جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3695 - 2012 / 4 / 11 - 09:12
المحور:
كتابات ساخرة
تم بعون الله افتتاح مطعم (اتعشى واتمشى) هكذا كانت صيغة الإعلان الذي تم نشره وتوزيعه في كافة أنحاء الحي والقرية التي أسكن فيها منذ أربعين عاماً,وكل أهل الحي فرحوا بافتتاح المطعم وأنا أولهم أو أنا على رأس من فرحوا به كما يفرح المزارعون بهطول الأمطار على مزروعاتهم ووقفت أمام المطعم مذهولا ولولا العيب كدتُ أن أركض وأقفز في الهواء أمام المطعم كما يفعل الأطفال في أول أيام العيد حين يلبسون الملابس الجديدة ويخرجون بها إلى الشارع العام,وكانت فرحتي كبيرة وكأنني ربحت ورقة يانصيب بمليون دينار أردني
والمطعم ملاصق لمنزلي ولا يبعد عنه سوى بضعة أمتار قليلة على الطريقة الأجنبية والعربية في أعداد أشهى المأكولات الطازجة,هكذا فعلا بدأ الإعلان وإذا اعتقدتم بأن الوجبات التي تم الإعلان عنها مطابقة لصيغة الإعلان الذي تم نشره فأنتم على حق 100% بل جاءت الوجبات بصورة خيالية ومرادفة ومنافسة لأقوى المطاعم في العاصمة عمان وعلى رأسها مطاعم(مكدونلدز) و(جبري) و(عطا علي) وبأسعار تنافسية وتشجيعية وبإشراف صحي100%,أما بخصوص الروائح المنبعثة من المطعم فإنها فعلا مطابقة للروائح التي كنتُ أشتمها حين تكون طريقي في عمان بجانب أفضل المطاعم رُقياً وحضارة,وكم كنتُ أتمنى أن أأكل في تلك المطاعم ومن أول يوم بدأ العمل في المطعم وأنا أستنشق أشهى المأكولات وألذ أنواع السندويشات وبصراحة كل يوم منذ أكثر من شهرين وأنا أشتم الروائح الزكية والتي أتمنى لو يكون باستطاعتي أن أتناول وأن أملئ بطني مما ينتجه هذا المطعم من مأكولات شهية,لقد كان هذا الإحساس بالنسبة لي يراودني منذ الأسبوع الأول لافتتاح المطعم ولكن حصلت معي نتائج عكسية ومذهلة لم أكن أتوقعها,لقد تراجعت شهيتي عن تناول تلك الأطعمة بكافة مسمياتها الأجنبية علما أنني كنت أتمنى أن أأكل به يوميا وقد حصل معي قبل يومين أمر مذهل وهو أنني استطعت وبمعجزة من الرب أن أشتري أفضل الوجبات التي كنت أتمنى أن أأكلها وما إن وضعتها في البيت أمامي حتى شعرت بالتقيؤ من الرائحة التي كانت قبل شهرين في أنفي زكية جدا وكان المال والنقود هما مشكلتي الوحيدة, واليوم مشكلتي ليست في محفظتي وإنما هي في أنفي حيث أصبحت رائحة الأطعمة الزكية مقرفة جدا جدا ولا أستطيع مضغها وأهمها رائحة الدجاج المشوي على الفحم و(الزنجر) وأطعمةً أخرى بمسميات انكليزية وفرنسية, حتى أن أمي اعتقدت بأنني مريض ونصحتني بأن أذهب لعيادة الطبيب العام لكي يعطيني أدوية لفتح الشهية, أما بالنسبة لي فلم أعترض على رأي أمي ولكني اقترحت تغيير الطبيب فبدل أن أذهب إلى طبيب عام خطرت ببالي فكرة الذهاب إلى طبيب نفسي أو إلى طبيب خبير بالتغذية ,وحاولت التهرب من المرض ونكران أنني مصاب بمرض فقدان الشهية وقلت لأمي:لستُ مريضا..صدقيني لستُ مريضا وصحتي عال العال,فقالت:لعاد ليش ما ابتوكل زي أولادك؟فقلت لها:لا لا حتى أولادي تراجعت شهيتهم للطعام ولم تعد لهم قابلية لأكل أي شيء مما اشتريناه,وحزنت زوجتي وقالت:أروح أحط الأكل في حاوية الزبالة؟فقلت لها:يا سلام!!! طيب ليش حضرت جنابك ما إبتوكليش؟ فقالت:أنا أيضا لم تعد لي قابلية للطعام وخصوصا الدجاج المشوي على الفحم وتكاد معدتي تؤلمني وتكاد نفسي أن يصيبها القرف من رائحة الدجاج,عندها التفت للجميع وقلت لهم:إذاً الظاهرة ظاهرة جماعية وإن كنت أنا مريضٌ بمرض فقدان الشهية للطعام أو بأي مرض نفسي فهذا معناه أنكم جميعا مصابون مثلي بهذا المرض,نحنُ والحمدُ لله عائلة مريضة أو عائلة شبعت من الرائحة ولم تذق شيئا, لقد كُنا في أول يوم أُفتتح به المطعم مستعدون أو على استعدادٍ تام لالتهام كل ما ينتجه المطعم من مأكولات ومشروبات ولكن نحن اليوم وبعد مضي شهرين أو أقل على افتتاحه قد تراجعت شهيتنا للطعام,وأظن بأن السبب هو كثرة ما اشتممنا بأنوفنا من روائح زكية لدرجة الشبع دون أن نأكل من المطعم أي شيء,هكذا قال لي أحد الأطباء من أصدقائي حين اتصلت عليه على الموبايل,وأنا اليوم كلما خرجتُ من باب المنزل وتجاوزت الشارع الذي يقع المطعم على حافته أحاول جاهدا أن أسد أنفي بيدي أو بقطعة قماش لكي لا أشتم رائحة الأطعمة التي تدفعني للتقيؤ,وقد كنتُ قبل ذلك أسدُ نفسي لأنني لا املك النقود لشراء الوجبات الجاهزة,أي أنني كنتُ أسدُ أنفي لسببٍ واحد والآن للسببين معاً,أنا اليوم مصاب بالتقيؤ بسبب كثرة الروائح التي تسدُ أنفي,وإذا دخلت المنزل لا أطيق أن يشتم أنفي رائحة الدجاج أو اللحم المشوي,لقد أصابني القرف والملل, وحين أخبرت صاحب المطعم بذلك شكا لي وقال:الناس يأتون لمطعمي من أماكن بعيدة !!!,فقلت له: أعلم بذلك وأنا أشاهد يوميا الطابور المصطف بانتظام لكي يحصل كل زبون على طلبه,وربما يأتونك هؤلاء الزبائن لأنهم لا يشتمون الرائحة الزكية للطعام ولو تصل رائحة طعامك الزكية إلى الأحياء البعيدة فصدقني لن يأتوا إليك ليشتروا شيئا,وعليك أن تحمد الله يا صديقي على ضعف حاسة الشم عند الإنسان ولو كانت حاسة الشم عند الإنسان مثل حاسة شم الدب القطبي للفقمة لَما دخل مطعمك زبونٌ واحد.
إن قصتنا مثل قصة الأعرابي الذي كان له في بغداد مطعما لشوي اللحوم الطازجة حيث اشتكى للقاضي بأن جاره يشتم رائحة اللحوم ولا يشتري منها وطالب القاضي بأن يجبر جاره على دفع النقود أُجرةً للشم,فضحك القاضي وأمر جاره بأن يرمي نقوده على الأرض ليسمع رنتها صاحب المطعم كأجرة على شم رائحة اللحم المشوي,أي الرنّة مقابل الشمّه,وأنا فعلا أقترح على نفسي أن أدفع لجاري صاحب المطعم أجرة شم الروائح الزكية لأننا فعلا نكتفي بشم الرائحة وتُسد وتُعطل قابليتنا للطعام بسبب انبعاث رائحة الأطعمة القوية,وبالمناسبة قال لي أحد الخبراء في التغذية:كلامك يا أستاذ صحيح 100% وأغلب الذين يسكنون إلى جوار المطاعم لا يتناولون منها أي شيء فدائما هم بحالة شبع من الروائح,وليكن بعلمك أن هذه الظاهرة تعمل على تخفيف الوزن ذلك أن قابلية الأكل عند كل من يسكنون إلى جوار المطاعم ضعيفة جدا ومن النادر ما يملئون بطونهم بألذ أنواع الطعام,أما بالنسبة لصاحب المطعم في حارتنا فقد كان المسكين يظن بأن انبعاث روائح الطهي في الحارة ستفتح لأهل الحارة الشهية وستكثر أرباحه من ذلك ولكن النتيجة عكسية,وأنا صدقوني لا أستطيع أن أمضغ بفمي ولا أي لقمة طعام مما يطهوه الطاهي.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟