أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد أبو شرخ - الصهيونية (7) .. وليدة الإمبريالية















المزيد.....


الصهيونية (7) .. وليدة الإمبريالية


خالد أبو شرخ

الحوار المتمدن-العدد: 3410 - 2011 / 6 / 28 - 04:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كانت التحولات الاجتماعية والتي شهدتها أوروبا منذ عصر النهضه, علاوةً على طبيعة الوجود اليهودي في القارة, مسؤولتان عن ظهور المسألة اليهودية, وقد طرحت عدة حلول لحل هذه المسألة. من ضمنها إندماج اليهود في مجتمعاتهم, ولكن الواقع الاوروبي وطبيعة الوجود اليهودي به, حال دون إكتمال نجاح هذا الحل, وعادت المسألة اليهودية لتطرح نفسها مجددا على القارة الأوروبية, لذا كان هناك حلولا أخرى تم طرحها, ومنها ما كان يسمى قومية الدياسبورا (أي الشتات) التي إعتمدت على فكرة تقسيم القوميات الى ثلاث نماذج, النموذج القومي الملتصق في الأرض والطبيعة, والنموذج الإقليمي الأقل التصاقا بالارض, وأكثر ارتباطا بالدولة, والنموذج الروحي, وهو مستقل عن الأرض والطبيعة, وبستند بوجوده الى الوعي بالذات التاريخية, وحسب المؤرخ الروسي سيمون دوفنوف, فإن اليهود ينتمون إلى النموذج الثالث, حيث دعا اليهود لتقبل الوجود في الشتات, مع الحفاظ على التراث اليهودي وتطويره, وقد إفترض دوفنوف وجود وحدة بين الأقليات الدينية اليهودية المنتشرة في العالم, وأن الحضارات اليهودية المنتشرة في العالم, لا بد من وجود مركز متنقل لها, فهو تارة في بابل وتارة في الأندلس, وتارة في روسيا, والبلد الذي تزدهر به الحضارة اليهودية تنتقل له القيادة الفكرية .
وبالمقابل كان هناك الطرح الصهيوني, وبالمقارنة ما بين الطرح الصهيوني لحل المسألة اليهودية وطرح دوفنوف, نجدهما يتطابقان في عدة نقاط حيث أنهما يفترضان :
• تميز اليهود إن لم يكون تفوقهما على الأغيار, وأن لهم وصفا فريداً وشاذاً عن باقي الامم.
• إن الجيتو هو الحقيقة الأساسية في حياة اليهود .
• يرفض الطرفان الحل الإندماجي .
• يتفق الطرفان على ضرورة إعادة توطين اليهود خارج روسيا .
ولكنهما أيضا يختلفان في كثير من الوجوه, فدوفنوف إنطلق من تقبل المعطيات التاريخية المحسوسة, بينما إنطلقت الصهيونية من مجموعة أساطير وتصورات لا وجود لها على أرض الواقع, في الوقت الذي إنطلق دوفنوف من حاضره التاريخي المحسوس, النقطة التي يلتقي بها الماضي مع المستقبل, إنطلقت الصهيونية من بداية التاريخ التوراتي اليهودي, حيث كان اليهود رعاة وغزاة ومحاربين, ومن نهاية الرواية التوراتية حيث يعود اليهود إلى أرض الميعاد, أي إنطلقت من الماضي والمستقبل, دون أن تعيير إنتباه للحاضر.
لم يرَ دوفنوف في الشتات اليهودي إنحرافا عن مسار التاريخ, وآمن بوجود وحدة حضارية لهم, لا تلغي تنوعهم, بينما رأت الصهيونية أن لاحضارة يهودية في المنفى.
لكن يبقى السؤال المشروع , لماذا بقيت الصهيونية هي الحل الوحيد أمام اليهود؟ دون باقي الحلول التي طرحت لحل المسالة اليهودية من الاندماج وحتى قومية الدياسبورا؟ على الرغم من معارضة اليهود لها في البداية.
لايمكن فهم نشوء الصهيونية وإنتشارها, بين الأقليات اليهودية, بالعودة للإيقاعات الوهمية للتاريخ التوراتي اليهودي الوهمي, ولكن بالعودة إلى المعطيات الحقيقية لتاريخ أوروبا, حيث نشأت الحركة الصهيونية, وخاصة في القرن التاسع عشر, قرن إنتقال الرأسمالية من مرحلة المنافسة الحرة, الى الإمبريالية, مرحلة الإنتقال من إستعمار الرأسمالية التجارية, في نصف الكره الغربي والجزر الإستوائية (العالم الجديد), والذي كان الهدف منه زيادة قوة الدولة, وثروتها والحصول على المواد الخام, وتحويل التجارة الدولية ليد الأوروبيين, وحيث لم يكن الإستيطان أحد الأهداف الرئيسية فكانت الهجرة للأقليات القومية والدينية ولنفي المجرمين, إلى إستعمار الرأسمالية الإحتكارية حيث كان هدف الإستعمار خدمة بعض الطبقات في المجتمع, عبر تزويدهم بالأسواق والبضائع وفرص إستثمار لرأسمالهم الفائض, وإنتقال الإستيطان إلى قارتي آسيا وإفريقيا, لإستيعاب الفائض السكاني في القارة العجوز, وبعدا إستراتيجيا للدولة, أي أن الإستعمار في المرحلة الأولى (رأسمالية المنافسة الحرة) كان إستعمارا إسكانيا , أما في المرحلة الثانية ( الرأسمالية الإحتكارية ) فقد كان إستعمارا إستغلاليا.
رغم أن الإستعماران كانا إستيطانيان, إلا أن إستعمار رأسمالية المنافسة الحرة (الرأسمالية التجارية) لم يتسبب في تغيير النظم الإجتماعية في البلدان المستعمرة, ولإنها مجتمعات تقليدية ساكنه, لم تكن تشكل سوقا جيدا للبضائع, كما أنها لم تمتلك المرونه الكافية, لتواكب التطور أو على الأقل إنتاج غلات زراعية ومعادن, تغطي حاجة القارة الأوروبية.
أما المرحلة الثانية في إستعمار الرأسمالية الإحتكارية ( الرأسمالية الصناعية أو الإمبريالية ) فقد تغيرت البنية الإجتماعية, لكافة سكان المستعمرات, تغير نظام الملكية الزراعية, وتم إغتصاب الأراضي لصالح البيض, ونشأت طبقة من العمل المأجورين, وبدأ تحصيل الجمارك على الأراضي الزراعية نقداً, وتم القضاء على الصناعات المنزلية, وإذا كان المجتمع يمتلك صناعة متقدمة, تم القضاء عليها.
إرتبط هذين النوعين من الإستعمار بانقلابين إنتاجيين كبيرين, الإنقلاب التجاري, أدى إلى كشف عالم جديد إستعمرته أوروبا, وإنقلاب صناعي خلق عالم جديد, هو عالم الآلة, التي سيطر بواسطتها الإنسان على الطبيعة, وخلقت إقتصاداً مفتوح الشهية, وما أتت به الثورة الصناعية من علوم وطب ووسائل صحية, جعلت الظروف مناسبة ومعقولة وملائمه, للسكن والتوطن في المستعمرات.
هذه الإنطلاقة للإمبريالية, وحاجة دول أوروبا للأسواق, أفادت الحركة الصهيونية أيما فائدة, في ظل تنافس بين الدول الأوروبية لإحتكار الأسواق, كانت مصر وفلسطين هما المدخل لهذا المسرح الجديد, وساعد على الإنتباه عليها الإنهيار التدريجي للإمبراطورية العثمانية, وكانت فلسطين بمكانتها الدينية وأهميتها الإستراتيجية, تقع في قلب الإمبراطورية.
ما ذكرناه أعلاه الخلفية التاريخية, التي جعلت الفرصة موآتية أمام الصهيونية, ويمكن القول بدايةً إذا كانت الصهيونية, مدينة للإمبريالية بتحولها من مجرد فكرة, إلى منظمة مهيمنة على اليهود في العالم, ثم إلى دولة ذات قوة عسكرية ضخمة, فإنها أيضا مدينة بوجودها, حتى كمجرد فكرة للمناخ الحضاري, وللأفكار المسيحية الإسترجاعية التي سادت أوروبا منذ القرن السادس عشر.
فقبل ظهور فكرة الشعب اليهودي, والدولة اليهودية بالمعنى السياسي, وكحل للمسألة اليهودية, ظهر ضربٌ من الصهيونية غير اليهودية, أو الصهيونية المسيحية, وهي حركة الإسترجاع المسيحية, التي كانت تطالب بعودة اليهود إلى أرض الميعاد, للإسراع في هدايتهم للمسيحية, حيث أن تنصير اليهود شرطاً لحلول العصر الألفي ( ألف عام عام سيحكم بها المسيح العالم )
ولأن الأفكار الدينية لا توجد بمعزل عن التحولات الإجتماعية, فإن الحركات الإسترجاعية إنتعشت في القرنين ال16م و 17م, عصر الإكتشافات والإستعمار الإستيطاني, ثم وصلت الذروة في اقرن التاسع عشر, في عصر الإمبريالية, بسبب عودة المسألة اليهودية بشكل واضح, ومسألة أخرى هي المسألة الشرقية, ومطامع الدول الأوروبية في ميراث الإمبراطورية العثمانية, رجل أوروبا المريض, وبدأ رجال السياسة الأوربيين ينظرون إلى عودة اليهود إلى صهيون, على إنها الوسيلة الوحيدة لطرد الأتراك من دول الشرق الأوسط.
على الرغم أن دعاة الفكر الإسترجاعي كانوا لا يشكلون قوة سياسية, فإنهم ساهموا في تحديد معالم الفكر السياسي لغير اليهود واليهود, وبما أن الأسطورة الدينية, تتكيف مع الواقع الإقتصادي والإجتماعي والتاريخي, فإنها تتحول من فكرة دينية, داعية لعودة اليهود إلى صهيون, لتحقيق النبوءة الإنجيلية, لتصبح برنامجاً إستعمارياً يؤكد على عودة اليهود الإستيطانية, لفتح الأسواق وتؤمن طريق الهند لبريطانيا العظمى, فالأسطورة إرتدت ثوبا دينيا مثاليا لها بعدها السياسي الكامل.
تتداخل الأبعاد الدينية في الأبعاد السياسية, يظهر في واقعة زيارة هرتزل إلى فلسطين عام 1898م لإكتشاف إمكانية الإستيطان الصهيوني هناك, ولمقابلة إمبراطور ألمانيا ويلهلم الثاني, حيث إعتقد اليهود هناك, أنه ليس سوى مبشر مسيحي, يحاول تنصيرهم بتوطينهم في فلسطين, وحتى يومنا هذا لا يزال التشابك ين الأمور الدينية والسياسية قائما, إذ لا يزال الكثير من الساسة, وخاصة في البلدان البروتستانتية, ومنهم رؤساء للولايات المتحدة الأمريكية, يتحدثون عن الإستيطان في فلسطين بعبارات دينية سياسية.

بالرغم من أن إنجلترا البروتستانتية كانت مرتعا للأفكار الإسترجاعية, إلا أن من أول الدعوات لتوطين اليهود في فلسطين, قد نادى بها نابليون بونبارت عام 1799م, أثناء حصار عكا, حين حث يهود أسيا وإفريقيا للسير وراء القيادة الفرنسية, لإستعادة العظمة لبيت المقدس, ووعد أنه سيعيد اليهود إلى الأراضي المقدسة, إذا ساعدوا قواته, ويمكن إعتبار نداء نابليون بأول نداء إسترجاعي إستعماري ( أول وعد بلفوري )

لكن إنجلترا البروتستانتية, أكبر قوة إستعمارية كانت أكبر مرتعاً للأفكار الإسترجاعية كما ذكرنا ولعل أهم الصهاينة الغير يهود الكولونيل جورج داولر (1796م-1869م) والذي كان ينادي بإعادة إستيطان اليهود في فلسطين, لحماية خطوط الإتصال بين أنحاء الإمبراطورية, ويعتبر أن العناية الإلهية وضعت سوريا الكبرى ومصر في طريق إنحلترا, وإن نفوذ بريطانيا كما إمتد إلى مصر يجب أن يمتد إلى سوريا, عن طريق إستيطان أطفال الأرض الحقيقين أبناء إسرائيل.
وقبل ظهور الصهيونية وجه الصهيوني غير اليهودي, وزير خاريجة بريطانيا اللورد بالمرستون (1784-1856), رسالة إلى الإمبراطور العثماني عام 1840م تتضمن " إذا عاد أفراد الشعب اليهودي إلى فلسطين, تحت حماية السلطان العثماني وبناءاً على دعوة منه, فأنهم سيقومون بكبح جماح, أي مخططات شريرة قد يديرها محمد على, أو من سيخلفه في المستقبل " ونلاحظ هنا أن محمد على بالرغم من أنه لم يكن عربيا, إلا أنه قاد عملية التحديث في مصر والعالم العربي, لذا فأنه يشكل تهديدا لإنجلترا أو غيرها من القوى الإستعمارية الأخرى, فقد كان تعبيرا مبكرا عن القوة النامية في المنطقة العربية, وتوضح رسالة بالمرستون الدور الذي يجب ان تلعبه الدولة اليهودية في المنطقة.
من أشهر الصهاينة غير اليهود ويليا هكلر (1845-1931), والذي كان صديقا حميماً لهرتزل ودعا إلى عودة اليهود إلى فلسطين, وفقا لتنبؤات العد القديم .
ومنهم أيضا لورنس أوليفانت (1829-1888), الذي زار فلسطين لإجراء دراسة عملية, تتعلق بفكرة الإستيطان المقترح, وقد إنتهى إلى ان خطة إنشاء الدولة اليهودية, في هذه المنطقة يضمن تغلغل بريطانيا الإقتصادي والسياسي في فلسطين, ونشر كتابا عام 1880م نادى به بالإستيطان اليهودي, وفي عام 1882م إستقر أوليفانت في فلسطين, ومعه سكرتيره اليهودي نافتالي هيرامبير مؤلف نشيد الهاتكفا ( الامل), الذي أصبح النشيد الوطني الصهيوني ثم النشيد الوطني الإسرائيلي.
من أغرب الشخصيات الصهيونية غير اليهودية, الكولونيل ج. ب. ويدجورد (1872-1943) الذي طالب بتوطين أبناء موسى والانبياء في فلسطين, لتستفيد منهم الإمبراطورية البريطانية, سياسيا وإقتصاديا, وقد روج لفكرة الصلات الأساسية بين البريطانيين واليهود, فالشعبان حسب رأيه يعملان بالربا, ويتجولون بين الشعوب, ويحتقرون غيرهم, ولا يتمتعون بمحبة الآخرين, والشعبان على إستعداد لإستخدام كتبهم المقدسه, لتبرير كل ما يحتاجونه في علاقاتهم مع الآخرين.
ومن الصهاينة غير اليهود أورد وينجيت (1903-1944), والذي خدم في الجيش البريطاني, ورحل إلى فلسطين عام 1936, حيث عمل ضابطا للمخابرات, وأقام صلات مع المستوطنين الصهاينة, وقد ساهم في تطوير التاكتيكات العسكرية, التي إستخدمها الصهاينة في حملاتهم الإرهابية ضد الفلاحيين الفلسطينين, ووضع أسس جيش صهيون على حد تعبيره .
ويمكن للمرء أن يجد الملامح الأساسية للفكر الصهيوني, بوصفه فكرا إستعماريا إستيطانيا, في كتابات الصهاينة غير اليهود, وقد استفاد الصهاينة اليهود منها, في كتاباتهم حيث استشهدوا بها وإقتبسوا منها, وإستفادوا منها في مناوراتهم السياسية, للحصول على وعود رسمية وغير رسمية .

وحيث أن الصهيونية قد صقلت فكرتها داخل الإطار الإمبريالي, فمن الطبيعي أن تفكر بلغة الإمبريالية, ومن أهم سمات الإمبريالية الغربية, أنها كانت تهدف إلى حل مشاكل مجتمعاتها, عن طريق تصديرها إلى آسيا وإفريقيا, ومنها مشكلة الفائض البشري, كما كانوا يسمونها, وجزء كبير منه اليهود, وإذا كان الإستعمار التقليدي هو الحل المطروح, لمشكلة المواد الخام وتكدس البضائع, فالإستعمار الإستيطاني هو الجواب على مشكلة تكدس السكان.
والإقتراح الصهيونية لحل المسألة اليهودية, يتفق تماما مع الصيغة الإستعمارية الأوروبية, فقد كتب أوسكار ترابينوفتش ملخصا لسياسة هرتزل وتكتيكاته, على أنه محاولة لتحويل تيار المهاجرين اليهود من إنجلترا إلى إفريقيا وآسيا, وخلق موقعا هاما للأمبراطورية البريطانية, وطرقها عن طريق إنشاء مركز يهودي مستقل, وقد فكر الزعماء الصهاينة بهذه الطريقة الإستعمارية, حين طرحوا عدة أماكن للإستيطان اليهودي ( شبه جزيرة سيناء, منطقة العريش, أوغندا, قبرص, الكونغو البلجيكي, موزمبيق, العراق, ليبيا, ثم فلسطين).
وبسبب إدراك هرتزل التام للطبيعة الإستعمارية للمشروع الصهيوني, نجده يعدد في مذكراته ( بتاريخ 23 سبتمبر 1902م) أسماء بعض الشخصيات الإستعمارية التي يخاطبها وكانت ( سيسل رودس, تيودور روزفلت, ملك إنجلترا, ملك إيطاليا, قيصر روسيا).
وقد كتب إلى السير سيسل رودس, الذي يرى أن الإستعار الإستيطاني هو ترياق الثورة الإجتماعية في أوروبا, يعرض مساعدته في صنع التاريخ, بالإشتراك في شيئ إستعماري, إن توجه هرتزل إلى رودس لم يكن من باب المصادفة, بل أن رودس كان أشهر شخصية إستعمارية, والتوجه إليه يعطي شرعية إستعمارية للمشروع الصهيوني.
وتتضح رؤى هرتزل الإستعمارية في خطابه لماكس توردو, عن مشروع شرق إفريقيا, حيث كان يهدف لتوطين اليهود, حيث قال في خطابه " أن اليهود ينبغي عليهم أيضا أن ينتهزوا الفرصة المواتية ليصبحوا إنجلترا صغيرة... لنبدأ بالحصول على مستعمراتنا أولا وبقوة هذه المستعمرات سنقوم بغزو وطننا, ولتكن الأرض التي تقع بين الكليمنجارو ووكينيا أول مستعمرات اسرائيل وليكن هذا الأساس الذي تقف عليه صهيون"
وقد إستحسن توردو الفكرة, ووصف هو الآخر مشروع شرق إفريقيا, بمجرد مأوى ليلي أو مجرد أساس إستعماري يتكيء عليه الصهاينة, لبناء صهيون الجديدة.
وبسبب عدم التفاف اليهود بدايةً حول الحركة الصهيونية, وعدم وجود قاعدة إقليمية تعمل من خلالها, كانت الصهيونية بأشد الحاجة إلى الدعم والتأييد من قوة إستعمارية, أوروبية تمدهم بغطاء سياسي وعسكري وإقتصادي, لبناء مستعمراتهم, وقد ذكر هرتزل العديد من القوى التي يسعى لكسب ودها, حين كتب " ولسوف تحذو دول أخرى حذو إنجلترا ولسوف ننشئ مراكز جديدة في موزمبيق والكونغو وطرابلس ( ليبيا) بمساعدة البرتغاليين والبلجيك والايطاليين).
كان هرتزل على إستعداد لبيع خدماته لأي قوة إستعمارية, وبيع الكيان الطامح له لأي مشتر,ٍ حيث يقول " وينبغي علينا بوصفنا دولة محايدة ان نبقى على إتصال بكل أوروبا التي يجب أن تضمن بقائنا " ولكن عن أي حياد يتحدث هرتزل؟ ... الحياد مع الدول الإستعمارية فقط.
عرض هرتزل مشروعه الخاص " توجيه الفائض من الهجرة اليهودية إلى ليبيا" على "فيكتور إيمانويل الثالث " ملك إيطاليا ولكنه لم يجد تجاوبا, حيت إعتبر الملك ذلك " البناء في منزل شخصٍ آخر" ولكن الزعيم الفاشي موسوليني, أظهر خلال إجتماعاته المتكرره مع وايزمان وناحوم جولدمان, تعاطفا وتفهما لفكرة الدولة الصهيونية, بل أن موسوليني وصف نفسه بأنه " صهيوني غير يهودي " .
وفي إطار بحثه الدائب عن قوة إمبريالية, يستند إليها ويقوم بخدمتها توجه هرتزل إلى الإمبراطورية العثمانية, متعهدا بانه إذا وافق السلطان على إعطاءه قطعة أرض ...." فإننا بالمقابل سنقوم بترتيب منزله وسنصلح موارده المالية ونقومها وسنؤثر على الرأي العام العالمي بما يتفق مع مصالحه, وسيكون لهذه العلاقة مزايا أخرى مثل إنشاء جامعة في إستنبول حتى لا يسافر الطلبة الأتراك إلى أوروبا فيتعرضوا لتأثير الأفكار الديمقراطية والثورية الضارة", في الحقيقة أمام هذه الكلمات لا يشعر المرء إلا بالإستغراب من مقدار رجعية وإنتهازية هذا المفكر الصهيوني .
عرف عن هرتزل إعجابه الشديد بالحضارة الألمانية, والعسكرية البروسية, وكان يفكر بأنشاء دولته اليهودية كمحمية ألمانية, وكان القيصر ويلهلم الثاني يدرك المزايا الكامنة, لألمانيا إذا ما تبنت المشروع الصهيوني, من حيث الإستفادة من الرأسمال اليهودي, ومن عرفان اليهود بالجميل لألمانيا, وكان بسمارك أيضا يفكر في توطين اليهود في المنطقة المحاذية لخط بغداد برلين, ليصبحوا أقلية تجارية, تصطدم بالسكان المحليين (العرب والكرد والأتراك), وتعتمد على المانيا في حمايتها, فيكونوا خير ممثلين للأستعمار هناك, وأبدى النازين إهتماما كبيرا بالمشروع الصهيوني, وتعاونوا في وضع هذا المخطط, موضع التنفيذ ثلاث خطط أخرى, لتوطين اليهود في سوريا والإكوادور ومدغشقر, ولكن الطموح الألماني اصطدم بالرفض العثماني لمشروع الدولة اليهودية كما ان ألمانيا إنحسر إهتمامها في المستوطنين الألمان في فلسطين, فكان على الزعيم الصهيوني الإتجاه إلى طريق آخر.
رغم الجهود الحثيثة التي بذلها هرتزل في تحسس طريقة لإيجاد قوة إستعمارية تتبنى مشروعه, إلى انه كان يتجه بناظريه إلى بريطانيا, لإدراكه أن أسس الإستعمار البريطاني أكثر ثباتا من الإستعمار الفرنسي أو البلجيكي أو الألماني, وفي خطابٍ ألقاه في لندن عام 1899م قال " الإنجليز هم أول من أعترفوا بضرورة التوسع الإستعماري في العالم الحديث ولذلك فإن علم بريطانيا العظمى يرفرف عبر البحار ".
وقد حاول هرتزل طيلة حياته, أن يظهر الفوائد التي ستعود على الإمبراطورية البريطانية, من إقامة الدولة الصهيونية, حيث كتب قبل وفاته بعامين, إلى اللورد روتشيلد في إنجلترا يخبره أن المشروع الصهيوني, سيدعم النفوذ البريطاني في شرق المتوسط, بواسطة إنشاء مستعمرة كبيرة تضم أفراد شعبنا اليهودي, وتقع عند نقطة إلتقاء المصالح المصرية بالمصالح الهندية / الفارسية, وفي نصٍ آخر يشير إلى الدولة الصهيونية, ستضيف إلى الإمبراطورية مستعمرة أخرى غنية.
الإدراك أن الدولة اليهودية مجرد رأس حربه للإمبريالية, هو الصفة المميزة لجميع المدراس الصهيونية, سواء كانت يمينية أم عمالية أو غير ذلك.
فنوردو صرح في خطاب له في لندن عام 1920م, بأنه يرى أن الدولة اليهودية ستكون تحت وصاية بريطانيا العظمى, وأن اليهود سيقفون على الطريق, الذي تحفه المخاطر عبر الشرقين الادنى والأوسط, حتى حدود الهند .
ووصف ريتشارد كروسمان العضو العمالي في البرلمان البريطاني وايزمان بأنه كان من المؤمنين إيمانا عميقا بمزايا الغمبراطورية وانه يرى الغستيطان اليهودي في فلسطين ضمان أكيد لسلامة إنجلترا ولا سيما فيما يتعلق بقناة السويس.
وقد ذكر وايزمان في رسالة أرسلها لتشرشل عام 1920م, ما أسماه بالمصالح المشتركه, والتحالف الطبيعي بين الإمبراطورية والحبيب الصهيوني, هذه المصالح التي كانت واضحة لبن غوريون, الذي أعلن في المؤتمر الصهيوني التاسع عشر 1935م, أن خيانة بريطانيا العظمى هي خيانة للحركة الصهيونية وتحدث في أماكن أخرى عن الجيب الصهيوني بوصفه قاعدة دفاعية للإمبراطورية في البر والبحر.
التعاون بين الحركة الصهيونية والإستعمار الغربي, من اول اكثر الموضوعات إلحاحاً في الأدبيات الصهيونية, وعلى سبيل المثال ففي كتاب المفكر الصهيوني موسى هس, الذي دعا إلى إنشاء مستعمرات يهودية, من السويس حتى القدس, ومن خلف ضفتي نهر الأردن, حتى المتوسط تحت رعاية فرنسا, ويؤكد ذلك فيقول " ستكون فرنسا الحبيبة المخلص الذي سيعيد لشعبنا مكانته في العالم "
وبعد قيام دولة إسرائيل نشرت صحيفة هآرتس في 30 ديسمبر 1951م, إن إسرائيل قد تم تعيينها لتقوم بدور الحارس, الذي يمكن الإعتماد عليه في معاقبة, دولة أو عدة دول, من جيرانها العرب الذين قد يتجاوز سلوكهم تجاه الغرب, الحدود المسموح بها.
وحروب إسرائيل المتكررة لا يمكن فهمها فهماً كاملاً, إلا بوصفها داخل إطار المصالح والتحركات الإمبريالية, في الشرق الأوسط, وتاخذ شكلا واضحا,ً كما هو الحال في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م, وحرب حزيران عام 1967م, أو شكلاً مستتراً, كما هو الحال في إجتياح لبنان عام 1982م, وحرب تموز عام 2006م .

يتبع



#خالد_أبو_شرخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصهيونية (6)..هزيمة العقل التنويري اليهودي
- الصهيونية (5) .. حركة التنوير - الهسكلاة -
- فيتوريو إبن فلسطين, فلترحلوا يا إرهابيين
- من حجارة فلسطين وياسمين تونس إلى مصر البهية
- الصهيونية (4) .. الإضطهاد والمساواة
- دولة القانون بدون قانون
- الصهيونية (3) .. الدين اليهودي
- الصهيونية (2) .. الجيتو
- صخب هاديء مع يعقوب إبراهامي
- الصهيونية (1)..نشوء المسألة اليهودية
- من الذي تغير؟,, نحن أم الصهيونية؟
- مرة أخرى مع مُنظر اليسار الصهيوني
- يعقوب ابراهامي واليسار الصهيوني
- الفضائية الحلم ... الفضائية الطموح
- هل للقدس مكانة في العهد القديم
- الإنتفاضة الفلسطينية وإجابات الماضي على تساؤلات الحاضر
- العهد القديم..ممنوع لمن هم دون ال18عاما..
- التوراة وفلسطين والدولة اليهودية(5) إكمال الحبكة
- التوراة وفلسطين والدولة اليهودية (4) الرب يطلق الوعد
- التوراة وفلسطين والدولة اليهودية (3) التمهيد للوعد


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد أبو شرخ - الصهيونية (7) .. وليدة الإمبريالية