومنطلقا لضرب الاسس العميقة للاستعمار في المنطقة وعلى صعيد المغرب العربي . وبهذا المعنى ، كان الاستقلال السياسي الذي مثلته اتفاقية ايكس ليبان اجهاضا للثورة المغربية وهي في المهد .
ومن البديهي ان ابراز هذه الحقائق ، لا ينقص ، ولا يحقر من نضال الشعب المغربي ، لكنه يوضح جذور هذا الصراع المستمر مع الطبقة الحاكمة والامبريالية ، ويكشف بالأساس ان النظام القائم ليس بالنظام الذي يمثل مصالح الجماهير . انه نظام الاستعمار الجديد . انه تشكيلة اقتصادية – اجتماعية – سياسية اخرى لا تلبي ولن تلبي مصالحها . وهذا ما كان ضروريا ابرازه ، بدل التغطية عليه بجملة من " الايجابيات " الكاذبة . ولعل احد الاسباب الاخرى لنهج حزب التقدم ، يرجع ايضا لعدم فعله في صنع هذه الاحداث ، وتحمل آلام فشلها . ولذلك انفرد دون كل القوى الحية في هذه البلاد بهذه الرؤيا " الايجابية " . اما عن مغربة اجزاء من الاقتصاد المغربي ، إما بواسطة الدولة او بواسطة البرجوازية المحلية ، فانا نجيب على الفور بان كل هذه الاجراءات عمقت ازمة التبعية للامبريالية . والمدلول الكيفي لهذه الكلمة ، هو اعادة تكييف الاقتصاد المغربي بما يتناسب مع مقتضيات السوق الامبريالية ، وبالتالي الحفاظ عليه في نقاط التخلف والتفكك الداخلي . والنتيجة العملية لذلك هي تفقر الجماهير الكادحة ، وتحميلها اعباء غنى الطبقة الكمبرادورية والرأسمال الاجنبي . هذا بغض النظر عن التعويضات الباهظة التي قدمتها الدولة للرأسمال الاجنبي في كل عملية مغربة ، لكي لا يقال عن هذه العملية بأنها تأميم ، بل عملية شراء غير مشروع .
ونتحدى ان يجادلنا احد في هذه الحقائق الملموسة . لكن السقطة التي يقع فيها حزب التقدم هي عزل كل اجراء اقتصادي عن وظيفته الاجتماعية ، او عن دوره في مجمل النظام الاقتصادي ، او بكلمة عن طبيعة النظام . ولذلك يقوم الحزب بعملية تعادل ومساواة بين المغربية والتحرير الوطني ، بين التأميمات التي تكرس علاقة التبعية ، وبين التأميمات التي تدخل في اطار استراتيجية القضاء على التبعية ، وتقوم بها الدولة الديمقراطية .
واذا كان من الصعب ان يجادلنا حزب التقدم في هذه الحقائق على الصعيد الاقتصادي ، فانه من المسخرة حقا ان يفتخر بدور الدولة في قضايا الاحتلال الاجنبي للتراب الوطني ، حيث انه لازال المغرب ، وبعد عشرين سنة من الاستقلال الشكلي ، يعاني من انفصالات ، ومن خطة التحرير بالتقسيط . فهذا شيء لم نشهده في افريقيا ، رغم طاقة المغرب وإمكانياته المادية والبشرية .
ولنا وقفة قصيرة عند مسألة الجيش . ان السيد يعته الذي حارب بكل عنف الانقلابات ، سقط من جهة اخرى في تقييم يميني لطبيعة الجيش ، الذي اصبح في نظره جيشا وطنيا وطاهرا من الارث الاستعماري .
هنا ايضا لا يربط السيد يعته بين الجيش كأداة للسلطة ، كجهاز من اجهزة الدولة ، وبين طبيعة النظام وطبيعة السلطة . ان الجيش سيظل ، ومن حيث هو جهاز ، كأداة قمع ما دامت السلطة الاستعمارية والبرجوازية قائمة ، فضلا عن ان السيد يعته على علم تام بدور الفرنسيين ومدارسهم ، والأمريكيين ومدارسهم ، في تكوين هذه الاطر القيادية العسكرية الجديدة والصاعدة .
ان الجيش يمتاز بطبيعة مزدوجة . فهو كجهاز ، كأداة ، جزء لا يتجزأ من الدولة القائمة في المجتمع المغربي ، وهو في نفس الوقت تركيبة اجتماعية وسياسية يعكس ، والى هذا الحد او ذاك ، التناقضات القائمة في المجتمع المغربي . والجوهري في هذه المسألة الاخيرة ان الجيش المغربي تتكون قاعدته الاساسية من الفلاحين وأبناء الطبقات الشعبية ، والذين لهم مصلحة موضوعية في التحالف مع الطبقة العاملة ، وفي انتصار الثورة الديمقراطية الوطنية .
ومن الطبيعي ان يعتبر حزب التقدم والاشتراكية --- لأنه يخلط بين طبيعة النظام وطبيعة الثورة --- ان سبب الازمة راجع الى الاتجاه العام الليبرالي الذي نهجته الدولة في مدة العشرين سنة الفاصلة ، وان الحل هو استئصال هذه السياسة اللاشعبية . ان مجرد طرح مشكلة الازمة بهذه الطريقة هو تزوير مفضوح لروح الماركسية . ان الاتجاه السياسي هو وليد لمصالح طبقية ، ولنظام انتاجي وسياسي معين ، وان الحل يجب ان يكون واضحا وصريحا ، و ذلك بضرب هذه الطبقة وهذا النظام ، اللذين يشكلان جذور هذا الاتجاه .
كنا سنغفل عن هذه الملاحظة البديهية في حد ذاتها ، لولا رهان حزب التقدم على الطبقة البرجوازية الكمبرادورية .
3 --- الديمقراطية البرلمانية :
هل يمكن ان يتحقق الاتفاق الايجابي مع الكمبرادور في الميدان الديمقراطي البرلماني ؟ .
تقول وثيقة المؤتمر : " ان الحكم انفتح مؤخرا نحو المعارضة . وإننا من جهتنا نبتهج لذلك ، لأننا نعتقد ان اتفاقا ايجابيا يخدم مصالح الوطن والتقدم والاشتراكية ، يمكن ان يتمخض لا محالة عن هذا السلوك الجديد ، اذا ما بقي ثابتا وتطور واغتنى ، واذا ما عرفت القوى التقدمية كيف تستثمره .
" اننا نسمع بعض الاوساط تتهامس في الخفاء ، وتقول بأننا مغالطون ، ونؤمن بالأوهام ، وسائرون في طريق الوقوع في مصيدة الحكم الذي يناور اليوم من اجل ان يربح مزيدا من الوقت ، ويسترجع ما ضاع له من مواقع القوة ، وحينئذ ينقلب كعادته على اعقابه ، الى الحكم المطلق والاضطهاد . ولا شك ان رأيا كهذا ، نعتبره خاليا من الحكمة والنضج السياسي ، وجامدا ، ولا يأخذ بنظر الاعتبار ما يطرأ حتما على الاوضاع من تطورات ، ويبقى اسيرا للهلع والخوف وتحاشي الابتكار ، وتلك صفات البرجوازية الصغيرة المفتقرة الى روح الاقدام والمبادرة ، وتخاف من ان تتقدم الى الامام ، وتتخبط في التردد والتذبذب . وعلى العموم فإنها لست في مستوى المهام التاريخية .
" ان الطبقة العاملة المغربية ، ورجالاتها المخلصين ليسوا عبيدا لمثل هذه التخوفات والاضطرابات ، وبالنسبة لهم لا تعتبر الاتفاقات المبرمة شيئا مخجلا ، او دليل ضعف ...
ويرى حزب الطبقة العاملة ... ان وجود الازمة العامة ، وتزايد الوعي والنضج السياسيين ، واشتدادا ارادة الكفاح عند الجماهير ، وتحسن المناخ الدولي ... كلها عناصر تسمح ، في الظروف الراهنة ، بان تحصل بلادنا على التقدم وتسير الى الامام " .
الانفتاح ، حدوده وضرورته :
قبل ان يدعو حزب التقدم والاشتراكية الشعب المغربي " الى ان يساهم بأتمّه في هذا الاتفاق الايجابي الذي يقول به " ، كان من الاولى ، واحتراما لهذا الشعب ، وتقديرا لأهمية هذه القضية وخطورتها ، ان يعطي الحزب لهذا الموضوع ما يستحقه من التحليل والتفصيل ، وان يقدم ما يكفي من البراهين والعناصر الجديدة في الوضع التي تفرض على الشعب المغربي مثل هذا الاتفاق . خصوصا وان سبب تطويل التقرير ، والذي تطلب تسع ساعات لقراءته في المؤتمر ، هو كما قيل لغرض الوضوح والدقة . لكن للأسف ، لم يكن نطاق هذا الوضوح الذي اراده الحزب سوى لإعلان موقفه مما يسميه باليسارية المتطرفة ، والنزعة المغامرة ، والانقلابات . اي كل ما يبيض وجهه امام الحكم . ومع ذلك سنتابع هذا القليل الذي يفوه به السيد يعته لتبرير اتفاقه الايجابي .
الخلاف ليس في مبدأ عقد الاتفاقات المؤقتة حتى مع الاعداء ، اذا كانت في خدمة مصالح الجماهير والبروايتارية . ولكنه في نوعية هذا الاتفاق الذي يطرحه السيد يعته ، وفي امكانية تحققه ، والأغراض التي تخدمها هذه الدعوة ، وفي السلوك السياسي الذي تفرضه على اصحابها . وكما هو واضح منذ الوهلة الاولى ، ان هذا الاتفاق لا يشمل قضية واحدة بالذات ، بل يغطي اهم القضايا في الثورة الوطنية الديمقراطية ، وكان من الاحرى ان يسميه اصحابه تحالفا وليس اتفاقا .
لماذا انفتح الحكم نحو المعارضة ؟ . لقد تحايل السيد يعته قليلا على انتقادات خصومه ، ومع ذلك ظلت النتيجة صحيحة وواحدة ، وهي ان حزب التقدم والاشتراكية يعيش في الوهم وسائر في طريق الوقوع في مصيدة الحكم . وهذه النتيجة نقولها له جهرا وليس همسا سريا وفي الخفاء . ونضيف بان الحكم ليس وحده الذي انفتح على المعارضة ، بل حزب التقدم والاشتراكية هو الاخر انفتح على الحكم .
نعم ، هناك تبدل في الوضع السياسي بين " التفتح " للحكم ، بعد انتفاضة 23 مارس او بعد الانقلابين العسكريين ، وبين " تفتحه " الراهن في قضية الصحراء .
ففي الحالات الاولى كان الحكم في موقع ضعف داخلي ، إما بسبب الهجمة الجماهيرية في مارس ، او بسبب تفجر تناقضات جهاز الدولة ، وما نتج عنها من انحلال معنوي لدى الطبقة الحاكمة ، وقوة معنوية نضالية لدى الجماهير ، والتي شملت نضالاتها كل القطاعات المختلفة . لقد كان غرض الحكم في هذه الحالات هو الهاء القوى السياسية لفترة من الزمن ، قصد تجميع القوى ، وتمييع الصراع ، ولمّ النفس من جديد . ونذكر ان رئيس الدولة قدم " نقدا ذاتيا " مشهورا بعد انتفاضة 23 مارس ، وتبلور هذا النقد في مذكرة قدمها للأحزاب السياسية ، احتوت على برنامج هو اقرب الى رغبات المعارضة . لكن هذا لم يمنعه من فرض حالة الاستثناء ، والمضي بخطوات ثابتة في تطبيق التصميم الثلاثي ، وهو اول تصميم للاستعمار الجديد ، غرضه تقوية البرجوازية الزراعية الصاعدة . ولقد نجح هذا الاختيار ، وهو اختيار طبقي طبيعي ، ببرلمان شكلي للمعمرين الجدد بعد خمس سنوات من حالة الاستثناء المطلقة . وكان ابرز حدث في هذه المدة هو اغتيال الرفيق المهدي بن بركة ، وكان ذلك بمثابة اعلان بإنهاء خرافة التفتح ، وبعدما اطمأن الحكم لارتخاء المعارضة ، ولتراجع النهوض الجماهيري .
وبعد الانقلابين العسكريين التجأ الحكم الى نفس التكتيك . والجديد في الامر ، هو اسباب فشل مفاوضات 1971 ، كانت على الاقل واضحة ، حيث ان الحكم رفض الاصلاحات الاقتصادية الاساسية التي اقترحتها المعارضة ، والتنازل الوحيد الذي قدمه لها هو ادخال بعض التعديلات في دستور 1971 ، والتي احتفظت بالهياكل الحقيقية للحكم . ويبدو ان المعارضة لا زالت الى حد الآن راضية بهذا الدستور المعدل رغم تغني بعضها باسطوانة المجلس التأسيسي ، وصمت الاخرى عليه نهائيا . وفي نفس الوقت قوى الحكم جهاز القمع الى اعلى درجة ، ومارس ارهابا منقطع النظير ضد القوى الديمقراطية الحية وضد الجماهير . لقد كان الهم الحقيقي للحكم في هذه المرحلة ، وخلاصته الاساسية من الانقلابين ، هو ضرورة تحطيم الوزن السياسي الذي اصبح للجيش داخل النظام ، وضرورة تكوين جهاز دولة قوي قليل البذخ والرشوة ، وقليل التلاعب بمصالح الدولة والحلفاء ، وعلى رأس هذا الجهاز حكومة من التكنوقراطيين قادرين على تسيير شؤون الدولة . هذه هي حدود الرؤية التي كانت تسمح بها مصالحه ونمو ازمته الداخلية .
اما في الحالة الراهنة ، فان الجوهري هو تحديد المحرك الاساسي لهذا التكتيك من جديد ، لكي نتمكن من وعي ابعاده وحدوده . ان توقيت هذا " الانفتاح " بقضية الصحراء ليس مجرد صدفة ، لان الغرض الحقيقي للحكم ينطلق من حاجته الملحة في هذا الظرف الحرج الى " وحدة وطنية داخلية " قصد مواجهة تناقضاته الخارجية . ان كل خوفه هو ان تكون قضية الصحراء اطارا متأزما لنمو الصراع الطبقي . ولهذا ينبغي تقوية مركزه الداخلي حتى يتم له مواجهة قضية الصحراء بما يتلاءم مع مصالحه الخاصة . ان الحكم مضطر في هذه المرحلة لتحريك الجيش الذي فككه وأبعده بعد الانقلابين العسكريين ، ومضطر لخوض معركة دولية لم تكن في صالحه نهائيا ، وهو محتاج اكثر لطلب مؤازرة الجماهير لسياسته ، وفي شروط اقتصادية خانقة . هذه هي الاسباب التي دفعت بالحكم الى هذا الانفتاح المؤقت ، وهي تعني ان تناقضات الحكم الخارجية لا تصلح مطلقا ان تكون مدخلا لاتفاق ايجابي معه ، وذلك بسبب طبيعتها .. فاذا كان من الجلي ان تناقضات الحكم مع الجزائر لا صلة لها بتركيبه العضوي ، لان الجزائر ليست طرفا في التحالف الامبريالي الرجعي المسيطر على النظام الاقتصادي القائم ، فان استمرار هذا التناقض سيدفع بالحكم الى تقوية علاقته مع الامبريالية ، وسيدفع بالجماهير والقوى الديمقراطية الى معركة دفاعية تستنزف قواها هدرا ، وتغطي على مشاكله الداخلية ، ويستفيد منها الحكم بالدرجة الاولى ، حتى ولو كانت في اطار انفتاح سياسي ليبرالي افضل . اذا كان الامر كذلك ، فان تناقضات الحكم مع الامبريالية والاستعمار الاسباني ، وبالتدقيق مع طرف من الامبريالية والاستعمار ، كانت محدودة بطبيعة العلاقات العضوية فيما بينهما . ذلك ان صراع المصالح هو بين : إما تشكيل دويلة في الصحراء ، كأفضل صيغة لاستمرار هيمنة الامبريالية في المنطقة . إما تقسيمها او الحاقها بالمغرب ضمن نفس الهيمنة للاستعمار الجديد . ان وعينا بحدود هذه التناقضات ونوعيتها لا يلغي ثورية النضال الذي تخوضه الجماهير الشعبية من اجل استكمال وحدة وطنها ، لان منطلقاتها مناقضة جذريا لمصالح الحكم و الامبريالية . كما انه لا يعني استخفافا بحجم التناقض بين الحكم وحلفائه ، وان كان يرسم بوعي حدوده وآفاقه . وما ضخامة الاحداث التي عاشتها المنطقة ، والتي اوشكت ان تؤدي الى صدام مسلح مع الاستعمار الاسباني ، لولا تداخل المصالح وتقاطعها عبر تطور الصراع السياسي في المنطقة ، والذي تحول في غير مصلحة الطرف الامبريالي – الاسباني المؤيد للدويلة .. وما ذلك إلا دليل على اهمية هذا التناقض وخطورته على الوضعين الداخلي والاسباني .
ليس هدفنا الآن ، ان نوضح بما فيه الكفاية كل لوحة الصراع في قضية الصحراء ، فذلك ما سنفعله لاحقا . لكن حسبنا ان نخلص الى ان معادلة الصراع قد انتهت مع الطرف الاسباني – الامبريالي الى صيغة نهائية في الاتفاقية الثلاثية . ولذلك لم يعد من اللائق حتى الحلم بعقد تحالف ايجابي مع الحكم بناء على تناقضاته السابقة ، ما دام الجوهر من الاتفاق المزعوم ، هو ضرب المصالح الامبريالية بالأساس .
وعلينا الآن ان نرى حدود هذا الانفتاح في الوقائع نفسها . لقد وضعت كل القوى التقدمية والوطنية مطالب ادنى لهذه المرحلة ، ووضع بعضها شعار حكومة انقاد وطني . فماذا تحقق من ذلك ؟ .
--- العفو العام لم يتحقق ، بل ان المحاكمات وطبخ الملفات استمر امام الملأ ، وفي جو الاجماع الوطني .
--- حرية العمل السياسي والنقابي ظلت محصورة في نطاق سياسة الحكم . فالصحافة تمنع حينما تريد الخروج عن الدائرة المسموح بها ، والمظاهرات منعت رغم انها من اجل قضية يدور حولها الاجماع كما يقال ، والاتحاد الوطني لطلبة المغرب لا زال ممنوعا ، وحكم الاستبداد المطلق لا يزال هو المطبق على الجماهير الفلاحية ، والظهائر التي تقيد الحريات العامة لم يطرأ عليها اي تعديل .
--- الانتخابات اجلت الى وقت يريده الحكم ، ومنذ الآن اصبح من الواضح ان دستور 1971 المعدل ، سيكون هو اطار هذه الديمقراطية الشكلية ، وهو بعيد كل البعد عن الانتخاب العام والمباشر ، فبالأحرى اللوائح الحزبية والاقتراع النسبي وحق الانتخاب في سن 18 .
--- المستوى المعاشي للجماهير الشعبية في انخفاض مستمر ، بينما الحكم مستمر في تطبيق اختياراته الاقتصادية " الخماسية " خدمة للرأسمال الاجنبي والكمبرادوري .
--- حكومة الانقاذ الوطني او الاجماع الوطني حدد الحكم طبيعتها بمساهمة الاحزاب ، ان ارادت ذلك ، في مراقبة الانتخابات المقبلة . وبالطبع ستشاهد بأم عينيها عدم " حياد الدولة والإدارة " في هذه المعارك الانتخابية .
هذه هي الحدود الواقعية لانفتاح الحكم ، والتي كان مطلوبا من حزب التقدم ، على افتراض انه مكافح ، ان يبرزها بشكل واضح ، لكي يقوي عزيمة الجماهير في النضالات المقبلة ، لا ان يدفع بها الى التراخي بتضخيم وإبراز ما هو ثانوي في الوضع . ان شرعية الاحزاب اذا لم تكن اداة كفاح فهي وسيلة للتخدير والتبرجز . من هذا التحليل الواقعي ، وانطلاقا من طبيعة الحكم نفسها ، اكدنا ان المواقع الهامشية التي نالتها القوى التقدمية في حرية العمل لا زالت مواقع هامشية ، لأنها لم تكن نتيجة لتحول فعلي في ميزان القوى الذاتي بينها وبين الحكم ، بل نتيجة لتوافق جملة شروط موضوعية تدفع الحكم الى هذا الانفتاح المحدود .
نحن ايضا نقر مع الجميع بان قضية الصحراء فتحت دينامكية جديدة في النضال الوطني والطبقي . لكن شتان ما بين الرؤيتين ، بين ، من ينطلق من الاجماع الوطني ويتجه نحو الاتفاق الايجابي مع الحكم ، وبين ، من ينطلق من تقوية الصراع الطبقي ويهدف الى عزل الحكم .
ان الاحزاب الثورية لا تبني مواقفها على التمنيات ومن " اذا ما بقي الانفتاح ثابتا واستمر واغتنى " ، بل على اساس الواقع وتحليل اتجاهاته الموضوعية . وهذا ما تعجز عنه البرجوازية الصغرى التي تفتقد الى النفس الطويل ، وتريد دائما ان تنهي الصراع التاريخي بمساومة تاريخية .
طبيعة الكمبرادور المعادية للديمقراطية :
لان البرجوازية الكمبرادورية عاجزة في الميدان الاقتصادي ان تكون قوة محركة ضد التبعية وقرينها التخلف ، فهي بنفس المستوى غير قادرة ان تكون قوة ديمقراطية ، ولو بالشكل الليبرالي التقليدي .
وعلى العكس ، فهي في الميدان السياسي والإيديولوجي اكثر تخلفا وتعلقا بالإرث الاقطاعي ، وبمعنى اوسع بدولة وصية وقمعية . ان الخاصية الاساسية لسلطة الدولة انها حكم مطلق شبه اقطاعي . وهذا الشكل من الحكم يستمد عناصره من :
--- ان البرجوازية طبقة طفيلية مدينية بغناها وتوسعها لنظام الحكم المطلق . وبسبب هذه التربية المخنثة تقف البرجوازية الكبرى ضد اية ديمقراطية ليبرالية منسجمة . لان ذلك سيمكن الجماهير من فرض رقابة مستمرة على الدولة ، هذه الدجاجة التي تبيض لها ذهبا ، وخاصة وان النمو الطفيلي للبرجوازية لا يصاحبه تحسينات عامة وفعلية في مستوى حياة الجماهير الشعبية . وهذا ما يجعل تناقضات البرجوازية نحو التسابق على امتيازات الدولة ، تجري خفية في ميدان الرشاوى والعلاقات الاسرية ، ولا علاقة لها بالصراع الحزبي السياسي الواضح .
--- ان الشكل الاقطاعي للسلطة يسمح للبرجوازية الكمبرادورية بالاستفادة ايضا من مظاهره الايديولوجية الدينية ، لان القاعدة التي يرتكز عليها الحكم المطلق تستند على شرعية دينية كممثل لإرادة السماء . فالملك خليفة الله في ارضه ، وحامي الدين والعباد . وعلى النقيض من السلطة البرجوازية التقليدية التي تقوم على التساوي نظريا بين المواطنين ، وتمثيل ارادة الشعب . وبذلك تتمكن البرجوازية من تغليف استغلالها غير المشروع وغير المبرر تاريخيا ، بان تضفي عليه طابع القداسة والديمومة .
--- ان نظاما برلمانيا برجوازيا منسجما يمس اولا وقبل كل شيء سلطة الملك نفسه المقدسة ، ويحرمه من امتيازاته التاريخية ، والتي استطاع بواسطتها ان يدعم مركزه الاقتصادي ، ويتربع في اعلى السلم الطبقي . " ان العائلة الملكية هي اكبر رأسمالي مغربي نفوذا ، وهي اكبر ملاكي البلاد ، وللقصر الملكي مركز مقرر في النشاطات التجارية المغربية وفي بسط الحماية الاقتصادية ، ويشترك اعضاء الاسرة الملكية ، كالأمير مولاي علي ، بصورة فعالة في الاعمال التجارية بالمملكة . كما يملك القصر استثمارات كبيرة في البنوك والمشاريع داخل المغرب وخارجه . ويملك اصهار الملك : حسن اليعقوبي ، ومحمد الشرقاي وآخرون غيرهم داخل عالم الاعمال ، دعما قويا من القصر ، وهم الآن اعضاء في اسرة اقتصادية يحاول الملك توسيع حدودها بصورة مستمرة . فمن اجل هذا الهدف يستطيع الملك توجيه الاعمال الحكومية بطريقة تميز اعضاء معينين للطبقة الحاكمة على حساب آخرين ، او تهدد مصالح من يعصونه . وبنفس القدر وسعت الاسرة الملكية ممتلكاتها الزراعية . وتقف الاسرة الملكية على رأس البرجوازية الزراعية الجديدة . ان هذا المركز المقرر للملك في المجال الاقتصادي يتعزز من خلال سيطرته على الجهاز الاداري . فهو يراقب المراكز الادارية المرغوبة ، ويستخدم ايضا التعيينات لنفس الغرض الذي يوزع به المنح والهبات الاقتصادية للحفاظ على ولاء زبانيته وزيادة عددهم وضرب اعداءه " ( مقال " التحول المعاق " نشر بجريدة انفاس – السلسلة الجديدة -- ) .
لكل هذه الاسباب ندرك لماذا عجزت البرجوازية الكبرى عن تكوين حزب سياسي يدافع عن مصالحها باستقلال نسبي عن الدولة . لان الدولة في واقع الامر ، هي القيادة الاقتصادية والسياسية للبرجوازية الكمبرادورية .
ولان الحزب بالأحرى هو نشاط سياسي جماهيري ، يعتمد برنامجا و’مثلا هما في الواقع غير ممكنين في نظام لا يمكنه ان يعيش إلا بالقمع والتفقير المطلق للجماهير ، ولذلك عرفت البرجوازية الكمبرادورية نشاطا سياسيا حزبيا وقتيا ، ليس فيه اي ابداع ، ولا ينفصل مطلقا عن الجهاز الاداري ووسائله القمعية والمالية كمثل جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية ، او نشاطا سياسيا يعتمد استعمال الفروق الاقليمية كإيديولوجيا ، لكسب عواطف الجماهير التي لم تدرك بعد الاسباب السياسية العميقة لهذه المظاهر الاقليمية من الاستغلال . وحتى في هذه الحالة ، يظل هم برجوازيي هذه الاحزاب ، هو تعميق الصلة والارتباط بجيوب الدولة . و آخر مثال هو الحزب اللبرالي التقدمي . لقد توهم فيه بعض الاصلاحيين انه سيكون حزب الطبقة البرجوازية الليبرالية الطامحة للتصنيع . ان هذا الحزب تتشكل قيادته من البرجوازية السوسية ، ويفتش عن زبنائه الحزبيين في المحيط السوسي مغذيا روح الاقليمية لديهم . اما برنامج هذه البرجوازية الصناعية الكاريكاتورية ، فيكفي ان نشير الى تخلفه في نقطتين اساسيتين ، الاولى وهي غياب الاصلاح الزراعي الذي بدونه ليس هناك تصنيع ، والثانية امله في حياة نيابية دون اي تحديد برنامجي لمعنى هذه الحياة النيابية الدستورية ، مما يعني انه ترك هذا التحديد لمبادرات الحكم المطلق . و فوق ذلك ، فان " الليبرالية " تقتل يوميا في المغرب ، ومع ذلك لم يرفع هذا الحزب اللبرالي التقدمي صوت احتجاج ولو خافت وخجول . هذا بغض النظر عن الاشكال الاخرى الرجعية والفاشية للنشاط الايديولوجي والسياسي للبرجوازية الكبرى ، كمختلف فرق الاخوان المسلمين والمتصوفين .. لخ ، وأنواع الشعوذة وابتكارات البوليس . ولئن كان الشكل الاوتوقراطي للدولة يجد اصوله في التطور التاريخي للمجتمع المغربي ، وفي البنية الاقتصادية القائمة ، فانه مع ذلك يثير تناقضات داخل الطبقة الحاكمة وداخل جهاز الدولة . ان الامتياز الذي تتمتع به الاوتوقراطية ووسائل الضغط السياسية والاقتصادية والإدارية التي تملكها ضد الطبقة المسيطرة نفسها ، يرتبط بقاؤها بقدرة الحكم على ضمان الاستغلال الكمبرادوري والامبريالي في افضل الشروط . ولهذا ، وبعدما اصبحت الاوتوقراطية تفقد امكانية سيطرتها على الوضع ، وتفقد سحرها الايديولوجي في اعين الجماهير ، خاصة بعد انتفاضة مارس ... رأينا ان جزءا من الجهاز الحاكم حاول التخلص من هذا الطفيلي المستبد ، وحاول استدراك الوضع لصالح التحالف المستغل قبل فوات الاوان . ولا شك ان تخليص الدولة من هذا الشكل الاقطاعي في الحكم ، والحد من عفونة جهاز الدولة وتحلل الطبقة الحاكمة ، كان سيخفف من النقمة الشعبية . هكذا كانت الصورة عند الجناح العسكري الكمبرادوري في الانقلابين العسكريين السابقين . بينما هي في الواقع لن تعطي للجماهير سوى استبدال جهاز اوتوقراطي مستبد ، بجهاز عسكري من نفس النوع . والنتيجة ، هي انه مهما كانت حدة التناقضات داخل الطبقة الحاكمة ، ومهما تنوعت ، فان البرجوازية الكمبرادورية غير قادرة بالمرة ان تكون قوة ليبرالية ديمقراطية منسجمة . ومن جهة اخرى ، فان توسع العلاقات الرأسمالية في ظل التبعية لا يتبعه تقدم برجوازي ليبرالي على صعيد البناء الفوقي . ولهذا نجد هذه المفارقة الغريبة . ان المدافعين عن الديمقراطية البرجوازية ليسوا هم الرأسماليين الكبار ، بل غيرهم من الطبقات الشعبية .
ان حزب التقدم والاشتراكية يعي نسبيا المأزق المسدود للديمقراطية البرلمانية في اطار الهياكل القائمة ، وهو لذلك يقترح الاولوية لحكومة وحدة وطنية مهمتها القيام بالإصلاحات الهيكلية الضرورية ، حتى تمهد التربة للانتخابات البرلمانية الحقيقية . ومع ذلك لا يتجاوز الحزب الذهنية الاصلاحية ، لان المسألة تظل في تصوره قضية " اولويات " اسبقيات " و " ترتيب قضايا " في اطار الاتفاق والتعاقد مع الحكم القائم .
مسألتان اساسيتان في البناء الديمقراطي :
الذي يتمشى فعلا مع متطلبات الثورة الديمقراطية الوطنية :
الاولى ، وهي تحطيم السيطرة الاقتصادية لمالكي وسائل الانتاج . وعلى النقيض من الديمقراطية البرجوازية التي تحتفظ بالتفوق الاقتصادي لصالح البرجوازيين ألكبار الشيء الذي يمكنهم من السيطرة ايضا على الانتخابات البرلمانية وعلى السلطة ، تقوم الديمقراطية الثورية بالتمليك الجماعي لوسائل الانتاج ، وبذلك تفسح المجال لديمقراطية حقيقية للجماهير الشعبية ، او لديكتاتورية الاغلبية على الاقلية .
والثانية ، وهي تحطيم جهاز الدولة القديم . فعلى النقيض ايضا من الديمقراطية الاصلاحية ، تكون المهمة الاولى الملقاة على الديمقراطية الثورية ، والتي بدونها يستحيل تثبيت سيادة الشعب ، ويستحيل تحقيق التحول الاشتراكي ، " هي تحطيم جهاز الدولة القديم في السلطة ، والإدارة ، والجيش والبوليس ، والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية " ، وهذا يعني تصفية مختلف اشكال السيطرة البرجوازية عليها ، ودمقرطتها ، بإخضاعها للمراقبة والتسيير المباشر للجماهير . وبهذا المعنى يكون جهاز السلطة للجماهير شاملا لكل الميادين ، ومنتخبا بصفة مباشرة من الجماهير . ان هذا البناء السياسي يختلف نوعيا عن الهيئة البرلمانية البرجوازية في المضمون والشكل . ففي المضمون يقوم على انقاض السيطرة البرجوازية ، ويمثل سلطة العمال والفلاحين وباقي فئات الجماهير الشعبية . وفي الشكل يقوم على مشاركة واسعة للجماهير ، وعلى دمج كل انواع المؤسسات الانتاجية والاجتماعية والسياسية ، وإخضاعها للمراقبة الديمقراطية الجماهيرية . وبذلك لا تتحول ملكية الدولة وأنشطتها الى جهاز فوق المجتمع ، يملك باسمه ويخطط له .
وبطرحنا لهذين الهدفين المترابطين ، لا نكون على طرفي نقيض مع امكانيات النظام القائم فحسب ، بل ومع الديمقراطية البرجوازية نفسها .
ب --- نقد الموقف من المسألة الوطنية :
كان بالإمكان ان ندمج هذا النقد لموقف الحزب من المسألة الوطنية ضمن نقدنا لبرنامج الاتفاق الايجابي ، خاصة وان القضية في نظر الحزب تشكل بداية لهذه الديناميكية الجديدة والتي ستؤلف بين الحكم من جهة ، ومجموع الطبقات الشعبية من جهة اخرى . ولكن تمييزنا من الناحية المنهجية بين النقط الثلاث لبرنامج الاتفاق ( الاصلاح الزراعي + التصنيع + الديمقراطية ) وبين القضية ، ينبع من اعتبارين :
++ ان القضية الوطنية تنفرد في الواقع باستقلال نسبي عن قضايا الصراع الاخرى ذات الطابع الوطني – الديمقراطي .
++ انها اوشكت على النهاية بمقدار 90 في المائة ، بينما آمال الحزب في عقد اتفاقه مع الحكم ستستمر بالرغم من ذلك ، باعتبار ان الاتفاق المرغوب وليد لعدة تحولات اخرى ، غير قضية الصحراء او تناقضاتها .
لننتقل اذن الى موضوعنا ، واضعين في حسابنا كل المقالات والنقاشات التي جرت في هذا الموضوع ، والتي لا نعتقد اننا بحاجة الى تكرارها ، اللهم ما استدعته الضرورة . ولهذا نعتذر مسبقا لقرائنا ، اذا كانت هذه المقالة لا تستوفي النقاش المفصل لكل جوانب القضية ، وتكتفي فقط بتسجيل ما هو اساسي في نقدنا وفي موقفنا .
الاجماع الوطني :
لمدة سنتين احتل النضال من اجل تحرير الصحراء المغربية المرتبة الاولى في النضال التحرري للشعب المغربي . ولا نبالغ اذا قلنا ان المعركة كانت فعلا معركة مصيرية ، لان اية هزيمة وطنية – مفترضة – كانت ستدفع بنا ، وبلا شك ، خطوات بعيدة الى الوراء سواء في نضالنا الداخلي ، او في نضالنا الوحدوي على صعيد المغرب العربي .
داخليا ، ستكون ضربة قوية وعميقة لمعنويات الجماهير الشعبية ، خاصة وهي التي لا زالت تعاني من انتكاسات متعددة في صراعها التحرري . وستكون النتيجة تكريسا كاملا لهزيمة الاستقلال الشكلي .. وعلى صعيد المغرب العربي ، فان عوامل التجزئة ستتضاعف ، والرابح الاكبر هو الامبريالية . ولنقل ايضا ان انتصار الاتجاه الاقليمي هو بالنتيجة هزيمة كبرى لوحدة المغرب العربي ، التي وان كانت لا تظهر آفاقها قريبة ، فمع ذلك فان انتصار الشعب المغربي في قضيته ، كانت جزءا لا يتجزأ من تقوية تيار الوحدة في المغرب العربي .
قد يفترض العكس . قد يقال ان بعض الهزائم افضل احيانا من بعض الانتصارات ، ولهذا فان الهزيمة المفترضة سوف تعقد ازمة النظام ، وستدفع الحكم الى العزلة القاتلة ، و سوف تسرع عملية الاطاحة به .. لخ ( طرح منظمة الى الامام ) .
لكن هذا التصور ، حتى وان كان ممكنا في الواقع ، تصور فوضوي الى النهاية ، لانه لا ينطلق في الصراع الملموس من مصلحة مادية فعلية معينة ، حتى وهو يتخيل الثورة الوشيكة . وأصحابه لا يعبرون في هذا الموقف إلا عن انقطاعهم التام عن المصالح الملموسة للجماهير الكادحة .ونقول اننا نفضل بعض الانتصارات التي تطالب بها جماهيرنا على وعدكم بالانتصار النهائي المحتمل ، ولكن بعد هزيمة اكيدة .
ان استرجاع الصحراء ، بحكم التعريف ، مهمة من مهام استكمال التحرر الوطني . وبكلمة ادق ، من مهام النضال ضد السيطرة الاستعمارية المباشرة . لكن وضع القضية بعد عشرين سنة من الاستقلال الشكلي غيّر كثيرا من معطياتها وأبعادها . ان وضع القوى بين البلدين ، اسبانيا والمغرب ، وداخل كل منهما ، قد تغير بشكل محسوس عما كان عليه سنة 1956 . ولهذا لا مجال لسحب مفاهيم الحركة الوطنية لسنوات 1953 – 1956 على الوضع الراهن . لقد طرحت القضية في الصراع النهائي والفاصل في وقت اصبح فيه التناقض واضحا وبارزا بين الحاكمين والمحكومين ، وفي وقت اصبحت فيه الفاشية الاسبانية تعيش آخر ايامها . هذا الوضع الداخلي والخارجي اعطى لمشكلة الصحراء ، ليس فقط وزنها الثقيل الذي هز المنطقة هزا ، الى ان صارت من الاحداث الدولية الكبرى ، بل اضفى عليها ايضا ، وفي البلدين ، طابعا ديمقراطيا مباشرا . ومعنى ذلك ، ان حصيلة الصراع ستكون بالضرورة لصالح نمو الديمقراطية في البلدين ، ولصالح تضييق الخناق على الفاشية الاسبانية ، وعلى الحكم الرجعي المغربي . هذا ، إن استطاعت القوى ان تستفيد لدرجة قصوى من الازمة التي فجرتها قضية الصحراء المغربية .
وفي هذا الاطار ، برز انحرافان اساسيان في معالجة القضية الوطنية المطروحة ، انحراف يسراوي ( الى الامام ) وانحراف يميني .
الاتجاه الاول ، انطلق في البداية من مطابقة عمياء بين مهمة استكمال تحرير باقي الاجزاء المحتلة ، ومهمة الثورة الديمقراطية . فلم يعط لآي منهما استقلاله النسبي عن الاخر – لا في الزمان ولا في المكان ، ولا في القوى الاجتماعية المنخرطة في كل من المهمتين . نقول انطلق في البداية ، لان هذا الاتجاه اطروحته المشهورة " تحرير الصحراء في اطار الثورة العربية " قبل ظهور البوليساريو ، وقبل ان يبرز اي رد فعل اقليمي جماهيري انفصالي . فقد يكون هذا الخطأ – اذا احتفظنا بتحرير الصحراء كمهمة مطابقة للثورة الديمقراطية المغربية -- مقبولا ومبررا في ظروف سابقة ، حيث ان الديناميكية الواقعية للإحداث لم تخطئه بعد ، وكانت بالتالي تسمح بوضع هذا الاحتمال . اما ان الوقائع قد تفجرت بشكل معاكس ، اما وان قضية الصحراء قد طرحت من اجل الحسم قبل ان تستكمل القوى الثورية كل مقوماتها ، اما وان تناقضات جديدة قد انفجرت داخل جبهة الاعداء الرئيسيين ، اما ... لخ فان الاصرار على الخطة القديمة يعتبر خطأ كبيرا وكبيرا جدا . غير ان الانحراف اليسراوي بدل ان يغير الموقف لصالح التاريخ الواقعي ، وجد من جديد ما يبرر انزلاقه النهائي . وفي هذه المرة اعدم مطلقا مقولة الوطن لصالح " الثورة الاجتماعية الخالصة " او حسب شعاره السياسي ، لصالح وحدة في اطار نظام ديمقراطي شعبي ، تسمح الآن بحق تقرير المصير للسكان الصحراويين . ان بوادر هذا السقوط في العدمية الوطنية ، كانت متضمنة مسبقا في المفهوم الغامض " لتحرير الصحراء في اطار الثورة العربية " . والحجة في ذلك " الواقع الجديد الذي ظهر في الصحراء " و " رغبة الجماهير الصحراوية ّ التي تعبر عنها " جبهة البوليساريو " " المعادية للامبريالية والحكم الرجعي " . وكانت اخطاء هذا الاتجاه قاتلة وفظيعة على المستويين النظري والسياسي .
نظريا ، حرّف مفهوم تقرير المصير الذي تحول على يده من شعار " تقرير المصير للشعوب والامم " تجاه الامبريالية ، الى شعار " تقرير المصير لجزء من الجماهير الكادحة " داخل الشعب الواحد .
وسياسيا ، كان همّ هذا الاتجاه ان يحافظ على " نقاوة " الصراع الطبقي ضد الحكم ، كان همه ان يحافظ على " نصاعة " قيادة البروليتارية للثورة الديمقراطية الوطنية . لكن نتيجة اطروحاته كانت بالعكس : الانفصال عن الجماهير المغربية ، تزكية المخطط الامبريالي ، وتدعيم كل النتائج السلبية في المدى القريب والبعيد لانفصال من هذا النوع ، تكريس التجزئة ، واخيرا وليس آخرا استبدال قيادة البروليتارية بقيادة " البوليساريو " .
ما لم يفهمه هذا الاتجاه ، ان بين المقولتين " الوطن او الطبقة " " الثورة الديمقراطية ، ومهمة استكمال تحرير المغرب من السيطرة الاستعمارية المباشرة " ترابط وتكامل ، واستقلال نسبي . لسنا في حاجة الآن الى توضيح نظري جديد في هذا الموضوع ، فاختبار الاحداث ، وتفحص تصرف كل القوى الاجتماعية كاف لإعطاء الجواب العملي والحاسم .
الاتجاه الثاني ، عمم الجانب الوطني من المعركة على حساب كل القضايا الديمقراطية . ولم يحصر حتى جانب " اللقاء " مع الحكم في قضية الصحراء بالذات ، بل تجاوزها بإعطاء مضمون جديد لكل المرحلة التي نعيشها ، مضمون يعتمد المساومة التاريخية مع الطبقة الحاكمة ، وفي كل القضايا الاساسية للثورة الديمقراطية . وبعبارة اخرى ، ارجع التاريخ القهقرى عشرين سنة الى الوراء . هذا الاتجاه الذي يمثله في المعسكر " التقدمي " حزب التقدم والاشتراكية يتنكر للحقائق التالية :
--- ان التناقض بين الحكم والامبريالية في قضية الصحراء ، كان في الواقع الملموس مع اتجاه او فرع من الفاشية – الامبريالية . وهذا التناقض في حد ذاته لا يغطي كل المرحلة ، لأنه لا يشمل كل الواقع الاقتصادي – الاجتماعي والسياسي للنظام القائم .
--- ان اكثر من 95 في المائة من الشعب ألمغربي كانت تعيش خارج الصحراء وفي ظل واقع الاستعمار الجديد . وان التناقض الذي يحكم هذا النظام هو بين الامبريالية ( كل الامبريالية المسيطرة ، فرنسا وأمريكا وألمانيا ، وفرعها المتخلف الفاشي الاسباني ) والطبقة الحاكمة من جهة اخرى . فلسنا في زمن الاستعمار القديم ، ولا نواجه بتهديد من هذا النوع .
وخلاصتنا من ذلك ، ان التناقض الرئيسي لن يتغير ، ولن يتغير ، بسبب قضية الصحراء . ولكن هذا لا ينفي وجود تناقض ثانوي في جبهة الاعداء بين الحكم والاتجاه الفاشي الامبريالي . ورغم ثانوية هذا التناقض من منظورنا الاستراتيجي الطامح للتحرر الكامل من السيطرة الامبريالية ، فانا نعترف له بأهمية بالغة في معركتنا الظرفية الوطنية ، لانه على الاقل يشكل قاعدة للضغط الجماهيري من اجل توظيف كل جهاز الدولة ( الدبلوماسية + الجيش ... ) لصالح انتصار هذه المعركة التي هي اولا وقبل كل شيء في مصلحة الجماهير الشعبية .
فقط فاقدو الوعي ، والثقة بالجماهير ، هم الذين ينكرون اهمية التناقضات الثانوية في جبهة الاعداء لصالح الثورة . ولقد اعطتنا الثورة الفيتنامية خير درس في هذا المجال ، وهي التي ميزت واستفادت من التناقضات داخل جبهة الاعداء طوال تجربتها التاريخية . ولعل خير ما نستدل به هنا ، هو خلاصة الفيتناميين من تجربتهم " اما فيما يتعلق بتحديد العدو فتؤكد تجربة الثورة الفيتنامية على ان تحقيق النصر يتطلب من الحزب ان يحدد قبل كل شيء العدو الذي ينبغي قتاله في كل مرحلة استراتيجية ( او كل فترة من فترات معينة ) وان يستهدف باستمرار العدو الواقعي الراهن لا العدو بصورة عامة ، ويميز بين العدو الرئيسي والأعداء الثانويين ، ويعزل العدو الرئيسي المباشر بغية التغلب عليه ، ويستغل التناقضات داخل معسكر الاعداء لتشتيت صفوفهم الى اكبر حد ممكن ، ويركز نيران الصراع الثوري ضد العدو الرئيسي المباشر " . ( انظر : استراتيجية الحزب الشيوعي الفيتنامي وتكتيكه -- جريدة 23 مارس العددان 8 و 9 ) .
ولقد بينت الاحداث نفسها ان استرجاع الصحراء ، هذه الخطوة التي لا تخرج في الواقع الراهن عن اطار الاستعمار الجديد ، تطلبت عراكا دام سنتين ، وكاد ان يؤدي لصدام مسلح غير محسوب النتائج على الفاشية الاسبانية وعلى الحكم الرجعي المغربي نفسه . طبعا ، قد يقول البعض ممن على اعينهم غشاوة تقرير المصير ، ان العامل الحاسم في ذلك كان هو الخوف الامبريالي من خطر " الدولة الديمقراطية الشعبية " ، ومن تصاعد الكفاح المسلح الذي تقوده البوليساريو . لكن هؤلاء يعجزون عن قراءة الاحداث التي جرت امام اعينهم قراءة جيدة . و نسألهم على الفور : لماذا تشبث الاتجاه الفاشي -- الامبريالي بمشروع الدويلة الى وقت المسيرة ، ان لم يكن ذلك نتيجة لتقدير الامبريالية للمستقبل المظلم الذي ستندفع اليه المنطقة ، وللحفاظ على كلية مصالحها ، وخاصة نتائج ذلك على وضعية الحكم الاسباني الهشة ؟ .
اذا قررنا بوضع التناقضات كما بينا ، يبقى السؤال هم : كيف نستفيد من هذه التناقضات في مجموعها خدمة للقضية وخدمة للثورة ؟ .
ان كوننا نقول ان التناقض الرئيسي هو كذا .. يفرض علينا مسبقا ان نخوض المعركة من موقع مستقل عن الحكم . ان نضع مركز ثقل عملنا في النضال الجماهيري ، وهذا يتطلب بالضرورة ان ندمج نضالنا الوطني بنضالنا الديمقراطي ، و ذلك من اجل انجاح قضيتنا الوطنية نفسها ومن اجل التقدم بخطوات في قضيتنا الكبرى التي هي الثورة الوطنية الديمقراطية . وهذا الواجب يفرض علينا من جملة ما يفرض ان لا نقوي عند الجماهير نزعة الإنجرار والثقة في الحكم كمثل " واليوم وقد جاء التكذيب على لسان العاهل نفسه امام العشرات من ممثلي الرأي العام الدولي حين نفى ان المغرب يفكر في – ان يفتح للحلف الاطلسي ابواب الصحراء مع قواعد ضخمة في هذا الجزء من افريقيا – لم يعد اذن التباس وابتداء من 18 فبراير 1976 ان يكون هناك لا جنود اسبان ولا قواعد اجنبية في الصحراء الغربية المغربية " .
ان اصحاب الانحراف اليميني لكي يغطوا انحرافهم ، رفعوا القضية الوطنية الى مرتبة القدسية الدينية . وكلمتهم الاخيرة ، ان نداء الوطن لبيناه بإخلاص ودون حسابات حزبية او طبقية ، وهما بمعناهما الصحيح مرادفان لمصلحة واحدة . والحقيقة والواقع ان كل القوى كانت لها حساباتها الخلفية . وان هذا القول بحد ذاته كان تصرفا حزبيا وطبقيا ، لان لا مصلحة وطنية مقدسة فوق مصلحة الجماهير . فمن حقنا ومن الواجب ان نحسب الف حساب لمصلحة الجماهير في المعركة الوطنية نفسها . واخطر ما في الامر ان تدعي الجماهير لتقوية التحالف مع الحكم بتبرير ان الاعداء الخارجيين يستغلون تناقضاتنا الداخلية . فمتى كان نضال الجماهير من اجل مصالحها الاقتصادية والسياسية اضعافا للنضال الوطني ؟ .
هل كان خطأ حزب التقدم والاشتراكية مجرد خطأ نظري لم يتبلور في شعارات سياسية ملموسة ؟ .
سيتبادر الى ذهن القارئ مباشرة الموقف المشروط واللاوطني ، من اطلاق سراح المعتقلين السياسيين ، وسيلتمس معنا بسهولة الروح المكتبية الباردة في شعاره السياسي المركزي " حكومة الائتلاف الوطني " . تقول جريدة البيان في احدى افتتاحيتها : " ان اعطاء الكلمة للشعب يتطلب تحضيرا دقيقا وواسعا وشاملا ومنظما احسن تنظيم ، الامر الذي يستوجب وقتا اطول من الوقت المعلن عنه ، تحضيرا لا يمكن ان يتم بنجاح إلا على ايدي حكومة مسئولة تشارك فيها القوى التقدمية والوطنية ، بدون استثناء ، على هدى برنامج مشترك ومستعجل . من هنا ينبغي ان نبدأ ، اي من تكوين الحكومة الوطنية الائتلافية التي عليها ان تجابه ، قبل كل شيء ، قضية الصحراء الغربية المغربية وباقي اقاليمنا المحتلة ، وكذا المشاكل الاقتصادية والاجتماعية " . فهل من يفكر في هذا التحضير " الدقيقي الواسع ، الشامل ، المنظم احسن تنظيم " ، بواسطة حكومة وطنية يعول في ذلك على موازين قوى نضالية فعلية في الساحة ، في الوقت الذي لا يستطيع فيه حتى ان ينتزع احترام حرية الصحافة ... ام انه يعول على هدنة وتعاقد مع الحكم ؟ بلا ادنى شك . ان قوة الحزب النضالية معطلة ومقيدة بهذه الاوهام اليمينية .
التقسيم والعلاقة مع موريتانيا :
لنر اولا ماذا كانت عليه مواقف حزب التقدم والاشتراكية من هذه المشكلة ، ثم كيف حدد موقفه فيما بعد من الاتفاقية الثلاثية . يقول السيد يعته في تقريره للمؤتمر ما يلي : " وإذا ما سرنا في هذا الاتجاه ( وهو اتجاه التعبئة الكاملة لطاقات البلاد ) ، واتخذنا هذه الاجراءات ، فمن المؤكد ان نفشل المناورات التي تقوم بها بعض الدول ، وبعض الاصدقاء ، وحتى بعض الاشقاء والجيران ، وان نتغلب على " الحلول " الاستسلامية ، كالحلول التقسيمية التي تقدمها بعض الاوساط الاجنبية وتحاول ان تقودنا اليها .
طبعا ، فيما يخص الحدود بيننا وبين الاشقاء الموريتانيين ، فلا نرى مانعا ، بعد تحرير اراضينا والاعتراف بسيادتنا ، ان نفاوض معهم في الموضوع ، وان ندقق الحدود ، وان اقتضى الحال ان نتفق على بعض التعديل ، ولكن لا يمكن ان نقبل في هذه الظروف ، والحالة اننا منهمكون في خوض المعركة ، اي تنازل ، لأي كان ، عن اراضي هي منا والينا " .
من هذه الفقرة نستنتج ان السيد يعته كان :
-- ضد الحلول التقسيمية ، وهي على اية حال لم تكن في اي مشروع إلا مع موريتانيا .
-- يقبل ببعض التعديلات على الحدود إن اقتضى الحال .
-- يرفض اي تنازل لأي كان عن اراضي هي منا والينا في ظروف المعركة .
وهناك مقدمة اساسية لكل هذه المواقف وهي " اذا ما سرنا في هذا الاتجاه ، اتجاه تعبئة كل الطاقات ، فمن المؤكد اننا سنفشل المناورات التقسيمية " .
فمناقشة قضية السيادة المغربية على الصحراء ، مشكل غير مطروح . ان سيادتنا لا تقبل اي جدال او شك ، فهي غير قابلة للتفويت ، ولا نقبل اي تنازل عن هذا المبدأ لا يمكن للمفاوضات ان تتعلق الا بكيفية تسليم السلطات من الادارة الاستعمارية للإدارة الوطنية المغربية .
وبعد الاتفاقية الثلاثية ، تكتب جريدة البيان : " ان اتفاق مدريد انتصار لقضيتنا الوطنية المعادية للاستعمار " . ثم ( يمجد المكتب السياسي كل شهداء التحرير والوحدة ) و ( يهنئ كل تنظيمات الحزب التي تعبأت من اللجنة المركزية الى النواحي ) . وهكذا يدخل الحزب بعد ذلك في اقرار الامر الواقع التقسيمي دون حتى التصريح به علنيا .
سؤالان :
×× هل يعتبر حزب التقدم والاشتراكية ان اقتطاع " وادي الذهب " لصالح موريتانيا ، او خط التقسيم المار فوق مدينة الداخلة ، ليس إلا بعض التعديل في الحدود يدخل في نطاق : ان اقتضى الحال " ، او هو تقسيم ترابي واقتصادي واضح العيان ؟ .
×× هل لا يعتبر الحزب ان هذا " الحل التقسيمي " هو نتيجة لان المغرب الرسمي لم " يسر في الاتجاه " ؟ .
وحتى ان كان التقسيم هو الحل الممكن لديكم ، كموقف مبدئي تجاه التناقض الموريتاني – المغربي ، او كموقف اضطراري فرضته شروط موازين القوى ... ألا تعتبر كل القوى السياسية التقدمية الوطنية انها ملزمة امام الجماهير بشرح هذه القضية جهرا لها ، لتتلمس على الاقل مشاعرها ومواقفها ، بدل تغميض المسألة وادراجها في الصحافة اليومية مرة في نطاق التعاون الموريتاني المغربي لتثبيت السيادة المغربية على ألصحراء ، ومرة في التعاون الضروري الذي يجب ان يشكل جنوب المغرب (؟) وشمال موريتانيا ، الى آخر اشكال التدليس والتغميض الذي مارسته الصحافة الوطنية تجاه الجماهير المغربية . ان هذا الموقف مدان من وجهتين . من جهة عدم التزامه الحقيقة امام الجماهير ، وإتباعه تكتيك المناورة عليها ، ومن جهة انه حل تقسيمي .
لماذا نحن ضد التقسيم ؟ .
اولا ، لأننا نميز تماما بين مطامح الشعب ومطامع دولة . فقضية الصحراء هي قضية الشعب المغربي ، وليست كذلك بالنسبة للموريتانيين . هذا الامر اكيد وملموس وبديهي .. ملموس ، ليس فقط طوال التجربة التاريخية النضالية من اجل تحرير الصحراء ، بل وفي المرحلة الاخيرة التي عشناها بالذات . وبديهي ، لان الكيان الموريتاني نفسه هو كيان هزيل ومصطنع ، فليس غريبا ان يساند التقدميون في موريتانيا تقرير المصير بينما تتشبث كل القوى الوطنية والتقدمية المغربية بمغربية الصحراء . اضافة لذلك ، ان تيارات الدولة الموريتانية كانت متأرجحة بين تحبيذ تكوين دويلة لتكون كحاجز نهائي بين المغرب وموريتانيا ، وبين التمشي مع الموقف الفرنسي الداعي لحل التناقض بالتي هي احسن حفاظا على كلية مصالحه بالمنطقة .
ثانيا ، لأننا تمسكنا ب " الاتجاه " الذي كان سابقا في منظور الحزب انه سيقطع الطريق على اي حل تقسيمي .
هذا الاتجاه هو دمج نضالنا الديمقراطي بنضالنا الوطني ، وهو بالتالي جزء لا يمكن تناسيه في موقفنا وفي تقييمنا لكل حصيلة نضالنا . وبعبارة اخرى ، ان الحل التقسيمي كان ضرورة في موازين القوى الراهنة التي عمل الحكم كل ما بوسعه للحفاظ عليها . كان نتيجة حتمية لإعدام الديمقراطية ولإثقال كاهل الشعب المغربي ماديا ، او لنقل ، نزولا عند رغبة حزب التقدم الذي يرى الكثير من الايجابيات . ان التقسيم كان نتيجة لتضييق الحريات الديمقراطية بالقدر الذي يفيد الحكم .
ثالثا ، نحن لا نرى ان حق الشعب المغربي في صحراءه كاملة ، يوقف ديناميكية العلاقات الوحدوية بين موريتانيا والمغرب ، لأننا هنا ايضا نميز نوعيا بين اعادة الوحدة على اسس ديمقراطية ، وتوسيع الاستغلال المشترك بين الدولتين ومن ورائهما الامبريالية .وذلك اولا لان طريق التعاون بين الدول العربية التبعية هو طريق محدود ومسدود . فليس بالصدفة ان لا تمثل التجارة بين دول المغرب العربي والدول العربية عموما ، إلا نسبة ضئيلة جدا من تجارتها مع السوق الامبريالية . وهو بهذا المعنى ليس طريقنا الاساسي نحو الوحدة .
وثانيا ، لان الهدف من نضالنا ليس هو تنويع الاستغلال الامبريالي البرجوازي ، موريتاني كان او مغربي ، بل القضاء على هذا الاستغلال مهما كان نوعه . قد نقبل به مؤقتا لحل تناقضات معينة ، لكن يجب ان تبقى يد الثورة المغربية طليقة لإزالته وقت ما شاءت . وهذا ما لا يسمح به التقسيم السياسي الترابي .
ان الديناميكية الحقيقية ستبتدئ ، خارج تطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين ، اي اننا لا ننشد الوحدة من خلال امكانية النظامين لتطوير سوق موحدة ، بل ننشدها عبر وعي القوى الطليعية والجماهيرية بضرورة الوحدة ، وبالذات من اجل تحطيم هذه الانظمة العاجزة عن الوحدة الاقتصادية والسياسية ، و ذلك من خلال كفاحنا المشترك ضد الطبقات الحاكمة والتجزئة والامبريالية .
لنر الآن ، بعد وجهتي نظرنا في قضية التقسيم ، كيف ينظر حزب التقدم لكلية العلاقة مع موريتانيا ، وكيف يوجه اعادة بناء الوحدة معها .
" وفي هذا الصدد فلا بد من اقامة تعاون واسع وعميق عاجلا ، و ذلك في كل الميادين ، وبالأخص منها الميادين الاقتصادية والمالية والتقنية والثقافية . تعاون ينبغي ان يقوم على قدم المساواة الحقة وعلى الاخوة الخالصة ، تعاون مفيد للطرفين ، بل وأكثر فائدة لإخواننا ، لأننا نتوفر على امكانيات اكثر منهم ، ومطالبين بهذه الصفة ببذل اكبر التضحيات لإصلاح اضرار جريمة الاستعمار الجديد ، التي لم نكن نعرف كيف نحول دون وقوعها .
وعلى هذا التعاون ان يسير بالتوازي مع البحث عن اشكال جديدة خاصة في نوعية العلاقات بين البلدين ، علاقات تؤدي في اقرب الآجال الى الوحدة النهائية .
وللبلوغ الى هذا الهدف فان المغرب في حاجة الى ان يصير قطب اجتذاب وقدوة ، وذلك عن طريق الاستغلال السياسي والاقتصادي ، وتشييد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والازدهار الثقافي في اقرب وقت ، وسلوك سياسة خارجية ديناميكية وحيوية تخدم كل القضايا العادلة . وهذا يقتضي ثورة وطنية ديمقراطية حقيقية تفتح الطريق لاشتراكية ، ثورة وطنية لا يمكن القيام بها إلا بوحدة كافة القوى الوطنية والتقدمية " .
في هذا الكلام الماركسي الشرعي المليء بتداعي الافكار " الثورية " ، يختلط كل شيء ، ما هو بعيد المدى وما هو عاجل ، ما هو اساسي في طريق الوحدة وما هو ثانوي . وتزدحم كل المفاهيم ، انطلاقا من التعاون الاقتصادي والثقافي الى اشكال جديدة ونوعية في العلاقات تؤدي الى الوحدة في اقرب الآجال ، بل من هذا التعاون الاقتصادي الى الثورة الديمقراطية التي يجب ان تكون في اقرب وقت .
لكن سرعان ما تزول دهشة القارئ النبيه ، والماركسي الحقيقي الذي يحسن استعمال كل مفهوم بمضمونه الحقيقي ، وإطاره التاريخي الصحيح ، حينما يتذكر ان وراء كل كلمة ينطق بها السيد يعته دعوته للاتفاق الايجابي . وان كل الجديد في هذه الفقرة ، ان الاتفاق توسع ، وأصبح يشمل زيادة على العاهل الكريم الرئيس ولد داده . وبهذا المفهوم اصبحت كل ألغاز الفقرة قابلة للفهم ، وبينها ترابط منطقي صحيح : اذن ، يمكن للملك الحسن الثاني و للرئيس ولد داداه ان يباشرا التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي ، ويبحثا عن اشكال جديدة ونوعية تؤدي للوحدة في اقرب الآجال ، وكأن لا وجود لطبيعة الانظمة ، ولا دور للامبريالية في توقيف هذا المسلسل الوحدوي ، ما دام الملك ينوي القيام بثورة وطنية ديمقراطية مع القوى الوطنية والتقدمية ، وفي اقرب وقت ، والتي ستعطي ثمارها الوحدوية في اقرب الآجال .
لو انحصر موقف السيد يعته في الدعوة للتعاون الاقتصادي وغيره ، وبوعي كامل لحدود طبيعة هذه الانظمة الرجعية والمعادية للوحدة ايضا ، لهان الامر .
لكن ان يجعل من ذلك نظرية وحدوية متماسكة ، تعانق فيها الثورة الديمقراطية الانظمة الرجعية ، فتلك نقطة الطلاق الدائمة بيننا .
+×+× وجهة نظر : لقد مر على هذا النقش الذي كان ذا قيمة في ابانه ، اكثر من خمسة وثلاثين سنة خلت ، وهو نقاش غطى مرحلة تاريخية مهمة من الحياة السياسية المغربية ، حيث شاركت فيه العديد من القوى المهتمة التي كانت تحمل مشروعات مخالفة لمشروع احزاب برجوازية الدولة ، وعلى رأسها ( الحزب الشيوعي المغربي مع عناوينه اللاحقة من التحرر الى التقدم والاشتراكية ) وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وامتداداته المتعاقبة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية .
وبالرجوع الى تلك الفترة التي كانت غنية بالنقاش السياسي ، لان اصحابها كانوا مثقفين سياسيين ، فان الخطاب الذي ساد المرحلة ، كان هو الخطاب الماركسي اللينيني ، باعتبار ان العالم ، وخاصة اوربة التي كان المغرب يتأثر بها ، كان هو المسيطر في اللغة وفي الخطاب ، بل كان هناك اندفاع شبابي للمساهمة في مناقشة كل القضايا التي استرعت باهتمام الطبقة السياسية الوطنية ، وعلى رأسها الحكم .
وبالرجوع الى المادة التي بين ايدينا ، يلاحظ ان الحزب المقصود بالنقاش ، هو حزب التقدم والاشتراكية السبعيني ، حزب عزيز بلال وشمعون ليفي ، وليس حزب نبيل بنعبدالله الذي حوله الى ملكية خاصة يستعملها في اقتناص منصب حكومي ، كل مرة حصل تشكيل حكومة جديدة . ان ما يسمى اليوم ب ( حزب التقدم والاشتراكية ) لا علاقة له بنفس الحزب في سبعينات القرن الماضي . وبالرجوع الى استجواب اجراه الموقع الالكتروني " لكم " مع نبيل بنعبدالله ، صرح هذا الاخير الذي يبيع الوهم ،ان حزبه ( اشتراكي حداثتي ) . لكن اذا كان الامر كذلك ، وهو الذي كان يعتبر الجلوس مع الاسلامويين خطا احمرا ، فماذا جعله يجلس في حكومة بها احزاب تعادي الاشتراكية والحداثة ؟ ان حزب العدالة والتنمية الاخواني على الطريقة المغربية ، هو ضد الحداثة وضد الاشتراكية ، ومن ثم فهو من مناصري البرجوازية الصغيرة وما فوق الصغيرة . اما حزب الاستقلال ( المحافظ ) وهذه منه براء ، فهو يتناقض يوميا في خطابه مع الاشتراكية والحداثة . في حين يرفض حزب الحركة الشعبية الاشتراكية ويدافع بدلا عنها عن ( الليبرالية ) المشوهة . فعن اية حداثة وعصرنة واشتراكية يتحدث نبيل بنعبدالله ، اللهم التشبث بالمنصب الحكومي بكل ثمن .
واذا كانت الساحة الحزبية قد عرفت تغييرات جذرية ، ادريس لشكر ، نبيل بنعبدالله ، فان تخلي منظمة 23 مارس عن مشروع ارضيتها عند انفصالها عن حزب الاتحاد الوطني ، يطرح اكثر من سؤال ، من اهمه خطأ التصورات السياسية للمنظمة للقضايا الوطنية ، وهو ما تخلت عنه المنظمة نهائيا عند تأسيسها منظمة العمل الديمقراطي الشعبي قبل حلها وانضمامها كأفراد ، وليس كتيار الى الحزب الاشتراكي الموحد . ان اقتناع منضالي المنظمة بخطأ اطروحتهم وخطأ المشروع العام الذي تم الترويج له بكثافة وقوة ، لا يعني ان رفاقهم في منظمة الى الامام ، قد خرجوا بنفس الخلاصة من تجربة السبعينات ، وهو ما يفيد ان مناضلي منظمة الى الامام ، وبعناوينهم المختلفة لا يزالون يؤمنون بصواب اطروحتهم من القضايا الوطنية ، وعلى رأسها الاعتقاد والإيمان الاعمى بالوصول الى الجمهورية الديمقراطية الشعبية .
لقد تغيرت الخريطة الحزبية ، وانتقلت من احزاب الايديولوجية والمبادئ ، الى احزاب الاشخاص ( لشكر – الزايدي ) مع العلم ان لا فرق بين هؤلاء وبين المالكي وولعلو .( نبيل بنعبدالله والتقدم ) . ( عبد الكريم بنعتيق وحزب العمال ) . ( التهامي لخياري الذي يعتبر نفسه رجل دولة والجبهة ) . ( الاموي و ك د ش + المؤتمر ) . ( بوزوبع والاشتراكي ) . ( شاباط الاتحاد العام للشغالين + حزب الاستقلال ) . ( بنعمرو والطليعة ) ... لخ . وهو ما يعني بموت الاحزاب بموت السياسة .
ان من مشاهد هذا التغيير الذي هو تغيير عالمي قبل ان يكون محلي ، ان الثوار في سبعينات القرن الماضي ، كانوا ينتمون الى الاحزاب الماركسية اللينينة ، والدول التي كانت تساندهم هي الاتحاد السوفيتي المنحل ، والمنايا الشرقية ، اضافة الى الصين الشعبية . اما ( ثوار ) اليوم فهم ينتمون الى الفاشية الاسلاموية ، من حركات اخوانية مختلفة ، الى تنظيمات سلفية رجعية متنوعة ، والدول التي اصبحت تساند ( الثوار الجدد ) هي حلف الناتو برئاسة الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبريطانيا ، والسعودية وقطر والإمارات العربية .
في خضم هذا العراك الذي غطى فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي ، بين التنظيمات الماركسية وأحزاب برجوازية الدولة ، وبين الحكم ، نقول لقد انتصر القصر ، وانتصرت الدولة العلوية ، ومنها انتصرت المشروعية ، حين تحول الجميع الى ’مسبّحين بخيرات السلطة ، ولم يعد احد يشكك في مشروعية وشرعية القصر ، حين اعترفوا بدولة امير المؤمنين ، وتخلوا طواعية عن الحكم ، وبعده عن المشاركة فيه باقتسامه مع القصر ، واكتفوا فقط بالمشاركة في الحكومة . واذا كانت معادلة السلطة محصورة اليوم بين القصر والدولة وبين الحركة الاسلاموية ، خاصة منها جماعة العدل والإحسان التي لا تعترف للملك بالمشروعية الدينية ، ولا تعترف بالملكية ، وتعمل من اجل اقامة نظام الخلافة الاسلامية او الجمهورية على الطريقة الايرانية ،، فان مجريات الامور ، خاصة بالنسبة للحالة المغربية ذات الخصوصية الفريدة ، تنبئ بمصير للجماعة و للسلفية شبيها بالمصير الذي آلت اليه احزاب برجوازية الدولة ، واليسار السبعيني الذي استحال الى ارخبيل من النسيان . لذا فان تأكيد السيد فتح الله ارسلان مؤخرا ، بان المغرب يحمل جميع بذور الثورة الشعبية ، مع تهديده الواضح للدولة بحتمية سقوطها --- ( سبق للسيدة نادية ياسين ابنت مرشد الجماعية الاستاذ عبد السلام ياسين ، ان قالت ، بان النظام في المغرب سيسقط من تلقاء نفسه كفاكهة متعفنة ) – لقد مر اكثر من عشر سنوات على هذا التنظير ، والنظام لا يزال قويا ، بل ازداد قوة ولم يسقط ولن يسقط بالأحلام والمتمنيات ) --- هو دليل ان السيد ارسلان ، لا يعي جيدا الخصوصية المغربية التي اكدها الاستثناء المغربي في 20 فبراير وفي 13 و 20 يناير ، وهو ما يفيد ان الثورة لن تأتي لعدة اسباب نوجز بعضها كما يلي :
1 -- التركيب ألاثني والقبلي للشعب المغربي . ان قبائل ( بنوهلال ) و( بنو سليم وقبائل سوس ) هم ضد الثورة . ونفس الشيء بالنسبة لقبائل الاطلس المتوسط . اما الحركات الانفصالية بالريف ، فالدولة تتعامل معها بحسب الظرفية ، وأساليب المعالجة الناجعة .
2 -- لا احد من المغاربة يريد تدمير المغرب على الطريقة السورية او الليبية ، وهذا سر الاستثناء المغربي ، حيث لعبت الدولة باحترافية عالية في جعل حركة 20 فبراير تخدم المشروع الرسمي الدولتي وليس العكس .
3 -- عدم وجود معارضة قوية في الخارج كما كان عليه الحال في سبعينات القرن الماضي . ان المعارضين التحقوا بأرض الوطن بعد صدور قانون العفو العام ، ومنهم من التحق بمؤسسات الدولة ، ومنهم من يمارس المعارضة البناءة للحكومة وليس للحكم .
4 -- من المعروف عن الدولة المغربية ، انها تمزج بين ، مرة الجزرة ومرة العصا ، وبحسب الظروف ، اي لعبة الكر والفر ، وهو ما جعل من جميع المحاولات لا تتجاوز المطالب الاجتماعية وليس السياسية .
5 -- كون الساحة السياسية تعج بالتشكيلات السياسية المختلفة ، جعل من امر تكوين جبهة واحدة وموحدة في مواجهة الدولة ، تصاب بالفشل ، بسبب حبّ الزعامة ، وبسبب تضارب المصالح بين افراد ( الطبقة السياسية ) . وقد زاد من استفحال الضعف التنظيمي والسياسي لجميع الاحزاب ، هيمنة شخصية الملك كرصيد تاريخي وإيديولوجي ، ضامن للاستمرارية والنظام والأمن بربوع المملكة . ان المغاربة يثقون في الملك ، ولا يثقون في الاحزاب التي توظف التعبير الرنّان مثل ( الجماهير الشعبية ، الاشتراكية ، العصرنة والحداثة ... ) او توظف الدين في صراعها مع السلطة .
6 – وان من اسباب استحالة قيام الثورة بالمغرب ، ان المغربي معروف بحبه للحياة . انه يفضل ان يعيش ابد الدهر على رأس ابرة او منجل ، من ان يموت ويوارى التراب . ان المغربي معروف بحبه لامتيازاته ، ولا يريد التفريط فيها حتى لو كانت دراجة هوائية او عربة متهرئة يجرها بغل او حمار . هذا ما يجهله السيد فتح الله ارسلان ، وتجهله معه جماعة العدل والإحسان . انه سر اندثار 20 فبراير و من قبلها فشل جميع المحاولات التي كانت تريد اسقاط النظام .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سورية بلد جميل ، دمره المجرمون
- الحزب العمالي
- منظمة 23 مارس -- في التوجه السياسي المرحلي -
- الدرك الملكي
- منظمة 23 مارس الماركسية اللينينية - التقرير التوجيهي -
- الاغنية السياسية
- المنطلقات النظرية للاشتراكية الصهيونية البروليتارية
- الحركة الاسلامية بالمغرب ( 6 )
- الحركة الاسلامية الاخوانية بتونس ( 5 )
- الحركة الاسلامية في لبنان ( 4 )
- الصراع بين حزب البعث والسلفية الاخوانية في سورية ( 3 )
- التيار السلفي في مصر ( 2 )
- ملف عن السلفية الاسلاموية ( 1 )
- النخبة وزمن التّيه السياسي
- الثورة آتية لا ريب فيها
- عودة كريستوفر رووس الى المنطقة
- في الثقافة الوطنية القومية الاصيلة
- الماركسية والتراث والموقف من الدين
- تسعة واربعين سنة مرت على حرب اكتوبر . ماذا بعد ؟
- الموقع الطبقي لحركة الضباط الاحرار


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - منظمة 23 مارس -- نقد برنامج - حزب التقدم والاشتراكية --