محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 3856 - 2012 / 9 / 20 - 00:09
المحور:
الادب والفن
عودة طيور السّنونو المهاجرة
منذ حطّ الانسان قدميه على البسيطة , كان طائر السّنونو قد سبقه اليها . بين الجرح والماء يمارس عادته الازلية , وبين الزرقة والزرقة ينشر فجر حدوس أزرق . رحل الصيف كالغجر , وبرحيله بدأت اسراب طائر السّنونو هي الاخرى تستعدّ لرحيل نصف عام او يزيد . لا تحملُ في هجرتها الليلية زاداً ولا متاعاً . فهي عريان يحملُ منقاراً واجنحه أخف ما لمّ من زاد أخو وسفرٍ . يهاجر في الليل , يحب الهجرة فيه , يعتمد الجو العادي وتقلبات المناخ وحاسته التي لا تخطئ فهي بوصلته في هجرته . بيني وبين طائر السّنونو إلفة وحبٌ وانتظارٌ , أظل مشدوداً اليه في غيابه وفي حلّه وفي ترحاله . لا اعرف ما سِرّه ؟ به ارتبط فرحي وحزني ! بهجرته وغيابه يذوب نور التفاؤل الذي كنت اعيشه قبل ان يرحل ويزحف اليأس ببطء وتحلُّ عتمة ليل طويل بإنتظار نهايته وبعودته يعود النور الى دنياي . بهجرته تتأرجح نفسي كل مرة يهاجر فيها بين اليأس والامل , وتعود إيقاعاً جميلاً حين يمتلئ ناظريّ به من جديد اذ ذاك احسُ وكأنه لأول مرة تغلّب الامل على اليأس في حياة مهاجر مثله لم يجد مرساة ولا مرافئ . اثقلتني الاسرار فيه والرموز والحكايا وأغاني الحلاج وابحث عن وطن او مبغى , فالكل تساوى.
كثيرة هي المرات التي احسدُ فيها طائر السّنونو فهو لا يحتاجُ الى تصريح للعبور واختراق الحدود والاجواء والوقوف على مآذن الاولياء والقباب مثلي . لو اردت العبور من حيث اسكن الى حارة اخرى لزيارة صديق فلن اتمكن من دون الحصول على اذن وتصريح بذلك . تلك مفارقة بيني وبين طائر السّنونو الذي لم يفكر بها يوماً .
الجليل سريالية الطبيعة , وكرم عطائها وانسيابية الالوان فيها بعفوية , جمرة على الماء , وماء يسقي النار والاشجار .
يقرأ أشعاراً في ليل المنفيين قسراً عن وطنهم , تبكي قراه وجباله ووديانه والنار التي فيه والماء , ويظل حلماً يكحلُ عيون الصغار والكبار بالنسبة لأهلها معانقة تلك الوِهاد مرة اخرى ومن جديد , فالتصريح لا يأتي , ولسنا طيور السّنونو التي تزور الجليل وبه تتدفأ متى شاءت وتنام في حضنه , في اعشاشها بين اشجاره وتخفق بأجنحتها الصغيرة فوق رؤوس العابرين في دروب الجليل المثقلة بالحزن وبالهمّ .
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟