أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - عندما لاتؤدى المقدمات إلى نتائجها - البرادعى يغير قواعد اللعبة














المزيد.....

عندما لاتؤدى المقدمات إلى نتائجها - البرادعى يغير قواعد اللعبة


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 3610 - 2012 / 1 / 17 - 14:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


طالعت باهتمام بيان د.محمد البرادعى وهو ينسحب من الانتخابات الرئاسية، وكأنه بضربة واحدة يعيد عقارب الساعة إلى ما قبل صباح 12 فبراير 2011 ويلغى عملياً كل نتائج المرحلة الانتقالية والانتخابات التشريعية، ويعيد الثورة للميادين ويغير قواعد اللعبة ويؤسس بالغياب حضوراً كثيفاً فى بؤرة المشهد الثورى. وهنا تذكرت قصة قديمة لعلك مدرك بقراءتها ما انطوت عليه من معان وإشارات.
كانت الصحيفة لاتزال فى يده وقد طواها على صفحة الإعلان الذى وقع فى دائرة اهتمامه. دلف فى تؤدة وثبات إلى ردهة الاستقبال الفاخرة، كانت خطواته الواثقة تنم عن رجل على أعتاب أمر جلل، بينما تهدلت على جبهته العريضة خصلات شعر فضى، نزع عن عينيه نظارته الشمسية وفى إيماءة متعاليه راح يسأل عن مدير عام الشركة. كان محظوظاً إذ بعباراته المقتضبة وحسن هندامه بدا مهيباً ومؤهلاً لتجاوز كل مايمكن أن يصادف غيره من لجاجة موظفى الاستقبال وتعالى خدم المكاتب المصطنع وعديد الأسئلة المقتحمة الباردة، فأشاروا على الفور إليه، وتطوع أحدهم باستدعاء المصعد فتثاقلت خطوات صاحبنا إمعاناً فى التكلف عله يكمل بادى اهتمامه ويفتح له الباب.
كانت جلسته فى مواجهة مدير عام الشركة تشى بملامح رجل مهم فكانت حفاوة المدير وترحابه، وقبل أن تكتمل ابتسامته بادره صاحبنا: أليس ذلك هو إعلانكم لطلب مدير إقليمى لفرع الشركة فى روما، وقبل أن يجيب، أكمل صاحبنا معاتباً: ولماذا لم تحددوا الراتب والبدلات والمكافآت فى الإعلان كما حددتم كل الشروط والمواصفات والمؤهلات المطلوبة لشغل الوظيفة؟ واستجمع المدير كل خبرات البيروقراطية التى أهلته للجلوس على الكرسى الكبير والتى علمته كيف يتسيد مثل هذه المواقف ومن اللحظة الأولى، إذ كيف يسمح لموظف محتمل هو بالضرورة سيكون مرءوساً له حال استخدامه بأن يساءله ويناقشه؟ هذا بالطبع خارج شروط اللعبة، وعليه أن يسترد زمام المبادرة ويصحح الأوضاع ويلزم صاحبنا حجمه لايتعداه أو يغادر إطاره، فسأله فى حزم: هل قرأت كل شروط الوظيفة؟ ودونما أن يترك له فرصة الرد عاجله: وهل أحضرت معك أصول وصور كل الشهادات والمستندات المطلوبة؟ وأكمل من فوره: وهل أنت جاهز لأداء الاختبارات الآن حالاً فوراً؟ نظر إليه صاحبنا فى تردد بدا معه مدى انكماشه فى مقعده وندت من شفتيه كلمات متقاطعة متلعثمة لم يعرها المدير أى اهتمام، لكنه قدر أنه الآن استعاد سيطرته المفترضة على الموقف وامسك بالموظف المحتمل من تلابيب حاجته واضطراره فألزمه حجمه ومقداره، وبدا حاسماً: من فضلك الإجابة بنعم أو لا فقط حرصاً على الوقت، وانهالت الأسئلة وتلاحقت الإجابات على النحو التالى: هل لديك خبرة بأعمال الكمبيوتر والشبكات والإنترنت؟ لا، هل لديك شهادة دولية فى أعمال الكمبيوتر؟ لا، هل تجيد الإنجليزية؟ لا، هل تجيد الإيطالية؟ لا، هل لديك خبرة دولية سابقة فى الأعمال المطلوبة؟ لا، هل لديك شهادة عليا كما هو مدون فى الإعلان؟ لا، وهنا استشاط مدير الشركة وخرج عن هدوءه المصطنع وتبدى انفعاله فى كلمات حانقة: لماذا إذن تقدمت إلى الشركة وطلبت مقابلتى، وهنا جاءت كلمات صاحبنا لتتوج الحدث الدرامى بمشهد الختام الذى هو قمة فى الكوميديا السوداء والساركيزم " السخرية": جئت لأطلب منكم ألا تعملوا حسابى فى هذه الوظيفة. انفجر الجميع فى الضحك حتى دمعت عيونهم، فقد كان ضحكاً كالبكاء. هكذا كانت المفارقة وهكذا جاءت النكتة.
والنكتة لاتأتى من فراغ وهى غالباً تنفيس عن إحساس بالوجع يصدر عن ضمير جمعى حائر يرفض الواقع حوله ويعمد للسخرية من مفرداته ورموزه. فإذا كان من طبيعة الأشياء ومعيار صحتها أن تؤدى المقدمات إلى نتائجها، فإن النكتة تبدأ دائماً بمقدمات خاطئة أوغير معقولة لاتؤدى أبداً إلى ماوصلت إليه من نتائج، وهنا تقع المفارقة وتلذع السخرية ويكون الضحك.
شئ من هذا يحدث فى حياتنا العامة، تبدوا معه النخبة والسلطة، كلاهما كصاحبنا فى النكتة السابقة، والذى لايمكن أن يؤدى ما اعتمده من مقدمات إلى ما يرتجى من نتائج، فيأتى سلوكهما نوعاً من المفارقة وشكلاً مستحدثاً من أشكال النكتة الحريفة الساخرة الموجعة.
الغريب أننا من كثرة تكرار اللامعقول فى حياتنا العامة وتواتر وقائعه وأحداثه، بدونا وكأننا أصبنا ب "حول عام" وضمور فى أعصاب البصر وعطب فى ضمير البصيرة أصبحت معه الرؤية ملتبسة والصور متداخلة والمشهد حائر متبلد ومرتبك. وبدلاً من إعادة التفكير فى تفاصيل الصورة وأسباب واقعها المشوه، وبدلاً من إعادة النظر فى أفعالنا وأفكارنا وما أقترفته أيدينا، نظل فى مماحكة مع الإطار والبرواز ووضع الصورة، بينما الخطأ فيما أحدثناه من اختلاط الألوان وخلل مقاييس الرسم والنسب والأحجام وتجاوز القانون والعلم والمنطق وتهافت فنون التشكيل والتركيب وقواعد وأساليب العرض. الخلل فى المقدمات قبل النتائج، وعلينا إعادة النظر وإعادة التفكير واعتماد قواعد جديدة للعبة التى تآكلت أطرافها واهترأت ملاعبها واستبد باللاعبين الملل والإرهاق والتعب، ورغمها لاتزال الفرصة قائمة والوقت لايزال يمنينا بمتسع لمحاولات ممكنة.
ولا أحسبك فى حاجة لتعديد أمثلة إذ يكفيك أن تنظر إلى مايكتب فى الصحف وماتشاهد فى الفضائيات وماتتابعه من أنشطة الأحزاب والانتخابات والوزارات والمؤسسات والهيئات العامة، لترى ظلال النكتة وقد احتلت المشهد العام بمثل هذا النمط الغريب من التفكير وعشوائيته ومستهجن السلوك ولامعقوليته، وبما يبعد بنا عن روح الثورة وقيم النهضة والعدالة والإنسانية والمواطنة، وأخطر مافيه هو أنه يهدد مفهوم الدولة وكيانها قبل استقرارها وتقدمها. ترى هل كان البرادعى واعياً لنكتة حياتنا الساخرة فحاول إعادة تصحيح المشهد؟ لعله فعل!



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -إن تضحيات ثائر نبيل مثل أحمد حرارة تكفى وطنا بكامله ليت ...
- -إلى مصطفى النجار والعليمى وتليمة وشكرى وكل رفاق الثورة- دقت ...
- -احتشم ياصقر فى حضرة الثوار ورموز الوطن-: أخطأ الميدان وأصاب ...
- -‬لاتزال حكومات الفشل تحاصر أحلام الشباب‮-‬ ...
- الليل تطرده قناديل العيون
- - الإنبثاق من العلم والشعر إلى السياسة والثورة-: إنما الخلاص ...
- -جيتو القاهرة المستبد واستبعاد الكفاءات والمناضلين-: رأفت نو ...
- -الأخطاء التى ترتكب فى بداية الثورات لاتموت أبداً-: إنتاج وإ ...
- الوزراء وأصحاب الرابطات الحمراء
- 9‮ ‬مارس ومشروع النهضة
- أحاديث منتصف الليل
- مصر‮..‬ وعَودةٌ‮ ‬أخري قريبة‮ ...
- راكيل وولش والنانوتكنولوجى
- الثورة ومشروع النهضة
- عندما لاتؤدي المقدمات إلي نتائجها
- البحث العلمى وإدارة المعرفة
- إستراتيجيات إنتاج وإدارة المعرفة
- الوعي الزائف والعقل البديل
- مبدعون على الشاطئ الآخر
- الموتى لا يروون حكاياتهم


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - عندما لاتؤدى المقدمات إلى نتائجها - البرادعى يغير قواعد اللعبة