أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - -الإصلاح من الداخل- دعوة طفولية ساذجة لتطييب الخواطر وتقليل المخاطر















المزيد.....

-الإصلاح من الداخل- دعوة طفولية ساذجة لتطييب الخواطر وتقليل المخاطر


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 1073 - 2005 / 1 / 9 - 09:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"الإصلاح من الداخل" دعوة طفولية ساذجة
لتطييب الخواطر وتقليل المخاطر

-1-
شعار طنان رنان

منذ حملة قوات التحالف على العراق في مارس 2003 ارتفع شعار طنان رنان في العالم العربي يقول "نعم للاصلاح من الداخل، ولا للاصلاح من الخارج" وهذا الشعار كان بعبارة أخرى رفضاً واضحاً وصريحاً لاستعمال القوة العسكرية في تغيير النظم السياسية العربية التي تأبى التغيير من الداخل. بل إن التغيير من الداخل هو من المعجزات السياسية التي تحتمل النجاح وتحتمل الفشل في الوقت ذاته فيما لو علمنا بأن معظم التغييرات السياسية التي حدثت في العالم العربي منذ الاستقلال في الخمسينييات وحتى الآن كانت من السيء إلى الأكثر سوءاً وليست إلى الأحسن. ولعل نظرة سريعة إلى ما كان عليه الحال العربي عموماُ واجمالاً قبل 1950 وبعد 1950 لدليل قاطع بأن ما تم في معظم أنحاء العالم العربي من تغييرات سياسية كان إلى مزيد من الاستبداد، وإلى مزيد من الطغيان، وإلى مزيد من التمسك بالسلطة عبر انتخابات مزورة ووجوه سياسية متكررة ورفض قاطع لمبدأ تداول السلطة، وقمع للمعارضة ونفي للرأي الآخر.. الخ.

-2-
الْجَمَل النفّاث

دعوة الإصلاح من الداخل، هي دعوة أم حنونة لأطفالها الذين يخشون الخروج من ظلام الماضي إلى نور المستقبل . وهي كالدعوة التي تنادي بتركيب جناحين ومحركين نفاثين للجَمَل العربي لكي يطير بهما بدلاً من أن يسابق الريح بخفّيه لكي يكون التغيير من الداخل لا من الخارج. في حين أننا على مرِّ التاريخ التاريخ الإسلامي كنا نستعين في حياتنا بالخارج، حيث لا حياة للداخل إلا بالاستعانة في الخارج وهذا ليس قصوراً ذاتياً بقدر ما هو نية صادقة للتغيير الصالح والحقيقي. والخوف من الخارج هو خوف الضعف لا خوف القوة، وهو خوف فقدان الثقة بالنفس لا الاعتزاز بها، وهو خوف من يخشى الآخر لا من يملك شحاعة الأخذ منه. فليس المهم الأيدي التي تقوم بعملية الإصلاح ولا الوسيلة المستعملة، ولكنه الفكر الذي يقوم بها. وفكر الإصلاح هو فكر المفكرين السياسيين الذين هم في معظمهم من درس في الغرب، وتثقّف في الغرب، وتلقى الثقافة الغربية.



-3-


لماذا كل هذا الغموض في معنى الإصلاح؟

هل يعي السياسيون والمفكرون والمثقفون عامة ما يقولونه باطلاق شعار:

"نعم، للإصلاح من الداخل"، و "لا، للإصلاح من الخارج".

وكيف يأتي الإصلاح من الداخل، وفاقد الشيء لا يعطيه؟

كيف لي أن أبني بيتاً بنفسي، وأنا لا أملك من علم الهندسة وفن البناء وأدواته ومواده الأولية شيئاً؟

وإذا كنت أملك فعلاً مقومات البناء هذه، فلماذا مضى نصف قرن من الزمان وأكثر، منذ الخمسينيات حتى الآن ولم أبنِ ما تطالب به الآن "النخب المثقفة" من بناء ديمقراطي سليم في كل مناحي الحياة العربية؟

فهل كان الصراع العربي الإسرائيلي (قميص عثمان) هو السبب؟

ولكن لماذا استطاعت اسرائيل (دولة الظلم والعدوان) أن تقيم ديمقراطية وتسبق بها شعوب (العدل والإحسان) رغم أنها كانت مشغولة بصراعنا أكثر مما كنا مشغولين بصراعها. وهذا الشغل الشاغل بصراعنا جعلها تتفوق علينا ليس عسكرياً فقط، ولكن علمياً (هناك عشر جامعات في اسرائيل من بين أفضل 500 جامعة في العالم، ولا جامعة عربية واحدة) واقتصادياً ( الدخل القومي السنوي الاسرائيلي يساوي دخل مصر وسوريا ولبنان والأردن مجتمعين. ودخل الفرد الإسرئيلي السنوي 17 ألف دولار، وهو الأعلى في الشرق الأوسط) وسياسياً ( الديمقراطية الإسرائيلية هي الشفافة الوحيدة رغم كل عيوبها في الشرق الأوسط) واجتماعياً (مؤسسات المجتمع المدني والحريات العامة وحقوق المرأة هي الأكثر تقدماً في منطقة الشرق الأوسط)، بحيث أنها سببت لدينا عقدة مستعصية وهي "العقدة الصهيونية" التي حالت دون تماهينا وتقليدنا وأخدنا لجوانب صالحة لنا من تجربة اسرائيل في اقامة الدولة وعلى رأس هذه التجارب النهوض العلمي والنهوض السياسي؟

لماذا لا نكون واقعيين وموضوعيين، ونقول للناس صراحة:

أننا ضد التدخل العسكري المسلح لتغيير النظم السياسية، ونرفض اعادة ما جرى للعراق، علماً بأن ما جرى كان بدعوة والحاح شديد ورجاء واستغاثة إلى حد تزوير الحقائق من قبل كافة أطياف المعارضة العراقية في الداخل والخارج ومن أجل أن يتم التدخل من الخارج بالقوة العسكرية كما جرى في الحالة العراقية.

لماذا كل هذا الغموض في معنى الإصلاح؟

لماذا لا نقول للغرب أهلاً بك في برامجك التعليمية، ودعونا نأخذ منها ما يفيد وما نقدر على تطبيقه، فليس المهم بالبرامج، ولكن المهم فيمن يستطيع تطبيقها؟

لماذا لا نقول للغرب أهلاً بك في نظامك المؤسساتي الدستوري، ونريد منكم خبراء في كيفية تطبيق الاستحقاق الديمقراطي، لأن لا دستور بدون قناعة بآلية التطبيق. فدساتيرنا العربية هي مقتطفات واسعة المساحة من الدساتير الغربية، وهي من صنع الاستعمار ومن فضائلة الكثيرة علينا، ولكنا لم نحترمها ولم نطبقها وعثنا فيها فساداً، فأصبحت بساطير في أرجل العسكر، بدلاً من أن تكون كتباً مقدسة في رؤوس السياسيين؟

-4-
كيف لكسيح أن يصعد جبلاً أو يرتقي منارة؟

"لا، للإصلاح من الخارج".

إنها دعوة طفولية ساذجة لتطييب الخواطر وتقليل المخاطر.

فهل في التاريخ العربي منذ 1400 سنة اصلاح ذاتي جاء من داخل المجتمع العربي؟

الإسلام الذي يعتبر أكبر حركة تاريخية اصلاحية وتغييرية في تاريخ الأمة العربية لم يأت من داخل المجتمع العربي وانما جاء من بعيد، ومن خارج الأرض، من السماء السابعة؟

والاسلام الذي يعتبر محرك التغيير الثقافي الأكبر في تاريخ الأمة العربية كان حزمة من الشرائع المأخوذة عن شرائع الشعوب الأخرى السماوية والأرضية.

ونحن العرب كنا أول أمة في التاريخ تفرض التغيير على الشعوب الأخرى من الخارج وبالقوة!

ألم نفرض في فجر الإسلام على الشعوب البيزنطية والفارسية والهندوسية وغيرها التغيير الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي بالفتوحات والغزوات، أي بالقوة العسكرية، وليس بالدُعاة والهُداة فقط؟

ألم نكن أمة غازية قامت بغزو الآخرين لأسباب مختلفة وعلى رأسها نشر العقيدة الجديدة؟

كيف تم تكوين الامبراطورية الإسلامية في العهدين الأموي والعباسي واخضاعها للسياسة الإسلامية وللسيطرة القومية العربية؟

والآن دار التاريخ دورته، وأصبح مشعل الإصلاح في أيدي غيرنا، فلماذا لا نتمثل حال الامبراطورية البيزنطية أو الفارسية في فجر الإسلام ونعترف بالحقيقة، وهي أن فينا ورم فساد وفوضى ولا بد من فتح هذا الورم المتقيح وإزالته حتى لا يقضي على الجسد كله. وأن ذلك لن يتم إلا بأيدي أطباء مهرة وعلم طبي حديث؟

إن من يقول لنا : "نعم، للاصلاح من الداخل" هو كمن يطلب من الكسيح صعود الجبل، أو تسلق درج المنارة!

لقد فتش الخليفة عمر بن الخطاب عن مصلحين في الإدارة وشوؤون المال فلم يجد بين العرب أحداً فدعا البيزنطيين المسيحيين لتنظيم الإدارة وبيت المال (وزارة المالية).

ولقد فتش الأمويون والعباسيون عن منظرين للسياسة والرياسة بين العرب فلم يجدوا، فدعو الفرس والبيزنطيين والهنود إلى ذلك. "وظل النظام الإداري للحكومة الإسلامية في الجملة على ما كان عليه في بلاد الفرس والروم. فقد وجد العرب أن هذه الأمم ذات تاريخ مجيد عريق في الحضارة المدنية والنظم السياسية. فلم يكن بُدٌ من قبوله وابقائه على ما كان عليه من قبل". (حسن ابراهيم، تاريخ الإسلام السياسي، ج1، ص454).

-5-


ماذا نملك الآن غير بعض القيم الأخلاقية؟

يقول العرب الآن : "لا، للاصلاح من الخارج". وهم يعنون : "لا، للتدخل العسكري من الخارج" وهم على حق فيما يعنون ولكنهم ليسوا على حق فيما يقولون.

فكل اصلاح تمَّ في العالم العربي خلال القرن العشرين، وبعد خلاص العرب من الاستعمار العثماني 1918 كان اصلاحاً خارجياً وليس داخلياً شكلاً ومضموناً. وهذا ليس عيباً. فاليابان والمانيا وكوريا بعد الحرب العالمية الثانية أصلحت من نفسها بواسطة الخارج وبالقوة العسكرية الهائلة، وضربت سلاماً مُربعاً للإصلاح الخارجي دون خشية أو خوف أو تردد وهي تعلم علم اليقين بأن هذا الإصلاح هو لمصلحة الطرفين : الطرف الْمُصلِح والطرف الْمُصلَح.

ولو نظرنا إلى حال العرب الآن وما تم فيهم من اصلاح منذ الحملة الفرنسية على مصر 1798 وما تركته من آثار، وما تبع ذلك من اصلاحات في الشأن العربي عامة سواء كان بفعل الاستعمار المباشر أو بفعل البعثات التعليمية المرسلة الينا من الخارج أو المرسلة منا إلى الخارج لأدركنا أن ما اصابنا من اصلاح كان من الخارج ولم يكن من الداخل.

فالنظام الإداري والأمني والمالي والتعليمي والصحي والاتصالي والإعلامي والعسكري والسياسي المتبع في معظم الدول العربية هو نظام خارجي جاء به الاستعمار البريطاني والفرنسي.

والعالم العربي في معظمه الآن تُسيّره أنظمة غربية وأدوات غربية ومنتجات غربية وعلوم غربية، لا أثر للعرب وحضارتهم فيها.

ونحن نأكل طعاماً غربياً في معظمه ونلبس لباساً غربياً ونستعمل في حياتنامنتجات غربية. ولا نملك من العرب والإسلام غير بعض القيم الأخلاقية فقط، وما دون ذلك فهو غربي. ولا فرق بين حياتنا وحياة الغربيين غير ما نتحلى به من قيم أخلاقية معينة يشاركنا الغرب في معظمها كالصدق في المعاملة وحب العمل واحترامه والحرص على المال والكرم والدفاع عن الضعيف ومساعدة المعوزين.. الخ.

فالإصلاح الخارجي هو في نسيج الأمة العربية، وهو في نسغ هذه الأمة، ولكننا لا نعترف به ولم نعترف به في الماضي لعصبية فينا، ومكابرة في تربيتنا، وتعالٍ في طبيعتنا. فلنا الصدر دائماً دون العالمين أو القبر، كما قال شاعرنا.

[email protected]



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عراقٌ نادرٌ بين الأمم
- -منتدى المستقبل- خطوة على طريق -الشرق الأوسط الكبير-
- نحن والغرب: الشركاء الأعداء
- المثقفون والطغيان في المؤتمر الثالث للفكر العربي
- الواقع العربي المرير وأسئلته
- الانتخابات العراقية بين كفر المقاطعة ومعصية الاشتراك
- بشائر مؤتمر شرم الشيخ
- إنفلاج الصُبح في الفلّوجة
- هل يُصبح محمود عباس -غاندي فلسطين-؟
- نجاح -الجمهوريين- انتصار لمشروع التغيير العربي؟
- 3000 توقيع على (البيان الأممي ضد الإرهاب) ماذا تعني؟
- أسماء الدفعة الثانية من الموقعين على - البيان الأممي ضد الار ...
- أسماء الدفعة الأولى من الموقعين على (البيان الأممي ضد الارها ...
- خيبة العُربان والإرهابيين في الانتخابات الأمريكية
- الالتباس التاريخي في إشكالية الإسلام والحرية
- هل سيورّث عرفات سُهى الخلافة الفلسطينية
- لماذا كان -البيان الأممي ضد الارهاب- ولماذا جاء الآن؟
- العرب: جنون العظمة وعقدة الاضطهاد
- شارون وعرفات حليفان موضوعيان!
- ما هي مصلحة العرب من هزيمة الارهاب في العراق؟


المزيد.....




- تركيا تعلن وقف التعاملات التجارية مع إسرائيل.. ووزير إسرائيل ...
- صحيفة أمريكية تتحدث عن انتصار السنوار في الحرب وهدفه النهائي ...
- الإعلان عن بطلان محاكمة أمريكية في دعوى قضائية رفعها ضحايا - ...
- تكريم سائق الفورمولا واحد الأسطوري آيرتون سينا في إيمولا وفي ...
- حانة -الكتابات على الجدران-.. أكثر من مجرد بار في بودابست
- لمواجهة الاحتجاجات.. الحكومة الفرنسية تمنح رؤساء الجامعات ال ...
- شاهد: مظاهرة وسط العاصمة الباكستانية كراتشي للمطالبة بوقف ال ...
- اليابان في مرمى انتقادات بايدن: -كارهة للأجانب- مثل الصين ور ...
- مسؤول أمني إسرائيلي: بايدن -يحتقر- نتنياهو وواشنطن تقف إلى ج ...
- ألمانيا: تراجع عدد المواليد والزيجات لأدنى مستوى منذ عام 201 ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - -الإصلاح من الداخل- دعوة طفولية ساذجة لتطييب الخواطر وتقليل المخاطر