وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3753 - 2012 / 6 / 9 - 17:41
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تزامن انهيار الانظمة الاشتراكية مع بدء الاعلان والترويج للفكر الليبرالي بوصفه النوذج الفكري والسياسي والاقتصادي الاقدر على تنظيم المجتمعات وحل مشكلاتها السياسية والاقتصادية . واصبحت تقدم بوصفها الفكر والنظام الوحيد القادر على حل المشكلات.
فالمفكر الاميركي فوكو ياما مثلا , سيسعى مرتكزا على نظرة هيجلية للتاريخ الى اعتبار الليبرالية هي نهاية التاريخ , اي انتهاء كل الافكار والايديولوجيات السابقة لليبرالية .
في المقابل ينتقد المعارضون, الليبرالية بوصفها قناع لاخفاء تغول راس المال العالمي المعولم ,وتدمير المقومات الاخلاقية للعقل الانساني .
والليبرالية غير قادرة حتى على تحقيق شعاراتها الاقتصادية الاساسية . فالرفاه الذي يعد به المشروع الليبرالي يتحول واقعيا الى مجرد وهم جميل , وذلك بفعل التناقض بين المقاصد المثالية لليبرالية ,القائمة على الحرية والفردانية , الى واقع متوحش لايتحكم باي قيمة انسانية , بل يسوده منطق الغاب .
ماهي الليبرالية ؟
يحاول الليبراليون اختصار مفهوم الليبرالية بكلمة ( الحرية ) وكان فلسفتهم هي الوحيدة التي تدعو الى الحرية .
المسيح مؤسس الليبرالية الاول
لو اخذنا المعنى الضيق لليبرالية ( الحرية )كما يطرحها الليبراليون لكان السيد المسيح مؤسس الليبرالية الاول بلا منازع وفق فلسفته القائمة على الحرية المشبعة بالمحبة . هذه الحرية قادته الى الموت على خشبة الصليب
, وبقيامته من بين الاموات انتصرت الحرية على عبودية الشريعة اليهودية وعلى عبودية الموت الجسدي .
ان الليبرالية في مفهومها الفلسفي والسياسي والاخلاقي يمثل مفهوما حمالا للاوجه ,مفهوما زئبقيا ينفلت عن التحديد والتعريف .
ان الليبرالية هي فلسفة سياسية – اقتصادية ,ترتكز على اولوية الفرد بوصفه كائنا حرا , فمقولة الحرية هي المقولة المركزية التي يحرص الليبراليون على ابرازها . وكانهم هم الوحيدون الذين ينزعون نحو الحرية فالليبرالية من الناحية الفكرية تعني حرية الاعتقاد والتفكير والتعبير , ومن الناحية الاقتصادية تعني حرية الملكية الشخصية , وحرية الفعل الاقتصادي المنتظم وفق قانون السوق . وعلى المستوى السياسي تعني حرية التحرر وتاسيس الاحزاب واختيار السلطة .
وهكذا نلاحظ ان مقولة الحرية لاتشكل فقط مبداء من جملة مباديء , بل هي مرتكز لتاسيس غيرها من المباديء .
ان الليبرالية ليست مجرد لفظ يعيش بين دفتي القاموس , بل هي لفظ يدل على انظمة مجتمعية متعددة , ويحيل الى سياقات تاريخية لابد من استحضارها لفهم المشروع الليبرالي .
ان الليبراليةliberalisme ظهرت اولا بوصفها معطى تاريخيا قبل ان تتشكل بوصفها لفظا اصطلاحيا . اذ انها بوصفها وجود معرفي ومجتمعي اخذت في التبلور داخل سياق التاريخ الاوربي على الاقل قبل ثلاث قرون من ظهورها بوصفها لفظا اصطلاحيا . والدليل على ذلك ان كلمة ليبرالية ستظهر في الانجليزية عام 1819 م . اما في اللغة الفرنسية فغالب الظن ان مان دو بيران كان اول من استعملها عام 1818 م , حيث عدها بوصفها : ( المذهب المدافع عن الحريات ).
لكن قبل ظهورها بوصفها لفظا ,وكانت صيرورة الحداثة الاوربية منذ النزعة الانسانية وحركة الاصلاح الديني , ثم التاسيس الفلسفي للحداثة مع ديكارت , قد بلورت وقائع نظرية ومجتمعية يصدق على جوانب منها وصف ( الليبرالية ). كما ان اول حزب ليبرالي سيظهر في الواقع الاوربي كان قبيل ظهور لفظ الليبرالية , وهو حزب ( الكورتيس ) الاسباني الذي ظهر عام 1812 م .
لقد حدث في الغرب الانفتاح الثقافي على الحضارة الاسلامية والموروث الهيليني , كان لابد ان تعارضه الكنيسة و ومن ثم كان لابد ان يستشعر مفكرو النزعة الانسانية الحاجة الى الحرية , والتوق الى مثالها ,فكان هذا هو الشرط التاريخي الذي مهد لميلاد الشعور بالحاجة الى مثال الحرية , وهو الشعور الذي كان قابلا للتشكل في شكل مذهبي يحلم بتجسيده .
اما من حيث الواقع فقد كانت ايطاليا بحكم موقعها الجغرافي المشرف على البحر الابيض المتوسط , مكانا مناسبا لنمو المدن التجارية . وهذا النمو ادى الى بروز فئة التجار . ولكن بفعل الاكتشافات الجغرافي تم تحويل طريق التجارة الدولي من حوض البحر الابيض المتوسط الى المحيط الاطلسي و مرورا براس الرجاء الصالح ,ثم بعد ذلك الى اميركا .الامر الذي نتج عنه انخفاض القوة الاقتصادية الايطالية , وانتقال مركز الثقل الاقتصادي الى باقي اقطار اوربا , كاسبانيا والبرتغال وهولندا وانجلترا .
وظهرت بعد ذلك الثورة الصناعية التي تحتاج الى المعادن والقوة البشرية . اما بالنسبة الى المعادن فقد تكفلت الكشوفات الجغرافية بفتح الطريق امام اكبر حركة نهب شهدها تاريخ الانسانية .
اما من حيث القوة البشرية فقد كان ثمة مانع ثقافي ومجتمعي يعوق توفرها , وهو النظام الاقطاعي . اي ان النظام الاقطاعي الاوربي كان عائقا امام ظهور النظام الراسمالي , ويعوق انتقال هذه القوة البشريةمن الحقل والقرية الى المصنع في المدينة . فكان لابد من تفكيك النظام الاقطاعي بنقض والغاء نظام العبودية وتحرير العبيد ليتمكن من الانتقال الى المدينة
وهنا كان لابد للفكر الليبرالي من توظيف ( المثال )ليجري اجتذاب الوعي والفعل ليحقق التغيير في نظام جديد بديل . وكان المثال هو ( الحرية ) التي سيجري تقديمها بمدلول خاص يتناسب مع الظرف التاريخي وحاجات المجتمع الجديد .فولدت مقولة الحرية بمدلولها الليبرالي بوصفها تحريرا للعبيد ليتحولوا الى عمال .
وبذلك فالليبرالية لم تنشا بوصفها توكيدا لحرية الانسان ,بل بوصفها توكيدا للحاجة الى استغلاله بطرائق مغايرة جديدة تتناسب والثورة الصناعية .
ودليل ذلك ان ابادة الهنود الحمر التي جاءت مقترنة مع بداية انهيار النظام الاقطاعي و واستعباده شعوب افريقيا واستعمارها , ونهب مقدراتها ,لم تكن صنعة الاقطاع , بل صدرت عن النظام الليبرالي الراسمالي , وكان التسويغ التشريعي لهذا الاستعباد صادرا من داخل البرلمانات الليبرالية الرافعة لشعار : الاخاء والحرية والمساواة !!!
ولذا نقول ان القراءة السوسيولوجية لنشاة الليبراليسة تمكننا ليس فقط من فهم شرط النشاة ,بل ايضا انتزاع الوهم الذي يخلع عليها بوصفها حركة تحرير مطلقة وباعثها هو تقدير حرية الشخص ذاته , بينما هي في الاصل حركة قامت بتوظيف المثال واستغلاله على نحو يناسب شرطها التاريخي
ان الفكرة الليبرالية ونمطها المجتمعي لم تظهر بناء على الايمان بالحرية الشخصية , ولم تنادي بمبدا الحرية لسواد عيون الحرية ,انما بقصد تخليص العبيد من قيود الارض والاقطاع , ليتحول الى مادة قابلة للاستعمال في المصانع.
المصدر:
المقال مكتوب باختصار وبتصرف من كتاب( نقد الليبرالية )تاليف د . الطيب بوعزة –ط1 -2009 م – صادر عن مجلة البيان
سنتواصل معكم في عرضنا لليبرالية في مقالات لاحقة ..
فانتظرونا ....
على المودة نلتقيكم ...
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟