أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - الحرية... وفضح المستور!














المزيد.....

الحرية... وفضح المستور!


طيب تيزيني

الحوار المتمدن-العدد: 3742 - 2012 / 5 / 29 - 01:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يعش التاريخ مرحلة مثل هذه التي يعيشها العرب الآن، بل لم يمر التاريخ العالمي بمثل ما تمر به مرحلتنا المعاصرة، وذلك منذ الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن وحتى الآن، مروراً بثورات حدثت في أميركا وفي إنجلترا وما أتى بعد ذلك. بيد أننا لا نريد أن نميل إلى ما قد يكون مبالغة، فنقتصر على التاريخ العربي في حكمنا التاريخي ذاك. ولعل من أهم الخصائص الحاسمة لِما أجمع عليه أطراف كثيرة تحت عنوان: "الانتفاضة أو الثورة"، في العالم العربي، أو لِما عرّفه البعض بـ"الربيع العربي"، أنه اندلع -في سوريا وغيرها من الأقطار العربية- مع بلوغ السَّيل الزُّبى. وإذا أخذنا مثالاً محدداً -وليكن سوريا- ولاحظنا أن كل الطبقات والفئات الاجتماعية فيها بلغت حداً قياسياً من الفقر والإفقار والذّل والنهب والمهانة. وبقيت شريحة صغيرة واحدة سيّدة المواقف في السلطة الأمنية (ولا نقول السياسية لابتلاع السياسة)، وفي الاستئثار بالثروة إلا ما هو من الفِتات، وفي الإعلام، وفي قطْف الثمار على صعيد الحياة الاجتماعية والتعليمية والسياحية والسكنية والمِهّنية...إلخ.

ونحدد ذلك أكثر بواسطة القياس العلمي المنهجي، فنلاحظ أن تلك الشريحة المذكورة، التي وقفت على رأس الهرم الاجتماعي الاقتصادي، بدءاً من الطبقة حتى الشريحة الأُليغارشية (الأقلويّة) الأعلى، "لخّصت" المجتمع السوري بها، وعلى هذا النمط "تقريباً" غابت أطراف كثيرة كان يمكن أن تتحالف السلطة معها، بسبب جشعها ووحشيتها القاتلين.

بتلك الصيغة تحدّد الصراع الخفي والمُعلن، بين ما وصل إلى نسبة التسعين بالمائة من سكان سوريا وبين من تبقى من سكانها، وهم مُوزّعون في الهرم المذكور بين الأعلى والأوسط والأسفل: إن مجتمعاً بجُلّ مكوناته أريد له أن يبقى رهّن قيود فولاذية، من أجل بقاء "الآلهة" إلى الأبد. وقد أخطأ سادة النظام السوري في اعتقادهم الأبدي. فقام الشعب السوري متمثلاً -اليوم- بطلائعه الشبابية، وأعلن شعارات لم تكن يوماً دقيقة كما هي اليوم: الحرية والكرامة والديمقراطية. وسقط ما اعتُبر "حقيقة أبديّة النظام"، وحقيقة أن سوريا تمثل استثناءً "في السقوط"، لأن المسيطرين فيها وعليها ليسوا أكثر من غيرهم، أي هم، كغيرهم، أبناء التاريخ وليس الأبديّة. واضح أن ما كان مستوراً، ظهر بمثابته محاولة للمصادرة على التاريخ السوري، والعربي عموماً. ودلّل هذا التاريخ على أنه ليس أكبر وليس أصغر من تواريخ الشعوب الأخرى إلا فيما يتصل بالخصوصيات التي تنشأ في سياق تطور تلك الشعوب.

وكما أخطأ فوكوياما في إغلاقه تاريخ العالم، إلا ما يتصل منه بالتاريخ الأميركي، فقد أخطأ كذلك مَن حملوا "رسالة الأبدية" العربية في أنهم رأوا تاريخهم على أنه "صُنع من الآلهة". لقد قُدّم التاريخ السوري على أنه تاريخ النضال في سبيل تحقيق رسالة الأمة العربية، ومن أجل تحرير الأراضي المحتلة، وأخيراً في سبيل الحرية والعدالة والتقدم. وعلى أرض الواقع، ظهر أن ما تحقق على مدى ما اقترب من نصف قرن، إنْ هو إلا حُطام تدرّج في استمراره من وجوده بمثابة حطام مفتوح، قابل للفتح، إلى حُطام -هو ما نعيشه حتى الآن- فقد احتمالات تجاوزه بإصلاح وطني ديمقراطي وبطريق سلمي يحافظ على وحدة سوريا وشعبها بكل تكوناته وعناصره. بدلاً من القيام بتلك المهمة التي نشأت بكيفية طبيعية، كما هو الحال لدى أي شعب من شعوب الأرض، برز الاختيار الدموي الذي يرى مثاله الأعلى في إنهاء كل ما يتحرك على الأرض السورية، فدلّل بصورة فاحشة، على خطأ سياسي وجنون عسكري وعلى تفضيل الموت على المحافظة على وطن هو -لا شك- واحد من أجمل الأوطان وأكثرها عراقة وغِنى وتعددية في أنماط التسامح الإنسانية.

هل كان في اعتقاد أصحاب القرار أن سوريا لا تحتاج -كغيرها من البلدان والأوطان- تجديداً وتحديثاً وتطويراً، خصوصاً في القضايا الأكثر شفافية في حياة الشعوب، نعني قضايا حقوق الإنسان، وأنها لا تُنتج أجيالاً جديدة يمكن أن تحميها وتطورها وتحدثها؟ لقد اخطأوا إذ اعتقدوا أن الشعوب تُختزل إلى شعب، وهذا إلى فئة منه. أهم ما تحتاجه الأوطان أبناءٌ منها يحرّمون من سبقهم وينطلقون منهم في إعمارها. لم يدرك النظام السوري أن تاريخ سوريا هو تاريخ كل شعوبها وعلى نحو ينظر إلى هذا التاريخ في كل وجهاته وتحولاته وغِناه. إن ما لم يهتم به أولئك ولم يفهموه، يجد تصحيحه الآن على أىدي شبابه.



#طيب_تيزيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الربيع العربي-... اختبار معقد
- سوريا: الدولة والمجتمع المدني
- المجتمع الدولي وشريعة الغاب
- -الإخوان- بين القداسة والسياسة
- الحكمة ومصير الوطن
- مصير فريد للشمولية الاستفرادية
- من الاستبداد إلى التقسيم
- الدستور السوري... ثلاثة أخطاء
- جدال حول مصدر الأزمة
- تغييب -اللاعب الأكبر-
- دبلوماسية في خدمة الجريمة!
- ليسوا مندسِّين
- الثورة واستحقاقات التعددية
- حين تغيب العقلانية
- تساؤلات لا يحتملها -الاستبداد-
- معضلة النظام الأمني
- من التخلف إلى الاستبداد
- الحرب الطائفية والنظام الأمني
- الاستقواء بالخارج!
- -الربيع العربي- والمسار الفلسطيني


المزيد.....




- القضاء المغربي يصدر أحكاما في قضية الخليجيين المتورطين في وف ...
- خبير بريطاني: زيلينسكي استدعى هيئة الأركان الأوكرانية بشكل ع ...
- نائب مصري يوضح تصريحاته بخصوص علاقة -اتحاد قبائل سيناء- بالق ...
- فضيحة مدوية تحرج برلين.. خرق أمني أتاح الوصول إلى معلومات سر ...
- تظاهر آلاف الإسرائيليين في تل أبيب مطالبين نتنياهو بقبول اتف ...
- -فايننشال تايمز-: ولاية ترامب الثانية ستنهي الهيمنة الغربية ...
- مصر.. مستشار السيسي يعلق على موضوع تأجير المستشفيات الحكومية ...
- طالب جزائري يخطف الأضواء في برنامج للمواهب بروسيا (فيديو)
- مقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين في إطلاق نار بحفل في مدينة نيويو ...
- احتجاج مناهض للحرب في غزة وسط أجواء حفل التخرج بجامعة ميشيغا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - الحرية... وفضح المستور!