أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد زكريا السقال - الموت وصناعة الشمس














المزيد.....

الموت وصناعة الشمس


محمد زكريا السقال

الحوار المتمدن-العدد: 3404 - 2011 / 6 / 22 - 17:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


توفيت فادية شاليش*، هناك في باريس وقبيل الساعة الثانية عشر ليلاً لفظت أنفاسها وهي تجيل عينيها بالمكان: لم تكن الشرفة تطل على قاسيون، ولاعلى مشارف دمشق. كان ليل باريس على اضوائه شاحبا ثقيلا، وكانت فادية تموت مرتين، موت في الغربة موحش وتراجيدي، وموت آخر اسمه العجز والوهن منعها من ان تخرج بمظاهرة من مظاهرات الحرية التي تضج بها شوارع سوريا. قيل في لحظتها الأخيره ظللت وجهها ابتسامة واثقة بالأمل القادم، قيل، رحلت وقلبها يخفق للشباب والشابات في ساحات سورية، قيل، بأن وجهها رغم الألم، كان مفعماً بالأمل. قيل، تمنت وأغلقت عينيها ورحلت.
كم هو مأساوي أن يموت المرء دون الفكرة التي نذر نفسه لأجلها، وكم هو مر أن تأتي اللحظة الكبيرة الجميلة لهذه الفكرة وأنت غائب بين دهاليز وممرات المشافي لا تقوى على حراك أو صراخ. كم مؤلم هذا الأنين والحشرجات التي تعاورت فادية، وكم كانت الشراشف سوداء على بياضها.
فادية شاليش المعيدة في كلية الهندسة، دخلت المعتقل بأواسط الثمانينيات من أجل الحرية والعدالة، هي والكثير الكثير من صبايا حزب العمل الشيوعي في سوريا. هناك بالسجن كان للحرية طعم ونكهة خاصة. الحرية حالة اشتهاء دائم، وأنت محاط بالجلاد والجدران وهذا الفضاء الضيق. لها ميزتها وحرارتها واتساعها عكس ضيق المكان ونكده. فهي لا تخلو من نزوع شره مترع بالشوق والعشق. عشق لفضاء رحب وسهول وجبال. عشق لمدى لا تجاوره حدود ولا أبواب بقضبان حديدية. هناك في السجن تتحول الأشياء وتتجسد في متخيل جميل. ترسم كل القضايا على أنها رغبة ومطلب، من التنفس ورؤية الشمس، للحمام وترك الجسد لثرثراته تحت الماء، للحلم وهو منطلق لا يحده حد، والبوح الذي يكسر جدران السجن ويتسرب حبا وحكايا عما صار وعم يجول وعما يرسم.
تقول إحداهن، فادية كانت أكثرنا طفولة وبراءة. تعقب ثانية، فادية منذورة للحب. تتبصر أخرى، فادية سيقتلها حبها للشمس والحرية. صبايا كثر وكل واحدة منهن لها حكاية مع فادية ، كما أن فادية تخبئ لدى كل واحدة زهرة وسر ووردة وهمسة وضحكة ودمعة. كم كان الدمع كثيرا تقول هند، وتسترسل مع ذلك لا يلبث إلا أن يتلاشى عندما نتجمع ونحلم ونرسم في مخيلاتنا أشياءنا التي نحرص على شدها بالقلب لننجزها في الشمس.
الشمس الشمس ما سر الشمس ولماذا هذه الوجوه الحالمة والضفائر التي تلبدت وراء الزنازين تحلم بالشمس؟ لماذا بقيت الشمس دائما صورة لوطن كبير ومتسع؟

يجمع الكل وفادية منهن أن الشمس سرقت وجفت كما جف بردى وانحسرت الغوطة التي كانت ملجأ احلامنا وتشابك أيدينا. الغوطة التي كلما خلعت ثوبها انبلج سحر من ثمر وورود. الغوطة اليوم عجوز ترتدي الأسمنت والحجر.
من سرق الشمس؟
ومن سرق الغوطة؟
من أوحل بردى؟
يقول الجميع، فقدان الإحساس ويتم العقل
وتقول فادية، غياب وتغييب وترهيب الإنسان، ذاك الحر المتذوق المحب.المنفعل والمتفاعل مع الحرية وعشق الحياة والانسان هو السبب.
كثيرهذا الذي تركته فادية، على جماله، يبقى موتها المأساوي يغلف سر قصة قلب انهكه الحلم وسرق الآخرون علاجه. بين حلم فادية بالشمس والإنسان وموتها المرعب هناك في باريس وصناعة الشمس التي بدأ بها مواطنوها، تبقى قصة فادية وبقايا همسها وحكايتها وحلمها، رواية سورية بامتياز تتحدث عن قهر الانسان ومقاومته الدائمة التي ما وقفت يوما، لكنها اليوم، مفعمة بإرادة تحدي الجلاد والسجان، تسيل دماؤها لكنها مشرقة ومتوهجة كاالشمس التي تريدها فادية.
سلام عليك يا فادية، نامي قريرة العين، لن ننساك ولن نغفر لهم ما جنوه بك وبنا وبالوطن.
محمد زكريا السقال
برلين 22/06/2011



#محمد_زكريا_السقال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيناك ومصر قصيدة لم تكتب بعد .!
- رقصة في الزمن الصعب
- يصر النظام على إسقاطه
- حقاً، على النظام في هذه المرة أن يخاف
- البوعزيزي والأعذار الواهية !
- اللوحة مرسومة بالدم والعبث والهرطقة
- هنا نحن وجها لوجه ؟
- الثورة لحظة تاريخية، الوردة هنا
- وحدة وطنية لدولة وطنية ديمقراطية علمانية
- أريد وطن
- صباح الخير على الورد اللي فتح في جناين مصر
- قصيدة سيدي بو زيد
- أفكار وتونس تنتفض
- للذين خرجوا وكل معتقلي الحرية
- فلسطين والحرية
- تحديات الترقيع أم عقلية بناء جديدة
- هرطقة الفتاوى وقرار الأبعاد الفضيحة
- أنتظرك وأكظ على الأسنان
- الواقعية التي أوقعتني
- ,وصية صديقي حمار غزة ،


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد زكريا السقال - الموت وصناعة الشمس