أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - أنور نجم الدين - كل شيء لأجل تطوير الحركة الاشتراكية العالمية: التضامن لا الجبهات،التقدم لا التصالح، تغيير الإنتاج لا الوجوه الدكتاتورية بالوجوه الليبرالية!















المزيد.....



كل شيء لأجل تطوير الحركة الاشتراكية العالمية: التضامن لا الجبهات،التقدم لا التصالح، تغيير الإنتاج لا الوجوه الدكتاتورية بالوجوه الليبرالية!


أنور نجم الدين

الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 19:15
المحور: ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
    


1- هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات؟ وإلى أي مدى؟

لم تكن للنقابات أو اليسار أي دور في إنطلاق الانتفاضات الجماهيرية الواسعة أو تطوُّرها في البلدان العربية أو الشرق على العموم، فالانتفاضات تأتي كالهزات الأرضية، أي إنها غير مخططة من قبل الأحزاب أو النقابات. أما الاتحادات والمجالس واللجان الجماهيرية التي ظهرت كضرورة لتنظيم هذه الانتفاضات، فكانت لها دورها المميز في تطوير هذه الحركات، وعلى سبيل المثال فبعد انطلاق الحركة الجماهيرية في كردستان العراق في 17 شباط 2011، بدأ الجماهير مباشرة بتنظيم أنفسهم في "المجالس" واللجان اعتبارًا من يوم 23 شباط 2011 في مدينة السليمانية، وبعدها بأيام قليلة في الأقضية والنواحي والقصبات التابعة للمحافظة ظهرت "المجالس" واللجان، وكان يلتف حولها المئات والألوف من الشباب. ولكن الضعف الأساسي لهذه "المجالس" هو أنها لم تنتقل إلى حركة مجالسية بالمعنى التاريخي للعبارة، أي أنها لم تصبح مجالس منتخبة من قبل الجماهير ومستقلة عن سياسات الأحزاب. وهذه القصة تتلخص بايجاز في الآتي:

في 23 شباط، وفي حشد جماهيري، كما وفي بيان باسم لجنة من لجان الانتفاضة في مدينة السليمانية، قد أكدنا نحن صراحة: أن هزيمتنا محتومة دون تنظيم أنفسنا في اللجان الثورية لغرض إدارة المظاهرات وتطوير الحركة نحو الإضرابات بالذات. وفي نفس اليوم قد شاركنا في اجتماع خاص بتشكيل أول مجلس في مدينة السليمانية.

في اليوم الأول من انطلاق التظاهرة الجماهيرية، قد وصف (حزب التغيير) على لسان زعيمه الجلالي العريق وهو أحد قادة الحركة الرجعية الكردية نوشيروان مصطفى، بتعريف الحركة بوصفها حركة تخريبية فوضوية. وما كان أساس هذه الفوضوية؟

كان الأساسُ الفعلي لانطلاق الحركة تنظيمَ مظاهرة سلمية من قبل الشباب، تضامنًا مع تونس ومصر. ولكن تحولت التظاهرة في الساعات الأولى من انطلاقها إلى اصطدام عنيف بين المتظاهرين ومسلحي الحزب الديمقراطي الكردستاني عند اقتراب المتظاهرين من مقر هذا الحزب. ولم يمر أسبوع كامل على الظرف الجديد قبل أن تجر هذه الحركة "الفوضوية" العملاقة حتى (حزب التغيير) نحو هؤلاء المخربين، وهو حزب من الأحزاب الموجودة في البرلمان الكردي. وبالتحالف مع كتل برلمانية أخرى وهم الأحزاب الإسلامية، قد شكل التغيير جبهة لمعارضة الأحزاب الرئيسة في السلطة وهما حزبا البارزاني والطالباني -المعروفين بالحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني- ويتصرفون بالفعل مثل الشركات السياسية يسيطرون على كل مصادر الحياة بالاستفادة من سلطتهم. وكان الغرض من هذا التحالف محاولة استخدام الجماهير بصورة مشتركة للضغط على البارزاني والطالباني للتقاسم الأخوي للسلطة والمال معهم. وبعد دخول هذه الأحزاب المجالس أصيبت كل المحاولات بالشلل لتطوُّر اتجاه الحركة أمام هذه الأحزاب التي كان بحوزتها الإمكانيات المالية والإعلامية المتفوقة. واكتسب التغيير في نفس الوقت دعم كتلة شيوعية منفصلة من الحزب الشيوعي العمالي داخل هذا المجلس. واعتبارًا من الأيام الأولى لمشاركة الحلفاء في هذه اللجنة، فظهرت الخلافات الاستراتيجية والتكتيكية بين المشاركين في هذا المجلس. وبعد أيام معدودة من هذه الخلافات، انفصل مئات الشباب من الساحة التي سيطر عليها الحلفاء بغرض توجيه الجماهير لتحقيق أحلامهم القديمة، وبدأ الشباب في التمرد من الساحة وبالاصطدام من جديد مع القوى القمعية للسلطة، فالتغيير والإسلاميون قد حولوا الساحة من ميدان تجمع المناضالين إلى ساحة الصلاة والتقوى، والمهرجان الشعري، والأناشيد القومية، وتوزيع الورود على القوى القمعية للسلطة، كما حول الانشقاق الجماهيري، توازن القوى لصالح السلطة. ولكن لحسن الحظ، لم يكن في مستطاع نوشيروان مصطفى - وهو معروف بمهندس الحرب الأهلية في كردستان- تحويل هذا الانشقاق إلى حرب أهلية بين الجماهير المتظاهرة أنفسهم نظرًا لأن الشباب المتمردين من الساحة، لم يستهدفوا من تمردهم سوى مجابهة قوى الدولة وتطوير حركتهم بما لا يطابق أحلام الأحزاب المتحالفة، هذا ورغم تهديد وضرب الكثير من العناصر الثورية من قبل حزب التغيير ومنعهم من إبداء آرائهم من منبر الساحة. ولكن هل ينتظر التاريخ هذه الحرب الأهلية في المحاولات اللاحقة؟ فليُجِب التاريخ نفسه على هذا السؤال.

لنتابع:

كان الشعار الأساسي للتغيير في البرلمان وفي ساحة الصلاة، هو الإصلاحات السياسية، أي الحد من الفساد، والتكتيك المتبع من قبله هو المفاوضة مع حزبي البارزاني والطالباني، وهو تقليد قديم لكل هذه الأحزاب المتمرسة في مفاوضاتهم مع سلطة البعث أثناء تطور الحركة الثورية في كردستان العراق طيلة وجودهم في الساحة السياسية.
وقد وقف في نفس الوقت كل الإعلام الليبرالي البرجوازي الكردي بجانب التغيير وحلفائه، ونعني بهم جريدة (هاولاتي)، وجريدة (ئاوينه)، ومجلة (لفين)، والجريدة الألكترونية (كردستانبوست).

أما المتمردون غير المنظمين -وكنا منهم- قلنا صراحة: إن انضمام حزب التغيير إلى الحركة، لا يصبح واقعًا دون التخلي المسبق عن مقاعده البرلمانية وامتيازاته الحزبية من قبل الدولة. وأما فيما يخص الإصلاح الإداري، فمن الممكن لحزب التغيير وحلفائه اللجوء إلى مندوبيهم في البرلمان، فلا حاجة لقتل وجرح المئات من المناضلين لأجل الاصلاحات. والتكتيك الثوري المتبع يجب أن يكون الانتقال من التظاهرات إلى الإضرابات في الشركات والمعامل والدوائر الحكومية بأسرع ما يمكن، فالتفاوض مع السلطة لا يعني سوى إعطاء الفرصة لها لتجميع قواها الإرهابية والتحضير لهجوم معاكس ثم سحق الحركة الثورية. وبالفعل، كانت الهزيمة هي الفاجعة الختامية لهذه المحاولة الثورية الرائعة التي ظهرت لتعزز التضامن في ساحة النضال.

ولكي لا ننسى اليسار الشيوعي، فيكفي أن نقول: لم يكن للحزب الشيوعي العمالي أي دور في الحركة، كما بقي الفرع الكردستاني للحزب الشيوعي العراقي في البرلمان الكردي، فلهذا الحزب مقعد واحد في البرلمان بالتحالف مع 5 أحزاب أخرى في كردستان، ولم يشارك بالطبع هذا الحزب في هذه الحركة "التخريبية"، حركة شباط، الأمر الذي سينتهي بكل تأكيد، بعزل هذا الحزب اليساري من الجماهير أكثر فأكثر.

أما بخصوص مستقبل الحركة، أي الموجة الثورية اللاحقة التي نحس مدَّها يومًا بعد يوم رغم كل محاولات التغيير للتلاعب بها، والاصلاحات التي قامت بها الدولة، فنقول: إن المدرسة الوحيدة للمناضلين هي الحركة نفسها، وقد قدمت الحركة دروسًا وتجارب عظيمة لا يمكن دخول المرحلة اللاحقة، دون التعلم منها. أما أمر عودة الحركة، ومدى مساهمات المناضلين فيها، فيتوقف على تطور مدى حركة الشغيلة - الفقراء والعاطلين عن العمل- في العالم أجمع.

2- هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟

إن دور اليسار نفسه في التاريخ لا الاستبداد والقمع، هو الذي خلف أثرًا كبيرًا في إضعاف الحركات الثورية في العالم العربي، فبفضل اليسار أصبحت الحركات الثورية في المنطقة عمومًا حركات مشلولة تابعة للأهداف البرجوازية الوطنية، فحركة الشغيلة في الشرق على العموم، أصبحت جزء من حركة (أنتي الاستعمار) بدلا من حركة معادية للرأسمالية كنظام اقتصادي - اجتماعي. وفي نظرة خاطفة إلى التاريخ، نجد أن اليسار الشيوعي في بعض الدول العربية، كان له دور فعال في زمن الاستبداد بالمقارنة مع زمن الحريات السياسية، فالنظام الديمقراطي البرلماني - البرجوازية البرلمانية - لا يأتي ليعطينا فرصة إنهاء نظام استثمار الإنسان للإنسان من خلال المباريات السلمية معه، بل تأتي لتعزز القاعدة الاجتماعية لتملك الخاص، فها هو نصف العالم يعيش في ظل الديمقراطية، ولكن دون حل أي نزاع بشري ودون تقديم أية فرصة لإحلال نظام جديد محل النظام الاقتصادي القديم من خلال الحريات الديمقراطية، فالمسألة لا تتعلق بالانفتاح السياسي، بل بكيفية تنظيم جديد للإنتاج والتوزيع ونظام العمل ومقياسه.

3- هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروسًا جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها وابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟

كلا، إن المطالب التاريخية للانتفاضات المعاصرة ليست نفس المطالب للأحزاب اليسارية، فاليسار في وادٍ والجماهير في وادٍ آخر، وهم إلى اليوم لا يلتقون في أي مفرق تاريخي.

تنطلق الانتفاضات في كل مكان، ولكن الإخفاقات المتكررة تُصيبها دون القضاء على العزلة والتشتت التي ستصبح أرضية فعلية لتحريكها وتوجيهها وطنيًا أو قوميًا أو ليبراليًا أو دينيًا. إذًا فالموضوع بالنسبة للجماهير ينحصر في جواب السؤال الآتي: ما الهدف؟
بالطبع لا يمكن جواب هذا السؤال دون النزول إلى الحياة الواقعية، أي دون الاقتراب من المنشأ التاريخي للحركات الجماهيرية المعاصرة - في الغرب كالشرق- فللحركات هذه منشأ تاريخي واحد، وهي تفاقم التناقضات الناتج من الأزمة الاقتصادية التي ستصبح مع الوقت أساسًا ماديًّا لانتشار وباء اجتماعي لا مثيل له في تاريخ العالم. وهكذا، فالسؤال هو: هل للحركات المعاصرة مغزى طبقي؟
نعم وبكل تأكيد، فـ "الاحتلال - الاستيلاء" أصبح هدفًا منشودًا لدى طبقة الشغيلة في "وول ستريت" ولندن. أما اليسار في القاهرة ودمشق، يستهدف من كفاحه ما يعوق حركة طبقة الشغيلة في الغرب وأمريكا بحجة عدم النضج الاقتصادي والسياسي في الشرق.
تعبر الحركات في الغرب وأمريكا عن الحياة الواقعية للفقراء والعاطلين عن العمل، وهذا هو التركيب الطبقي للحركات المعاصرة في كل مكان. فعلى الشرق أن يقوم بدعم هذه الحركات من خلال التضامن الطبقي، ولا نقصد بالتضامن سوى تطوير الاتجاه التاريخي الفعلي لهذه الحركات في الشرق أيضًا، فإن رفع شعارات ليبرالية في الشرق، إزاء شعار "الاحتلال" في الغرب وأمريكا، لا يعني في الواقع سوى إنهاء التوازن الطبقي لصالح البرجوازية في العالم أجمع، فبينما العالم الليبرالي يجابه "الاستيلاء"، فيحاول اليسار أن يضع الشرق كل آماله في نتائج صناديق الانتخابات، وهذا بحجة التفاوت الاقتصادي بين الغرب والشرق. فهذه التجريدات العقلية وهذا التدرج نجده فقط في الثقافة، في الفكر، أي في الفلسفة ومنطقها الديالكتيكية لا في الحياة الواقعية للمجتمع البشري وهو كيان تاريخي واحد، فعدم النضج التام لحركة الشغيلة في الشرق -وهو عدم النضح للحركة في المستوى الأممي- لا يعني إطلاقًا الانسجام مع شعارات وأهداف ليبرالية برجوازية، وإن التكيُّف مع شعارات ليبرالية ووطنية برجوازية بحجة محاربة التطرف، سينتهي لا محالة، بانتصار البرجوازية وتحطم معنويات الكادحين من جديد، وهذا ما لمسناه خلال السبعين سنة الأخيرة من التاريخ في العالم العربي.
إن هدف نضالات الشغيلة هو نفسه في أمريكا والغرب والشرق، ولا تجد البشرية حلا للوضع العالمي الراهن سوى إحلال نظام جديد محل النظام الاقتصادي القديم، فلا يمكن القضاء على الأزمات الدورية وما يلاحقها من الفقر، والبطالة، وغلاء المعيشة، والحروب دون إيقاف محرك الإنتاج المعاصر، الإنتاج الرأسمالي، والاستعاضة عنه بالإنتاج الاشتراكي الخاضع للتسيير الذاتي للمجتمع -التعاونيات الاشتراكية- الكومونات. ولكن اليسار أصبح عائقًا أمام تطوير هذا الاتجاه التاريخي منذ ظهوره في الساحة العربية بحجة التطور اللامتكافئ، وأهمية الحركات البرجوازية الوطنية المعادية للاستعمار، والنزاع العربي – الإسرائيلي المزعوم، فنظام جديد لدى اليسار بعيد بُعْد الجنة الموعودة.

4- كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية؟ وما شكل هذه المشاركة؟

لا يمكن لليسار أن يقوم بأية مشاركة إلا بعد أن يُذِّوب مصالحه الحزبية الخاصة في مصلحة الحركة وأهدافها التاريخية. ولا يمكن فهم الأهداف التاريخية لهذه الحركات التي تجري اليوم أمام أعيننا في العالم العربي، دون فهم طبيعتها الطبقية الناتجة من طبيعة الحركات الموجودة في العالم الصناعي - الديمقراطي بالذات. إن النظر إلى هذه الحركات من وجهة نظر المحلية -يعني من وجهة نظر الليبرالية البرجوازية- لا يعني سوى المحاولة لهدم القاعدة الطبقية العريضة التي تقف عليها اليوم الحركات الثورية في الغرب وأمريكا أيضًا. إن الحركات الموجودة في تونس، ومصر، وسوريا، وكردستان العراق .. إلخ، ليست سوى سلسلة مترابطة من الحركات الموجودة في اليونان، وأمريكا، وبريطانيا.. ورغم أن المعركة لا تزال تدور حول انخفاض نصيب الأطراف الاجتماعية المتنازعة من نتاج الإنتاج الاجتماعي –ونعني به الربح بالنسبة للرأسمالي، ووسائل المعيشة بالنسبة للمنتج- ولكن مع ذلك لا يمكن نسيان الطابع التاريخي المميز لهذه المعارك الطبقية وأمر تطويرها وتعزيز موقع الشغيلة فيها منذ اليوم، وإن أمر تطورها يقف بالضبط على تطور كل حلقة من حلقاتها على أرض العالم كلها. فها هو الوضع العالمي الراهن يتحول نحو النقطة التاريخية التي تتحول فيها الطبقات في العالم أجمع إلى قطبين متناقضين، فالاستقطاب الطبقي بين الشغيلة والطبقة الحاكمة، هو الخطوة الأولى نحو التحول في مجرى التاريخ العالمي. ولا يمكن المشاركة الفعالة في هذه الحركات، إلا بوصفها جزءًا لا يتجزأ من الحركة العالمية التي تتقدم وترفع مطالبها إلى مستوى أعلى من مطالب الليبرالية البرجوازية، وهي المطالب الاشتراكية. أما الاشتراكية لا تعني إطلاقًا تمليك الوسائل الإنتاجية من قبل حشرات البيروقراطية الطفيلية للدولة، والاصلاح الزراعي، وعلمنة الإنتاج والدولة، بل تعني التشريك والإشراف الجماعي على الإنتاج والتوزيع في المجتمع. ولا يمكن تحقيق ذلك دون إقامة التعاونيات الاشتراكية - الكومونات.

5- القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟

كلا، إن الجبهات اليسارية التي لم تكن في التاريخ سوى محاولة لدمج مصالح الكادحين مع البرجوازية الوطنية، قد انتهت بالاخفاقات المتكررة للشغيلة في العالم العربي. واليوم ما يطرحه التاريخ، هو اللجوء إلى الأساليب الطبقية الأكثر فعالة لتقدم حركة الكادحين، فيجب أن تحل الاتحادات الجماهيرية - المجالسية كانت أم أي شكل آخر يجده الجماهير لتوحيد الأعمال - محل الجبهات الحزبية السياسية، فالوحدة الطبقية والانتظام الطبقي هو الأساس المشخص لتنظيم الحركة الجماهيرية المتفرقة، فالتضامن الطبقي هو العامل الفعال لتطوير الحركة صوب أهدافها، ولا يمكن تحقيق هذا التضامن دون نشوء الاتحادات الجماهيرية المسبقة في الدوائر الإنتاجية والإدارية والمدن المختلفة. وعلى كل تنظيم ثوري التفاعل مع الجماهير ومع بعضهم البعض من خلال هذه الاتحادات.

6- هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركًا أوسع بين الجماهير وأفاقًا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟

إن التفاعل مع الجماهير يعني بالتأكيد التفاعل مع الشباب والنساء المنخرطين في هذه الحركات بالذات؛ فإن التحرك الأوسع مشروط بتفاعل واسع مع محرك الثورات وهم الشباب. فاليسار سيبقى منعزلا كما كان، دون التخلي عن العقلية الحزبية الجامدة التي تدور فقط حول المصالح الحزبية الضيقة من جهة والشعارات العتيقة التي لا يمكنها مسايرة التاريخ بأي شكل كان من جهة أخرى.

7- قوي اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟

ليس للشغيلة برنامج للمرأة وبرنامج للرجال، فما وراء اضطهاد المرأة هو اضطهاد الإنسان للإنسان. لذلك فلا يوجد برنامج للمرأة منفصل عن الأهداف الاجتماعية للحركة عمومًا.
أما تنشيط دور المرأة فليست فعلا ميكانيكيا، بل هو فعل تاريخي يعتمد على تطور الحركة وعدم تراجعها أو إيقافها أو حصرها في منطقة محددة في العالم أو في هذا البلد أو ذاك، هذه المنطقة أو تلك، وهذا التقدم يعتمد كليًّا على التكتيك المتبع من قبل الحركات الجماهيرية نفسها.

8- هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر ؟

إن التقدم الصناعي والحضاري هو الذي يضع الحد من تأثير الأديان على العموم، فالتقدم البرجوازي للمجتمع -أي الحضارة الحديثة- سيدفع الأديان نحو أحضان الليبرالية، وهذا أمر محتوم. أما قيام اليسار في السابق بجعل حركة الشغيلة خادمة البرجوازية الوطنية ومحاولته المستمرة لجعل الشغيلة اليوم من جديد خادمة الليبراليين، يعني بكل بساطة إعطاء الفرصة للأحزاب الإسلامية والليبرالية التقدم نحو مقدمة المسرح السياسي وعلى حساب النضالات الجماهيرية والتضحيات بأرواح الثوريين بالمئات والألوف، كما شاهدناها في تاريخ السابق.

9- ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر..... إلخ، ألا يتطلب ذلك نوعًا جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟

إن وسائل الاتصالات وسرعتها، لها بالتأكيد دورها في الانتفاضات، ولكن هي في النهاية وسائل الاتصالات لا أكثر. إن العامل الحاسم في تطوير الانتفاضات هي التفاعل مع شعارات الجماهير لا كيفية استخدام تقنية الاتصالات، فالجماهير تبدأ دائمًا وفي كل مكان من حياتها الخاصة، يعني من قلة الأجور، وإطالة يوم العمل، وارتفاع الأسعار، وأزمة السكن، وارتفاع كلفة الخدمات الاجتماعية بالمقارنة مع دخل الفرد. أما اليسار فيبدأ دائمًا من تقاسم الغنيمة في السلطة مع الآخرين، فالهدف مختلف إذًا، فاليسار يحاول إقناع الجماهير بأن تحقيق مطالبهم اليومية يعني إقامة المجلس الوطني. أما إذا انطلقنا من الواقع لا من السياسة والأيديولوجيا، نرى أنه لا الديمقراطية البرلمانية ولا الحريات السياسية، تستطيع تغيير المجتمع لصالح الأكثرية ولا يمكنها أن تقلل شيئًا من آلام البشر، فلذلك لا يحتاج الجماهير أي تحول سياسي لتحقيق مطالبهم اليومية التي تتعلق بأكثر الأشياء الاستهلاكية الضرورية للحياة اليومية. فها هي الاصطدامات الطبقية بين الجماهير والسلطة السياسية في الدول الديمقراطية العريقة، تتقدم يومًا تلو الآخر بنفس الدافع التاريخي الذي تتقدم وراءه الحركات الجماهيرية في العالم العربي، أي بسبب غلاء المعيشة وما حولها من الأزمات الاجتماعية، ولكن دون أن تَأْمُل الجماهير في تغيير الوجوه السياسية.

وهكذا، فالآليات التكتيكية لها دورها الأساس في تطوير النضالات، أما النضالات الجماهيرية الواسعة، فتمر دائمًا بمرحلتين لا أكثر: في المرحلة الأولى تبدأ الاصطدامات بين الطبقات الاجتماعية في معمل أو محلة أو مدينة أو بلد معين. ويمكن أن تشبه النضالات هذه في كل مكان بعضها البعض في مطالبها الاجتماعية: الأجرة، ساعات العمل، شروط العمل، السكن، البطالة .. إلخ. وبعيدًا عن اليسار، يحاول الجماهير فرض إرادتها الموحدة الخاصة على السلطة السياسية، ولكن دون ضرورة المشاركة في السلطة لتحقيق هذه الأهداف الآنية. أما اليسار لا يرى أي تقدم نحو تحقيق هذه المطالب اليومية الآنية إلا من خلال المشاركة في السلطة، وستنتهي العملية بالقضاء على الحركات الجماهيرية وفرض إرادة السلطة على الجماهير، فما المشاركة في السلطة غير إخضاع الجماهير للقوانين الحديدية للبيروقراطيين والطفيليين وإدارتهم العسكرية؟ وأين نجد القضاء على الفقر والبطالة وأزمة السكن من خلال مشاركة اليسار في الحكم؟ فها هو اليسار كاليمين -الشيوعيين كالمسيحيين- يشارك في السلطة في أكثر البلدان ديمقراطية، ولكن الجماهير لا تربط آمالها بالتغيير في كيفية مشاركة اليسار في السلطة في هذه البلدان. فما هذه الآمال المزيفة في الشرق؟

أما المرحلة الثانية للنضالات الجماهيرية فستبدأ بالاصطدامات الطبقية على مستوى التاريخ العالمي، فانتقال الحركة الثورية من الاصطدامات المحلية إلى اصطدامات مسرحها العالم الرأسمالي من أقصاه إلى أقصاه، يعني في نفس الوقت الانتقال من المطالب الآنية إلى النضالات يجري بموجبها حسم الصراع بين الطبقات، فمن المطالب اليومية تنتقل الشغيلة إلى تهديد الوضع الاقتصادي الراهن من خلال رفع شعار: الاحتلال!

وهكذا، فكل شعار يقدمه الثوريون يجب أن يخدم القضية العليا لهذه الحركات الجماهيرية، وهي قضية الملكية، ورغم تخلف هذه الحركات في هذه المنطقة أو تلك، في هذا البلد أو ذاك، فلا يمكن تطوير الانتفاضات إلا من خلال تطوير أهدافها. ومادام الهدف في النهاية هو القضاء على الملكية الخاصة، فيجب تعزيز هذا الاتجاه وتطوير أكثر التكتيكات الثورية للحركات الجماهيرية كالمظاهرات الصاخبة، والإضرابات العامة، واحتلال أماكن رأسمالية، والاصطدامات المسلحة. فنحن نعيش في مجتمع لا تجابه السلطة أعداءها الطبقيين إلا بالعنف، ولا يمكن مجابهة العنف إلا بالعنف. وهذه هي الطبيعة الحقيقية للمجتمع الرأسمالي.
ولتقنية الاتصالات هنا بالتأكيد، أهمية خاصة في تسريع الاتصالات بين الثوريين في المناطق والمدن والبلدان المختلفة.

10- بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟

إن المكانة الإعلامية لـ (الحوار المتمدن) مكانة بارزة جدًّا. ولكن سيتراجع (الحوار المتمدن) من هذه المكانة المرموقة، دون مسايرة الظرف العالمي الجديد والتكييف مع عصر الثورات والشعارات الجديدة للحركات الجماهيرية في الدول المدنية - الديمقراطية بالذات، أي في الغرب وأمريكا.

إن المدنية المعاصرة -المدنية البرجوازية- تتفاقم أزماتها شيئًا فشيئًا، وهي على طبيعتها طيلة تقدم البشرية، والليبرالية تقف عاجزة كليًا عن تقديم أي حل للمصاعب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجهها هذه المدنية بصورة متكررة اعتبارًا من أوائل القرن التاسع عشر، فلا يمكن إذًا أن تصبح هذه المدنية المجرمة -مدنية الفقر والبطالة، مدنية التجارة بالبشر، مدنية المنافسة، مدنية الأزمات والحروب- نموذجًا للشرق والمثل العليا لحركة الشغيلة في العالم العربي، فمحرك الحركات في الشرق كالغرب، هو الحركة الطبقية التي لا بد أن ترفع قريبًا راية الثورة الاشتراكية، إذًا فكل شيء لتطوير هذا الاتجاه، أي لتطوير الحركة الاشتراكية العالمية، والرسالة التي تستجيب مع هذا الهدف هي: التضامن الطبقي! أما التضامن سيصبح مستحيلا دون الاتحادات الجماهيرية -المجالسية. ويمكن للتنظيمات الثورية مساهمة فعالة في هذه الاتحادات الجماهيرية، كما يمكن لـ (الحوار المتمدن) أن يساهم في تطوير الاتجاه الاشتراكي في العالم العربي، فالمسألة هنا تتعلق بتوازن القوى، والبرجوازية تستخدم كل الإمكانيات التي بحوزتها لسحق الحركة الاشتراكية من جديد ابتداءً من الجيش والشرطة وأجهزتها الاستخباراتية وانتهاءً بإعلامها الهزيل الذي يعلمنا أن كل شيء ممكن في العالم عدا الاشتراكية. فالحركة الاشتراكية بحاجة إلى الإعلام الذي سيؤكد العكس، فالاشتراكية أمر ممكن، بل وحتمية تاريخية، وها هو شبح يجول في العالم شبح الاشتراكية، وجيش يزحف، وهو جيش البروليتاريين الاشتراكيين، والعصر الذي نعيش فيه -عصر الأزمة الاقتصادية التي سيدور حول العالم في عمقه- هو بكل تأكيد عصر الثورة الاشتراكية. وإذا كان الثوريون مهتمين بأن يكون لنشاطاتهم دور فعال في الحركة المعاصرة، فعليهم قبل كل شيء نبذ كل الأفكار التي لها دور مؤثر في إضعاف الوعي الاشتراكي، ولإيجاد فرصة مواتية لليبراليين للاقتراب من البروليتاريين طلبًا منهم التصالح الاجتماعي والسلم الطبقي والعيش معًا بسلام ضمن نظام أخلاقي أكثر أمانة للفقراء والعاطلين عن العمل، ففي الوقت الحاضر، تحتاج حركة الشغيلة المتصاعدة في العالم، وأكثر من أي وقت مضى، الإعلام الذي سيعزز الوعي الاشتراكي لا الوعي الليبرالي الذي تقف وراءه كل القوى العسكرية الهدامة والأيديولوجية الخداعة في العالم، فها هي قوى الشغيلة العملاقة تظهر إلى السطح شيئًا فشيئًا في كل قارة من قارات الخمس في العالم ويهدد من جديد عالم سيادة الإنسان على الإنسان، عالم الرأسمالية الليبرالية التي فشلت بالفعل في تقديم أي حل لتناقضاتها الاقتصادية، ولا تجد الشغيلة مخرجًا لإنهاء هذه التناقضات سوى الاشتراكية.
فلتزحف الحركة الاشتراكية من جديد في ربوع العالم!
* * *



#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأخلاق الإسلامية والأخلاق الشيوعية
- الاشتراكية بداية التاريخ
- نقد الأخلاق عند لينين
- الأزمة المعاصرة في تأملات الليبراليين الأخلاقية
- رسالة من مصر: ما الأهمية التاريخية لانتفاضة مصر؟
- الموجة اللاحقة: إسرائيل، السعودية، الصين، وقناة السويس
- اشتراكية لينين صورة كاريكاتورية لرأسمالية الدولة
- رسائل من تونس: ما الخطوة اللاحقة؟
- السيد علي الأسدي: رأسمالية الدولة
- تونس: هُبُّوا ضحايا الاضطهاد! هُبُّوا إلى العمل المجالسي!
- تونس: هُبُّوا إلى السماء، هُبُّوا إلى المجالس!
- التعاونيات الشيوعية والتعاونيات الصينية
- لينين صانع رأسمالية الدولة الاحتكارية!
- المجالسية: من إيران عبر كردستان إلى المغرب ومصر وتونس
- من كردستان إلى تونس: شرارة ثورة الشغيلة
- الكومونة والسوفييتات -13: حركات التحرر الوطنية
- رأسمالية الدولة
- الكومونة والسوفييتات -12: ماركس والثورة الروسية
- الكومونة والسوفييتات -11: ماركس وباكونين
- الإدارة الذاتية في ضوء تكنولوجيا المعلومات


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....



المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - أنور نجم الدين - كل شيء لأجل تطوير الحركة الاشتراكية العالمية: التضامن لا الجبهات،التقدم لا التصالح، تغيير الإنتاج لا الوجوه الدكتاتورية بالوجوه الليبرالية!