أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد أبو شرخ - الصهيونية (4) .. الإضطهاد والمساواة















المزيد.....


الصهيونية (4) .. الإضطهاد والمساواة


خالد أبو شرخ

الحوار المتمدن-العدد: 3259 - 2011 / 1 / 27 - 03:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(4) الإضطهــاد والمســاواة

داخل أسوار الجيتو عاش اليهود تحت سطوة رجال الدين, والمعتقدات والطقوس والشعائر الدينية التوراتية الأسطورية, كأقلية إقتصادية دينية معزولة, وفي مواجهة مع جميع طبقات المجتمع, بسبب مهنتي التجارة والربا, وبالإنغلاق شبه التام للجيتو, نسجت حوله الخرافات والأساطير, ووضعت اليهودي موضع الشكوك والشبهات دائماً, وقد تركت حياة الجيتو والعزلة اليهودية من ناحية, والتعاليم الدينية وادعاءاتها بالتفوق العرقي من ناحية أخرى, إرثاً ثقافيا ونفسيا ثقيلاً في الشخصية اليهودية, تمثل بالتناقض ما بين الشعور بالدونية والإستعلاء في آنٍ واحد, وجديرٌ بالذكر أن الجيتو لم يُفرض من قبل المجتمعات الأوروبية وحسب, بل وباختيارٍ من اليهود أنفسهم, وبهذا الصدد يصف ناحوم جولدمان رئيس المؤتمر اليهودي الجيتو, في كتابه مذكراتي على النحو التالي " كان الجيتو عبارة عن وسيلة حياة فرضت على اليهود من قبل غير اليهود, غير أن التاريخ يبرهن بأن هذا العالم الخاص قد نشأ من قبل اليهود أنفسهم", ويوضح غولدمان أن الزعامات الدينية كانت أكثر ما تخشاه ذوبان اليهود في المجتمعات التي عاشوا بين ظهرانيها, نتيجة حصولهم على حقوق المواطنة, التي تساويهم مع الآخرين, ويؤكد أن الجيتو المادي, وما نشأ حوله من أساطير وخرافات خلق نوعاً من الجيتو الفكري, فيسترسل في كتابه " لم تقتصر الديانة اليهودية على النظرية والعقيدة فحسب, بل غمرت وشملت وأخترقت مناحي حياة أتباعها, من الصباح الباكر وحتى الليل المتأخر هيمنت على الحياة اليهودية لقرون عديدة, وجعلتها في عزلة عن الحياة الفكرية المحيطة بها, ولو لم تكن مثل هذه السيطرة والهيمنة الكلية, لما كان هناك شيء إسمه الشعب اليهودي, وقد يكون من أعظم إنجازات النزعة اليهودية لحفظ الذات, وأهميتها ليست دينية فحسب, فالديانة اليهودية عنت التقاليد والعرق والاداب والفنون والحياة الفردية والجماعية, وأبقت على اليهود منفصلين, عن الثقافات والحضارات الاجنبية, ومنعت إنصهارهم فيها, لا يهم أين يعيش اليهودي, فإنه يحمل وطنه معه, من خلال دافعه الديني اللامحدود"
أدى التناقض بين اليهود كأقلية دينية إقتصادية مع طبقات المجتمع, والإنعزالية التي عاش بها اليهود, إلى حملات قمع وإضطهاد ومذابح لليهود في البلدان الأوروبية التي عاشوا فيها, وزاد الأمر سوءاً تدخل الكنيسة الأمر, فالنظام الإقطاعي رافقه تعصب ديني إستغله الإقطاعيين في الأزمات الإجتماعية والإقتصادية, وقد ظلت الكنائس المسيحية قبل ظهور البروتستانتية تعتبر اليهود مسؤولين عن دم المسيح, وكان ظهور تيار ديني متطرف, أو رجل دين متطرف, كافٍ على تحريك العامة, لارتكاب إعتداءات دموية على اليهود, ولم يقف الأمر ضد هذا الحد, بل وصل في كثير من الأحيان, إلى حالات منع اليهود من الإقامة في بعض الأقاليم, وعمليات طرد لهم من البلدان التي عاشوا فيها, ويذهب عبد المجيد حمدان في كتابه إطلالة على القضية الفلسطينية, بأن " القضية الفلسطينية بدأت فعلياً بأوامر الطرد هذه ", وقد شهدت أوروبا أربع موجات طرد, بدأت في وقت مبكر يعود إلى القرن الحادي عشر
الموجه الاولى: رافقت الحملات الصليبية مع نهاية القرن الحادي عشر, ففي خضم الحماسة الدينية, التي نتجت من تعبئة المسيحين للتوجه نحو الشرق, وإسترداد قبر المسيح, عادت إلى الأذهان الجريمة التاريخية الملقاة على أكتاف اليهود, فكان إضطهادهم بصورة غوغائية أمراً طبيعياً, ولم يقتصر ذلك على أماكن تواجدهم في أوروبا, بل وفي الأراضي التي إحتلها الصليبيون فعلى سبيل المثال, حرموا على اليهود إمتلاك الأراضي في فلسطين, ومنعوهم من ممارسة أي مهنة بإستثناء التجارة والربا, وتحت ضغط الصليبين أضطر اليهود إلى مغادرة فلسطين, ولم يبق منهم سوى ثمانية أفراد فقط ( 1 في اللد, 1 في حيفا, 2 في بيت لحم, 4 في القدس ), وبعد تحرير القدس على يد صلاح الدين سمح لهم بالعودة.
الموجة الثانية: وأطلق عليها "الموت الأسود" فقد تفشى مرض الطاعون, في منتصف القرن الرابع عشر, وهلك بسببه ربع سكان أوروبا, ولما كان الجهل متفشيا أكثر من الطاعون, سرت إشاعة بأن الطاعون ليس إلا بلاءاً من الساميين (اليهود), فهوجموا بعنف وأحرقت منازلهم, وقضي على اليهود بشكل شبه تام في حوض الراين, مما اضطرهم للرحيل إلى شرق أوروبا.
الموجه الثالثة: جاءت عقب إنتهاء الحكم العربي الإسلامي في أسبانيا, ومع إنتشار محاكم التفتيش الكاثوليكية, ولم تكن أهمية اليهود في أسبانيا تكمن في عددهم, بل في مكانتهم, إذ كانوا من التجار والعلماء والأطباء, مما جعل لهم أثراً في البلاد التي توجهوا لها, خصوصاً في إيطاليا وشمال إفريقيا وهولندا والإمبراطورية العثمانية.
الموجه الرابعة: وكان مصدرها روسيا, إذ نجم عن المذابح الشهيرة ضد اليهود, في أثر مقتل القيصر الإسكندر الثاني عام 1881م, مغادرتهم البلاد بهستيريا جماعية, كما جرت هجرة مشابهة بعد المذابح التي حدثت سنة 1905م, ومن أبرز نتائج الهجرة من روسيا, أن اليهود توجهوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية, حيث شكلوا نواة الجالية اليهودية الكبيرة هناك, وإلى فلسطين حيث شكلوا نواة الإستيطان اليهودي في فلسطين.
كان سيف الإضطهاد والطرد, يلاحق يهود أوروبا أينما حلوا في القارة العجوز, بإستثناء شبه جزيرة إيبيريا, والمناطق الخاضعة للإمبراطورية العثمانية, فقد تمتع اليهود في تحت الحكم العربي والإسلامي بحقوق المواطنة الكاملة, الأمر الذي أقره غالبية المؤرخين اليهود بما فيهم هيرتزل نفسه, فقد لجأ الكثيرون من اليهود الهاربين من الإضطهاد, إلى الدولة العثمانية حيث تجمعوا في أزمير وسالونيك, والمثير للإهتمام أن قسماً من يهود سالونيك قد إعتنقوا الإسلام, دون التعرض لأي ضغط, وأصبحوا يعرفوا بإسم " يهود الدونمة".

أما في الأندلس فقد عاش اليهود حياة آمنة وخلاقة, وساهموا في مختلف النشاطات العلمية والأدبية وعملوا في مختلف الميادين, ولم تمنع عنهم أي مهنة سوى الربا, ولم تكن مساهمتهم الحضارية كمجتمع يهودي منفصله عن المجتمع العربي, بل على العكس من ذلك, فقد درس اليهود الفلسفة العربية وعلوم الكلام, وكتبوا بالعربية إلى جوار العبرية, بل آثروا اللغة العربية على العبرية, بسبب إفتقارها في ذلك الوقت إلى الكثير من المصطلحات والمفردات, خاصة في الفلسفة والعلوم الدينية.
وتبوأ اليهود مناصب رفيعة في الدولة الأموية في الأندلس, ففي عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر (912-961م) وولده الحكم (961-980م) وفد إلى الأندلس الكثير من العلماء والأدباء اليهود وأنشأوا مدرسة قرطبة التلمودية, وتبوأ العلامة اليهودي حسداي بن شيروت, والذي كان وزيراً في البلاط, الإشراف على الخزانة العامة, وقد تبادل الخليفة الناصر العلاقات مع ممكلة الخزر اليهودية في عهد خاقان الخزر جوزف.
وانتشرت المكتبات في منازل اليهود, مثل مكتبة الطبيب حسداي بن إسحق, طبيب الخليفة الحكم بن عبد الرحمن, ومكتبة يوسف بن إسماعيل بن نغرالة وزير باديس أمير غرناطة, وترك اليهود بصمات واضحة في تراث الأندلس, وأشتهر منهم العلماء والاطباء والفلاسفة, مثل موسى بن ميمون الملقب بـ ( موسى الثاني ) والذي برع في الفلسفة والأدب والدراسات التلمودية, وهو من أبرز المفكرين اليهود في العصور الوسطى, وقد غادر الاندلس إلى مصر حيث أضحى عميد الجالية اليهودية هناك, كما أضحى الطبيب الخاص لصلاح الدين الأيوبي .
ومن الأسماء البارزة في الطب والمنطق والفلسفة والشعر إسحق بن فسطر ومُنجم بن الفوال, ومروان بن جناح وأبن باقودة صاحب كتاب " الهداية في فرائض القلوب " , وموسى بن عزرا ويهودا هاليفي الملقب ب " الغزالي العبري ", و إبراهام بن سهل وموسى بن صموئيل.
وبعد سقوط الأندلس, شاركت أسبانيا جاراتها الأوروبيات, في دعوتها اليهود إلى إعتناق المسيحية وكما تنصر مسلمون تنصر يهود, وعُرفوا باسم " يهود المارانو ".
حصل حكام أسبانيا عام 1478 على قرار بابوي رسمي, يقضي بإنشاء محاكم تفتيش مستقلة عن الكنيسة, وخاضعة للعرش مباشرة لملاحقة المتنصرين الجدد من المسلمين واليهود, وأصبحت هذه المحاكم مثلاً في التاريخ, لوسائل التعذيب الجهنمية, وبإعتلاء "فرديناند" و"إيزابيلا" العرش عام 1479م. تم إخراج المسلمين نهائياً من شبه جزيرة إيبيريا, ثم كانت عملية الطرد الجماعي لليهود من أسبانيا عام 1492م, ثم من البرتغال عام 1496م, وكانت النهاية المأساوية لليهود في شبه الجزيرة.
نستطيع القول أن الدولة الاموية في الأندلس, قد قدمت حلاً للمسألة اليهودية, قبل أي دولة أو أي حركة سياسية أو فكرية, فقد تم دمجهم بالكامل في المجتمع ومؤسسات الدولة, دون أي تمييز أو تفرقة بينهم وبين العرب أو المسلمين أو سكان شبه جزيرة إيبيريا.

في باقي أرجاء القارة الأوروبية, حل القمع والإضطهاد وإجراءات الطرد الجماعي, أينما حلت الأقلية الدينية الإقتصادية اليهودية, وأينما وِجد الجيتو, حيث وقع اليهودي بين سنديان الملوك والامراء والإقطاعيين, ومطرقة غضب الفلاحين, وبتحريضٍ واضح من الكنيسة الكاثوليكية, ولكن مع ظهور حركة الإصلاح الديني, التي قادها " مارتن لوثر ", نتج عن هذه الحركة ظهور الطائفة البروتستانتية, بفروعها المختلفة ( اللوثرية, الكالفينية, الأنجليكانية ), في كل من ألمانيا وهولندا وبريطانيا, وبلدان شمال أوروبا, ومن المعلوم أن هذه الحركة أسقطت إحتكار الكنيسة لتفسير الكتاب المقدس, وترجمته إلى لغات أخرى, ونظر قادة الإصلاح إلى العهد القديم على وجه الخصوص, على انه كلام الله المعصوم من الخطأ, ونشا داخل هذه الحركة تيارات تعيد القدسية, إلى أنبياء العهد القديم وبالتالي إعادة التقدير لليهود بشكلٍ عام, وبدا التسامح الديني في بلدان شمال أوروبا خاصةً في ألمانيا وهولندا, ترافق ذلك مع متغيرات دولية وإجتماعية عدة, منها توسع الإمبراطورية العثمانية, ووصولها إلى وسط أوروبا (أبواب فيينا) , والإكتشافات الجغرافية, وبدء الهجرات إلى العالم الجديد, وصراع الكنيسة الكاثوليكية مع الملك هنري الثامن ملك بريطانيا, وإعتناق بريطانيا للمذهب البروتستانتي, ونمو البرجوازيات في قلب النظام الإقطاعي, وبدء تفكك هذا النظام, أدت كل هذه العوامل إلى تعزيز الدعوات لإلغاء إضطهاد الأقليات القومية والدينية, ومن ضمنهم طبعاً اليهود, وقرارات الطرد الصادرة بحقهم, وعرفت مناطق عدة في أوروبا مثل ألمانيا وهولندا والبلدان الخاضعة للإمبراطورية العثمانية, والعالم الجديد تسامحاً دينياً, ومن الطبيعي أن تشكل ملجأً لليهود, من نير إضطهاد البلدان الكاثوليكية,وتركزت هجرة اليهود إلى شمال القارة حيث البروتستانتية, وجنوبها الشرقي حيث الإمبراطورية العثمانية, وإلى العالم الجديد, حيث التسامح الديني, إستقر اليهود المهاجرين إلى ألمانيا في مدينة هامبورغ, حيث أطلقوا عليها إسم " أورشليم الجديدة ", وأطلق المهاجرون إلى أمريكا الشمالية, إسم " أورشليم الجديدة ", على "نيوإنجلند" وعاصمتها "بوسطن", غير ان التفاوت في الازمات الإقتصادية والسياسية وتفكك النظام الإقطاعي, والتفاوت في نمو البرجوازية من بلدٍ لآخر, أدى إلى تفاوت في منح اليهود حقوقهم المدنية, ويذهب المؤرخون عند تناولهم هذا الموضوع إلى تقسيم أوروبا إلى قسمين ( أوروبا الشرقية والغربية ) نظراً إلى التفاوت في منح الحقوق بين شرق القارة وغربها.

أوروبــا الشــرقيــــة
في موجة الطرد الثانية التي عرفت بإسم " الموت الأسود ", وإتهام اليهود بالتسبب بمرض الطاعون, إضطروا إلى النزوح إلى شرق القارة الأوروبية, إلى بولونيا التي كانت بلداً شاسعاً وبحاجة إلى الرأسمال اليهودي, بسبب الدمار الذي لحق بها أثر الغزو المغولي الاخير, وأوضاعها الإجتماعية والطبقية لسكانها, حيث الأغلبية الساحقة في فقر شديد, وأقلية ثرية حاكمة, فاحتلت الأقلية الدينية الإقتصادية اليهودية, مكانة الطبقة الوسطى, ما بين طبقات المجتمع البولوني, وعندما قسمت بولونيا عام 1795م, إضطر معظم اليهود للخضوع تلقائياً للحكم الروسي, وفضل الكثير منهم الهجرة, إلى المقاطعات العثمانية القريبة التي تعرف الآن بإسم رومانيا وهنغاريا.
تعرض اليهود في روسيا لإضطهاد أشد من الإضطهاد الذي لاقوه على أيدي رجال الدين البولونيين, والملاحقات الدائمه لهم لإعتناق المسيحية, ففي عام 1836م بدا وكان روسيا إكتشفت فجأة, أن التلمود أساس البلاء, كما عادت إلى الواجهة تهمة دم المسيح, ولم يسمح لهم بالإقامة إلا في مدن محددة, ومنعوا من التوغل داخل روسيا, وسمح لهم بالإقامة في المناطق المحاذية للحدود الغربية, حتى يسهل طردهم في أي لحظة.
إختلف القياصرة الروس في تعاملهم مع اليهود, فمن الكسندر الأول الذي سمح لأولادهم بدخول المدارس, والعمل بالزراعة في المناطق النائية, إلى الكسندر الثاني الذي ألغى بعض القوانين الجائرة بحقهم, ولكن مقتل الكسندر الثاني وتورط فتاة يهودية, مع الجماعة التي قامت بقتله كان السبب لإصدار الكسندر الثالث قوانين مايو الشهيرة, ومنها حرمان اليهود من إقامة أي مستوطنة, حتى في المناطق النائية, والإستيلاء على بيوتهم لأتفه الأسباب, وإضطهاد الشرطه لهم لأتفه الأسباب, والأشد من هذا كله, هو إنتقام الروس البسطاء منهم ثأراً للقيصر الطيب, وإنتشرت أعمال العنف والإضطهاد والمذابح ضدهم, مما أدى إلى هجرة جماعية كبرى, بدات عام 1881م باتجاه الولايات المتحدة الامريكية, وفلسطين وتوقفت عام 1884م بعد توقف المذابح, لتعود من جديد بعد عشرين عاماً, أثر إندلاع الحرب الروسية اليابانية عام 1904م, وقد أدت المجاعة التي سبقت الحرب, والاوضاع الاجتماعية والإقتصادية التي رافقته,ا إلى موجة عنف ثانية تجاه اليهود, وإلى هجرة جماعية ثانية.
ولما قامت الثورة البلشفية في روسيا عام 1917م, كانت أبرز وأهم أهدافها بل هدفها الأساسي, هو رفـع إستغـلال الإنسـان لأخيـه الإنسـان, لا في روسيا وحدها بل جميع أرجاء الأرض, وبثورة أكتوبر إنتهى عهد الجيتو, وإضطهاد اليهود والأقليات الأخرى في روسيا وإلى الأبد.

أوروبـــا الغربـيــــة
شهد تاريخ اليهود في أوروبا, في نهاية القرن الثامن عشر, حدثين كبيرين, هما تقسيم بولونيا والثورة الفرنسية, كانا حدثين بارزين في التاريخ الاوروبي عامة, واليهودي خاصة, ومتناقضين في آنٍ واحد, نتج عن تقسيم بولونيا تعرض اليهود. للمزيد من الإضطهاد في أوروبا الشرقية, أما الحدث الثاني في أوروبا الغربية, وهو قيام الثورة الفرنسية, وإنهيار النظام الإقطاعي, فقد نجم عنه, رفع نير الإضطهاد عن اليهود, قانونياً وإجتماعياً وسياسياً, وتتحقق المساواة بينهم وبين المواطنين الفرنسيين, وفتح الطريق أما مساواتهم مع الشعوب الأوروبية الأخرى, في بلدان أوروبا الغربية.
منحت فرنسا اليهود حقوقهم المدنية كاملة, عام 1791م كغيرهم من المواطنين الفرنسيين وأصبح يهود فرنسا البالغ عددهم حينذاك 40,000 يهودي, أول يهود (بعد يهود هولندا) يتمتعون بالمساواة الكاملة, في أوروبا منذ سقوط الاندلس.
جمع نابليون بونابرت عام 1807م مجمع " السنهدرين" ( المجلس اليهودي الذي كان يصدر القوانين قديماً وإنتهى على يد الرومان في القرن الثاني الميلادي), وطلب منه إلغاء حق السلطة الدينية, وإعتبارها من مخلفات الماضي الذي لن يعود, وعلى اليهود التخلي عن وطنيتهم اليهودية, وعن حلمهم باسترداد فلسطين ( وهو موقف يناقض موقفه إثناء الحملة الفرنسية على مصر وفلسطين ), ووافق السنهدرين على ذلك, وأعلن أن شريعة موسى لا تتعدى إطار الطقوس والشعائر الدينية, وبالتالي فإن اليهود الفرنسيين لا يؤلفون شعباً, ويتخلون نهائياً عن حلمهم بالعودة للأرض المقدسة.
في عام 1830م أقرت فرنسا المساواة الكاملة بين جميع الأديان والطوائف .
بإستثناء فرنسا وهولندا, شهد القرن التاسع عشر موجات من المد والجزر, بالنسبة لأوضاع اليهود القانونية, فالبلدان التي خضعت لفرنسا عسكرياً, إضطرت لمنحهم حقوقهم, ولكنها تراجعت عن ذلك بعد غنسحاب فرنسا .
في إيطاليا بدأ اليهود التمتع, بالحرية والمشاركة في أغلب مناحي الحياة الإجتماعية والثقافية والفنية, ومنذ عام 1859م, أخذت المدن الإيطالية تمنحهم المساواة القانونية, الواحدة تلو الأخرى, حتى منحوا المساواة الكاملة مع الوحدة الإيطالية عام 1870م.
كانت هولندا أول بلد يعامل اليهود بالحسنى, لكونها بلداً بروتستانتياً منافساً لأسبانيا الكاثوليكية, ففي عام 1579م صدر إعلان من المقاطعات, بعدم إضطهاد أي كان بسبب معتقده الديني, كما تم الإتفاق عام 1615م على ان السلطات المحلية, في كل مقاطعه أن تقرر قبول اليهود أو رفضهم, بدون تدخل السلطات المركزية, وارتفع شعار لا جيتو والسبت يوم محترم, وأخذت هولندا منذ سنة 1657م تعتبر اليهود كالهولنديين, ولما إنفصلت بلجيكا عن هولندا عام 1830م, أبقت على حريات اليهود.
كانت بريطانيا أول بلداً أوروبياً يطرد اليهود من أراضيه, عام 1290م وآخر بلد يسمح بعودتهم قانونياً عام1656م, وإذا كان تطور اوضاع اليهود في بريطانيا بطيئا, فذلك يعود إلى عقلية الإنجليز المحافظة, وإلى وجود عدد من الأقليات المضطهدة مثل اليهود, كالروم الكاثوليك مثلاً.
منحت ألمانيا اليهود الحق في الإنتخابات البلدية عام 1812م, ومنحتهم حقوقهم كاملة عام 1871م, مع توحيد المانيا .
رفعت النمسا القيود عن اليهود عام 1849م, وسويسرا واليونان والسويد والدينمارك في تلك الفترة .
لم ينتهِ القرن التاسع عشر, حتى كان اليهود قد حصلوا على جميع حقوقهم, القانونية والمدنية في جميع أرجاء القارة الأوروبية, بإستثناء روسيا القيصرية عام 1917م, بانتصار الثورة البلشفية, والبرتغال عام 1910م, وأسبانيا عام 1919م.
من قراءة موضوعية لتطور الاوضاع القانونية والمدنية لليهود في أوروبا, نرى أن اليهود لم تكن حياتهم سلسلة من الإضطهاد, كما تصور الصهيونية, ويجدر التفرقة بين مرحلتين لتاريخ اليهود في أوروربا.
المرحلة الاولى مرحلة إضطهاد وتهجير, ولم يكن اليهود وحدهم ضحاياها, بل شاركتهم أيضاً الأقليات القومية, مثل الغجر والأقليات الدينية مثل المسلمين بعد سقوط الأندلس, والبروتستانت في فرنسا, والكاثوليك في إنجلترا, فالنظام الإقطاعي إمتزج بالتعصب الديني, الذي إستغله الإقطاعيون في الصراعات الإجتماعية .
ومرحلة ما بعد الثورة الفرنسية, التي شكلت الإنعطاف الحاسم في إنهيار الإقطاعية, وإنتصار الرأسمالية على الصعيد الاوروبي العام, ودشنت سيادة الرأسمالية السياسية, بالإضافة إلى سيادتها الإقتصادية, فبإنتصار الثورة البرجوازية تحطمت جدران الجيتو في اوروبا, وفتح الباب على مصراعيه, لإندماج اليهود في المجتمعات التي عاشوا بين ظهرانيها, وإذا كانت الثورات البرجوازية, قد أعربت عن نمو القوميات, وتبلورها في حدودها الإقليمية, فإنها بدأت بعملية إكساب اليهود مميزات القومية التي يندمجون بها.
وعلى الرغم من ان يهود هولندا, قد حصلوا على حقوقهم قبل يهود فرنسا, إلا أننا نستطيع أن نزعم, أن الثورة البرجوازية الفرنسية, شكلت نقطة البداية لعملية إنعتاق اليهود, وإندماجهم في شعوبهم, وذلك لسببين.
1. الحروب النابليونية وبالرغم من طابعها التوسعي, إلا إنها نقلت مباديء الثورة البرجوازية الديمقراطية, إلى أرجاء أوروبا التي وصلتها الجيوش الفرنسية.
2. نابليون نفسه حسم مسألة إنعتاق وإندماج اليهود, بعقد مجلس السنهدرين, وأستصدار قرارات منه, تجعل من يهود فرنسا فرنسيين, وتلغي سلطة رجال الدين على اليهود, وقد علق المؤرخ هاورد مورلي, في كتابه مسيرة التاريخ اليهودي المعاصر, على إجتماع السنهدرين هذا " السنهدرين كان مخلصاً بلا شك حين أكد أن اليهود داروا ظهورهم على فكرة وجودهم كأمة ".
وإذا كانت الثورة الفرنسية, قد قد شكلت منعطفاً تاريخياً هاما, في تاريخ اليهود, فإن الثورة البلشفية, قد بينت العلاقة الجدلية, بين إنحسار الإضطهاد, وإنتشار مباديء الحرية والعدالة والمساواة, حيث إنحسر إضطهاد الأقليات الدينية والعرقية نهائيا, بعد إنتصار الثورة البلشفية في دولة هذه الثورة.
إن العلاقات المتشابكة, بين الأزمات السياسية والإقتصادية, داخل البلد الواحد من جهة, وبين الحقوق المعطاة لليهود, أو المرفوعه عنهم من جهة أخرى, يؤكد زيف المقولة الصهيونية أن اليهود قومٌ مضطهدون لمجرد أنهم يهود أو ساميين.
ولكن بتحطيم الجيتو المادي, هل تحطم الجيتو الفكري؟ وهل تخلى اليهود عن إرث حياة الإنغلاق والإنعزال؟.... إن إنجازات الثورات البرجوازية في أوروبا, وثورة أكتوبر البلشفية, كان لا بد أن يرافقها ثورة يهودية تنويرية, لإكمال عملية إنعتاق اليهود, وإندماجهم بشعوبهم.
وهذا مبحثنا القادم

مراجع المبحث الرابع
1. الموسوعة اليهودية ..........................عبد الوهاب المسيري
2. جذور القضية الفلسطينية ....................إميل توما
3. إطلالة على القضية الفلسطينية .............عبد المجيد حمدان
4. فلسطين.القضية.الشعب.الحضارة........ ..بيـــان الحـــوت



#خالد_أبو_شرخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دولة القانون بدون قانون
- الصهيونية (3) .. الدين اليهودي
- الصهيونية (2) .. الجيتو
- صخب هاديء مع يعقوب إبراهامي
- الصهيونية (1)..نشوء المسألة اليهودية
- من الذي تغير؟,, نحن أم الصهيونية؟
- مرة أخرى مع مُنظر اليسار الصهيوني
- يعقوب ابراهامي واليسار الصهيوني
- الفضائية الحلم ... الفضائية الطموح
- هل للقدس مكانة في العهد القديم
- الإنتفاضة الفلسطينية وإجابات الماضي على تساؤلات الحاضر
- العهد القديم..ممنوع لمن هم دون ال18عاما..
- التوراة وفلسطين والدولة اليهودية(5) إكمال الحبكة
- التوراة وفلسطين والدولة اليهودية (4) الرب يطلق الوعد
- التوراة وفلسطين والدولة اليهودية (3) التمهيد للوعد
- التوراة وفلسطين والدولة اليهودية (ج2) لماذا فلسطين تحددا
- التوراة وفلسطين والدولة اليهودية


المزيد.....




- ما هي صفقة الصواريخ التي أرسلتها أمريكا لأوكرانيا سرا بعد أش ...
- الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة -تلبية لن ...
- واشنطن تستأنف مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بعد شهور من التوق ...
- شهداء بقصف إسرائيلي 3 منازل في رفح واحتدام المعارك وسط غزة
- إعلام إسرائيلي: مجلسا الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفق ...
- روسيا تعلن عن اتفاق مع أوكرانيا لتبادل أطفال
- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد أبو شرخ - الصهيونية (4) .. الإضطهاد والمساواة