أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - تحفات القاضي المصري والبحث التاريخي















المزيد.....

تحفات القاضي المصري والبحث التاريخي


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 3354 - 2011 / 5 / 3 - 14:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


التطهير العرقي في فلسطين ـ إيلان بابه (3ـ3 )

تحفظات القاضي المصري نبيل العربي أكدها البحث التاريخي

إذا جاز للقاضي والمحقق الدولي غولدستون أن يستدرك ويقول " لو كنت أعرف".فإنه لحق لنا أن نستدرك في وقفة مراجعة لانتهاكات ومناورات حرفت القضية الفلسطينية في مجرى الكوارث. انطوت علاقة المنظمة الدولية بالقضية الفلسطينية على مناورات أقصتها عن عدالة القانون الدولي الإنساني . كشف النقاب عن تحفظات سجلها القاضي بالمحكمة الدولية ، الذي تسلم مؤخرا حقيبة الخارجية في حكومة الثورة المصرية، في محضر قرار محكمة العدل الدولية بشأن جدار العزل والضم. تحفظات تستدرك انتهاكات هي في نظر القانون الدولي، أهم وأكثر مصداقية واحتراما في محراب العدالة الدولية من استدراك القاضي الصهيوني. هذه التحفظات ذات أبعاد انتزع لها المؤرخ إيلان بابه من الأراشيف المخفية، وقائع وأسانيد، منها أخبار مفصلة عن مجازر التطهير الدموية، ومنها شواهد انتهاك بنود قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، رقم181.
ركز القاضي نبيل العربي في تحفظه على انتهاكات خطيرة للعدالة الدولية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية تمثلت ، أولا في كون القضية الفلسطينية منذ بدايتها لم تُراعَ فيها الجوانب القانونية، ولم يقم أي جهاز من أجهزة الأمم المتحدة بطلب رأي من محكمة العدل الدولية لتوضيح الجوانب القانونية المعقدة الداخلة في اختصاص أجهزة الأمم المتحدة المختلفة قبل اتخاذ قرارات تتعلق بالقضية. وثانيا، أنه اتخذت بالــــفعل قرارات ترتبت عليها نتائج بعيدة المدى لأسباب سياسية، من دون أي اعتبار لسلامتها من الناحية القانونية. وثالثا، أنه حتى عندما كانت تتخذ القرارات فإن إرادة متابعة تنفيذها "سرعان ما كانت تذهب أدراج الرياح".
من جهة ثانية ، ودون علم بالتحفظات قدم المؤرخ إيلان بابه تفاصيل تدعم تحفظ القاضي العربي. تتبع الباحث المؤرخ مخالفات بنود أساس من القرار الدولي "تتعهد بموجبه الأمم المتحدة بأن تمنع أية محاولة لأي من الطرفين لمصادرة أراضي تعود ملكيتها إلى مواطني الدولة الأخرى ، أو قومية أخرى ، سواء كانت الأرض مزروعة أو غير مزروعة"[138]. وسجل المؤرخ على وكالات الأمم المتحدة تخليها عن تعهداتها، إذ أطلقت يد إسرائيل في أراضي الفلسطينيين. ومن البنود الأخرى المغفلة "بموجب قرار التقسيم أيضا كان ينبغي للأمم المتحدة أن "تكون حاضرة على الأرض لتشرف على تنفيذ خطتها للسلام، أي جعل فلسطين بأكملها بلدا مستقلا يشتمل على دولتين متميزتين تجمعهما وحدة اقتصادية". جرت ترجمة "الإشراف على تنفيذ خطة السلام" ـ إلى خطة توليد حروب متعاقبة موصولة الحلقات .
تطرق المؤرخ الباحث إلى وقائع أملتها اعتبارات منبتة الصلة بالعدالة الدولية شكلت جرائم بموجب القانون الدولي الإنساني، حرفت مجرى التاريخ الفلسطيني الحديث باتجاه الكوارث والنكبات . أخفيت تحفظات القاضي نبيل العربي داخل أراشيف مقيدة في دهاليز سياسة التفريط وخيانة المصالح الوطنية والقومية للنظام المنهار. ذكّر الخبير الفلسطيني في القانون الدولي، الدكتور أنيس مصطفى القاسم، بذلك التحفظ الهام ، وتمنى على الوزير المصري تفعيله والبناء عليه، وذلك في مقالة نشرها بجريد "القدس العربي" في السادس من إبريل الجاري، مبينا أن كل ما صدر عن القضية الفلسطينية، باستثناء فتوى المحكمة، لم يستند إلى القانون الدولي؛ إنما إلى المناورات السياسية والابتزاز، أو إلى مفاوضات جرت طبقا لتوازن قوى مختل لصالح إسرائيل.

كانت عصبة التحرر الوطني في فلسطين، وقبل أن تصدر الجمعية العامة قرارها 181، قد انتقدت دعاية القيادة القومية الفلسطينية حول استحالة التعايش مع اليهود لأن ما يترتب منطقيا على ذلك هو تقسيم فلسطين؛ ورفعت بالمقابل شعار الدولة الديمقراطية ثنائية القومية. وأشار البروفيسور بابه إلى طلب " عدد من القادة الفلسطينيين آنذاك بعرض الحل على محكمة العدل الدولية التي أسست عام 1946 لاختبار شرعيته، لكن ذلك لم يحدث" [44].
إذن حان الوقت لفتح جبهة القانون الدولة وإعادة الاعتبار له بعد متاهة طويلة في فضاء المناورات السياسية العبثية والعقيمة.
أبرز المؤرخ بابه ثروة نفيسة موثقة من وقائع عيانية دعمت الأبعاد الثلاثة لتحفظ القاضي نبيل العربي. غرف بابه من الأراشيف وقائع تمرد بن غوريون على قرار التقسيم تحت سمع وبصر ممثلي الأمم المتحدة . " وفي الهيئة الخاصة التي كان( بن غوريون) يستشيرها في الشئون الأمنية (لجنة الدفاع) لم يكن يعير قرار التقسيم أي أهمية "[47]. دخل الباحث في عقل القيادة الصهيونية وامسك بآلية تفكيرها استنادا لمجمل أهدافها الاستراتيجية. فما لم يغب عن أذهان القيادة الصهيونية " أن الميزان الديمغرافي المتكافئ تقريبا داخل الدولة المخصصة لليهود كان من شأنه لو ترجمت الخريطة على أرض الواقع أن يشكل كابوسا سياسيا للقيادة الصهيونية ، وأن يحول دون تحقيق الصهيونية أهدافها الرئيسة... وكان بن غوريون هو من قاد زملاءه إلى قبول قرار التقسيم، وفي نفس الوقت إلى تجاهله" [45]. هدية مجانية تلقفها الكيد الصهيوني من رفض العرب لقرار التقسيم دون امتلاك قوة كافية تكبح انجراف الأحداث مع الرياح الغالبة؛ بل يمكن القول أن قرار الأمم المتحدة، وبوحي التآمر، انطوى على ظلم فادح للطرف الفلسطيني وتحيز لطرف لم يملك سوى ستة بالمائة من أرض فلسطين يمنحه أكثر من نصف أراضي البلاد، فاستدرج الطرف الفلسطيني للوقوع في مطب رفض القرار. تعسف لا يمكن تبرئة الأمم المتحدة من الشطط فيه لهدف أنجزته التداعيات اللاحقة. انطوت الإيديولوجية الصهيونية على أفكار مضمرة للتعامل مع العرب الفلسطينيين، وتداول قادة الحركة في مراحل مختلفة تصوراتهم لطرد العرب من فلسطين، وكانت " النهاية الوشيكة للانتداب البريطاني والرفض العربي لقرار التقسيم والإدراك الحاد لبن غوريون لما يحتاج إليه من مساحة فلسطين كي تكون الدولة اليهودية قابلة للحياة ، كل ذلك ساعد في ترجمة إيديولوجيات الماضي والسيناريوهات الضبابية إلى خطة رئيسية محددة"[51]. ليس بمقدور إسرائيل التستر على حقيقة التخطيط المسبق للتهجير، والدلائل عديدة يستحيل تفنيدها ، وأوضحها بيانا الشروع في ثلاثينات القرن الماضي في إعداد ما عرف بملفات القرى. فقد عهد إلى الصندوق القومي اليهودي مهمة إعداد سجل ديموغرافي حوى معلومات مفصلة ودقيقة عن قرى فلسطين مع دراسات اجتماعية لطبيعة كل قرية.." [26].

و بنزاهة الباحث الموضوعي عن الحقيقة أكد بابه كان "أشد جوانب القرار 181 لا أخلاقية يتمثل في كونه لم يتضمن آلية لحماية الفلسطينيين "[44]. ثم تساءل: " لماذا لم تبحث الأمم المتحدة قط في مسألة الوضع القانوني لإسرائيل في المناطق المخصصة للدولة العربية عندما أظهر المجتمع الدولي لفترة وجيزة اهتماما بمصير فلسطين بعد الانتداب وبمصير سكانها الأصليين؟ وإلى أن قبلت إسرائيل عضوا بالأمم المتحدة عام 1949 تراوح وصف هذه المناطق بين "مدارة" و"محتلة" . وفي أيار 1949 اختفت الفوارق جميعها ، مع القرى والحقول والبيوت ، وتلاشت كلها في دولة إسرائيل اليهودية" [203].

تلاحقت منذ تسعينات القرن الماضي حقائق التاريخ القديم ووقائعه ، كشف عنها مؤرخون ثقاة من شانها أن تسند روايتنا وتمنحها المصداقية ، وتفضح في ذات الوقت منطويات الرواية المضادة من سرابية فتوحات يشوع الدموية، وتلفيقات الاستشراق وفبركات لاهوتية مستوحاة من مخططات الكولنيالية المعاصرة، تمت فبركتها في سياق صناعة الموافقة على برامج البدوات القرصنية في المنطقة العربية. هتكت التنقيبات الأثرية وأبحاث التاريخ القديم الحجب عن تناقض وقائع أسفار التوراة مع جغرافيا فلسطين وسفهت نظرية العرق المتميز الممتد في عروق التاريخ. كما تجمعت الشواهد تقطع بأن مرتكبي جرائم التطهير في فلسطين منبتو الصلة بسكان فلسطين القديمة، وأنهم مجموعة كولنيالية لها نظائر انفرط عقدها وانفض سامرها في مناطق أخرى، وما من حق يخولها وراثة في أرض فلسطين. مستندات ووثائق تغني ثقافتنا الوطنية وتعزز موقفنا على جبهة الصراع الفكري والثقافي والسياسي ما زالت احتياطا مجمدا.
ووثائق أخرى كشف عنها المؤرخ الجسور، إيلان بابه، تطعن في مواقف المنظمة الدولية، وتدينها ب "جريمة التخلي بعد 15 أيار عن الشعب الذي قررت تقسيم أرضه وسلمت أرواحه وأرزاقه إلى اليهود ، الذين كانوا منذ القرن التاسع عشر يريدون اقتلاعه والحلول مكانه في البلد الذي اعتقدوا أنه ملك لهم". اجل تخلت الأمم المتحدة ومبعوثوها إلى المنطقة عن مهماتها وتركت لثعالب المناورات الصهيونية وأنصارها حراسة قن الدجاج . " ولولا الضغط الفعال جدا ، الذي مارسه اللوبي الصهيوني على الرئيس هاري ترومان لكان مجرى تاريخ فلسطين اتخذ وجهة أخرى. وبدلا من ذلك تعلمت قطاعات من الجالية اليهودية الأميركية درسا مهما فيما يتعلق بقدرتها على التأثير في السياسة الأميركية تجاه فلسطين ... تجاوز خبراء الخارجية المختصون بالعالم العربي، وأصبحت السياسة الأميركية الشرق أوسطية في يد الكونغرس والبيت الأبيض ، حيث للصهيونيين النفوذ الأكبر [235].
وتواطأت دولة الانتداب أيضا. استخدمت حقها القانوني في منع إسرائيل، من احتلال ضاحية الشيخ جراح بالقدس وتدميرها ثم قصرت حيال المواقع الأخرى وصمتت عن أعمال تطهير عرقي جرت تحت سمع وبصر جنودها وموظفيها .. كما أعاقت جهود الأمم المتحدة للتدخل بطريقة كان من الممكن أن تؤدي إلى إنقاذ كثيرين من الفلسطينيين . من اللافت جدا أن البريطانيين "أعلنوا بعد أن تم تبني الخطة دالت (التدمير والتطهير) تخليهم عن مسئولية الأمن وحفظ النظام العام في المناطق التي كانت قواتهم لا تزال مرابطة فيها "[137]. كان لديها ـ قوات الانتداب العسكرية ـ "السلطة القانونية، ويمكن للمرء أن يضيف الأخلاقية لفرض القانون العام والنظام فيها .. لكن سلوك الجنود (البريطانيين)، كما اعترف بذلك كثير من الساسة البريطانيين في وقت لاحق ، شكل واحدا من أكثر الفصول مدعاة إلى العار في تاريخ الامبراطورية البريطانية" [105]. وفي 6أيار /مايو 1948، ولم تزل القوات بعد في المنطقة ، فشلت قوات الهاغاناه في قهر مدينة عكا . "جرى تلويث مصدر مياهها المكشوف والواقع على بعد عشرة كيلومترات عن المدينة بجراثيم التيفوئيد. وقد رفع مبعوثو الصليب الأحمر الدولي المحليون تقريرا إلى مركزهم الرئيسي؛ ولم يتركوا أدنى شك فيمن يشتبهون: الهاغاناه"[ 111].

إدمان التفريط يفضي إلى اللعب على المكشوف "تحت بصر مراقبي الأمم المتحدة الذين كانت دورياتهم الجوية تحوم في سماء الجليل بدأت المرحلة النهائية من عملية التطهير العرقي في تشرين أول / أكتوبر 1948، واستمرت حتى صيف 1949 . لم يكن بقدرة أي امرئ أن لا يرى جموع الرجال والنساء والأطفال ، وهم يتدفقون يوميا نحو الشمال. وكانت النساء والأطفال المرهقون العنصر الطاغي في هذه القوافل البشرية ، إذ غاب الشبان بالقتل أو الاعتقال . قلوبهم تحجرت ؛ وإلا كيف نفسر القبول الصامت بمثل هذا الترحيل الجماعي القسري، الذي كان يجري تحت سمعهم وبصرهم ...وظلت الأمم المتحدة تتبنى بلا إبهام لغة أبا إيبان ، مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة ، الذي كان يتحدث عن اللاجئين كأنهم ’مشكلة إنسانية‘ لا يمكن اعتبار أحد مسئولا عنها أو محاسبته عليها [218].
حصيلة ما تقدم أن حسمت حرب التطهير؛ ولكن النتائج لم تتوقف عند هذا الحد ؛ الحرب وما صاحبها من عنف لا رحمة فيه شكل قابلة ولادة الدولة، وجهاز حضاتها وأكسجين تنفسها ، قدمت براعة الصهيونية في التحايل على القانون الدولي وجسارتها في الاستهتار ببنوده، أوراق اعتماد لدخول نادي " العالم الحر". نقل نوعام تشومسكي في كتاب ألفه عام 1983 عن بن غوريون غداة صدور القرار 181 قوله "سوف نقبل بحدود الدولة كما ستحدد الآن ؛ ولكن حدود الآمال الصهيونية هي شأن الشعب اليهودي، ولن يستطيع أي عامل خارجي الحد منها" . وبعد الاستيلاء على سيناء عام 1956 أعلن بن غوريون قيام مملكة إسرائيل الثالثة. وكذلك ميناحيم بيغن أعلن لدى صدور قرار التقسيم، " إن تجزئة الوطن شيء غير شرعي لن نعترف به أبدا ، والتوقيع على التقسيم باطل ولن يفيد الشعب اليهودي. القدس كانت وستظل عاصمتنا إلى الأبد ، وسوف تعود أراضي إسرائيل إلى شعب إسرائيل برمتها وإلى الأبد (نقله كيث وايتلام 183). لم تتصرف القوى المتسيدة ل" المجتمع الدولي" محكمة عدل أو لجنة خيرية؛ إنما رأت، منذ أواسط القرن التاسع عشر، للدولة المقحمة على الشرق الأوسط وظيفة استراتيجية، يقتضي الاضطلاع بها التنكر للشرعية الدولية كنهج سياسي. لا يراد تعرية حقيقة تشبث حكام إسرائيل بلعب دور مقاول صراعات لصالح مخططات اليمين الأميركي ومن خلفه الاحتكارات عابرة القارات المتطلعة لنهب ثروات المنطقة، ولتحقيق هيمنتها الكونية! ولا يراد كشف جوهر العلاقة بين الليكود الإسرائيلي وبين اليمين الأميركي الجديد! لكن فاشية العنصرية والتوحش الرأسمالي مندمجان في كيان عضوي متشابك الأعصاب ومراكز التقرير والتنفيذ .
اتسع نطاق المساندة الأميركية للكيان الوليد ليشمل تقديم قوة المثال الملهمة. فالاستيطان اليهودي في فلسطين قلد خطوات استيطان البيض في المناطق الغربية من الولايات المتحدة. كانت حكومة الولايات المتحدة تقدم للمستوطن الأبيض الدعم المادي ليبدأ نشاطه بنجاح، بينما أبقت السكان الأصليين محاصرين في معازل ، في ظروف حياة صعبة ، تقذفهم بالأمراض الفتاكة تارة وتنظم مجازر جماعية على فترات. وفي أنحاء الضفة الفلسطينية يحصل المستوطنون على بيوت مدعومة بأموال الحكومة تخدمها بنى تحتية ومياه وكهرباء ومعفاة من الضرائب. معظم المستوطنين بالضفة يحملون جوازات سفر أميركية. ولو ألزمتهم حكومة الولايات المتحدة بالاختيار بين الضفة أو فقدان جواز السفر فإنهم سوف ينتقلون بسرعة إلى نيويورك. لكن الحكومة الأميركية تظهر عمليا تأييدها لمواصلة الاستيطان، وحكومة إسرائيل تبدو وكانها رهينة بأيدي المستوطنين. ربما يزعج الإدارة الأميركية تفتح العيون على ممارسات المستوطنين في الضفة والقدس، ويضايقها أكثر أن الولايات المتحدة، القوة لدولية العظمى ، تخضع للوبي الخاضع لحكومة إسرائيل الخاضعة للمستوطنين!!! والحقيقة أن الجميع يتحرك على المسرح بأيد متحكمة في الخيوط ، تغيبها عمدا وسائل الإعلام ، هي أيدي التجمع الصناعي ـ العسكري، تذكي باستمرار بؤر التوتر وتفتح الأسواق لسلعها.

في غمار الحروب الموصولة تمت عسكرة الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في إسرائيل. جيش إسرائيل هو الأداة الرئيسة للاندماج القومي والانسجام الاجتماعي، إنه " سجادة الهوية القومية ". فلكي يتم الاحتفاظ بالوضع المركزي للجيش في المجتمع، وكذلك حشد الجمهور وحرف انتباهه عن الصراعات الداخلية فقد شحن قادة إسرائيل العقل الجماعي ب" ذهنية الحصار" (الماسادا)، ونفخوا في الروح العسكرية، مفضلين الحروب على السلام. ووظف القادة العسكريون الأسلوب الدموي للغارات العسكرية الانتقامية وغذوا روح الانضباط العسكري ومسرح الحرب وتدبير الاغتيالات المستهدفة لتجريب نماذج الأسلحة الجديدة. اتجه صناع القرار الإسرائيلي نحو الاعتماد الكلي والمنهجي على نزعة القوة.

إسرائيل أقوى عسكريا من الدول العربية مجتمعة. وتزداد موازنتها العسكرية كل عام؛ والولايات المتحدة تنفق على التسلح نسبة 41% من نفقات التسلح في العالم كله. وفي البلدين يتعاظم دور اليمين الديني في الحياة العامة والجهاز التنفيذي والقضائي. في إسرائيل تستشري الفاشية الوالغة في حقوق الناس الأولية ، سواء داخل دولتها أو على الأراضي المحتلة . توحش اليمين الإسرائيلي الحاكم مظهر لتوحش الرأسمالية، وضرورة استراتيجية لمساعي الهيمنة الأميركية، هذا التوحش المثابر على الحروب وتفريخ الصراعات العنفية في أنحاء العالم ونهب جهود العمال وثروات الشعوب.
ومن أوجه التماثل أيضا بين إسرائيل وأميركا حرمان السكان الأصليين من الحقوق السياسية التي تمتع بها المستوطنون الأوروبيون حال إبرارهم على اليابسة الأميركية. تعرض السكان الأصليون في معازلهم لمختلف وسائل الإبادة ؛ ومن تبقى منهم على قيد الحياة حرم من حماية الحقوق السياسية حتى عام 1924.
والشطط يفرض ردة الفعل المضادة . سطوة المستوطنين حفزت جماعات مثقفة إلى النهوض للاضطلاع بالمسئولية. إسرائيل " تتحول إلى دولة على شاكلة جنوب أفريقيا" صدر التقييم عن عشرات من المثقفين وقعوا عريضة طالبت ب "الانتهاء الكامل للاحتلال (الإسرائيلي) كشرط ضروري لتحرير الشعبين" الإسرائيلي والفلسطيني. وحذرت المذكرة من "نهج تعزل فيه إسرائيل نفسها".. كل ذلك بسبب التوهم بأنه يمكن الحفاظ على الكولونيالية والتي هي عنصرية وغير ديمقراطية في أساسها وتتناقض مع إعلان الاستقلال".
ولعل شخصية مطلعة مثل أبراهام بورغ، جلس على كرسي رئاسة الكنيست، وشغل منصب رئيس الوكالة اليهودية، ينطوي على مصداقية تأكيده أن المادة اللاصقة، الدبق ، التي توحد المجتمع الإسرائيلي، هي الحرب. ويتساءل : كم مرة قلنا لأنفسنا من حسن حظنا أنه يوجد عرب، لأنه بدونهم لكان الواحد منا قد افترس الآخر منذ وقت طويل. كم مرة فكرنا أنه لو كان أعداؤنا ’يملكون العقل ‘ لألقوا أسلحتهم وطبعوا سيوفهم سككا ورماحهم مناجل ، وانتظروا بصبر ؟‘"
يستحق أبراهام بورغ ليس فقط الإصغاء إلى ندائه " حان الوقت لإجراء نقاش حقيقي ولاذع بشأن ما هي هذه الدولة وما هي أمراضها ما هي أساساتها المتورمة وماذا يمكن أن تكون مصادرها للشفاء والمساعدة". يتشكل داخل إسرائيل تيار يمكن التعاون معه في النضال من أجل السلام العادل.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع رواية - قمر في الظهيرة- لبشرى أبو شرار:بشرى تستشرف ثورة ا ...
- من سيقرر مصائر الثورات العربية
- مع كتاب إيلان بابه التطهير العرقي في فلسطين 2
- التطهير العرقي في فلسطين / إيلان بابه (الحلقة الأولى)
- لموطن الأصلي للتوراة 3
- ردة غولدستون
- الموطن الأصلي للتوراة(2من)3
- الموطن الأصلي للتوراة
- مع شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي
- يسفهون الرواية الصهيونية
- مع البروفيسور شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي حلقة ...
- كيث واينلام في كتابه اختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ ال ...
- أعمدة سرابية لهيكل الأبارتهايد
- تتهتكت الأقنعة
- مصر القاطرة
- كشف المستور أم قناع للزيف؟
- هل هي حكومة حرب في إسرائيل؟
- جوليان أسانج وقانون التجسس ومأساة الزوجين روزنبرغ
- ويكيليكس وحرية العبور الإعلامي
- بين حجب الحقائق وهدر العقل الجماعي


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - تحفات القاضي المصري والبحث التاريخي