أنور نجم الدين
(Anwar Nori)
الحوار المتمدن-العدد: 3150 - 2010 / 10 / 10 - 08:39
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يتسلم المنتج -المأجور السوفيتي- مثل المأجور المغربي، أو الأمريكي، أو البريطاني من الإنتاج الاجتماعي كمية محددة من الوسائل الضرورية التي تمكنه من العيش مأجورًا -منتجًا-. هذه الكمية تحددها القوانين الاقتصادية، ونعني بها قوانين الإنتاج وما يتضمنه من الأجور، والأسعار، والنقد، إلخ. مثال:
كل مأجور سوفيتي أو أمريكي -العامل في معمل، الاستاذ في مدرسة- يأخذ مبلغًا من المال لقاءَ عملٍ يقدمه في فترة زمنية محددة -الساعة، اليوم، الشهر-، فصاحب العمل -الدولة السوفيتية، الدولة العراقية، رأسمالي أمريكي- يشتري كمية معينة من قوة عمل المأجور -الجسدي أو الذهني- لنقل 75 روبلا في الشهر، والمأجور يستخدم المال لشراء حاجياته الضرورية: السكن، الأكل، المواصلات، إلخ. ونادرًا ما يكفي دخل المأجور السوفيتي أو الأمريكي أو العراقي لشراء الحاجيات الضرورية.
وهنا نستنتج أن قوة العمل شأنها شأن السكر بضاعة، يمكن قياسها بالوقت، بينما السكر بالميزان، كما يشير إليه ماركس، فحين يدفع صاحب العمل لمأجوره 75 روبلا روسيا أو 300 دولار أمريكي، فكأنه يعطيه كمية من الماء، والكهرباء، والأكل، ونفقات أطفاله.
إن هذه العملية تجري من خلال التبادل، وبالتحديد تبادل القيم، فكلا من قيمة قوة العمل وقيمة البضاعة، تُعَبِّران عن قيمة تبادلية، هذه القيمة تحددها قوانين اقتصادية، وتحديدًا قانون القيمة، فحسب هذا القانون لا يمكن أن يقابل قيمة قوة عمل الأجير الأول قيمة قوة العمل الثاني والثالث والرابع والخامس لا في السوفيت ولا في أمريكا ولا في العراق، لأنه بكل بساطة تختلف الفترة الزمنية لإنتاج البضاعة الأولى عن الثانية والثالثة وهلمجرا.
وهذه الفترة تسمى وقت العمل الضروري لإنتاج بضاعة ما في السوفيت كاليابان. وعلى هذه الصورة فسيختلف سعر قوة عمل عامل -الأجرة- الأول عن الثاني، لأن وقت عملهم الضروري يختلف كل الاختلاف، وبالأحرى يجب أن تختلف وسائل معيشتهم الواحد عن الآخر. وهذا المقياس إذًا قياس رأسمالي لا اشتراكي، اسلوب رأسمالي في التوزيع لا اشتراكي.
والسؤل إذًا هنا هو:
إذا كان الأمر كذلك، أو إذا كان مقياس وسائل معيشة العامل السوفيتي هو وقت العمل الضروري للبضائع التي يقوم بإنتاجها، فكيف يمكن إذًا أن يعيش المنتجون، أو أفراد المجتمع على العموم، مثل بعضهم البعض؟ وكيف يمكن للدولة السوفيتية أن تسد الطريق من الفقر من جهة، ومن الحشرات الطفيليين الذين يعيشون على أكتاف المنتجين الذين هم يقومون بالانتاج بأنفسهم من جهة أخرى؟ وكيف يمكن القضاء على الطبقات، أو على الفروق الاجتماعية؟ وباختصار: كيف يمكن الانقطاع عن قانون القيمة؟
إن الجواب المحدد من قبل بليخانوف، ولينين، وتروتسكي هو أنه يجب أن تكفي الموارد البشرية لتحقيق عدالتهم الاجتماعية (انظر الجزء الأول). لذلك فالمهمة الأولى هي الدفع بالصناعة والزراعة إلى الأمام، ثم رفع مستوى معيشة المواطنين.
ولكن: أليس التطور الصناعي والزراعي عملية مستمرة في المجتمع القائم في كل مكان؟ أليس رفع مستوى المعيشة عملية غير منقطعة في المجتمع الحالي، ولكن دون السيطرة على المشاكل الاجتماعية؟ أليست الفكرة هذه هي نفس فكرة الاقتصاديين البرجوازيين الذين لا تمس أفكارهم قوانين الإنتاج والتوزيع الاجتماعي؟
إن الاقتصاديين البرجوازيين والسوقيين، ينظرون إلى الحق العادل من وجهة نظر التوزيع الرأسمالي للإنتاج، فطفيلي المجتمع -في أمريكا كالسوفيت- من حقهم أن يحتفظوا بحصتهم العجيبة من الثروات الاجتماعية، حيث لا يتناقض هذا الحق مع العدالة الاجتماعية في المجتمع الرأسمالي، حتى في ما يسمى بالفترة الانتقالية في المجتمع الاشتراكي حسب لينين، ما لم تتطور الصناعة والزراعة والرفاه.
والعمال السوفيتيون عليهم أن يصبحون أداة ماكينة الإنتاج على نمط الإنتاج التايلوري لأجل الأجيال القادمة، في الفترة الانتقالية، فالاشتراكية لا تتعلق بحياتهم بل بالآخرين، فكأن حقهم مكتوب في لوحه المحفوظ، وجزاؤهم عند ربهم. وما جزاؤهم غير الأجرة التي تكفي فقط لإعادة تجديد قوة العمل، في السوفيت مثل أمريكا، وفي ايران مثل فرنسا، إلخ؟
ما الأجرة ؟ وكيف تحدد الأجر في السوفيت وأمريكا؟
إذا سألنا عددًا من العمال السوفيتيين والأمريكيين عن مقدار أجورهم، لأجابنا الأول: إني أقبض من الدولة 70 روبلا أو 300 دولار شهريًّا، والثاني: 80 روبلا أو 350 دولارا، والثالث 140 روبلا أو 600 دولارٍ، إلخ، فان أعمالهم مثل أجرهم، يختلف كل الاختلاف، فالأول يعمل في حانوت، والثاني في مدرسة، والثالث في معمل، فكمية محددة من العمل تتحول إلى كمية محددة من وسائل العيش؛ وسيلة الاحتفاظ بقوة العمل؛ وسيلة البقاء، في السوفيت أو أمريكا.
وهكذا فان النشاط العملي للعامل السوفيتي، مثله مثل العامل الأمريكي أو السعودي، ليس بالنسبة له سوى وسيلة تمكنه من العيش، فهو يعمل ليعيش. وإن هذا العامل -في السوفيت كالسويد- ينفق كامل دخله على الحاجات ذات الضرورة الأولية مثل الأكل، والسكن، والمواصلات، ونفقات الأطفال، إلخ، علمًا بأن هناك ثروات لا عدَّ لها، وفائض من المنتجات لا يحصى، ولكن مع ذلك لا يستطيع المنتجون الذين ينتجونها بأنفسهم استهلاكه رغم حاجتهم الماسة إلى هذه المنتجات. ولماذا؟ لأن حصتهم من الإنتاج الإجتماعي محددة بضرورة إعادة إنتاج قوة عملهم لا حاجاتهم الاجتماعية.
وهكذا، فأسلوب الإنتاج والتوزيع السوفيتي هو نفس أسلوب نظام العمل المأجور، فالمسألة، في المجتمع السوفيتي مثل المجتمع الأمريكي، تتعلق بحاجات قوة العمل لا بالحاجات الاجتماعية لأفراد المجتمع.
والسؤال هنا هو: كيف يمكن ضبط الإنتاج بحيث يقيس المجتمع حاجات الفرد بالحاجات الاجتماعية بدل حاجات تجديد قوة العمل؟ هل يمكن توفير الحاجات الاجتماعية لكل فرد من أفراد المجتمع تدريجيًّا من خلال تطوير الصناعة وتخطيطها، كما يقول بليخانوف ولينين؟
لو رجعنا إلى التاريخ فنرى أن تخطيط الإنتاج الصناعي بالذات يعود تاريخه إلى أواخر القرن الثامن عشر، وفي البداية كان يعني التخطيط اختيار مواقع المشاريع الصناعية، ونشاطاتها، وإقامة مواقع سكن العمال معها. وكان يحاول لينين أن يفعل ذلك في مشروعه بالضبط.
أما اليوم، ونتيجةً لتطور تكنولوجيا المعلومات بالذات، فستقوم كل مؤسسة عصرية في الدول الصناعية المتطورة على الأخص، الكبيرة منها أو الصغيرة بتخطيط أعمالها السنوية، ويشمل التخطيط كلا من الموارد البشرية -القوى العاملة، والقوى التكنيكية، والموارد المالية، فالمؤسسات تستخدم تكنولوجيا المعلومات لتنظيم العمل والإدارة في كافة المستويات لغرض إنشاء العمل وجمع الأرباح من خلال تخطيط العمل والإنتاج، حيث إن الإنتاج التنافسي في الأسواق المحلية أو العالمية، يحتاج رؤيا بعيدة المدى لا قصيرة الأمد فحَسْب لتحقيق الهدف، فخلق سياسات مؤسسية وزيادة الكفاءات، وتفعيل الأعمال الإدارية يجري من خلال نظم البرمجيات وأنظمة المعلومات، يعني بشكل أفضل وأسرع من الطرق القديمة للإدارة، فإدارة الأعمال الحديثة تجري بأكبر درجة من الدقة من خلال جمع البيانات، والتي تعتبر أهم عوامل التخطيط، والتخطيط نفسه سيجعل من مشاركة المشاركين في المشروع مساهمة عمومية في تحقيق أهداف المؤسسة المعنية.
إذًا فإن تنظيم الإنتاج والخطط الصناعية، الثلاثية، والخماسية، إلخ ..، ليس له علاقة بمنهج الإنتاج الشيوعي، فهو لا يمس أسلوب الإنتاج الرأسمالي قريبًا أم بعيدًا بل ستزيد من القوى التنافسية بالنسبة للمؤسسة المعنية، فالرأسمال يعطي شروطًا تنظيم الإنتاج والتناسق الإداري دون معرفة مسبقة منه، وهذا الشروط هي التي تفسح المجال بصورة عمياء لإعادة تنظيم الإنتاج الاجتماعي في شكل كوموني، أو إخضاع الإنتاج لخطة المنتجين المشتركة، ولا يعني هذا سوى ضبط القوانين الاجتماعية التي تسبب الاختلال في الحياة الاقتصادية للمجتمع بصورة دورية، قانون العرض والطلب مثلا، فالأمر يتعلق فقط بضبط القوانين التي تتحرك بصورة عمياء لا بتخطيط الصناعة، فالشيوعية تعني إخضاع قوانين اقتصادية محددة للوعي الإنساني لا تطوير وتخطيط الصناعة.
فما التخطيط الشيوعي للإنتاج؟
يتبع
#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)
Anwar_Nori#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟