أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد حسين يونس - تربية المساخيط حرفه شرقيه















المزيد.....

تربية المساخيط حرفه شرقيه


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 3420 - 2011 / 7 / 8 - 12:51
المحور: المجتمع المدني
    


كنت دائما ما اتفزز من لقطات سينمائية قدمها (انور وجدى ) للطفلة الفنانة فيروز وهي ترتدى بدل رقص مختلفة وتقلد الراقصات بديعة مصابني، سامية جمال، و تحية كاريوكا .. طفلة صغيرة شقية تتراقص و تغني بأسلوب خارج المعتاد لسلوك الاطفال في سنها بحيث تصبح مادة للتندر و الابتسام .. تحويل طفلة جميلة الي مسخوط مضحك كان في تصورى و لا يزال جريمة في حق الاطفال خصوصا ان هذا النموذج انتشر بشكل فج بين عائلات ذلك الزمن بحيث لم تخلو مناسبة من وجود طفلة او أكثر ترقص رقص الكبار بما فيه من تثنيات وغمزات وأشياء أخرى .
مقارنة الطفلة فيروز بأطفال آخرين ( صبية وبنات ) يرقصون ويغنون ويمرحون بنشاط وقوة فى أفلام والت ديزنى ( كنموذج مسلسلGlee ) متوافقين مع سنهم وبيئتهم وأحاسيسهم ، تشير فورا الى أسباب تفوق كبارهم علميا وانسانيا وخلقيا، وكيف ان الرجل الغربى اكتسب صفات متحضرة تجعله يحترم منافسته وشريكته السيدة الغربية فى كل تصرف من تصرفاتهما.
تربية المساخيط ( الطفل الذى يشبه الكبير فى تصرفاته ) عمل شرقى بحت حتى من بين من هم أفضل ثقافة ووعيا .. لقد صدمت منذ حوالى ثلاثين أو خمس وثلاثين سنة عندما حضرت حفل زفاف ابنة كادر شيوعى مصرى ، فوجدت أن الابنة الصغرى ( حوالى ست أو سبع سنوات ) تقف بين الحاضرين تعيد تسميع ما حفظته من كتب لينين وفى مجال صعب ( الطفولة اليسارية ) بين ابتسامة فخر من الأب وسعادة العروسين وتشجيع أصدقاء العائلة .. ولا أريد أن أقص ما آلت اليه هذه الطفلة بعد ان كبرت وتعلمت وتزوجت من شذوذ سلوكى جعل أغلب معارفها يتجنبونها.
نفس المشهد تكرر على شاشة تليفزيون عراق صدام حسين .. أطفال صغار يقفون بين مشجعين بعثيين يتلون ما حفظوه من خطب الزعيم وبنفس نبرة صوته وأسلوبه فى التهكم والتعالى على المستمعين .. بالطبع لم أتتبع مصيرهم وإن كان يبدو أنهم يطاردون الآن مع تصفية حزب البعث العراقى .. إن قهر طفولة هؤلاء المساخيط وجعلهم مادة للتسلية والفكاهة وفصلهم عن أترابهم الذين فى مثل سنهم ، يعتبر فى حكم الوأد ولا يختلف عن سجن أقدام أطفال الصين فى أحذية حديدية أو دفن البنات حية في الجزيرة العربية حتى لو كان من يقوم بهذايتبع تعاليم مجتمعه و هو حسن النية فإنه يخلق طفلا شاذا أو ما يسمى بالانجليزية ( Freak - فريك ) والفريك يختلف عن الطفل العبقرى الذى يمكنه التغلب على أساتذة لعبة الشطرنج أو يعزف ويؤلف مقطوعات موسيقية مركبة ، أو يحصل على شهادة جامعية وهو لايزال بعد طفلا .
تنمية المواهب والقدرات للأطفال لها أصولها وقوانينها التى تنتج العباقرة ، أما ما يحدث من فرض لإرادة الأهل على أطفالهم فهو ما ينتج الفريك .
أبرز انواع الفريك فى زمن ما بعد السادات، بعد ان توارى تأثير مدينة الفنون والكونسيرفتوار ومعهد الباليه لصالح حفظة القرآن، هم المشايخ الأطفال او الأطفال المشايخ فنجد طفلا قد جلس على طريقة كبار المقرئين يرتدى ملابسهم ويضع أصبعه على أذنه ويتلو ما لا يفهم ، بين تشجيع وسعادة المحيطين وجوائز الدولة والمؤسسات الوهابية السخية ، أو تجد فتاة وقد ارتدت إسدالا وجلست متربعة ترتل وتجود آيات من الذكر الحكيم ، هؤلاء الأطفال هم إعادة إنتاج للطفلة فيروز ولكن فى ثوب آخر، ولقد تم تشجيعهم على حفظ ما لا يفهمون وأضاعوا طفولتهم فى التكرار والتجويد وانفصلوا عن سنهم وعن الأنشطة التى كان من المفترض مزاولتها كأطفال وكأن ولى أمره قد اختار أن ينضجه مبكرا ويلبسه ثوبا واسعا غير ملائم لسنه أو تطوره الطبيعى متخيلا أنه بذلك يتقرب الى الله سبحانه بتقديم ولده مقرءً فى رحابه ( إذا تغاضينا عما سيدره من أموال) .
حفظ كلمات غير مفهومة لدى الطفل يعنى تآكل اللغة كرمز للتفكير والتعبير وخفض القدرة على التفكيك وإعادة التركيب لمفردات( مشكلة ما) واستنباط الحلول المنطقية .. تحول اللغة الى ألغاز وأحاجي فاقدة للمعنى يبعدها عن وظيفتها فى تنمية القدرات الذهنية للانسان، وكان هذا هو السبب فى أن طلاب المدارس والجامعات المصرية قد داوموا على الحفظ والاستعادة بحيث أصبحت عاهة مستديمة فى تعليمهم أدت الى جمود فكرى وعدم ظهور فلاسفة أو علماء مصريين ، فالتفوق عند الطفل كما يريده أهله هو الحفظ والنجاح كما يريده أساتذته هو إعادة ما حفظ دون ربط منطقى او تفكير تحليلى .
نفس الوضع مع تعليم اللغات الأجنبية المتعددة ومنها العربية بالنسبة للطفل المصرى( الذى لغة أمه العامية).. تعليم الطفل العربية الفصحى والانجليزية و الفرنسية أو الألمانية هو جريمة بكل المقاييس فالطفل إما أنه لن يستوعب هذا الكم الهائل من المفردات الغريبة عليه ( بما فى ذلك مفردات اللغة الفصحى ) فيصبح ميله الى أحدها على حساب الأخريات يعبر بها عن نفسه ، أو سيتم إرهاقه الى درجة خارج حدود قدراته الاستيعابية ليصبح ( فريك ) والطفل فى الغالب سيختار الأقرب الى قدراته الذهنية والفكرية ويهمل الأخريات والتى عادة ما تكون اللغة العربية المظلومة المنحاه واحدة منها ، بحيث يخطئ أغلب خريجى المدارس الأجنبية فى قواعد الاملاء والنحو بشكل مضحك .. بمعنى أن تعليم الأطفال ما يفوق قدراتهم النفسية والذهنية هو خلق ( فريك ) غير متزن وغير سوي .
الطفل يلزمه لتنضبط لديه منظومة القيم الى أسوة حسنة قريبة منه ( يقلدها ويهتدى بها ) وتعريف بسيط بالصواب والخطأ بعيدا عن الخوف والرعب من قوى جبارة تتوعده بالعذاب والسحق .. وهواء طلق، ولعب حر، رياضة محببة وثقافة مبنية على معطيات الواقع الذى يعيشه، بحيث يستطيع أن يؤسس لنفسه محددات اخلاقية خاصة به، تقوده وتهديه .
الطفل الذى يخاف يصبح جبان لا يتخذ قرارا، يسير جنب الحائط، يقبل الذل أو متمرد عنيف شديد القسوة والظلم، الديكتاتورية الكامنة فى أعماق الشرقي هى تعويض عن خوف متأصل زرعه الآباء والمدرسين ورجال الدين، فالطفل الذى تتشكل قيمه من خلال عبارات فضفاضة عن الشريعة وشرع الله وقطع اليد وعذابات القبر ويتشكل إيمانه بأحداث غير منطقية تجعله أسير انتظار معجزات إنتهى زمانها ، هو فى واقع الحال ضحية تربية أهل يتخيلون أنهم يصبون الأبناء على شاكلة الآباء فى أفضل صورة ومجتمع متخلف لا ينظر للمستقبل نظرة جدية .
الأب الذى يتخيل أنه إذا ما قدم لإبنه أفضل تربية بأن جعله يتعلم لغتين ويحفظ القرآن ويسبح ويشارك فى فريق الووتر بولو قد أدى ما عليه ، أب واهم وشخص غير واقعى ولا يعرف إمكانيات صغيره لأن الطفل فى النهاية سيرغب فى العزف على الجيتار ولعب كرة القدم وحفظ أشعار الجخ والتدخين فى سن مبكر وسيدمن ألعاب الكمبيوتر.
الأطفال الأسوياء يربيهم آباء وأمهات أسوياء ولا يهم إذا ما كانوا أغنياء أم فقراء ، فالأم محدودة التعليم والقدرة، إذا ما استطاعت تفجير طاقات أطفالها الخمسة الذين انجبتهم بان تسمح لهم بالتعبير الحر عن رغباتهم واحتياجاتهم هى فى النهاية أم سوية ، وتربيتها لأبناءها تربية سوية، بعكس الأم التى تجبر إبنها على تعلم التمثيل والدراما لأنها كانت ترغب فى أن تكون ممثلة وفشلت ، او حفظ القرآن لأنه سوف يحفظه من كل سوء.. والطفل لا يرغب ، فإن إجباره جريمة فى حقه رغم حسن النية حتى لو تخيلت الأم أنها أدرى باحتياجات طفلها أفضل منه .
نحن لا نصنع الأبناء، نحن نرعاهم ليصنعوا هم أنفسهم والا كانوا مساخيط ( فريك ) يجلسون على المقهى كسالى يدخنون الشيشة ويسبون بعضهم بعضا بألفاظ خارجة ، وعندما يحتاجون لأموال يزاولون البلطجة على من أنشأهم مساخيط.



#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصباح علاء الدين و أحلام المهمشين
- التكنولوجيا و العقل البدوى
- العودة الي متوشالح
- الخوف من الحرية
- -تكليف الله - و النكوص الجيني
- حامد حمودى و احواض السمك
- صعوبة أن تكون مسلما
- الجالية المصرية ..في مصر
- أندى العالمين كفوف راح ( اقتصاد التسول )
- طفولة البشرية ام شعوب أطفال
- خير أجناد الأرض والخامس من يونيو
- هل هو دجل.. ام جهل !!
- حكمة امريكية .. دع جروحهم تتقيح
- فلينظر الانسان كيف تطور
- هل يقيم الفاشست ديموقراطية !!
- (الخلافة) غضب الله في ارضه
- الي الاجيال المقبلة
- إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب
- الفاشيستية الدينية أخطر من القومية والحرامية
- ليس دفاعا.. عن المتهم محمد حسني مبارك (2 )


المزيد.....




- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
- الرئيس الايراني: ادعياء حقوق الانسان يقمعون المدافعين عن مظل ...
- -التعاون الإسلامي- تدعو جميع الدول لدعم تقرير بشأن -الأونروا ...
- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد حسين يونس - تربية المساخيط حرفه شرقيه