شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 1043 - 2004 / 12 / 10 - 12:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أدت الاعتداءات الإرهابية للحادي عشر من سبتمبر 2001 إلي ترسيخ الصورة النمطية السلبية التي كونها الغرب عن الإنسان العربي، وهي الصورة التي لا تخرج عن نطاق الإرهابي والمتعصب دينيا والمتخلف. أي صورة الإنسان غير المتحضر.
فما هي الأسباب التي أدت إلي نشوء هذه الصورة النمطية الجامدة لدي الغرب عن الإنسان العربي؟
هناك عدة أسباب لهذا الوجه العربي "القبيح" في المرآة الغربية، منها:
1- أن الانسان العربي منذ أكثر من عشرة قرون، وبالتحديد منذ القرن التاسع الميلادي وبعد عهد الخليفة المأمون لم يقدم للانسانية فكراً، أو علماً، أو ثقافة انسانية ذات قيمة. وظلت الثقافة العربية منذ ذلك التاريخ وحتي الآن ثقافة انغلاقية محكومة حكماً صارماً بتراث الأموات وبالأوهام والخيالات الشعبية.
2- أصبحت الثقافة العربية الآن، هي ثقافة العنف والإرهاب. وهذه الثقافة لم تأتِ من أحد ولم تنزل من السماء، بقدر ما جاءت من داخلنا ومن ماضينا الممتد في حاضرنا، ومن انتصار الاتباع علي الابداع، وانتصار الرواية علي الدراية في تراثنا الأدبي والفقهي، وانتصار جهاد الآخر علي جهاد النفس العدوانية، وهو أجمل أنواع الجهاد. لقد جاءتنا هذه الثقافة العنيفة التي تقطر دماً من تقاليد الحروب والمشاحنات القبلية والطائفية وبطش السلطات الغاشمة قديماً وحديثاً. جاءتنا من ردود فعلنا الهاذية علي احباطاتنا الفردية والجمعية ومن جروحنا النرجسية سواء منها المنحدرة من هزائمنا أمام الغرب واسرائيل، أو الآتية من تربية أسرية قاسية كما سبق وقال العفيف الأخضر. والذي زاد من ضراوة هذه العوامل التراكمية عدم وجود قطيعة ديمقراطية فيها تؤسس لثقافة جديدة قوامها الحوار والسلام مثلما حصل في اليابان.
3- غياب القطيعة الديمقراطية لعوامل العنف الدموي التراكمية جعل صدماتنا تتحالف مع موروثنا الثقافي لصياغة شخصيتنا النفسية صياغة ثأرية حوّلت أخذ الثأر في سلمنا القيمي إلي قيمة اجتماعية والتسامح والغفران والجنوح إلي السلم إلي وصمة عار وجبن وخيانة، والانفتاح علي العالم؛ أي علي استثماراته وقيمه تفريطاً في الهوية واقترافاً ل "أم الجرائم" وهي التبعية للغرب.
ما هي أنجع الوسائل التي تمكننا من تغيير الصورة السلبية للإنسان العربي لدي الغرب؟
علي الإنسان العربي أن يتغير وتتغير معه الأمة العربية. أن التغيير في الحياة العامة من نظم وقوانين ونواميس لن يتم إلا إذا غيّر الانسان قناعاته وأفكاره ومنهاج حياته. والقرآن قال: "أن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم" (سورة الرعد، آية 11) وكذلك: "ذلك بأن الله لم يكن مغيّراً نعمة أنعمها علي قوم حتي يغيروا ما بأنفسهم" (سورة الأنفال، آية 53). وهما الآيتان اللتان لقيتا صداهما في الفكر الغربي، وأيّدهما كثير من فلاسفة الغرب وحكمائه. فقال ألفن توفلر: "مسؤولية التغيير تقع علينا. وقال جيم ولز: "العالم لن يتغيّر ما لم نتغيّر نحن". وقال أوسكار وايلد: " أن الذي يغيّر العصر هو نحن وليست المبادئ". وقال لودفيج وتنجتشاين: "أن أهم ما في التغيير هو تغيير سلوكياتنا". وقال هنري ثورو: "الأشياء حولنا لا تتغير، نحن الذين نتغيّر".
ويجب أن نلاحظ أن هناك تغييرين: التغيير الأصغر والتغيير الأكبر. التغيير الأصغر يبدأ حين تبدأ تزكية النفس البشرية؛ أي تطهيرها بالإيمان وهذا هو التغيير الأصغر. وعندما تتطهر النفس تصبح قابلة للتغيير الأكبر وهو تغيير المجتمع كله. يقول القرآن: "قد أفلح من زكّاها" (سورة الشمس، آية 9). ويقول: "قد أفلح من تزكّي" (سورة الأعلي، آية 14 ). والفلاح هنا هو نجاح قيام التغيير الأكبر الذي يتبع التغيير الأصغر، وهو التزكية. والقرآن يوجه كلماته إلي فرعون الذي طغي ورفض دعوة التغيير ويخاطبه بقوله: "هل لك إلي أن تزكّي، وأهديك إلي ربك فتخشي" (سورة النازعات، آية 18،19).
وهذا يعني أن لا مجال لأن يُغيّر فرعون واقعه السيئ ويهتدي إلا إذا بدأ بنفسه فزكّاها، وهذا هو التغيير الأصغر لكي ينتقل إلي التغيير الأكبر، وهو تغيير واقع مجتمعه السيئ.
ويجب أن ننتبه إلي أن التغيير علي الأرض هو من صنع الانسان بالدرجة الأولي، وأن دور الله في صنع التاريخ يأتي بعد دور الانسان، "ذلك بأن الله لم يكن مغيّراً نعمة أنعمها علي قوم حتي يغيروا ما بأنفسهم".
أن التغيير هو طريق الرُّشد الذي نادي به الإسلام. والرُّشد خلاف الغي؛ أي الاستقامة علي طريق الحق. وهو هداية تغيير اليقينات السابقة. والإسلام أراد أن يقيم الرشد بالرُّشد؛ أي أن يحدث التغيير السلمي العقلاني بالفكر والخطاب. لذا، فقد ركّز الإسلام علي كلمة الرُّشد وذكرها في القرآن في أربع سور هي : "الأنعام"، و"الشعراء"، و"مريم"، و"فاطر".
لا سبيل إلي التغيير الآن في العالم العربي، إلا بتبني الخطوات التالية:
1- انتاج الفكر النقدي، الذي يساعد علي الانتقال من القطعي إلي المبرهن عليه، ومن المسلم به إلي المتناقش فيه، ومن القراءة العابرة للتاريخ إلي القراءة التاريخية للنص، لجعله في متناول العقل، ومتكيفاً مع متطلبات الحياة الاجتماعية.
2- تبني القطيعة الجارحة مع التراث. فالحضارة الحديثة ابنة لثلاث قطائع أورثت الوعي الأوروبي ثلاثة جروح نرجسية: اكتشاف جاليلو لكروية الأرض، وداروين لنظرية التطور وفرويد للاشعور. وهكذا لم تعد الأرض مركز الكون، ولا الانسان مركز الكائنات، ولا العقل سيد بيته، بل اتضح أنه محكوم باللاعقل؛ أي اللاشعور. والتراث الديني يلعب دور الباغي الذي يردع ورثته عن التنصل منه ومن أوامره ونواهيه. كما أن التثبت العصابي في هذا التراث - كما تفعل الأصولية والسلفية - يغذي النرجسية الجمعية والمركزية الاثنية بوتائر عالية مما يجعلها تلعب دور العائق الذهني، كما يقول العفيف الأخضر.
3- كسر المُحرمات الغبية التي يحكم بها الأموات الأحياء، لأن المثقف تعريفاً هو مع الحداثة وضد القدامة، ومع العقل ضد النقل، ومع التجديد ضد التقليد، ومع الديمقراطية ضد التوتاليتارية، ومع حرية المرأة ضد استعبادها.
لقد اقترنت صورة الإنسان العربي في أذهان الغرب منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر بالإرهاب، وحصل ذلك علي خلفية أعمال العنف التي تلجأ إليها جماعات إرهابية من حين لآخر والتي تستند فيها علي مرتكز ديني عقائدي، فهل هناك ما يسوغ أعمال العنف في الإسلام؟
ليس هناك ما يُسوّغ أعمال العنف في الإسلام وبعص العرب لم يعودوا مسلمين الآن ولا علاقة لبعض العرب وارهابهم اليوم بالإسلام الصحيح .
أصبح بعض العرب اليوم بلا دين. فلا دين لبعض العرب.
وبعض العرب أصبحوا اليوم غير موحدين، وغير مؤمنين بالله ايماناً صادقاً.
لا يغرنّك هذا العدد الضخم من المساجد، وهذا العدد الضخم من المصلين والحجاج في العالم العربي، وهذه الكميات من أموال الزكاة والصدقات. فهذه طقوس اعتاد عليها العرب في الجاهلية الأولي، وهم الآن يعيشون الجاهلية الثانية. فالعرب لا يشكلون غير 19% من مسلمي العالم، ومع ذلك فهم الذين أقاموا العالم ولم يقعدوه علي رأس الإسلام بتصرفاتهم الدموية وبعنفهم الموروث عن عصبيتهم، وليس عن دينهم. هذا العنف الذي لا يمتُّ إلي أي دين من الأديان بصلة.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟