أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - نحن والغرب: الشركاء الأعداء















المزيد.....

نحن والغرب: الشركاء الأعداء


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 1049 - 2004 / 12 / 16 - 11:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


-1-
من الواضح للعيان ولكل ذي بصر وبصيرة، أننا نحن والغرب نعيش على كوكب واحد، من عبث في ركن من أركانه وجب على الجميع التصدي له، وأن مصالحنا – بفعل امتلاكنا لعصب الصناعة الغربية - مشتركة ومتشابكة أيضاً. وأن نظرية المؤامرة التي تشغل بال المثقفين العرب والتي تتلخص في أن الغرب وأمريكا على وجه الخصوص يسعون إلى تدمير هذه الشرق وتفكيكيه والقضاء على شعوبه ونهب ثرواته، هي نظرية من مخلفات الأدبيات السياسية في الخمسينيات والستينيات التي فرّخها "المد الثوري"، و "المجد القومي"، و "الزحف الاشتراكي".. الخ.

فهل من مصلحة الغرب وأمريكا حقاً، أن يفعلا كل هذا في الشرق الأوسط؟

وهل من لديه مزرعة يحرقها؟

وهل من لديه "جرّة سمن وعسل" يكسرها؟

وهل من لديه بئر يشرب منها ويسقى منها ماشيته، يرمى فيها الحجارة؟

فمَن منا الذي لم يفهم الآخر؟

نحن أم الغرب؟

-2-

دعونا نطرح السؤال بشكل تفصيلي أكثر على الوجه التالي:

- هناك رأي يقول أن الغرب لم يسعَ أبدا بشكل جدي وموضوعي إلى فهم الآخر، وأن فهمه للآخر اعتمد فقط على تمثلات وصور مشوهة استقاها غالبا من وسائل الإعلام ومن كتابات بعض المستشرقين والرحالة الغربيين، فهل هذا الرأي صحيحاً، وألا يتحمل العرب مسؤوليتهم في ذلك على اعتبار أنهم قصروا في نقل الصورة المناسبة التي تتوافق مع واقعهم، وغيبوا جانب التواصل الحقيقي مع الغرب؟

والجواب هو أننا نحن لم نفهم أنفسنا قبل أن ندع الغرب يفهمنا.

مَنْ مِنَ العرب الآن، يفهم نفسه فهماً سليماً، لكي يدع غيره يفهمه فهماً سليماً أيضاً؟

الجانب المظلم من الاستشراق (وما أكثر المضيء منه) ساعد على عدم فهمنا من قبل الغرب، وهو جانب محدود ومتعصب وضيق الأفق وقليل المعرفة. ولكن المسؤولية الكبرى في عدم فهم أنفسنا وفي عدم فهم الغرب لنا تقع علينا نحن الذين أقمنا قطيعة معرفية وثقافية وسياسية واقتصادية مع الغرب. وأصبحنا نخاطب الغرب من الكهوف والجحور، ومن وراء متاريس الجهل والأمية والبطالة والفساد السياسي والمالي والاخفاق العلمي والعسكري.

فكيف نريد للغرب أن يفهمنا جيدا ويعرفنا جيدا من وراء ستار حديدي أقمناه بأنفسنا لإنفسنا عندما سجنا أنفسنا في زنزانة الماضي ذات قضبان من عظام الأسلاف، وهي أشبه بالستار الذي كان يقيمه الاتحاد السوفياتي لنفسه بنفسه ثم انهار انهيار برج البسكويت.

أن ستارنا الحديدي الذي اقمناه بأنفسنا هو العداء للآخر، وتكفير الآخر، واعتبار الآخر "دار حرب" علينا الجهاد ضده، وضد قيمه الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية. في حين أن الجهاد كما قال محمد سعيد العشماوي في مجلة "روز اليوسف" قد انتهى بموت الرسول، إذ لا جهاد بعد الرسول. وأن الجهاد بعد الرسول كما قال الشيخ جمال البنا في جريدة "الأحداث المغربية" هو جهاد مع النفس.

-3-

من خلال ما سبق يبرز السؤال التالي:


- هل فتح قنوات تواصل حقيقي بين الغرب والشرق يعتبر كافيا لتحقيق التفاهم بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط ، وهل يكفي الحوار بين الأديان ، أو بين الحضارات لإعادة الثقة بين الغرب والشرق وتحسين صورة العربي عند الغربيين ؟

والجواب هو أن على العربي أن يُحسّن صورته في الداخل أولاً، قبل أن يُحسّنها في الخارج.

كيف نريد أن تبدو صورتنا ناصعة البياض في الخارج، وهي صورة كالحة السواد في الداخل؟

وقبل أن نتفاهم ونتواصل مع الغرب، علينا أن نتفاهم ونتواصل مع أنفسنا. وهذا التواصل لن يتم إلا بتبني الفكر النقدي وليس الفكر الاجتراري. كما لن يتم إلا بالقطيعة مع الماضي والكف عن البكاء عمّا فات ومات، وسلوك درب العقلانية الذي لن يتأتى إلا إذا أزلنا عن ثقافتنا سيطرة اللاهوت عن الذهنيات خاصة التقليدية، وإلا إذا قمنا بترجمة كافة التراث العقلاني الغربي بما فيه الكتابات المتعلقة بتاريخ الأديان التي تمثل رافداً قوياً للفكر العقلاني. كما أن عقلنة التعليم وخاصة التعليم الديني بإدخال علوم الحداثة اليه وخاصة سوسيولوجيا الأديان وتاريخ الديانات المقارن والتحليل النفسي والألسنية. فإذا حسُنت صورتنا بعد ذلك أمام أنفسنا فسوف تتحسن صورتنا أمام الآخر بالتأكيد. والإعلام العربي الغبي لن يستطيع أن يفعل شيئاً لوجه العربي القبيح في المرآة الغربية، ولو صرف البلايين من أجل ذلك. فماذا تفعل (الماشطة) بالوجه القبيح؟!

والحوار بين الشرق والغرب يجب أن يتم ليس عبر الأديان ولكن عبر الأفكار. فنحن لا نعترف بأديان الآخرين، بل نكفّرهم ونعاديهم. يقول المرحوم الشيخ عبد العزيز بن باز مفتى السعودية السابق في (مجموع فتاوى ابن باز ج2، ص 178): " فقد دلَّ الكتاب والسُنّة وإجماع المسلمين أنه يجب على المسلمين أن يعادوا الكافرين من اليهود والنصارى وسائر المشركين، وأن يحذروا مودتهم واتخاذهم أولياء، والآيات في هذا المعنى كثيرة وتدلُّ دلالة صريحة على وجوب بغض الكفار من اليهود والنصارى وسائر المشركين، وعلى وجوب معاداتهم، وتدلُّ أيضا على تحريم مودتهم". ويرى يوسف القرضاوي في كتابه (الإسلام والعَلمانية ص 76، 77 ) "أن العَلمانيين يتسامحون مع غير المسلمين، وهذا من كفرهم". ثم يؤكد: "أن المسلم إذا فرضت عليه العَلمانية فقد فرض عليه أن يتحلل من دينه.. لأنه لا يستطيع أن يوالي ، أو يعادي على أساس العقيدة، لأن العَلمانية ترفض العقيدة أساساً للولاء والانتماء ".

إذن، لا حوار أديان حقيقياً وصادقاً في القرن الحادي والعشرين. هناك فقط حوار أفكار فيما لو وُجد. فالغرب لا يُسيّره الدين لكي نتحاور معه عبر الدين.

الغرب عبارة عن حزمة أفكار سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لا علاقة لها بالدين، في عالم فصل بين الدين والدنيا منذ قرون. ونحن العرب لا يُسيّرنا الدين أيضا، ولا تسيّرنا الأفكار كذلك.

غرائزنا وجروحنا النرجسية المنحدرة من هزائمنا أمام الغرب واسرائيل ، أو الآتية من تربية أسرية قاسية، هي التي تُسيّرنا فقط، وعلينا أن نجعل الأفكار هي التي تُسيّرنا لكي نستطيع أن نجلس على مائدة واحدة مع العالم.

أن تلاقح الإسلام العربي - وليس العالمي - مع الأديان الأخرى أصبح اليوم مستحيلاً بعد أن أصيب اليوم دعاة النرجسية الدينية العرب برُهاب تلاقح الإسلام مع الديانات والثقافات الأخرى. رغم أن الإسلام بدا في عصر الفتوحات مستلهماً ثقافات الشعوب التي فتحها، مقدماً ثقافة عالمية، لا ترتبط بنزعة قومية، أو وطنية. فرغم أنه بدأ عربياً إلا أنه انتهى كونياً، ليس بحكم بدايته، ولكن بحكم تشكله التفاعلي مع حضارات مختلفة كلياً.

-4-

فلماذا كل هذا العداء مع الغرب؟

سؤال ساذج أليس كذلك، خاصة في ظل وجود ذاكرة عربية لم تمّحَ منها ذكريات الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر والثاني عشر الميلادي، وفي ظل طرد العرب وتشريدهم من الأندلس، وسقوط غرناطة التي استولوا عليها كمحاربين في القرن الثامن (755م) وخرجوا منها كمحاربين في نهاية القرن الخامس عشر (1492 م ) ، وفي ظل الاستعمار الذي بدأ من 1830 في الجزائر وانتهى في 1970 في الإمارات العربية المتحدة، وفي ظل ما يجري الآن في فلسطين والعراق.. الخ؟

ألسنا شركاء مع الغرب في علمه واقتصاده وتكنولوجياته وفلسفته وفنونه ومأكله ومشربه وملبسه وغنائه .. الخ؟

ألسنا شركاء مع الغرب في إعمار هذا الكون؛ نحن بمواردنا الطبيعية، وهو بعلمه وجهده وعرقه؟

ألم نخفف عن الغرب شقاء الحياة وغلائها بما قدمنا له من تسهيلات في استغلال ثرواتنا الطبيعية والإستفادة منها في تقدمه وازدهاره؟

ألم يخفف عنا الغرب شقاء الدنيا وعسرها بما قدمه لنا من اختراعات ووسائل لتسهيل الحياة علينا، وجعلها ميسورة وطيبة؟

لماذا إئتلف العالم كله شماله وجنوبه مع الغرب، وبقي هذا الشرق عسيراً على الإئتلاف والدخول خيوطاًً سلسةً في النسيج الكوني؟

هل العيب فينا أم في الغرب، وهل "صراع الحضارات" الذي يتحدثون عنه في الشرق والغرب هو "صراعات جهالات" في حقيقته، وهو كلام أكاديميين مُنظّرين؟

أسئلة حمقى كثيرة، ولكنها تحتاج الآن إلى إجابة من العقلاء، أكثر من أي وقت مضى!



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقفون والطغيان في المؤتمر الثالث للفكر العربي
- الواقع العربي المرير وأسئلته
- الانتخابات العراقية بين كفر المقاطعة ومعصية الاشتراك
- بشائر مؤتمر شرم الشيخ
- إنفلاج الصُبح في الفلّوجة
- هل يُصبح محمود عباس -غاندي فلسطين-؟
- نجاح -الجمهوريين- انتصار لمشروع التغيير العربي؟
- 3000 توقيع على (البيان الأممي ضد الإرهاب) ماذا تعني؟
- أسماء الدفعة الثانية من الموقعين على - البيان الأممي ضد الار ...
- أسماء الدفعة الأولى من الموقعين على (البيان الأممي ضد الارها ...
- خيبة العُربان والإرهابيين في الانتخابات الأمريكية
- الالتباس التاريخي في إشكالية الإسلام والحرية
- هل سيورّث عرفات سُهى الخلافة الفلسطينية
- لماذا كان -البيان الأممي ضد الارهاب- ولماذا جاء الآن؟
- العرب: جنون العظمة وعقدة الاضطهاد
- شارون وعرفات حليفان موضوعيان!
- ما هي مصلحة العرب من هزيمة الارهاب في العراق؟
- الانتخابات الأفغانية: خطوة الديمقراطية الأولى على طريق الألف ...
- الإجابة على سؤال: لماذا دولة -الرسول- و-الراشدين- لا تصلح لن ...
- لماذا -دولة الرسول- و-الراشدين- لا تَصلُح لنا الآن؟!


المزيد.....




- لماذا أصبح وصول المساعدات إلى شمال غزة صعباً؟
- بولندا تعلن بدء عملية تستهدف شبكة تجسس روسية
- مقتل -36 عسكريا سوريا- بغارة جوية إسرائيلية في حلب
- لليوم الثاني على التوالي... الجيش الأميركي يدمر مسيرات حوثية ...
- أميركا تمنح ولاية ماريلاند 60 مليون دولار لإعادة بناء جسر با ...
- ?? مباشر: رئيس الأركان الأمريكي يؤكد أن إسرائيل لم تحصل على ...
- فيتو روسي يوقف مراقبة عقوبات كوريا الشمالية ويغضب جارتها الج ...
- بينهم عناصر من حزب الله.. المرصد: عشرات القتلى بـ -غارة إسرا ...
- الرئيس الفرنسي يطالب مجموعة العشرين بالتوافق قبل دعوة بوتين ...
- سوريا: مقتل مدنيين وعسكريين في غارات إسرائيلية على حلب


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - نحن والغرب: الشركاء الأعداء