أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - خالد أبو شرخ - الإنتفاضة الفلسطينية وإجابات الماضي على تساؤلات الحاضر















المزيد.....


الإنتفاضة الفلسطينية وإجابات الماضي على تساؤلات الحاضر


خالد أبو شرخ

الحوار المتمدن-العدد: 3206 - 2010 / 12 / 5 - 18:16
المحور: القضية الفلسطينية
    


في التاسع من كانون أول الجاري يكون قد مر ثلاثة وعشرون عاما, على اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى, تلك الصرخة الانسانية التي اطلقها الشعب الفلسطيني للعالم أجمع, والتي عبرت عن الارادة الدائمة والمتجددة والعزم المتواصل للشعب الفلسطينيى على مواصلة نضاله من اجل ازالة الظلم التاريخي الذي وقع عليه .
وقد كتب الكثير عن هذه الحالة النضالية التي ابتدعها الشعب الفلسطيني, الذي مارس جميع اشكال واساليب النضال, وقدم من التضحيات والبطولات ما يحرر الوطن العربي كله, ولكن بالرغم من كثرة ما كتب وما قيل عن هذه الظاهرة الثورية التي ابتدعتها ارادة الشعب الفلسطيني, وبالرغم من وضوح وبساطة مضمون وشكل رسائل الانتفاضه, التي لم تكن موجهه فقط لإسرائيل والعالم, بل ولعالمنا العربي ولفصائل العمل الوطني الفلسطيني, إلا ان الكثير من مكونات العمل السياسي والمقاوم الفلسطيني والعربي أداروا وما زالوا يديرون الظهر لهذه الرسائل الواضحة والمتعددة, تلك الرسائل التي لم تقف عند معاداة الاحتلال ورفضه, والاصرار على دحرة واقامة الدولة الوطنية المستقلة, بل تجاوزت ذلك إلى البرامج والشعارات والمفاهيم التي تم التمسك بها على مدار عقود عديدة, ولو تم عدم ادارة الظهر بقصد او بدون قصد لرسائل الانتفاضة المختلفة لكان بالامكان تحقيق ما هو اكثر بكثير مما حقق حتى اللحظة, ولكان بالامكان تجاوز الازمة الحالية التي تعصف بالساحة الفلسطينية, سواء من ناحية وصول المفاوضات الى طريق مسدود, او حالة الانقسام الجيوسياسي التي يعيشها الشعب الفلسطيني, فالكثير من الاسئلة التي تطرحها الازمة الفلسطينية الحالية تجد اجاباتها في رسائل الانتفاضة, التي قلبت الطاولة على الكثير من المسلمات والمقدسات التي تشبثت بها فصائل العمل الوطني الفلسطيني, سواءا من ناحية اهداف النضال الوطني ووسائل تحقيقه, او جغرافيا القرار الفلسطيني وعلاقة الداخل بالخارج وعلاقة القيادة بالجمهور, بالرغم من ان القيادة الفلسطينية المتنفذه قد ساهمت بشكل واضح بتكامل شكل الانتفاضة مع مضمونها من خلال تبني برنامج السلام الفلسطيني, في الدورة التاسعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني عام 1988, فمن حيث المضمون كان برنامج السلام الفلسطيني والشكل ادوات الانتفاضة واساليبها, الا ان الكثير من قيادات العمل الوطني الفلسطيني وفصائله تعالوا على قبول الشكل والمضمون الجديدين, حيث ان الانتفاضة قد مست وبشكل مباشر ما اعتبورها ثوابتا مقدسة من المفاهيم والشعارات والبرامج, تبنوها سنين عديدة وما زالوا حتى اللحظة يتمترسون خلفها ويحيطونها بحقل من الالغام على حد وصف الاستاذ الكبير عبد المجديد حمدان (ابو وديدة) العضو السابق في الامانه العامة لحزب الشعب الفلسطيني.
اول الأثواب القداسه والتي نزعتها الانتفاضة,الشعارات البراقة بالنسبة لاهذاف النضال الوطني الفلسطيني, فقد تشبثت العديد من الفصائل الفلسطينية بهدف التحرير الكامل وعدم الاعتراف باسرائيل وان كانت قد قبلت بالرنامج المرحلي عام 1974 فكان قبولا شكليا حيث استمرت هذه الفصائل بتعبئة عناصرها والترويج في المجتمع الفلسطيني على الشعارات القومجية والاسلاموية الداعية للتحرير الكامل سواءا كان دفعة واحدة او على مراحل, ورفض الحل السياسي مهما كان شكله حتى لو كان مؤتمر دولي يوجد به حلفائنا في ذلك الحين, بحجة أن الحل السياسي يؤدي إلى الإعتراف بشرعية دولة إسرائيل, بكل بساطة ووضوح وبعفوية الجماهير رسمت الانتفاضة حدود الدولة الفلسطينية المنشودة, اين تهتز الارض تحت اقدام المحتلين فهي ارض الدولة, واين توجد الايادي التي تلتقط الحجارة لتسقطها جمرا على رؤوس المحتلين فهو مجتمع الدولة, أي الأراضي المحتله عام 1976 وبالرغم من ترويج البعض في محاولة لانقاذ شعاراتهم المقدسة لنقل الانتفاضة وتصديرها الى مناطق ال48 الا ان هذه الترويجات سقطت امام عاصفة الانتفاضة وواقعيتها, وبتبني برنامج السلام الفلسطيني المتوافق مع جغرافيا الإنتفاضه, والذي لاقى قبولا عربيا ودوليا لم يحصل عليه اي برنامج سياسي فلسطيني من قبل تكون الانتفاضة قد اكتمل شكلها ومضمونها كحالة اجتماعية ثورية لا بد من ترجمتها لمكتسبات سياسية بتراكمها ينجز الشعب الفلسطيني اهدافه الوطنية, او يقترب منها على الاقل, وبذلك تكون قد خلعت ثوب القدسية عن مبدأ رفض الحل السياسي, وأقرت مبدأ الدولة المستقلة على حدود عام 1976 إلى جوار دولة إسرائيل.
غالبية فصائل المقاومة الفلسطينية انطلقت في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات, باستثناء حركتي حماس والجهاد الاسلامي, وبسبب طبيعة المرحلة التي انطلقت بها هذه الفصائل, مرحلة انتصار الكثير من الثورات التي تبنت نهج الكفاح المسلح في العالم, وطبيعة الشعارات القومجية التي كانت سائدة في عالمنا العربي في تلك الفترة, والجذور القومية لغالبية الفصائل, علاوةا على حجم الظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني, تبنت هذه الفصائل نهج الكفاح المسلح كوسيلة اساسية للنضال, وقد بالغت الفصائل في فهمها لهذه الوسيلة, حتى تحولت الى هدف بحد ذاته, ومدخل للحشد والتجييش الفئوي, وقناةا لجلب الدعم والتمويل, ومعيارا لتقييم الفصائل بعضها لبعض, وقد عانى الشيوعيون الفلسطينيون الامرين من نقد وتجريح بسبب نظرتهم المختلفة عن باقي الفصائل تجاه الكفاح المسلح ووسائل النضال الاخرى, فما كان من الانتفاضة بعفوية ابداعاتها الا ان قلبت الطاولة على رؤوس من احاط الكفاح المسلح بسياج من القدسية, واعطاه اكثر من حجمه الطبيعي في الحالة الفلسطينية, ووضعه في تناقض مع اشكال واساليب النضال الأخرى, فقد اعتمدت من اللحظة الاولى منهج المقاومة الشعبية السلمية لتحقق من اللحظة الأولى أول إنجازاتها ألا وهو تحييد القدرات الهائلة للجيش الإسرائيلي, فهذا الجيش اعتمدت عقيدته العسكرية على تحقيق أهداف إسرائيل التوسعية, أي غزو واجتياح الاراضي المجاورة والاشتباك مع الجيوش المدافعة عن تلك الاراضي, ولكن سلمية الانتفاضة شلت قدرات هذا الجيش, فالاشتباك مع مجتمع غير مسلح لم يكن ابدا من ضمن خطط واستراتيجيات العقيدة العسكرية الاسرائيلية, فبقيت طائراته ودباباته ومدفعيته في ثكناتها دون حراك, في الوقت الذي تخوض فيه اسرائيل حرب البقاء في الاراضي الفلسطينية, وترافق مع هذا الانتصار انتصارا اخرا حيث كشفت المواجهه الفلسطينية الاسرائيلية هذه, زيف الديمقراطية الاسرائيلية, فاسرائيل في محاولة منها لحسم المعركة مع المجتمع الغاضب, والعاقد العزم على كنس الاحتلال, وفي ظل عجزها عن حسم هذه المعركة باستخدام قواتها العسكرية الهائلة, لجأت لأساليب القمع اللاإنسانية بواسطة جنود الاحتياط وحرس الحدود, وأمام كاميرات وسائل الإعلام ظهر الوجه العنصري الحقيقي لإسرائيل, ولأول مرة لا تستطيع أسرائيل تجيير الإعلام لمصلحتها, وتسقط تهمة الإرهاب عن كاهل الشعب الفلسطيني لتمطتي أكتاف إسرائيل, مما دعا وزير خارجيتها آنذاك شمعون بيرس للقول إذا ما تواجهت الكاميرا مع الدبابة فالنصر للكاميرا, وكان ذلك إقرارا مبكرا بهزيمة اسرائيل امام الإنتفاضة وإبداعاتها السلمية, وأثبتت الإنتفاضه أن اللجوء للعمل العسكري ما هو إلا الإنجرار الطوعي إلى الميدان الذي تريده إسرائيل وتتفوق به على خصمها.
هكذا كان وضوح رسائل الإنتفاضه للجميع, بأن الهبات الشعبية السلمية هو الإبداع النضالي الذي يتناسب مع الخصوصية الفلسطينية, ويضمن استمرار الكفاح الوطني بأقل الخسائر الممكنة, فقد استمرت الانتفاضة مدة ستة سنين متتالية, بل واصبحت اسلوب حياة وحالة معيشية يعيشها المجتمع الفلسطيني, ويضمن أيضا أوسع مشاركه شعبية في الفعل النضالي المقاوم للاحتلال ويتماشى مع روح الانتفاضه ومضمونها الشعبي, ومع إمكانيات وقدرات الجماهير الفلسطينية, وهو النضال الأكثر والأعظم مردودية من ناحية تقريب الشعب الفلسطيني من اهدافه الوطنية في التخلص من نير الاحتلال واقامة دولته المستقله .
اذا كانت الانتفاضه بهذا الوضوح وبهذا الزخم وبهذا الحجم من التضحيات والبطولات والابداعات فلماذا لم تستطع أن تنجز أهدافها في دحر الاحتلال؟ ولماذا كلما بدا للعيان اقتراب هذه الهدف يتضح فيما بعد انه ما زال بعيدا؟..... لقد تكالبت على الانتفاضة عدة عوامل خارجية وداخلية اثرت على ادائها وسلوكها وطابعها الشعبي وعلى برنامجها السياسي, وفي مقدمة العوامل الخارجية كان زلزال أوروبا الشرقية في نهاية ثمانينات القرن المنصرم, وانهيار الكتلة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفياتي حيث تجرد الشعب الفلسطيني من حلفاؤه الدوليين, وشكل انتصارا للولايات المتحدة الامريكية حليفة اسرائيل, وكسر العزلة الدولية التي بدات تحاصر اسرائيل منذ بداية الانتفاضه, وتراجعت مكانة حلفاءا اخرين, مثل قوى التحرر الوطني في الدول النامية وقوى اليسار والتقدم في دول الشمال المتقدم, وكعادته تقدم النظام العربي الرسمي ليساهم بنصيبه في اكمال الحبكة على الشعب الفلسطيني, فجاءت حرب الخليج الثانية بنتائجها المدمرة لتنقل منظمة التحرير الفلسطينية والقضية برمتها من موقف الهجوم الى موقف الدفاع, بل الحصار الكامل من قبل الولايات المتحدة واسرائيل وحلفائهما في العالم ومن ضمنهم النظام الرسمي العربي, وحتى لا نكون كالنعامة التي تدفن راسها في الرمال كي لا ترى الحقيقة, او كالعامل الرديء الذي يضع اللوم على ادوات العمل, لا بد أن نقول ان الجانب الفلسطيني وقياداته وفصائله يتحملون قسطا وفيرا من المسؤولية في تراجع المد الشعبي للانتفاضه, وتقليصه لحدود اقل مما كانت عليه الانتفاضه في بدايتها, وفي مظاهر سلبية كثيرة رافقت الانتفاضه خصوصا في سنواتها الاخيرة, وللاسف لم تجري أي مراجعه حقيقة حتى اللحظة للمارسات والاخطاء التي التي جرت والتي يمكن القول بانها قد جردت الانتفاضة من الكثير من اسلحتها ذات الجدوى والمردودية, وقد ظهر عدم تقييم الانتفاضه والاداء الفصالي بشكل جدي, واضحا خلال الانتفاضة الثانية "انتفاضة الأقصى" عندما جرى تكرار السلبيات والاخطاءالتي رافقت الانتفاضة الاولى, مما قصر من عمر انتفاضة الاقصى واجهز على مكتسباتها والحق خسائر بالشعب الفلسطيني اضعاف خسائر الانتفاضة الاولى.
فأين أخطأت قيادات وفصائل الشعب الفلسطيني؟ وأين أصابت؟
لا بد أن نقر أن القيادة الفلسطينية قد أصابت في تبنيها لبرنامج السلام الفلسطيني, حيث أن هذا البرنامج توافق مع قدرات وامكانيات الانتفاضه وجغرافيتها, وتطابق مع قرارات الشرعية الدولية واستطاع ان يجلب حلفاءا جدد للقضية الفلسطينية, ومن لم يجلبه كحليف لم يبق في موقع المعادي, وليس ادل على ذلك من انتقال الجمعية العمومية برمتها من نيويورك الى جنيف, للاستماع لكلمة رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية, بعد ان رفضت واشنطن منحه تأشيرة دخول, بالرغم مع انها كانت قد منحته قبل ذلك عام 1974 عندما تم الاعتراف بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني, وعند التدقيق في هذا التناقض لا نجد الا اجابة واحدة وهي ان الرفض كان لبرنامج السلام الفلسطيني, لما يشكله هذا البرنامج من خطورة على السياسة الامريكية وعلى اسرائيل.
ولكن الوعي بضرورة تسليح الانتفاضة ببرنامج واقعي ومقبول وقابل للتحقيق لم يرافقه التخلص من المفاهيم المقدسة التي اشرنا اليها سابقا, ولم يرافقه ضرورة التخلص من السلبيات والثغرات والممارسات التي رافقت القوى السياسية الفلسطينية منذ نشوء الصراع الفلسطيني الصهيوني على ارض فلسطين, وفي مقدمتها عدم مواجهة العدو باستراتيجية سياسية موحدة, فبرنامج السلام الفلسطيني وجد معارضة شديدة من قبل اطارف داخل منظمة التحرير الفلسطينية تمسكت بقدسية مفاهيمها القومجية, وترافق الرفض هذا, مع ظهور حركة حماس وانخراط تيار الاسلام السياسي في مواجهة الاحتلال, ولكن كتيار موازي وبديل عن التيار الوطني, وليس ضمنه او مكملا له, وبشعارات الاسلام السياسي وبرامجه, أدى الإختلاف على البرنامج السياسي الى اضعاف برنامج السلام الفلسطيني وإلتفاف الجماهير حوله, والى اختلاف الخطاب السياسي التعبوي الموجه للجماهير المنتفضه, مما نتج عنه شق وحدة الصف الميدانية, وارباك الجماهير وتشتيت طاقاتها بين صخب الشعارات, والاتهامات المتبادلة, وضجيج المنافسة ما بين الفصائل.
وبالرغم من التحام الانتفاضة مع منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها, الا ان قيادة المنظمة وقيادات فصائل المنظمة ساورها الشك والقلق و الخوف من ان تفرز الانتفاضة قيادات بديلة بالرغم من كل التطمينات التي تصلها من الداخل بشان التمسك بالقيادة الشرعية, الا ان القلق والمخاوف لم يذهبا, خصوصا مع بروز حركة حماس كتيار يطرح نفسه بديلا عن المجموع الوطني, وتشبث اصحاب مفاهيم قدسية الكفاح المسلح بموقفهم, متجاهلين عبقرية الانتفاضة السلمية في ارباك جيش الاحتلال, علاوة على ظاهرة الاستعجال برؤية حل ونهاية للقضية والمشوار الوطني, فتم استخدام سلاحي المال والفاكس, فبواسطة الفاكس جرى تحميل الانتفاضة فوق ما تحتمل وتحديد فعالياتها وأدواتها وأشكال وأساليب نضالها عن بعد الاف الاميال, دون مراعاة للوقائع الموجودة على الارض, أو إمكانيات وطاقات الجماهير, ووجه ضربة قاضية لأشكال الإبداع الجماهيري العفوي أو المنظم من فعاليات الانتفاضه مثل شكل اللجان الشعبية (لجان الحراسة ولجان الاغاثة ولجان الاصلاح ولجان مقاطعة البضائع الاسرائيلية.....الخ) هذه اللجان التي قوضت السلطات المدنية للاحتلال المعروفة باسم الادارة المدنية, وسلاح المال خلق ظاهرة الانتماء الاسترزاقي عند الفصائل الفلسطينية, حيث لم تقف هذه الظاهرة عند القيادة الفلسطينية بل انتشرت بين غالبية فصائل المنظمة, وحركتي حماس والجهاد الاسلامي, وقد اثرت هذه الظاهرة ليس فقط على الانتفاضة بل امتددت الى ثقافة وسلوك جيل كامل في الشعب الفلسطيني حتى بعد نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية وخلال انتفاضة الاقصى, فبعد ان كان الانتماء للفصائل الوطنية طوعيا وخيارا ينبع من ضمير الانسان, تحول الى وسيلة للارتزاق والهيبة الاجتماعية أثناء الانتفاضة, او الوصول لمرتبه وظيفية ومكانة اجتماعية بعد قيام السلطة الوطنية, وبسلاح المال وضجيج المنافسة الفصائلية تولدت ظاهرة التجييش الفصائلي الذي استنزف الوحدة الميدانية لمجتمع الانتفاضه, وحصر المد الشعبي لها وحولها لنشاط فصائلي متنافس, وحرف أدواتها من مقارعة الاحتلال الى مقارعة الفصائل بعضها لبعض, وتولدت من هذا التجييش ممارسات مست بالجمهور, واجتهادات من عناصره زرعت بهم ثقافة أخذ القانون باليد تحت مبرر قانون الثورة, وفي ظل غياب المحاسبة والمراجعة, وقد ادى هذا الى حرف الانتفاضه عن مسارها, وتفشي ظاهرة العنف ما بين الفصائل وعدم الالتزام بالقانون وبالمعايير الاجتماعية والثقافية للمجتمع الفلسطيني, والتسلط على الجمهور بحجة اليقظة الثورية في سلوك جيل كامل, حيث لا يخفى على أحد أن السن المناسب للتجيش الفئوي دون توعية وتعبئة تنظيمية وسياسية سليمة هو مطلع العشرينيات او ما دون ذلك, وقد اثرت هذه التنشئة الفئوية وغياب المساءلة والمحاسبة والتقييم والمراجعه, على سلوك أفرادها عند نشوء السلطة فيما بعد, فمن استوعبته الاجهزة الامنية الفلسطينية من عناصر هذا التجييش الفئوي, دون اعادة تاهيلهم حمل معه ثقافة اخذ القانون باليد والتمتع بسلطات مطلقة والتسلط على المجتمع بحجة صلاحيات رجل الامن, مما ادى الى تفشي ظاهرة التجاوزات على المواطنين والقانون من قبل الاجهزة الامنية الفلسطينية في حكومتي الضفة والقطاع, ومن لم تستوعبه الاجهزة الامنية وجد ضالته في الفصائل المسلحة التي نشأت في انتفاضة الاقصى, كي يمارس ثقافته في العنف وعدم الالتزام بالقانون, وفرض مفاهيمه بالقوة تحت شعار المقاومة.
كشفت انتفاضة الاقصى على عدم قيام فصائل العمل الوطني والاسلامي الفلسطينية مراجعة جادة لمفاهيمها وممارساتها وعدم استيعابها لعبقرية الانتفاضة الاولى في تحييد القدرات الكاملة للجيش الاسرائيلي عن المواجهه,أمام الجماهير الشعبية في الميدان, فبتأثير المنافسة بين الفصائل على الشعب الفلسطيني وليس من أجل الشعب الفلسطيني, استمرت عملية التجييش الفئوي مما أدى إلى تحييد الجماهير عن المعركة, وباتباع الوسائل العنيفة في المقاومة, تم الانجرار الى الميدان الذي يتفوق به جيش الاحتلال, وباختلاف الرؤى السياسية تم استغلال الجيوش الفئوية في الصراعات الداخلية على النحو الذي شاهدناه ونشاهده الان, وقد ساعدها على ذلك الوضع الجديد الذي نشأ نتيجة لسوء الأداء التفاوضي للمفاوض الفلسطيني, الذي إستأثر بالمعركة التفاوضية حيث أدت اتفاقياته للانقياد الى خطة العزل الاسرائيلية, أي عزل الجيش الاحتلال وقطعان المستوطنين عن المدن الرئيسية والطرق التي كانت تجري بها المواجهات الشعبية, هذه الخطة التي سعت إليها اسرائيل منذ البداية لتجنيب جيشها من التورط في مواجهات شعبية كما كان في الانتفاضة الاولى, وعزل حركة المستوطنين في طرق التفافية بعيدة عن المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية, واستدراج شبان الانتفاضة الى المواجهه على أطراف المدن ونقاط التماس, مما حول المواجهات مع جيش الاحتلال الى مصيدة ومجزرة لشبان الانتفاضه, وغذى اللجوء الى العنف والتنافس عليه من قبل فصائل المقاومة, وهذا ما أرادته اسرائيل من البداية, وادت هذه الممارسات الفصائلية إلى إفراغ إنتفاضة الأقصى من مضمنها وأشكالها وسرعت من إنهائها.
ما أحوج الشعب الفلسطيني اليوم بالتحديد لقراءة رسائل ومواعظ انتفاضاته وإجاباتها عن التساؤلات التي تطرحها المرحلة الحالية, لاستخلاص العبر والخروج من المأزق الراهن, فقد اثبتت التجربة أن تحييد الجماهير عن المعركة سواءا الميدانية أو السياسية التفاوضية, لم يجر الا المصائب على الشعب الفلسطيني, وأبعدته عن تحقيق أهدافه الوطنية, فهذه الجماهير هي وقود النضال الوطني وهي صاحبة القول والفصل, كما اثبتت ان التمترس خلف اشكال معينة من النضال دون سواها, لا يؤدي ألا إلى استبعاد الشكل والأسلوب الأكثر ملائمة للحالة الفلسطينية, علاوةا على الخسائر البشرية والمادية التي يتسبب بها, واثبتت أيضا أن أسلوب التجييش الفئوي وضجيج المنافسة الفصائلية, لا تؤدي إلى حصر المد الشعبي للنضال الوطني الفلسطيني فقط, بل يتجاوزه ليهدد وحدة التكوين النفسي والثقافي للشعب الفلسطيني.
لقد أثبتت الإنتفاضه, ان أي حالة ثورية ومهما بلغت حجم بطولاتها وتضحياتها, لا يمكن أن تحقق إنجازات دون التكامل مع برنامج سياسي واقعي وعملي, وقابل للتحقيق يتناسب مع طاقة وقدرات هذه الحالة الثورية, ويلقى دعما وتأيدا دوليين, ويجلب انصارا وحلفاءا للشعب الفلسطيني, حيث بينت تداعيات حرب الخليج الثانية وزلزال أوروبا الشرقية أهمية العمقين العربي والدولي .
ويبقى التساؤل المشروع, ألم تدرك فصائل المقاومة ومكونات العمل السياسي الفلسطيني هذه الاستنتاجات؟ ....وإن كانت الاجابة بالنفي, فهل تستحق هذه الفصائل البقاء في قيادة وطليعة الشعب الفلسطيني؟....وإن كانت الإجابة بالإيجاب فما الذي منعها من العمل بهذه العبر والعظات؟...أم هناك حسابات اخرى فئوية وإقليمية تقود العمل السياسي الفلسطيني؟
في الذكرى الثالثة والعشرين للأنتفاضه, على الشعب الفلسطيني وقواه الحية الوقوف وقفة جادة لمراجعة الذات, واستخلاص العبر والنتائج من تجارب الانتفاضات السابقة, ففيها الكثير من الأجوبة على تساؤلات تطرحها الأزمة الفلسطينية الحالية



#خالد_أبو_شرخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العهد القديم..ممنوع لمن هم دون ال18عاما..
- التوراة وفلسطين والدولة اليهودية(5) إكمال الحبكة
- التوراة وفلسطين والدولة اليهودية (4) الرب يطلق الوعد
- التوراة وفلسطين والدولة اليهودية (3) التمهيد للوعد
- التوراة وفلسطين والدولة اليهودية (ج2) لماذا فلسطين تحددا
- التوراة وفلسطين والدولة اليهودية


المزيد.....




- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...
- انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي ...
- هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي ...
- عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با ...
- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - خالد أبو شرخ - الإنتفاضة الفلسطينية وإجابات الماضي على تساؤلات الحاضر