|
الصورة المركبة في قصيدة مشهد نهايته انتحار
مثنى كاظم صادق
الحوار المتمدن-العدد: 3948 - 2012 / 12 / 21 - 15:23
المحور:
الادب والفن
في قصيدته ( مشهد نهايته انتحار )(1) يخلق الشاعر علي وجيه خصوصية لتجربته الإبداعية ، أقول خصوصية تجعله ينماز عن سواه ضمن الرؤية الشعرية ، من خلال الانفلات من قصيدة النثر الكلاسيكية النمطية ، وإسناد ظهره إلى حائط الاستعادة الجديدة للصور المركبة والتكوين الحديث لها ، ولاسيما أن المجرة الشعرية في العراق بدأت تتسع حتى ضاقت !! . نجد في لغة الشاعر المزاوجة بين الجدة والعفوية وأسطرة الواقع العراقي ، ضمن مرتكزات يجيدها الشاعر ، وهي الجمال والعمق والمفارقة ، وتأسيساً على ما سبق ، يعتمد الشاعر في نصه هذا على الصورة المركبة التي خلقتها تقانة اللغة الصوفية والتي تذيب الأشياء مع بعضها البعض إذ لا حدود فاصلة ، من خلال جعل المفردات مدمجة مضغوطة ، في سياق التكثيف والتركيز ، فيبدأ المشهد/ القصيدة ، بفعل النفي ( ليس ) الذي نفى من حيث المعنى المطر مستبدلاً إياه بالمسرات ( ليس مطراً ما يلامس نافذتي الآن ، هذه مسراتي وهي تبلل الأرض ) مستعملاً ظرف الزمان ( الآن ) الذي أوحى بالحضور والاستمرار والاستقرار لهذه الصورة المركبة ، جاعلاً المتلقي طرفاً مراقباً لهذه الصورة المشهدية والصور التي بعدها ، فالشاعر في قصيدته هذه يبدو مبللاً بمياه الحزن والغياب . تمثل غرفة الشاعر صومعة صوفية معاصرة ؛ يعبئ فيها الكون ويشركه في لحمتها التكوينية ، ولاسيما أنها حوت ( عشرة آلاف كتاب / عشرة آلاف أغنية / عشرة آلاف وجه / عشرة آلاف عقب سجائر / هكذا تتمثل غرفتي أمامي ) وبلا شك أن لتكرار العدد عشرة آلاف له دلالته التكثيرية للمعدودات التي ذكرها الشاعر فلها الأثر الفاعل في مرجعياته الثقافية والشعرية . وتأتي البنية الكلية للوحدات الشعرية في ثنائية الإثبات والنفي ؛ لتظهر بعض اختناقات الشاعر بالخيط الخفي الذي يصل ذاته الباطنة بالعالم الخارجي ( النوافذ أفواه تثرثر الريح .../ لا نوافذ عندي / وقمصاني غير المرتبة : جرحى معركة / لا أرتدي القمصان ) بهذه الخميرة تتشكل القصيدة / المشهد ؛ فالشاعر كثيراً ما يركز على مراكز الإحساس ، بوصفها مجسات تنبيهية تنعش النص وتجعلها مشعاً ( أعلك صمتي / أخلط الحرف بالكحل / أستل سنة من كيس العمر ) إذ نلاحظ في الوحدة الشعرية هذه ، الحركية الواضحة ، وعدم الركون والاستقرار وتتفشى هذه الحركية بالأفعال المضارعة ( أعلك / أخلط / أستل ) التي تحمل معنى الحال والاستقبال والتأرجح بينهما ، وكذا الحال بالنسبة لمتن القصيدة الذي تفشت فيه الأفعال المضارعة بكثرة واضحة . جاء استعمال الضمير ( أنا ) مكررا أحد عشر مرة بصورة تراتبية في القصيدة ؛ لتأكيد ذاتويته التي تقع في معادلة الـــــــ ( أنا ) باتجاه الــــ ( أنت ) مشكلةً بذلك تميمة شعرية ، تقع في بنية تلازمية خالدة مع الذات الأخرى ؛ لأنَّ الشاعر يحتضن ذاتين ، من خلال التأكيد على ذاته بالضمير المنفصل أو المتصل أو المستتر موزعاً اختياراته في مساراتٍ استعاريةٍ جميلةٍ ، قلما نقرأها عند غيره ( ليلاً اذبح صباحي وأحمل شمسه على رمح نعاسي ) وإذا كانت الاستعارة الواحدة تفعل فعلها بالنص الشعري ، فكيف بهذا النص الذي يتكون من ثلاث استعارات ؟! تشكل بمجموعها استعارة كبرى واقعة في جوف الوقت الأسود ( الليل ) . كما يستعمل الشاعر المفارقة ؛ كيما يحقق الافتراق بين النص الشعري المشهدي والحياة ( أرى حبيبتي تمل ابتعادي بعد أن احترق العشب بالماء ) إذ يتلاعب الشاعر بخواص المادة ( الماء ) وعكس قابليتها إلى الضد ( الإحراق ) بلغة يلفها بوشاح الديمومة المفترضة ، التي تطيل المشهد الشعري هذا ؛ ذلك لأن الشاعر قد تمكن من الفكرة فجعل هذا المشهد يطول ؛ ليتشبع بالتفاصيل الــــــ ( الجوانية ) للشاعر ثم يأتي الحسم التعبيري لهذا المشهد بهذه الخاتمة ، ذات الثراء الروحي ( يُطرق بابي / من ؟ / قطة تموء ــــــــ تموت تبحث عن قطعة لحم ( مني ) الحديقة المهجورة تغفو ، والقطة تمشي ! ) حيث تبرز ثنائية عكسية بين بداية المشهد / القصيدة ، ونهايته ففي بداية القصيدة ، كانت الحديقة المهجورة تتمطى وثمة قطة ميتة بلا مواء ( الحديقة المهجورة تتمطى ظهيرة مريب حرها / ورائحة لجثة قطة ماتت بلا مواء ) ثم تأتي صورة مشهدية مركبة معكوسة في النهاية ، فـــــــ ( الحديقة المهجورة تغفو ، والقطة تمشي ! ) فيرتبط المشهد الأخير بالعنوان ( مشهد نهايته انتحار ) إذ يترك الشاعر أثراً جمالياً في النفس ، بهذه النهاية التي يتلاشى فيها ، ومابين البداية والنهاية ثمة بدايات ونهايات ، ترمم الوجع وتذروه في فضاء الحياة . (1) جريدة العالم العدد 691 / الاثنين / تشرين الثاني 2012م .
#مثنى_كاظم_صادق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المتعاليات النصية في قصص ثورة عقارب الساعة
-
مجموعة صاحب الاسمال القصصية المضمر المتخفي
-
المرأة في شعر زهير بردى
-
قصيدة النثر ومعطلات التعبير
-
التحقيب السردي عند القاص حسين رشيد
-
ابراهيم الخياط في جمهورية البرتقال
-
الذي رأى الاعماق كلها
-
الصورة المشهدية في مجموعة مدن وحقائب
-
صورة الرجل الفنية في مجموعة الليلة الثانية بعد الالف
-
بانوراما الذات في شعر علياء المالكي طوق الفراشة انموذجا
-
عشاء لملائكة نظرة نحو الوجود وتأسيس الذات
-
مع الجاحظ على بساط الريح سيرة قصصية للفتيان
-
مؤسسة شهداء ديالى صورة للتناغم الابوي
-
تجليات التناص في شعر إبراهيم الخياط
-
الزواج من موظفة حلم الكثيرين
-
هيثم بردى يؤرخ للأدب السرياني
-
مؤسسة شهداء ديالى و(العرف الفوك)
-
تراتيل على دم الشهداء
-
جيل جديد لايجيد كتابة الانشاء
-
ثقافة القيادة
المزيد.....
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|