أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الصياد - حول علاقة الدين بالدولة الأمريكية الحديثة















المزيد.....

حول علاقة الدين بالدولة الأمريكية الحديثة


محمد الصياد

الحوار المتمدن-العدد: 363 - 2003 / 1 / 9 - 03:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


 
 
إن الذي يلفت الانتباه في المشهد السياسي الأمريكي الراهن هو تلك الثنائية اللافتة في احتماء وتدثر كل من السياسة والدين ببعضهما البعض في عملية إعادة إنتاج حركتهما في الحياة الأمريكية المشوبة بالتوتر والحساسية المفرطة تجاه الآخر غير الأمريكي.. وذلك في عملية استقطاب مجتمعي حادة غير مسبوقة في التاريخ الأمريكي الحديث. وتوخيا للدقة فان الدين المعني هنا والمندغم مع السياسة، هو تلك الأصولية الأرثوذكسية المتعصبة المتلاقحة مع الأرثوذكسية اليهودية على أرضية وقواسم مشتركة تثير الفزع في النفوس. أما السياسة المقصودة فهي أيديولوجيا اليمين الجمهوري الجديد المغرقة في تطرفها وفي ازدرائها للآخر، الثقافي والحضاري، الذي وصل بها لحد الوقاحة الثقافية، حيث أعلنت الحكومة الأمريكية من دون خجل بأنها ستعتمد إزاء العالم العربي سياسة خاصة تقضي بإدخال تغييرات على المناهج التعليمية والثقافات في الدول العربية لتتماشى مع التوجهات الأمريكية في المنطقة. وهذا يقودنا إلى إشكالية في غاية الأهمية والحساسية، وتتعلق بكيفية السيطرة على المجتمع وإدارته وتشكيل وإعادة تشكيل رأيه العام في ظل خضوعه واحتكامه لآلية التسيير الديمقراطية التي تفترض اختيار قيادات البلاد وممثلي مختلف طبقات وفئات وطوائف الشعب في المجالس التمثيلية بواسطة الانتخاب الحر المباشر، ووجود بنى مؤسسية تحتية للديمقراطية، وصحافة حرة غير خاضعة لتقييدات السلطات التنفيذية. هنا وجدت الطبقة السياسية الأمريكية الحاكمة التي تمكنت بوسائلها الخاصة من حصر تداول السلطة بين دائرة ضيقة جدا من ممثلي لوبيات المصالح، وتحديدا بين حزبين رأسماليين هما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي - وجدت ضالتها في "الغواية الدينية".. أي في إغواء الجمهور دينيا لتغييب وعيه من خلال استدراج واستحضار الدين وجعله مكونا أصيلا في الممارسة والثقافة السياسية الأمريكية، وذلك في ظاهرة فريدة من نوعها في بلدان الديمقراطيات الغربية التي فصلت منذ أمد بعيد بين الدين والدولة وبين الدين والمدرسة. يقال أن نقطة الامتزاج الروحي بين أيديولوجيا اليمين المتطرف الذي يمثل مصالح كبريات شركات السلاح والنفط في أمريكا وبين المرجعيات الدينية المسيحية البروتستانتية المتهودة، قد وصلت إلى ذروتها في سبعينيات القرن العشرين المنصرم. وهو مذهب صائب إذ يأخذ في اعتباره الحقبة الريجانية التي بدأت مطلع ثمانينيات ذلك القرن. وكان ان افسح هذا "الحلف المقدس" في المجال إلى تنامي الشعور بالفوقية وتبلور فكرة ونزعة السيطرة على العالم، باعتبار أن الأمة الأمريكية هي الأمة الأنقى، والأميز، والأرقى قيما وحضارة، والأجدر بقيادة العالم على الطريقة الأمريكية الرائدة في "إشاعة الخير ومحاربة الشر"؟! وبهذا التبسيط الشنيع لثنائية الخير والشر اختزلت الطبقة الأمريكية الحاكمة فكرة العالم. إذ شطرته إلى شطرين وفرزته وقسمته إلى قسمين، قسم أخيار وقسم أشرار. فوضعت في القسم الأول كل من يخضع لمشيئتها ويناصرها ويقلدها، ووضعت في القسم الثاني كل من تتغاير رؤاه معها وكل من يبدي حرصا ولو عقلانيا على صيانة مصالحه. ولكن هل هذه النزعة العدوانية هي حقا وليدة تلك الحقبة السبعينية من القرن العشرين أم أن لها جذورها الممتدة عميقا في بنية العقل والثقافة الغربيين (بما في ذلك المكون الديني)؟ جاء في البحث الأول المعنون "الوضع التاريخي لفكرتي السيادة والتنظيم الدولي" من كتاب "أحكام القانون الدولي في الشريعة الإسلامية" الصادر عام 4197 لمؤلفه المرحوم الدكتور حامد سلطان أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي العام بكلية الحقوق - جامعة القاهرة وعضو المجمع العلمي المصري (سابقا) والذي تولى الدفاع عن مصر في قضية تحكيم طابا التي كسبتها مصر ضد إسرائيل.. جاء فيه وتحديدا في الصفحة رقم (102) من الكتاب: "يبدو ظاهرا أن المبدأ الذي ساد نظام الإمبراطورية الرومانية هو مبدأ خضوع الشعوب لروما، لا مبدأ (التنظيم العالمي) كما يدعي البعض. وهو يقوم على السيطرة المادية الخالصة. أما استناده إلى السيطرة الدينية والروحية فقد اجتاز مراحل نشير إليها في إيجاز، فمن المفهوم أن المسيحية عندما بدأت زحفها الروحى علي روما صادفت عقبات كثيرة ومقاومة شديدة من الحاكمين. والمسيحية دين يقوم في الأصل على فكرة السلام الخالصة ومن تعاليمها الثابتة النهي عن القتل، والتحذير من القيام به: والأناجيل الأربعة مجمعة على أن من يقتل بالسيف، بالسيف يقتل. لذلك كان طبيعيا أن يرفض الرومانيون الذين دخلوا في المسيحية في المراحل الأولى أن يقوموا بإبداء الخدمة العسكرية في روما، أو أن ينخرطوا في الجيش الروماني، أو أن يشتركوا في الحروب التي كانت تشنها الإمبراطورية الرومانية. وعلى اثر ذلك قام صراع عنيف بين دعاة المسيحية المسالمة ورجال الحكم في روما. وكان هذا الصراع في الحق صراعا بين الروحية والمادية. وقد دام هذا الصراع قرابة أربعة قرون وابتداء من القرن الرابع للمسيح عليه السلام، بدأ رجال الدين المسيحي يتقهقرون ويحاولون التوفيق بين روح المسألة المسيحية من جهة، وروح السيطرة العسكرية من جهة أخرى، واخرج القديس "ايزيدور" والقديس "امبروار" بعض النظريات في هذا الشأن، على أن الداعية الذي كان له الأثر الحاسم في إيجاد هذا التوفيق هو القديس "أوغسطين" الذي اخرج في هذا الشأن مؤلفين أولهما هو "العقيدة المخالفة"، والثاني هو "مدينة الرب". ويبدو واضحا لمن يتفحص هذين المؤلفين أن صاحبهما دعا المسيحيين إلى التخلي نهائيا عن فكرة المسالمة التي قام على دعامتها الدين المسيحي في الأصل. وليس هنا مقام التفصيل في شأن نظرية "اوغسطين"، ويكفينا أن نذكر أن هذا القديس قام في مؤلفه الأول بتسويغ فكرة الحرب وفق الحجج التالية: 1- أن الحرب هي عمل من أعمال القضاء العادل المنتقم. فهي تقوم لإنزال العقاب بالعدل، ومن ثم فليس هناك ظلم يقع من جانب من يقوم بالحرب العادلة. 2- أن الحرب هي لصالح المنهزمين، لأنها ترجع بهم إلى حال السعادة في السلام. 3- أن الحروب تقوم من اجل ضمان السلام. وبعيدا عن التعسف في الإسقاط الآلي المهدر في بعض الأحيان لبعض عناصر ومعطيات الظاهرة أو المسألة موضوع الدراسة والمقارنة، خصوصا في حالة المقارنات غير المقتصاه علميا ومنهجيا بما يكفي للتقرير بشأنها - فإننا ربما آثرنا النأي عن مثل ذلك التعسف في تقرير الأحكام، لولا أن الخطاب هو الخطاب واللغة هي اللغة والمفردات هي المفردات، لا يكاد يفرقها عن بعضها بعضا سوى الزمن والمكان اللذين صيغت وخطت وقيلت فيهما، والشخوص الذين صاغوها وخطوها ونطوقا بها. وتكفي عودة سريعة، في هذا الصدد، إلى جملة خطابات وتصريحات الرئيس بوش التي أعقبت أحداث سبتمبر للتيقن التام من ذلك. فعبارات "الحرب العادلة" والحرب الصليبية (وهي العبارة التي نطق بها الرئيس بوش ثم عاد فلحسها تحت وطأة المخاوف التي أبدتها بعض أوساط النخبة الأمريكية الحاكمة من عواقبها)، فضلا عن تقسيم العالم إلى معسكر خير وآخر للشر - تتقاطع كليا مع تخريجات السلطة الدينية الكنسية في عصر الإمبراطورية الرومانية، التي ابتدعتها لإسعاف وتمكين القيادة السياسية في الإمبراطورية من تحقيق أهدافها الاستعمارية على بلدان المعمورة قاطبة. فهل نقول ما أشبه الليلة بالبارحة؟ بيد أن الأمر كذلك. أو ليس التاريخ، في بعض فصوله، يعيد إنتاج نفسه، مرة بصورة مأسوية وأخرى بصورة تراجيدية؟ فإذا كان قساوسة الإمبراطورية الرومانية قد وفروا الفتاوى ذات المسرح والمبررات الأخلاقية اللازمة لحكام النظام العبودي الروماني لشن حروبهم العدوانية واللااخلاقية، فان "أباطرة روما الجدد".. من ممثلي اللاهوت البروتستانتي الأمريكي المتهور وبعض ممثلي المشيخة الفكرية الأمريكية (من أمثال صامويل هنتنجتون ومن هم على شاكلته) المندغمة المصالح مع رأس المال ومراكز السطوة والنفوذ في المجتمع الأمريكي، قد وفروا فتاوى العصر الراهن لحكام بلادهم لتنهض مبررات ومسوغات "اخلاقية وحضارية ودينية" لشن حروبهم التوسعية العدوانية ضد البلدان والشعوب الآمنة المغلوبة على أمرها. والمثير في الأمر، المضحك المبكي في آن، أن هذه الولايات المتحدة الأمريكية المتضخمة والمنغلقة الذات، والتي باتت اقل علمانية واكثر أصولية، اعتبارا بالحضور القوي للدين في الحياة الأمريكية في السنوات القليلة الماضية ووجود 60 مليون مسيحي متعصب يشكلون - بحسب المفكر وأستاذ الأدب المقارن في جامعة كولومبيا الأمريكية من اصل عربي فلسطيني البروفيسور ادوارد سعيد - الداعامة الانتخابية الرئيسية لجورج بوش واليمين الجديد المحافظ - أن هذه الامريكا السلفية المتطرفة، هي نفسها التي ترمي المملكة العربية السعودية وبلدان العالم الإسلامي بالأصولية وتطالبها بتغيير مناهجها التعليمية والتربوية لتصفية البنى التحتية - على حد تعبيرها - لبؤر التطرف! يا سبحان الله! ولكن لما العجب!.. أو ليست الولايات المتحدة هي اكثر من يرفع عقيرته دفاعا عن حقوق الإنسان في العالم، وهي اكبر منتهك لهذه الحقوق داخل (ضد العرب والمسلمين والاقليات) وخارج حدودها؟.. أو ليست هي اكثر دولة ادعاء بالديمقراطية وهي التي ما انفكت تدعم أنظمة الاستبداد والطغيان والشمولية في أنحاء العالم الثالث المختلفة؟.. أو ليست هي اكبر متحمس ومندفع لتجريد الدول الأخرى من أسلحتها الاستراتيجية في حين أنها تنفرد من بين سائر بلدان المعمورة بمراكمة ترسانتها الحربية وزيادة موازنتها العسكرية واطلاق سباق تسلح مجنون يطال الأرض والبحر والفضاء، ورفض أي التزام دولي خاص بحظر أنواع أسلحة التدمير الشاملة المختلفة: البيولوجية والكيماوية والنووية؟! فماذا عسانا أن نقول سوى أن هذه هي حال الدنيا عبر التاريخ. فن الاستحالة بمكان توقع العدالة من دولة مطلقة الاستبداد والهيمنة.


 



#محمد_الصياد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- قوات الاحتلال تداهم عدة منازل خلال اقتحام قربة حارس شمال غرب ...
- سلمى حايك تحضر إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام مع زوجها الذي ...
- بحضور زعماء العالم.. كاتدرائية نوتردام تعيد فتح أبوابها
- بعد 5 سنوات من الحريق المدمر.. إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردا ...
- مظاهرة حاشدة رفضا لحضور ترامب افتتاح كاتدرائية نوتردام بباري ...
- حضور المتبرعين في حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام في باريس
- كاتدرائية نوتردام تفتح أبوابها من جديد بعد خمس سنوات من الحر ...
- ردود أفعال الناس قبيل افتتاح كاتدرائية نوتردام في العاصمة ال ...
- حركة الجهاد الاسلامي: نبارك عملية الدهس قرب مخيم الفوار جنوب ...
- ماذا عن زيارة الكاردينال الماروني البطريرك بشارة الراعي إلى ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الصياد - حول علاقة الدين بالدولة الأمريكية الحديثة