|
أمريكا تكفيرية أيضاً
محمد الصياد
الحوار المتمدن-العدد: 2986 - 2010 / 4 / 25 - 20:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
استقر في أذهان الناس، نخباً وعامةً، وذهب مضرباً على أقصى درجات إقصاء وإلغاء الآخر ونفيه من الوجود كلياً، وهي النزعة التي تملكت جماعات الإسلام السياسي الأصولي وخرجت بها على المجتمعات العربية - ومن بعد الإسلامية الآسيوية - في العقود الثلاثة الأخيرة، والمتمثلة تحديداً في المذهب التكفيري الذي يُنظِّر واضعوه الأوائل لتكفير كل من ليس هو معهم وكل من لا يوافقهم الرأي فيما يطرحون من أفكار مغرقة في الغلو والتطرف الذي أوصلهم حتماً لحد تكفير مجتمعات بأسرها واعتبار بقاعها وديارها دار حرب تستوجب إعلان الجهاد المقدس لتطهيرها من سكانها الأعداء الكفرة. لكن يبدو أن إقصاء الآخر وإخراجه من الملة وتكفيره توطئة لمحاربته ومقاتلته ومحاولة القضاء عليه، ليس حقاً حصرياً للجماعات الإسلامية التكفيرية! فالولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة السبق في هذا المضمار، وهي التي تمتلك الرقم القياسي المسجل باسمها في موسوعة جينس للأرقام القياسية منذ بروزها كقوة عظمى أولى في العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام ,1945 بل وحتى قبل هذا التاريخ أيضاً، حيث كان شعار من لم يكن معنا فهو ضدنا ومقولة إن العالم منقسم إلى قسمين أخيار وهم الأمريكيون وأشرار وهم كل من لا يدين بالولاء للباب العالي أي النظام السياسي الأمريكي وفلسفته الاقتصادية الاجتماعية والثقافية. قد تكون كوبا الجزيرة الصغيرة المحاذية للشواطئ الأمريكية النموذج الصارخ والأسطع على أن الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً النظام السياسي الأمريكي وطبقته الحاكمة، تُدين بالمذهب التكفيري -أو الإقصائي في أحسن الأحوال- انطلاقاً من قاعدة من خرج عنا فليس منا . فمنذ أن أطاح الدكتور فيدل كاسترو ورفاقه في يناير من عام 1959 ضد نظام باتيستا الفاسد، والنظام السياسي الأمريكي يناصب كوبا العداء بعد أن قرر في نفس اللحظة التي أُطيح فيها بنظام باتيستا الموالي لها، إخراجها من الملة واعتبارها دولة مارقة (كافرة بحسب لغة ومفردات التفكيريين الإسلاميين الأصوليين) تستأهل العزل والحصار وإعلان الحرب (المعادل لإعلان الجهاد لدى الجماعات الإسلامية التكفيرية). وهذا ما حدث بالفعل، فلقد نظمت وقادت المخابرات المركزية الأمريكية عملية غزو مسلحة للأراضي الكوبية في السابع عشر من أبريل عام ,1961 إلا أن هذه المحاولة التي انطلقت من خليج الخنازير بإقليم مانتانزاس، باءت بالفشل وتم القضاء على الغزاة في العشرين من أبريل من نفس العام. وتواصلت الحرب الجهادية لنظام الفضيلة الأمريكي ضد النظام المارق (الكافر) في كوبا، فخلال الفترة من 22 أكتوبر ولغاية 22 نوفمبر من عام 1962 نفذت قوات المارينز الأمريكية حصاراً بحرياً ضد كوبا. ورغم مرور ما يقرب من خمسين عاماً على سقوط النظام الموالي لها في كوبا، فإن واشنطن مازالت تواصل حصارها وسياستها العدائية ضد كوبا، بنفس الروح وبنفس الزخم وكأن العالم قد توقف عند تلك اللحظة التاريخية ! وكل ذلك لأن كوبا اختارت أن لا تُدين بالديانة الأمريكية وهي هنا الرأسمالية بنسختها الأمريكية الأصولية والتي يعتبرها النظام السياسي الأمريكي بمثابة عقد زواج كاثوليكي غير قابل للفسخ. وعلى ذلك فإن ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قبل أيام وادعت فيه أن كوبا لا تريد تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة ولا تريد رفع الحصار الخمسيني عنها، هو مجرد نكتة أمريكية سمجة لا أكثر! وكما أسلفنا فإن كوبا ليست سوى المثال الأكثر سطوعاً على تطبيقات التكفيرية التي لم تكن مكارثية خمسينات القرن الماضي سوى إحدى تجسيداتها على الصعيد الوطني الأمريكي، حيث ذهب ضحية حملات التطهير الوظيفي والقمع والملاحقة البوليسية والجنائية، عشرات آلاف الأمريكيين لمجرد الاشتباه في ميولهم المتغايرة مع الدين الرأسمالي الأمريكي. فقائمة الدول والحكومات والشعوب ضحايا شهوة الثأر والانتقام الأمريكيين جزاءً على ما سولت لهم نفوسهم بمغادرة جنة الرأسمالية الأمريكية إلى حيث أمكنة تجريبية أخرى ربما ساعدت مرتاديها المغامرين على تقليل النزف الحاصل في ميزان مدفوعاتها الخارجية الناجم عن عدم تكافؤ طاقاتها وإمكاناتها التنافسية في السوق المفتوحة مع طاقات وإمكانات لاعبي السوق الكبار. وتكاد هذه القائمة تغطي الكرة الأرضية برمتها، من بلدان أمريكا اللاتينية في أقصى الغرب إلى الصين في أقصى الشرق مروراً ببلدان القارة الأفريقية والقارة الآسيوية.فهل هناك كثير فرق بين المنظمات الإسلامية التكفيرية وبين الطبقة السياسية التي تتقاسم وتتداول مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية؟ طبعاً هناك فروقات بينهما، ولكنها فروقات لا تكاد تتجاوز الشكل وحسب، إنما في الجوهر الصنفان التكفيريان يتشابهان ويتطابقان في الرؤية الفلسفية وتطبيقاتها مادياً.فكلاهما يؤصل لاستخدام العنف والإيذاء الجسدي والمادي والمعنوي ضد الآخر الذي لا يدين بمذهبهما الإقصائي (التكفيري).
#محمد_الصياد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشبه بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات ا
...
-
بعد عقد من اندلاعها.. حرب التصفيات بين أمريكا
...
-
وما الجديد؟!.. مصالح رأس المال أولاً
...
-
جو ..تشيني
-
»رأس المال« لا يوا
...
-
اكتشاف عظيم: فقراء العالم 4̷
...
-
ملابسات محبِطة في كارثة العبّارة »̷
...
-
حول علاقة الدين بالدولة الأمريكية الحديثة
المزيد.....
-
-الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف
...
-
امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي
...
-
توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح
...
-
علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
-
بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم
...
-
مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير
...
-
رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ
...
-
تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار
...
-
عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
-
لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|