أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - أنور نجم الدين - الكومونة والسوفييتات -11: ماركس وباكونين















المزيد.....

الكومونة والسوفييتات -11: ماركس وباكونين


أنور نجم الدين

الحوار المتمدن-العدد: 3225 - 2010 / 12 / 24 - 12:18
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الكومونة لا ماركسية ولا أناركية:

الكومونة ليست عقيدة ولا عقيدوية، لا ماركسية ولا أناركية، إنها مشترك ماركس وبلانكي، إنها مشترك الأممية الأولى، والبلانكيين، والبرودونيين. وهذه هي عظمة الكومونة بوصفها حركة بروليتارية تشارك فيها أطراف بروليتارية مختلفة نحو هدف واحد: مجتمع تعاوني! فكل تنظيم يجب أن يكون خادمًا للكومونة لا العكس. وخلف هذا التحديد لا نجد سوى الكذب، والبهتان، ومحاولة لشق هذه الحركة بحجة التناقضات الأيديولوجية.

الكومونة هي المدرسة البروليتارية الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها في سرد تاريخ الثورات البروليتارية، وما مَرَّ على هذه الثورة من الصعود والنزول ابتداءً من أعظم ثورة شيوعية في التاريخ عام 1871م، ومرورًا بالثورة الشيوعية في روسيا عام 1905م، وانتهاء بالثورة الشيوعية المعروفة بثورة 1917 - 1923 الأممية، فيجب الانطلاق من ثورة الكومونة لا من هذه النظرية أو تلك العقيدة.

"الكومونة هي الحركة الأخيرة، أهم من كل التي حدثت سابقًا" (ماركس، كومونة باريس، ص 223).
"ومهما كانت النتيجة، فقد حصلنا على نقطة انطلاق جديدة ذات أهمية تاريخية عالمية" (ماركس، نفس المرجع، ص 241).

فماركس، وبلانكي، وباكونين كومونيون بالمعنى التاريخي للعبارة، أي أن الشيوعية لدى هؤلاء الثوريين عبارة عن الكومونات -التعاونيات الخاضعة لإدارة المنتجين الذاتية- إدارة حرة، لا حزبية، منتخبة وخاضعة للنقض في أي وقت كان.

"كانت الكومونة دون شك في جوهرها ذاته مناوئة لاستبدال الاقتراع الشامل بالتعيين المراتبي (التدرجي)" (ماركس، نفس المرجع، ص 64).

هكذا كانت السوفييتات أيضًا منذ البداية، فإنها كانت مجالس منتخبة من قبل العمال أنفسهم. وإن هدفها كان متناقضًا مع هدف البلاشفة بتفاصيلها، فالبلاشفة لم تستهدف سوى إقامة الجمهورية، أما السوفييتات فلم تستهدف سوى ما يناقض الجمهورية تحديدًا، أي كما يقول ماركس:

"والبرجوازيون الجمهوريون الذين استولوا على سلطة الدولة باسم ثورة شباط سخروها للقيام بمذابح حزيران، لكي يقنعوا الطبقة العاملة أن الجمهورية (الاجتماعية) ليست شيئًا سوى الجمهورية التي تؤمِّن عبودية هذه الطبقة وتبعيتها"، "وقد جاءت الجمهورية البرلمانية الشكل الأوفق لحكومتهم، كشركة مساهمة، مع لويس بونابرت رئيسًا لها؛ نظام الإرهاب السافر" (ماركس، نفس المرجع، ص 61).

وهكذا، فكان هدف السوفييتات الروسية، مثل هدف الكومونة، يختلف كل الاختلاف عن هدف البلاشفة، فوجَّه الشيوعيون في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أنظارهم إلى روسيا، وبدؤوا يسألون كما يسأل ماركس :"أبوسع الملكية الفلاحية عند الفلاحين الروس أن تنتقل بصورة مباشرة إلى شكل أعلى، شيوعي لتملك الأرض؟"
الجواب هو: نعم "إذا أدت الثورة الروسية إلى نشوب ثورة بروليتارية في الغرب، وكانت الثورتان إحداهما تتمم الأخرى".
وهذا يعني كان التطور الاجتماعي في روسيا في القرن التاسع عشر وصل إلى حد بحيث ان ماديي القرن التاسع عشر استنتجوا أن تطور القوى الإنتاجية الاجتماعية في روسيا بلغ حدًّا يمكن أن يصبح أساسًا لثورة شيوعية أممية.
ولقد انطلقت هذه الثورة في القرن العشرين (1905 و1917) في روسيا، وأصبحت أساسًا لثورة أممية في الغرب كالشرق -روسيا، أوكرانيا، هنغاريا، النمسا، ألمانيا، ايطاليا، الصين، الهند، تركيا، إيران- ولم يكن هدف ثورة السوفييتات إقامة ما تسمى بالجمهورية اطلاقًا، بل هدفها كان انشاء عالم ما بعد الجمهوريات، أي التعاونيات الشيوعية (سنعالج هذا الموضوع بالتفصيل في الأجزاء الأخيرة -12 و13- لهذه السلسلة).
ومهما كان من شكلها فالجهمورية أداة لاستعباد طبقة من قبل طبقة، وإنها بالذات أداة اجتماعية لاستعباد الطبقة البروليتارية، فإنها بالأحرى نقيض الشيوعية بوصفها مجتمعًا تعاونيًّا، فالتناقض بين السيادة السياسية والإدارة الذاتية، هو نفس التناقض بين الملكية الخاصة والملكية الجماعية، فمن خلال الثورة ذاتها ظهرت بأن البروليتاريا لا يمكنها الاحتفاظ بإدارة الدولة -دولة البروليتاريا الدكتاتورية- إذ أرادت القضاء على الملكية الخاصة.

دولة البروليتاريا الدكتاتورية:

إن فكرة بناء الشيوعية في ظل دولة البروليتاريا الدكتاتورية، تأتي في الواقع من فكرة بناء المجتمع من الفوق، أي تصميمه من قبل الدولة ومديريها. وهذا ما يخالفه ماركس نفسه بصورة قاطعة.
ولكن مع ذلك، علينا إلقاء نظرة على ما حدده (البيان الشيوعي) من المهمات السياسية لما يسمى بالدولة البروليتارية، فإذا أردنا أن نعدد جملة من هذه المهمات، فسنرى أنها لا تتجاوز مهمات السياسية للدولة المعاصرة: "فرض الضرائب، مركزة التسليف في أيدي الدولة بواسطة مصرف وطني كبير رأسماله للدولة ويتمتع باحتكار تام مطلق، جعل التربية عامة ومجانية" (ماركس، البيان الشيوعي).
ولا داعي هنا لانتقاد هذا البرنامج الذي ينتقده ماركس بنفسه في مقدمة (البيان الشيوعي) بعد تجربة الكومونة على الشكل التالي:

"وقد شاخ هذا البرنامج اليوم في بعض نقاطه، نظرًا للرقي العظيم في الصناعة الكبرى خلال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة، وما رافق هذا الرقي من تقدم الطبقة العاملة وتنظيمها الحزبي، ونظرًا للتجارب الواقعية التي تركتها ثورة شباط أولا، ثم على الخصوص كومونة باريس" (ماركس، البيان الشيوعي).

وهكذا، فلدى ماركس لا يمكن التمسك ببرنامج لا حياة فيه بالمقارنة مع تطور الصناعة، والتجارة، والمصارف، والزراعة، والدولة ذاتها بوصفها مالكها الخاصة أيضًا. وإذا كان المهمات أعلاه هي مصدر تخيلاتنا لما تسمى بالخطوة الأولى في ثورة العمال، فثورة العمال ذاتها وضحت لنا فرصة فهم تاريخي لهذا التخيل "نظرًا للتجارب الواقعية التي تركتها لنا ثورة كومونية"، فمدرستنا هي التجارب الواقعية لا الأفكار.

إذًا، فالعمال يلحقون تجارب طبقتهم لا وصايا ماركس أو باكونين، فبعد تجربة الكومونة لا يتحدث ماركس عن انتصار الثورة إلا بوصفها تحقيقًا للتعاونيات الخاضعة للإدارة الذاتية للمنتجين، فالشيوعية لدى ماركس ليست سوى مجتمع تعاوني ينظمه الإدارة الذاتية للمنتجين أنفسهم.
وبعد هذه التجربة التاريخية الخالصة للثورة ذاتها، فالتمسك بأي برنامج أخرى باسم البروليتاريا، لا يعني في الواقع سوى المحاولة لخدع العمال، وتشويه المغزى التاريخي لثورتهم، فالبروليتاريا أعلنت بنفسها ما تستهدف من ثورتها، فيجب الانطلاق إذًا من دروس هذه الثورة، من قوتها، وضعفها، ونواقصها، وأخطائها لا من خارجها، فثورة البروليتاريا ليست سوى تحقيق التعاونيات الإنتاجية الخاضعة للإشراف الجماعي للمجتمع، أي ما يسميه ماركس (الإدارة الذاتية للمنتجين)، فانتصار الثورة لا يعني تمركز الوسائل الإنتاجية تحت أيدي الدولة، فالتمركز في أيدي الدولة، لا يحول الوسائل الإنتاجية إلى ملكية جماعية، فما تسمى ملكية الدولة لا تعبر سوى عن رأسمالية الدولة، ونظرًا للتخلف الصناعي في الدول النامية والمتخلفة، فاتخذت هذه البلدان منذ البداية، ومنها خاصة الدول النفطية، طريق رأسمالية الدولة بصورة طبيعية، ونعني بذلك تجميع الوسائل الإنتاجية والثروات النفطية والوطنية تحت أيدي الدولة بوصفها منظم الإنتاج الوطني، فاشتداد المنافسة العالمية في السوق الكونية، وتمركز رأس المال، والأسواق المشتركة الناتجة منه، سيجبر الدولة لا في الدول النامية فحسب، بل وحتى في أعظم الدول الصناعية أيضًا التدخل في السوق، ودعم الشركات الوطنية المهددة من قبل المنافسين في السوق العالمية.

مع عصر تكنولوجيا المعلومات، وتطوير الأعمال التجارية الإلكترونية، فإن الدول بحاجة إلى المزيد من تعزيز الكفاءات التشغيلية، وتختلف السوق العالمية عن السبعينات التي كانت لا تزال تتمتع الرأسمالية العالمية فيها بالاستقرار النسبي في المستوى العالمي. أما اليوم فلقد انقلبت الحالة التزاحمية بين البلدان، وتميزت بموجة من التصادم ستضطر الدول تحت ثقلها إلى اللجوء إلى تقوية مواقعها التنافسية في السوق العالمية. فرغم نمو ظاهرة الخصخصة –Privatization- بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والسوق المجلس التعاضد الاقتصادي، فإن النمو في التكنولوجيا المعلوماتية سيجبر كل منافس في هذه السوق، التكييف مع الشروط العالمية للسوق وتوفير الأداة اللازمة، والاستفادة من القوى البشرية لمقاومة المنافسين.
وفي هذه العملية، وبفضل استخدام الكمبيوتر والاتصالات الحديثة، أي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ستصبح الإدارة الذاتية بالذات، وستشكل فريق العمل الذي يأخذ قراراته بنفسه حتى دون تواجد أعضاء الفرقة في نفس المكان، عوامل جديدة في تطوير الأعمال التجارية، وعناصر فعالة في المقاومة في السوق.

وهكذا، فالشركات، والمؤسسات التجارية والحكومية، ستتجدد حسب الشروط الجديدة في السوق، أو تفنى أمام هذه الشروط الجديدة.
لذلك، ستصبح رأسمالية الدولة، أي احتكار السوق المحلية من قبل الدولة، وتحت شروط المنافسة الرهيبة في السوق العالمية، أمرًا في غاية الأهمية بالنسبة للبلدان المتخلفة بالذات. هذا رغم أن المنافسة نفسها ستؤدي إلى العكس أحيانًا، أي إلى إلغاء الاحتكارات أو حتى إلغاء الأسواق المشتركة الناتجة تحت ضغط المزاحمة العالمية مثل المجلس التعاضد الاقتصادي.
وهكذا، ففي الظرف الحالي، وبعدما وضح بصورة جلية أن رأسمالية الدولة هي تمركز رأس المال الاجتماعي في أيدي الدولة، فلا يمكننا أن نعود إلى فكرة ملكية الدولة العتيقة بصفتها ملكية اشتراكية، فملكية الدولة ليست سوى رأسمالية الدولة، ولا يمكن إخفاءها وراء قناع اشتراكي مهما حاولنا التلاعب بالكلمات. ولا يمكن أن تتخذ دولة البروليتاريا الدكتاتورية سوى نفس الطريق –طريق رأسمالية الدولة.

ولكن بخصوص (دكتاتورية البروليتاريا) فلم يدخل ماركس يومًا من الأيام تفاصيل هذه الدكتاتورية التي لم تعلنها البروليتاريا في أية ثورة من ثوراتها، لا في الكومونة ولا في السوفييتات. وكل ما يقوله ماركس عن هذه الدكتاتورية، فيتلخص في الآتي:

"بتدمير ظروف الاضطهاد القائمة بتسليم كل وسائل العمل إلى المنتج، وبإجبارنا، على هذا النحو، كل فرد قادر جسديًّا أن يعمل ليؤمن وجوده، نلغي الأساس الوحيد للسيطرة والاضطهاد الطبقيين. لكنه قبل أن يصبح بالإمكان حدوث مثل هذا التغيير، تصبح دكتاتورية البروليتاريا ضرورة شرطها الأول وجود جيش بروليتاري" (ماركس، كومونة باريس، 25 أيلول 1871).

فهذه الدكتاتورية هي (جيش بروليتاري)، أي الميليشيا الشعبية التي اكتسبتها كلا الكومونة والسوفييتات منذ انطلاقهم، فماركس لم يتطرق إلى تفاصيل هذه الدكتاتورية وراء هذا الجيش، وبما أن الأصل التاريخي لبرنامج الثورة البروليتارية هي الكومونة لا الأفكار، هو التاريخ لا الفلسفة، فلا يهمنا ماذا يقصد ماركس من هذه الدكتاتورية، ولا ننطلق من الاجتهاد الشخصي بخصوص آراء ماركس عن هذه الدكتاتورية، فالثورة هي الأساس، وإن مصدر وعينا هو هذه الثورة لا وعي ماركسي أو أناركي.

وهكذا، فالسؤال هنا هو: أيهما الأول؛ التطور المادي للتاريخ، أم البرنامج الذي لا بد أن يشيخ تاريخيًّا بسبب هذا التطور المادي؟ فمن أين نبدأ؛ من برنامج لا حياة فيه بالنسبة لعصر الثورات البروليتارية، أو من ثورة كومونية وضعت حجر الأساس للمنهج التاريخي للبروليتاريا ذاتها؟

وهكذا، فلا ماركس ولا باكونين يحددون للبروليتاريا المسار الواقعي للتاريخ ذاته، وسننطلق دائمًا من المنهج التاريخي لطبقة البروليتاريا، فالتجارب الواقعية هي الأساس بالنسبة إلينا، فلنلقي نظرة مثلا إلى نقابية باكونين من خلال مقارنتها بالتجارب التاريخية، ونسأل هنا: هل النقابة بمستطاعها الاستعاضة عن الأسلوب القديم في الإنتاج بأسلوب جديد؟

نقابية باكونين:

إذا رجعنا إلى باكونين فسنرَى أنه يقوم بتعظيم دور النقابة في تطوير الثورة، وهذا ما يناقض، حسب دراساتنا، التجارب والدروس التاريخية للبروليتاريا أيضًا، فلا الكومونة ولا السوفييتات تتميز بنقابيتهم، هذا أولا. ثانيًا: في العودة إلى تجارب الحركة البولونية في الثمانينات بالذات، فنستنتج بصورة واضحة أن النقابية لا تتجاوز في مهماتها الاصلاحات الاجتماعية الخاضعة للدولة الرأسمالية، والنقابة البولونية أصبحت في النهاية اليد اليمنى للدولة ذاتها، فأثناء محاولات البروليتارية لإقامة التعاونيات والإدارة الذاتية للعمال قامت أكبر النقابة في التاريخ بالقضاء على كل ما حاولت البروليتاريا إنشاءه من الكومونات، فالنقابة هي التي أسرعت من هزيمة الحركة البروليتارية البولونية، "فلقد حاولت النقابة إقناع العمال بالعمل مجانًا أيام السبت، وهذا بحجة نهوض الاقتصاد الوطني المتأزم" (انظر: بولندة عام 1980: ثورة الكومونة من جديد! في الحوار المتمدن).

صحيح أن كل من ماركس وباكونين مُتَّفِقَان على دور النقابة بوصفها تنظيم للنضال المطلبي والآني، ولكن باكونين وحدَه ينادي بدور النقابة إلى الارتقاء بالنقابة إلى حد الثورة البروليتارية. ولكن لا نجد تجربة كهذه في التاريخ، بل وبالعكس، تقوم النقابة باعادة (السلم الطبقي) بين الطبقات المتنازعة من خلال التفاوض وفرض مطالبها الاصلاحية على الدولة، حسب تجارب الثورة والنقابة ذاتها.

وهكذا، فلا نقوم بتقييم ماركس وباكونين من خلال هذه الفكرة أو تلك لديهم، بل من خلال تمسكهم بالمنهج التاريخي الاجتماعي للبروليتاريا نفسها.

المنهج التاريخي للبروليتاريا:

مما وصلنا إليه أعلاه، علينا الانطلاق دومًا من المنهج التاريخي الذي يتمسك به المناضلون الكومونيون لا من الأفكار المجردة، فإذا أردنا التحدث عن ماركس وباكونين مثلا، فعلينا الانطلاق من تقاربهم مع هذا المنهج لا من خلال هذه الكلمة أو ذاك المصطلح أو المبالغات في توجيه الاتهامات الشخصية التافهة ضد بعضهم البعض، فلا يبقى أمامنا سوى قذف هذه الاتهمات إلى سلة المهملات والنظر إلى آرائهم بعين نقادة.
ولكن يجب القول: إننا في أي حال من الأحوال لا ننظر إلى ماركس وباكونين، من وجهة نظر ساسة الاشتراكيين - الديمقراطيين، فللاشتراكية - الديمقراطية الأوروبية والروسية مدارسها الاشتراكية المختلفة للمثقفين البرجوازيين -الأنتلجنسيا، تتناقض جذريًّا مع المدرسة التاريخية البروليتارية، فالمرجع التاريخي لكلا من ماركس وباكونين هو التجارب والدروس التاريخية لثورة الكومونة لا أيديولوجية (ماركسية) أو (أناركية)، ولدراسة تاريخ الثورة وشروط تطورها، يجب البدء من الأساس المادي للحركة ذاتها لا من الأيديولوجيات الفلسفية المختلفة، فالشيوعية لدى باكونين وماركس مجتمعٌ تعاونيٌّ لا أكثر. وأن القاعدة المادية للشيوعية هذه موجودة في التاريخ لا في رؤوس الناس، أي أن إنشاء قاعدة الشيوعية حسب ماركس وباكونين، هو مهمة رأس المال التاريخية لا العظماء.

وهكذا، فإن إلغاء المجتمع الرأسمالي من خلال رأسمالية الدولة -ملكية الدولة، أو الاصلاحات النقابية، يشبه في الواقع إلغاء الدِّين من خلال إغلاق أبواب الكنائس والمساجد، فلا الدين يُلْغَى بتدمير أبنية الكنائس، ولا الرأسمالية تتحول إلى حياة تعاونية من خلال رأسمالية الدولة أو الاصلاحات التي تناضل النقابة من أجلها. هذا إذا ما أردنا النظر إلى الدولة، والنقابة، والتعاونيات الإنتاجية من خلال الدروس والتجارب التاريخية للثورة لا النظريات، فالمنهج التاريخي المعلن للطبقة البروليتارية ذاتها، هي في النهاية، إعادة تنظيم المجتمع في المدن والأرياف في شكل كوموني. وهذا ما قامت به ثورة الكومونة في مدينة باريس، وثورة السوفييتات الروسية على مستوى المدينة والريف. فإذا ما انتصرت البروليتاريا في تنظيم الصناعات في المدن الكبيرة في شكل كوموني –الإدارة الذاتية للعاونيات، فتلحقها كل الحركة اللاحقة، فالعالم القروى يركع لا مفر منه أمام هذا التنظيم الجديد للمدن، وهو أساس كل التحولات الاجتماعية اللاحقة ابتداء من التنظيم التعاوني للمجتمع. وهذا ما عبر ماركس عنه -حتى في المستوى الأممي- حول المشاعات الروسية وانتقالها بصورة مباشرة إلى شكل شيوعي للملكية دون عبورها بالرأسمالية في حال انتصار ثورة شيوعية روسية - أوروبية، ففي مقدمة الطبعة الثانية للبيان الشيوعي عام 1882م، يشير ماركس إلى احتمال حدوث ثورة بروليتارية في روسيا، واحتمال انتصار الشيوعية في العالم من خلالها عند اندماج الثورة البروليتارية الغربية معها.
وما كانت النتيجة؟
Email: [email protected]

يتبع



#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإدارة الذاتية في ضوء تكنولوجيا المعلومات
- الكومونة والسوفييتات -10: الفترة الانتقالية
- الكومونة والسوفييتات -9: الجنة الموعودة
- الكومونة والسوفييتات -8: ثورة السوفييتات عام 1917
- الكومونة والسوفييتات -7 : ثورتي البرجوازية والبروليتارية الر ...
- بولندة عام 1980: ثورة الكومونة من جديد!
- الكومونة والسوفييتات -6
- ثورة السوفييتات الهنغارية عام 1956
- الكومونة والسوفييتات -5
- الكومونة والسوفييتات -4
- الكومونة والسوفييتات -3
- الكومونة والسوفييتات -2
- الكومونة والسوفييتات -1
- جاسم محمد كاظم وفؤاد النمري: 3) خرافات جديدة في الاقتصاد الس ...
- جاسم محمد كاظم وفؤاد النمري: 2) خرافة انهيار الاشتراكية
- جاسم محمد كاظم وفؤاد النمري: 1) خرافة عودة لينين
- نظام لينين نظام العمل المأجور: 3- التخطيط الشيوعي للإنتاج
- نظام لينين نظام العمل المأجور: 2- كيف يجري التوزيع في الإنتا ...
- نظام لينين نظام العمل المأجور: 1- طبيعة الاقتصاد السُّوفيتي
- لينين: تراجيديا السوفيتية!


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - أنور نجم الدين - الكومونة والسوفييتات -11: ماركس وباكونين