أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الصياد - التوظيف السياسي للعصبيات















المزيد.....

التوظيف السياسي للعصبيات


محمد الصياد

الحوار المتمدن-العدد: 3889 - 2012 / 10 / 23 - 09:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ثمانون قتيلاً و400 ألف مشرد هي حصيلة المصادمات الطائفية بين المسلمين والهندوس، من قبيلة بودو أساساً التي تقطن المناطق الشمالية الشرقية من ولاية آسام الهندية المحاذية لبنغلاديش . في العادة فان الاحتكاكات والصدامات التي تحدث بين المسلمين والهندوس في هذه الولاية تبقى محصورة ضمن نطاق الولاية نفسها، فيتم احتواؤها وإخماد فتنتها في مهدها . إلا أن ما حدث في الأسابيع القليلة الماضية (خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين) في الولاية من مصادمات بين المسلمين والهندوس، خرج عن ذلك النطاق المألوف للصدامات بين الجانبين . فلقد انتشرت رسائل الهاتف النقال التي تحذر الهندوس من هجمات مميتة يحضر لها المسلمون ضدهم بعد انتهاء شهر رمضان، وخلال ساعات من ظهور تلك الرسائل قام الهندوس الذين يعملون في مصنع للسيارات في مدينة بونا بالانضمام الى عشرات آلاف الهندوس الذين فروا من أماكن عملهم وسكناهم قافلين إلى مواطن إقامتهم في المناطق النائية في الشمال الشرقي بعد تلقيهم نفس الرسائل . وقد أدت هذه الرسائل الى نزوح أكثر من 30 ألف هندوسي يعملون في مدن الشمال الشرقي مثل مومباي وبونا وبنغلور وتشناي وحيدر أباد عائدين إلى مدنهم وقراهم . وقد نال العنف الطائفي من بعض هؤلاء وهم في طريق العودة . وزير الداخلية الهندي قال بأن مصدر هذه الرسائل التحريضية هو باكستان .

والسبب هو محاولة الأحزاب السياسية والساسة الدينيين استغلال التوتر بين الهندوس الذين يشكلون أغلبية سكان الهند وبين المسلمين الذين يشكلون أكبر الأقليات، حيث يناهزون المائة والسبعين مليوناً . فالبلاد تقترب من انتخابات برلمانية في عام 2014 في ظل ظروف تراجع معدل نموها الاقتصادي وفقدان الوظائف .

وبما أن السياسة هي السياسة، فإن من الصعب تنزيه بعض الأحزاب السياسية من الوقوع في خطيئة استثمار التوترات الدينية والطائفية، واللعب على أوتارها والنفخ فيها إن اقتضى الأمر، من أجل التكسب السياسي والانتخابي . ومع ذلك تبقى أحزاب اليمين المتطرف ذات الخلفيات القومية الشوفينية والدينية المتطرفة، هي أكثر القوى الاجتماعية السياسية ميلاً وتفضيلاً واستعداداً لافتعال وتفجير واستغلال واستثمار الحساسيات الدينية والاثنية والطائفية من دون أي اكتراث للكوارث البشرية والمادية الناتجة، بالضرورة، عن مثل هذه التوجهات والممارسات الانتهازية السياسية الاجرامية المشينة . فهذه الأحزاب اليمينية المتطرفة هي تحديداً من راح ينعت مسلمي ولاية آسام ب»الغرباء« و»الأجانب« و»المهاجرين البنغلاديشيين غير الشرعيين« . وهو ترديد لذات الاتهامات التي تسوقها قبائل »بودو« الهندوسية ضد مسلمي ولاية آسام والتي تزعم أن هؤلاء تسللوا بصورة غير شرعية من بنغلاديش وتكاثروا بأعداد ضخمة حولت البودو إلى أقلية، بينما يدافع المسلمون عن أنفسهم بالقول إنهم ضحايا عقود من التهميش من جانب البودو الأقوى منهم اقتصادياً وسياسياً . وهو صراع إقطاعي مديد على تملك واستثمار الأراضي الزراعية الخصبة في الولاية .

وبما أن الطرفين، الهندوس والمسلمين، يشكلان »وجبة« انتخابية مغرية، فكان لابد للحزبين الرئيسيين المتناوبين على حكم البلاد في العقدين ونيف الماضيين، حزب المؤتمر ذو التوجه العلماني وحزب بهاراتيا جاناتا اليميني القومي المتطرف الذي يُتهم دائماً بالتحريض على العنف الطائفي بين الهندوس والمسلمين وبتأييده ودعمه القوي لطائفة البودو ولادعاءاتها بشأن مسلمي ولاية آسام، بينما يُتهم حزب المؤتمر الهندي بالتواطؤ في عملية استقدام المهاجرين المسلمين من بنغلاديش ليشكلوا قاعدة تصويتية داعمة له، إلا أن حزب المؤتمر يرد على هذه الاتهامات بالقول إن معظم مسلمي آسام هم مواطنون هنود .

والنتيجة، أن وجد مئات الآلاف من سكان ولاية آسام من المسلمين والهندوس على السواء، أنفسهم مُكَوّمين في مخيمات مؤقتة خوفاً من العودة الى منازلهم التي فروا منها بعد أن وجدوا قراهم قد سويت بالأرض وممتلكاتهم نهبت وجيرانهم يُقتلون إما رمياً بالرصاص أو ذبحاً كالنعاج .

ولاشك أن هذه الوقائع المريعة تشوه صورة الهند كدولة وكمجتمع متعددي الأعراق والديانات والمذاهب المتصالحة والمتجانسة بقوة ورسوخ ثقافة احترام الآخر والديمقراطية التعددية التي اختارها محررو الهند بزعامة المهاتما غاندي كخيار لبناء دولة قوية مستقرة ومتطورة . ولكن يبدو أن عبء قرون من الحكم الإسلامي للهند، والذي تمثل تحديداً في الغزو المغولي للهند وإقامة الامبراطورية المغولية على معظم الأراضي الهندية خلال الفترة من منتصف القرن السادس عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر والتي تقوضت بفعل التمردات الشعبية في عام ،1857 وبدء الاحتلال البريطاني للهند، مع أن الحكم الإسلامي استمر في ولاية حيدر أباد وبعض الولايات الصغيرة حتى إعلان توحد الولايات الهندية في عام ،1948 يبدو أن ذلك العبء قد عاد ليلقي بظلاله على العلاقات بين الهندوس والمسلمين في الهند . والسبب هو صعود الاتجاهات المتطرفة لدى الجانبين . حيث شهد مطلع تسعينات القرن الماضي تصعيد النبرة القومية الهندوسية المتطرفة من قبل حزب بهاراتيا جاناتا الذي فجر الصراع على نطاق واسع بعد حملته المشؤومة لهدم مسجد بابري في مدينة أيوديا بولاية أوتار براديش في عام ،1992 وهو ما أدى الى صدامات دموية بين المسلمين والهندوس راح ضحيتها قرابة الفي قتيل من الجانبين . وكان ذلك إيذاناً بالصعود المتوازي للتطرف الإسلامي وسط أحزمة البؤس والتهميش المنتشرة في ولايات آسام وأوتار براديش وبيهار في الشمال والبنغال الغربية في الشرق وكيرلا في الجنوب .

وكما هو ملاحظ، فإن العصبيات الدينية والعرقية والطائفية والمذهبية تبقى دائماً حاضرة، سواء في حالة كمون أو حالة نشاط، في البيئات الاجتماعية المحلية لكافة المجتمعات . وهي »برسم إشارة« أي من الساسة الموتورين لتوظيفها لمصلحته، بحكم وجودها التاريخي ورسوخها عبر الزمن . ولولا فضيلة الديمقراطية الهندية، التي حولت المسلمين الذين يشكلون 14% من سكان الهند البالع عددهم 2 .1 مليار نسمة، من مجرد رقم الى قوة انتخابية مغرية أجبرت حتى حزب اليمين القومي المتطرف بهاراتيا جاناتا في السنوات القلية الماضية على تليين خطابه المعادي للمسلمين، لكان التوظيف السياسي لهذه العصبيات قد بلغ ذراه المرعبة، ولكانت فسيفساء العصبيات الهندية قد سهلت مهمة المتطرفين في الجانبين لإشعال الفتن والصدامات المدمرة . فالديمقراطية الهندية، بهذا المعنى، تنهض صماماً للأمان ومثالاً اعتبارياً لمن يريد الاعتبار بخطورة التوظيف السياسي للعصبيات على المجتمعات المتعددة الطوائف والأعراق .



#محمد_الصياد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلم الأمريكي في مفهوم السيدة الأولى
- النفط تحت المجهر من جديد
- هل بوسع الولايات المتحدة تجاوز أزمة مديونيتها ؟
- تراجيديا سياسية كاريكاتورية
- الإشكالية العربية الأزلية الأبرز
- دلالات فزعة الساسة الأوروبيين المونديالية
- الصعود والهبوط في‮ - ‬أسهم ‮- ‬الملف ...
- الإنسانية تنتفض ضد الفاشية الإسرائيلية
- دلالات تَسَوُّل بيل كلينتون عبر الإنترنت
- أمريكا تكفيرية أيضاً
- الشبه بين الاتحاد السوفييتي‮ ‬السابق والولايات ا ...
- بعد عقد من اندلاعها‮.. ‬حرب التصفيات بين أمريكا ...
- وما الجديد؟‮!.. ‬مصالح رأس المال أولاً‮ &# ...
- جو‮ ..‬تشيني
- ‮»‬رأس المال‮« ‬لا‮ ‬يوا ...
- اكتشاف عظيم‮: ‬فقراء العالم‮ ‬4̷ ...
- ملابسات محبِطة في‮ ‬كارثة العبّارة‮ »̷ ...
- حول علاقة الدين بالدولة الأمريكية الحديثة


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الصياد - التوظيف السياسي للعصبيات