أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - الأزمة الاقتصادية العالمية تزداد عمقاً وشمولية يوماً بعد آخر















المزيد.....


الأزمة الاقتصادية العالمية تزداد عمقاً وشمولية يوماً بعد آخر


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 3465 - 2011 / 8 / 23 - 14:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


" لم تكن الإجراءات المالية السطحية التي اتخذتها الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية جادة لمكافحة الأزمة بشكل عقلاني وفعلي ولصالح كل فئات شعوبها والخوض في عمق المشكلات والعوامل التي تسببت بنشوء الأزمة, كما لم تكن في مصلحة الإنسان الفرد حين تم ضخ المزيد من أموال دافعي الضرائب إلى البنوك وكبار الاحتكارات الصناعية المتعددة الجنسية, بل كانت في مصلحة تلك الفئات الأكثر غنى والأكثر جشعاً التي تسببت بسياساتها الاقتصادية والمالية في انفجار الأزمة المالية وتطورها إلى أزمة اقتصادية عامة وشاملة وذات تداعيات متواصلة. فبدلاً من تحسين الأجور والرواتب وزيادة التشغيل لتوفير سيولة نقدية عند المستهلكين لكي يمكن تنشيط القوة الشرائية لدى المنتجين ودافعي الضرائب والمستهلكين للسلع من اجل أن تستمر المؤسسات الاقتصادية بالإنتاج وتقديم الخدمات, فإنها دفعت بتلك الأموال للبنوك والشركات الكبرى لكي لا تنهار, ولكنها لم تعالج الأساس العميق للأزمة, مما أعطى الانطباع وكأن الأزمة المالية قد حلت وأن الانتعاش الاقتصادي سيبدأ, في حين برهن الواقع على عكس ذلك, إذ أن الأزمة ما تزال متواصلة ولكن بشكل أكثر حدة وأكثر تهديداً, وهو ما يعيشه عالم اليوم."


حين نقرأ في أي قاموس اقتصادي صادر عن الدول الاشتراكية سابقاً سيجد ما يؤكد بأن الرأسمالية على الصعيد العالمي على وشك الانهيار التام وانتصار الاشتراكية قاب قوسين أو أدنى بسبب دخول هذا النظام المرحلة الأخيرة من أزمة الراسمالية العامة بعد أزمة 1929-1933. وقد "آمنا" بهذا التقدير الخاطئ وكنا مخطئين! لم يكن هذا التقدير متفائلاً جداً فحسب, بل كان التشخيص عن مدى إمكانية النظام الرأسمالي العالمي على تجاوز أزماته الدورية والعامة خاطئاً وإرادياً ويعبر عن رغبات مستنتجيه, ولم تدرس بما فيه الكفاية قدرة هذا النظام ليس على تجديد الرأسمالية نفسها فحسب, بل وقدرته على الخروج من أزماته من خلال التعامل مع الكثير من العوامل والروافع, وبالتالي تجاوز الانهيار التام واستعادة العافية. لا شك في أن هذا النظام يهتز بقوة قبل وأثناء كل أزمة عاصفة من تلك الأزمات التي تصيبه وتبرز أثار الرضوض والكسور عليه, خاصة حين تكون تلك الأزمات عامة وبنيوية وطويلة الأمد. كما إن تجاوز الأزمات يعني بالضرورة أن النظام الرأسمالي لا يزال يمتلك موضوعياً مقومات استمراره. ولكن هذا لا يعني أيضاً وبأي حال أن هذا النظام لن يترك مكانه في يوم من الأيام لنظام اقتصادي – اجتماعي - سياسي أكثر إنسانية وأكثر عدلاً للإنسان والمجتمع وأكثر قرباً من حاجات ووعي الإنسان على كرتنا الأرضية وأكثر مراعاة للطبيعة والبيئة. إن تجارب الدول الاشتراكية التي كانت قائمة في الواقع, اشتراكية الدولة البيروقراطية والحزب الذي مارس الحكم منفرداً وبسياسات غير ديمقراطية, يفترض أن تقدم الدروس الغنية والكثيرة للإنسان لمستقبل أيامه وأجياله, وأن يُمارس المنهج العلمي في دراسة الواقع وتشخيص آفاق واحتمالا ت التطور الأكثر قرباً من الواقع.
الأزمات الاقتصادية, سواء الدورية منها أم العامة, وتلك التي تصيب قطاعات بعينها, أم الشاملة والبنيوية, وسواء تلك القصيرة منها أم ذات الموجة الطويلة (كوندراتيف), كلها تعبر في واقع الحال عن عدة أمور أساسية, منها:
1. إن طبيعة النظام الرأسمالي والقوانين الاقتصادية الموضوعية الفاعلة فيه تقود بالضرورة إلى نشوء الأزمات وما تفرزه من اختلالات وتطور متفاوت في حركتها وفعلها في الواقع. إنها مرتبطة عضوياً ببنية النظام الرأسمالي وبالعلاقة الجدلية بين الطبيعة الاجتماعية للقوى المنتجة والطبيعة الخاصة لملكية وسائل الإنتاج والإنتاج والقوانين الناشئة عن هذه العلاقة.
2. كما إن السياسات الاقتصادية التي يمارسها كبار الرأسماليين والرأسمال المالي والاحتكارات الكبرى لتحقيق أقصى الأرباح على حساب الاقتصاد الوطني والمجتمع تقود إلى مزيد من الصراع بين العمل وراس المال على اقتسام فائض القيمة المنتج في العملية الإنتاجية وعبر قوة العمل, وما ينشأ عن ذلك من استغلال متفاقم ومتوحش في الغالب الأعم ومنافسة حادة بين الرأسماليين في القطاع الواحدة أو في الدولة الواحدة أو على الصعيد العالمي, إذ يترتب عن ذلك بروز اختلالات في فعل القوانين الاقتصادية الموضوعية وفي مجمل العملية الاقتصادية بكاف مراحلها (الإنتاج والتوزيع والتبادل والاستهلاك) وعواقب ذلك على المجتمع والتي تجد تعبيرها في بروز اختلالات حادة في السياسات المالية والنقدية المنبثقة في الأصل عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
3. يضاف إلى ذلك فقدان الرقابة الفعلية والضرورية على آليات أو فعل قوانين السوق الحر وعلى حركة رأس المال المالي والمضاربات وسلوكيات الرأسماليين في البنوك والأسواق المالية ...الخ. إن أي اختلال في التعامل مع أي من القوانين الاقتصادية الموضوعية عبر سياسات اقتصادية أو اجتماعية معينة تقود إلى تداعيات لسلسلة من الاختلالات التي تقود إلى الأزمة بأشكالها ومستوياتها المختلفة وإلى عواقبها الكثيرة.
الأزمات الاقتصادية والمالية تهز النظام الرأسمالي وتضعف الثقة به وبقدراته على البقاء وتدفع بالناس للتفكير بغيره, ولكن لا يمكن أن تتحقق القفزة أو العبور صوب نظام جديد ما لم تتوفر جملة العوامل الموضوعية والذاتية التي تسمح بهذا الانتقال, وهي ليست قريبة, ولكن النضال من أجل تغيير أوضاع الإنسان والاختلالات الراهنة في امتلاك الثروة وتوزيعها على الصعيد العالمي ستقود إلى عواقب وخيمة على النظام الرأسمالي العالمي ذاته, إذ أن الاختلالات الراهنة شديدة الأثر على حياة الإنسان ومستقبله وعلى البيئة والطبيعة. ومن هنا تنشأ أهمية النضال المطلبي للطبقة العاملة والنقابات والمنتجين الزراعيين والمثقفين وغيرهم لتحسين أوضاعهم المعيشية والحياتية.
الأزمة الراهنة التي بدأت في الجانب المالي ونتيجة لسياسة المضاربات في العقار ودور البنوك ونسب الفائدة العالية والأرباح الفاحشة وإفلاس العديد من البنوك نتيجة سياساتها الراكضة وراء المزيد من الأرباح باموال وهمية موجودة على الورق, قادت, وبفعل عوامل كثيرة أخرى, إلى أزمة اقتصادية منذ 2007-2008 وهي ما تزال مستمرة ومتفاقمة, رغم كل محاولات التخفيف من الإحباط الحاصل وتجلياتها في انهيار الأسهم في سوق الأوراق المالية حالياً, وما ينشا عن ذلك من إفلاس وخسائر مالية كبيرة للفئات الوسطى وتدمير لحياة الفقراء والمعوزين وانتشار جديد وواسع للبطالة وارتفاع غير طبيعي لسعر الذهب.
حين بدأت مظاهر الأزمة المالية في العام 2007 وتفجرت في العام 2008 أشرت في مقال مكثف لي إلى إن هذه الأزمة ليست بأزمة مالية فحسب, أو تسبب بها المضاربون بالعقارات والبنوك العقارية في الولايات المتحدة الأمريكية فحسب, بل هي أعمق من ذلك بكثير, وإنها أزمة اقتصادية ومالية عامة وشاملة في ظروف سياسات العولمة الرأسمالية وإنها أكثر حدة وأكثر تأثيراً من الأزمة العامة الشاملة التي أصابت النظام الرأسمالي العالمي في الفترة بين 1929-1933, وإنها ستتسع وتشتد في الفترة اللاحقة رغم الإجراءات المالية التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي استناداً إلى واقع العولمة الذي يسمح باتخاذ مثل تلك الإجراءات, إذ إنها ليست غير كافية فحسب, بل ومن حيث الجوهر بالاتجاه الخطأ, خاصة وأن بعض جوانب هذه الأزمة بنيوية نتيجة التغيرات الهائلة الجارية في المكتسبات العلمية والتقنية على الصعيد العالمي وما يطلق عليه بثورة الإنفوميديا. أي إن الإجراءات المشتركة التي اتخذت في حينها كانت تبدو مفيدة لفترة قصيرة جداً, ولكنها لم تعالج الأساس الفعلي للأزمة ولم تأخذ الاتجاه الصحيح ولم تصب في صالح اقتصاد هذه الدول والعالم أو المواطنة والمواطن الاعتياديين, بل كانت مهمتها خدمة مصالح كبار البنوك والاحتكارات الرأسمالية, ومنها صناعة السيارات, وإنقاذها من الإفلاس الذي تسببت به هي قبل غيرها على سبيل المثال لا الحصر, رغم الادعاء بغير ذلك, ورغم إنها كانت السبب في انفجار هذه الأزمة بفعل سياساتها غير العقلانية والراكضة وراء المزيد والمزيد من الأرباح على حساب الإنسان العامل في مختلف فروع الاقتصاد الوطني والمجتمع. ورغم ظروف العولمة, فان المنافسة الوطنية بين القوى والدول الرأسمالية العالمية قد عمقت من فعل الأزمة على الدول المختلفة وأكدت الصراع الدائر في ما بين الدول في معالجة مشكلات كل منها على حساب الدول الأخرى. ويمكن أن يؤشر التعاون والتنسيق الفرنسي – الألماني في إطار الاتحاد الأوروبي وعلى الصعيد العالمي ما يؤكد ذلك, الذي سيكون له دوره السلبي على الدول الأقل تطوراً في الاتحاد الأوروبي وسيزيد من مصاعب تلك الدول, ويعمق الأزمة ولكنه يجلب بعض الأرباح الإضافية لاحتكارات وبنوك دول أخرى أكثر تقدماً.
وإذ تفاءل البعض الكثير من المفكرين البرجوازيين في ألمانيا على نحو خاص بأن الأزمة قد انتهت وولّت وبدأ يحل محلها الانتعاش الاقتصادي في ألمانيا وأوروبا, أشرت جمهرة من الاقتصاديين, كما أشرت أيضاً, إلى إن هذه الأزمة لم تستكمل أبعادها ولم تصل إلى عمقها الحقيقي حتى الآن, وإن هذا التفاؤل المستعجل يحاول التخفيف من الإحباطات التي برزت واشتدت في الولايات المتحدة وفي الدول الأوروبية من النظام الرأسمالي العالمي حيث بدأ الناس يقرأون مجدداً كارل ماركس, وخاصة كتابه العبقري "رأس المال".
إن الحكومات في الدول الرأسمالية المتقدمة المعبرة عن مصالح البرجوزاية الكبيرة وبدلاً من أن تنشَّط القدرة الشرائية للسكان لامتصاص الزيادة الكبيرة في السلع ومواصلة وتطوير الإنتاج من خلال تحسين الأجور والرواتب وزيادة التشغيل والتوظيف في التكنولوجيا الحديثة في مجال البيئة وتحسين وتطوير الخدمات العامة, راحت تزود البنوك بالأموال من خزائن الدولة, التي هي أموال دافعي الضرائب, وبالتالي قلصت الموارد المالية المتوفرة في خزينة الدولة التي يفترض أن توجه للاستهلاك الاجتماعي, ومنها الخدمات الاجتماعية والدعم. وبهذا, وبدلاً من تخفيف الأزمة عبر التشغيل وتنشيط السوق الداخلي, زادت في الطين بلة حين قلصت القدرة الشرائية للمنتجين والمستهلكين من دافعي الضرائب في المجتمع ورفعت من موارد البنوك والشركات التي كانت السبب في تلك الأزمات وعلى حساب أموال دافعي الضرائب, وهم الغالبية العظمى من الشعب. ويمكننا إيراد حالة واحدة ومهمة في هذا الصدد: في الصراع بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري في الولايات المتحدة كانت نية باراك أوباما فرض ضرائب على الشركات الاحتكارية والرأسماليين في مقابل تخفيفها عن الفقراء والمعوزين, إضافة إلى زيادة الاستهلاك الاجتماعي لدعم الفئات الفقيرة في المجتمع. ولكن نتيجة إصرار الحزب الجمهوري, وخاصة الجماعة المتشددة في هذا الحزب, قاد إلى عدم فرض ضرائب على الشركات والرأسماليين من جهة, وتقليص الاستهلاك الاجتماعي الموجه للفقراء من جهة أخرى, وهم الأكثرية وبالتالي اتخذ الإجراء الذي يسهم في تشديد الأزمة الاقتصادية لا التخفيف منها. ولم يجرأ أوباما على اتخاذ الخطوة المناسبة بعيداً عن المساومة بين الحزبين والقبول بها. وسيؤدي هذا الموقف إلى إلحاق أذى بالفئات الاجتماعية الفقيرة والصغيرة لصالح كبار البرجوازيين, وهي سياسة تعبر عن فحوى اللبرالية الجديدة ومضمونها الأساسي المناهض للإنسان الفقير والمنتج.
واليوم يعيش العالم, بعد بدء تلك الأزمة في العام 2007/2008, تفاقما واتساعاً لها وأكثر عمقاً مع بداية العام 2011. وهي تتجلى في الحالة المزرية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لعدد من الدول الأوروبية ابتداءً من اليونان ومروراً بأسبانيا والبرتغال وإيطاليا وأيرلندا ومن ثم فرنسا, إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية, والقائمة لم تنته بعد. وسيزيد في الأمر سوءاً الأوضاع الاقتصادية الصعبة والمديونية الفلكية التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي واقتصاديات الكثير من دول الاتحاد الأوروبي, بما فيها ألمانيا, وتنامي البطالة وحالات الإفلاس وإعلان بيع بيوت الفئات الفقيرة والمتوسطة بالمزاد العلني نتيجة عجزهم في دفع الأقساط المترتبة عليهم, وخاصة بين العائلات الأفرو-أمريكية في الولايات المتحدة الأمريكية وبدء انهيارات جديدة لصغار الرأسماليين من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة.
ويبدو لي أن الحكومات الرأسمالية المتقدمة السائرة على نهج اللبرالية الجديدة بدأت باتخاذ إجراءات جديدة بالاتجاه الخطأ والوقت الخطأ في آن. فمن غير المعقول أن يبدأ التقشف بالاستهلاك الاجتماعي وتقليص الخدمات الاجتماعية والعامة والهجوم على القوى العاملة وإرسالها إلى البطالة وتقليص الأجور... التي اقترنت بالمزيد من المظاهرات الشعبية المناهضة لهذه السياسات الخاطئة وكذلك الهجوم على كل المكاسب التي تحققت للمنتجين في العقود المنصرمة وخاصة في فترة الحرب الباردة والصراع بين الشرق والغرب.
إن الأزمة الاقتصادية والمالية الجارية منذ ما يقرب من أربع سنوات تأخذ بخناق الاقتصادات الرأسمالية وستقود إلى مجموعة من العواقب الوخيمة على الإنسان الفرد المنتج والعاطل عن العمل والفقير والمعوز وكذلك على الكثير من أفراد الفئات المتوسطة والبرجوازية الصغيرة والمتقاعدين من صغار الموظفين والعجزة ..الخ, ولكنها ستدخل الفرحة إلى قلوب الأغنياء الجشعين وكبار الاحتكاريين والمضاربين في سوق الأوراق المالية الذين يسعون إلى الاغتناء بطريقة متوحشة على حساب الشعب والقوى الكادحة منهم دون أي اعتبار لمصالح الاقتصاد الوطني والعدالة الاجتماعية. إن مفهوم العدالة الاجتماعية قد سقط من قاموس هذه الدول نهائياً ولن يجد الإنسان أي اثر له غير جمع الصدقات من الأغنياء لذر الرماد في عيون الناس.
والمشكلات ستبرز باتجاهين هما:
إن الأزمة الراهنة ستجلب الدمار الاقتصادي والمعيشي والخراب للكثير من البشر من جهة, في حين إنها ستجلب المزيد من الأرباح للمضاربين والبنوك ومجموعة من أكبر الاحتكارات الدولية المتعددة الجنسية من جهة أخرى. إن الأموال المتوفرة تتحرك ولكنها تذهب إلى جيوب كبار الرأسماليين بعد أن يتم تفريغها من جيوب المنتجين والكادحين.
حين لا تتوفر أموال كافية لدى المنتجين للسلع المادية والعاملين في الخدمات العامة في دول العالم, وحين يعجز المستهلك عن شراء السلع المنتجة وكذا عدم الاستفادة الجيدة من الخدمات, فأن الوضع سيقود لا محالة إلى تراكم السلع المنتجة وغير المسوقة وسيتقلص الطلب عليها وعلى الخدمات الإنتاجية والعامة, مما يقود إلى تقليص الإنتاج أو إلى توقفه في عدد متزايد من المعامل ويتم إرسال المزيد من الأيدي العاملة في القطاعات الإنتاجية والخدمية إلى قارعة الطريق عاطلين عن العمل.
واليوم تواجه الكثير من الدول حالة اقرب إلى الإفلاس المالي, مما دفع بالدول الغنية والمالكة للأموال إلى تقديم القروض عبر الاتحاد الأوروبي وبشروط ستكون قاسية ووبالاً على تلك المجتمعات وخزائنهم, رغم التصور الأولي بغير ذلك, إذ إنها ستبقى مدينة وتابعة لتلك الدول سنوات طويلة وستدفع بالكثير من الفوائد المالية على خدمة الديون ومواصلة جدولتها لعجزها عن دفعها في أوقاتها المقررة سلفاً.
إن الأزمة الراهنة تجد تعبيرها حالياً وفي الفترة القادمة بمجموعة من الظواهر السلبية التي هي نتاجها, ومنها:
1 . تراجع في معدلات النمو السنوية, والتي تعبر عن تراجع في الإنتاج وفي مجمل العملية الاقتصادية.
2 . ارتفاع كبير في مديونية الدول الرأسمالية المتقدمة, كما نلاحظ ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية والمانيا وغيرها.
3 . تنامي العجز والاختلال في الموازين التجارية لعدد متزايد من الدول وصعوبة تسديد الديون والفوائد المترتبة عليها مما يزيد من فلكية أرقام المديونية واستنزافها للدخل القومي.
4 . تفاقم في اختلالات السياسات المالية والنقدية وانعكاسات ذلك على حركة رؤوس الأموال "الحرة" وما ينجم عن ذلك من اختلالات حادة في توزيعها واستخدامها.
5 . تنامي البطالة وإفلاس المؤسسات والمشاريع الصغيرة وانحدارها إلى صفوف الفئات الفقيرة والعاطلة عن العمل, ف مقابل تعاظم أرباح كبار الرأسماليين والشركات الرأسمالية الاحتكارية.
6 . وسيقود هذا إلى تداعيات سريعة في القدرة الشرائية للسكان وتكدس السلع وتراجع الإنتاج وما ينشأ عنه من بطالة طويلة الأمد إلى حين بدء الانتعاش في هذه الاقتصاديات.
7 . وسيقود بدور إلى تنامي النضال من أجل العمل ولقمة الخبز لدى جماهير واسعة في كافة الدول الرأسمالية والنامية ويتشدد الصراع الطبقي على الصعيد المحلي والدولي.
8 . وإذا ما اقترن كل ذلك وغيره بمشكلات بيئية ومناخية, فأنها ستقود إلى ما نواجهه اليوم في أفريقيا من مجاعات وموت بالجملة وعجز العالم عن توفير المساعدات الضرورية لإنقاذ تلك الشعوب من براثن الجوع والمرض والموت, في حين ينعم أصحاب رؤوس الأموال الكبار والمستغلون بالعيش الرغيد, وهو الذي سيزيد من التوترات الاجتماعية والسياسية على الصعيد العالمي. ورغم أن ما جرى في بريطانيا في الفترة الأخيرة من عمليات عنف مرفوضة وغير حضارية بأي حال, فإنها تؤشر وتؤكد وجود براميل من الديناميت الاجتماعية القابلة للانفجار في كل لحظة وفي كل دولة من هذه الدول بسبب سياساتها الاقتصادية والاجتماعية وبسبب تفاقم الفجوة في مستويات الدخل والحياة والمعيشة بين الفئات الاجتماعية. وإن اتخاذ إجراءات, كما فعل كامرون وما ينوي فعله, يسير بعضه الكثير بالاتجاه الخطأ ولن يقود إلى نتائج حميدة على المدى الأبعد. وسنعيش هذه الحالة في دول نامية أيضاً.
9 . إن الأزمة الراهنة تعتبر البداية الفعلية لتغيرات جادة في موازين القوى الاقتصادية على الصعيد العالمي, إذ ستترك وعلى المدى العقد الجاري الولايات المتحدة الأمريكية مكانها في العالم اقتصادياً لصالح الصين الشعبية, خاصة وأن سياسات التسلح الأمريكية ومساهماتها المستمرة في حروب كثيرة ستقود إلى نتائج غير محسوبة العواقب في الولايات المتحدة. فالمديونية الأمريكية كبيرة حقاً, ومنها مديونيتها للصين الشعبية وستلعب دوراً مهماً في العلاقات الاقتصادية والمالية الدولية وستؤثر على سياسات الولايات المتحدة وعلاقاتها الاقتصادية مع بقية دول العالم, كما سنلحظ تطوراً سريعاً وكبيراً وانتشاراً وتوسعاً أكبر في العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية الصينية مع بقية دول العالم.
أما العراق فإنه قدم ويقدم نموذجاً لبلد غني بثرواته النفطية والبشرية وقد ابتلى بالدكتاتورية الفاشية وحروبها وسياساتها العدوانية والقمعية وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية السيئة والفساد, ثم ابتلى بعد الخلاص من ذلك النظام الدموي عبر حرب خارجية ليقوم على أنقاضه نظام المحاصصة الطائفية السياسية والتمييز واستمرار الإرهاب الإسلامي والبعثي الهمجي والفساد الحكومي والعام وتفاقم شديد في فجوة الدخل السنوي ومستوى الحياة والمعيشية بين الأغنياء المتخمين والحكام وبين الفقراء الجائعين والمهمشين وسياسات اقتصادية تعبر عن جهل بعلم الاقتصاد والقوانين الاقتصادية وسياسات اجتماعية أكثر جهلاً بحاجات الناس, مما سيقود كل ذلك إلى تفاقم في الصراع الاجتماعي وتحوله تدريجاً وموضوعياً إلى نزاعات سياسية تأخذ طريقها, شاء الحكام أم أبو, إلى عواقب وخيمة على الدولة والمجتمع. إن الأزمة الراهنة على الصعيد العالمي ستجد تأثيرها الواضح على العراق أيضاً, رغم إمكانية أموال النفط المتزايدة على تخفيف ذلك, ولكن ليس لصالح الكادحين منهم. إن خشية رئيس الوزراء من "الربيع العربي" ينطلق من سياساته التي يمكن أن تقود في العراق إلى ربيع عراقي مماثل ما لم تصحح تلك السياسات والمواقف والإجراءات وتعتمد الحريات العامة والفردية والحياة الديمقراطية والكف عن وضع قوانين غير ديمقراطية أو عدم مكافحة البطالة والفقر واتساع الفجوة المعيشية ...الخ. إن رئيس الوزراء خائف وخوفه في محله بسبب سياساته وليس بسبب خلل في الربيع العربي أو ما يمكن أن يحصل من ربيع عراقي قادم أيضاً.



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يتعلم دكتاتور سوريا من عاقبة القذافي وبقية المستبدين العر ...
- نداء للتظاهر موجه إلى العراقيات والعراقيين كافة في خارج الوط ...
- المالكي وخيبة المتظاهرين والعودة الملحة للتظاهر !!! ليكن الم ...
- نظام البعث السوري وموجة القتل الجماعي
- ما تزال حليمة لم تغادر العراق وتمارس عادتها القديمة!!
- العدوان الإيراني وقتل الأطفال في كردستان العراق
- هل من سبيل لحل أزمة الحكومة ببغداد؟
- إرهاب القوى الفاشية يواصل قتل الناس في العراق
- مقارنة بين أساليب أجهزة صدام حسين والاستخبارات العسكرية الحا ...
- رأي في تصريحات الدكتور موفق الربيعي
- رسالة ثانية مفتوحة إلى آية الله العظمى السيد علي السيستاني
- حكومة إيران وممارسة العدوان على شعب كردستان العراق
- الشهيد كامل شياع وثورة تموز 1958
- هل ورث الحاكم بأمره الجديد في العراق عن صدام سلوكه مع الخبرا ...
- هل سيقود صراع القوائم والأحزاب الطائفية البلاد إلى الضياع؟
- سوريا الثورة في مواجهة النظام الفاشي الدموي
- وحدة عمل قوى التيار الديمقراطي حاجة وضرورة ملحة
- ملاحظات على مقال الشاعر السيد حامد گعيد الجبوري حول کتاب - أ ...
- ملاحظات حول مسودة برنامج الحزب الشيوعي العراقي
- بداية ربيع الشعوب في الدول العربية وبداية النهاية لقوى الإسل ...


المزيد.....




- فندق فاخر في أبوظبي يبني منحلًا لتزويد مطاعمه بالعسل الطازج ...
- وفاة 61 شخصا في تايلاند منذ مطلع العام بسبب موجة حر شديدة تج ...
- زعيم الحوثيين يعلق على موقف مصر بعد سيطرة إسرائيل على معبر ر ...
- بعد صدمة -طفل شبرا-.. بيان رسمي مصري ردا على -انتشار عصابات ...
- المزارعون البولنديون ينظمون اعتصامًا في البرلمان بوارسو ضد و ...
- فيديو: ملقيًا التراب بيديه على التابوت... زعيم كوريا الشمالي ...
- تكثيف الضربات في غزة وتحذير من -كارثة إنسانية- في رفح
- باير ليفركوزن.. أرقام غير مسبوقة وأهداف في الوقت القاتل!
- من أين تحصل إسرائيل على أسلحتها ومن أوقف تصديرها؟
- مستوطنون يقطعون الطريق أمام قافلة مساعدات إنسانية متوجهة إلى ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - الأزمة الاقتصادية العالمية تزداد عمقاً وشمولية يوماً بعد آخر