أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عباس الظاهر - الشيء...!!















المزيد.....

الشيء...!!


طالب عباس الظاهر

الحوار المتمدن-العدد: 3345 - 2011 / 4 / 23 - 11:11
المحور: الادب والفن
    


الشـيء...!!
قصة قصيرة
طالب عباس الظاهر
شهور أشبه بحقب للمأساة، مرّت على مكوثه وحيداً في هذا البيت القديم المتهالك، فقد أضحى شبه مهجوراً من بعد رحيلهما عنه، أقصد زوجته وأبنه الوحيد ذي العشر سنين فقط، ومن ثم تركهما له في خضم هذا الفراغ المخيف الصارخ بألف ألف صوت مرعب في كيانه، وتراكم غبار الإهمال على أشيائه، والأتربة في ممراته، وتدلّي نسيج بيوت العناكب من زوايا سقوفه، وتعالي أنين الريح الموحشة بين جنباته المتداعية، وبهذا القلق المستطيل من دون نهاية، عبر زحف مسيرة الزمن القاتل، فألقى الفراق بظلاله القاتمة على أدق حيثيات حياته، حتى على أصائص الورد الذابل، وأنثى طائر الحسون مرضت ثم ماتت نتيجة الإهمال، ومن ثم أعياه الاعتناء به وإطعامه، فقرر أن يطلق لجناحيه العنان، بعدما ترك له باب القفص مفتوحاً...لم يعد يحسّ بأي طعم للأشياء بعدهما، ولا لون، ولا رائحة.
هو يدرك بأن هذي الوحدة لها آثار وخيمة، خاصة إذا ما ظل بهذا الشكل يمعن في خيالاته الجامحة، مستحلباً برودة الذكرى كي تمنحه بعض ذبالة من دفء راحل...لكن ما العمل لكسر جمود حياته ورتابتها؟ وهاهو يقبع تحت رحمة نوبات الهياج العاتي للشوق إليهما، وشدة عصرات الحنين الموجع...فكل ذرة في هذا البيت تذكره بهما، وكل نأمة..حتى رائحتهما المألوفة...هاهنا جلسوا وأفطروا.. وهناك تجاذبوا أطراف الحديث...وهنا لعبوا...فرحوا... وحزنوا؛ فيكاد يسمع ضحكاتهما تملأ زوايا البيت المتواضع، فيضجّ الصدى في زوايا روحه المظلمة، وينبثق من مكانٍ ما، من زمن ناءٍ...حي نابض بالدفء، وهو يجتاح دهاليز ذاكرته المنهكة، ويفض فيها أغشية النسيان ...فقد أتعبها الأمل، وأرهقها الانتظار، وراح ينداح رجع أنين بعيد بين طيات هذا الصمت المحيط به من كل جانب، بل ويصرخ به... وهو يتغلغل نحو الأعماق السحيقة من كينونته... طوق حصار محكم يضغط فيه...لا فكاك كما يبدو لحلقاته الفولاذية المحكمة، في المدى المنظور على الأقل، وكلما طرق مسامعه وقع خطى على الأرض آتية من الخارج، أو سمع طرقات نائية على أبواب وشبابيك، تخرق في ذاته برودة السكون؛ تفرّّ روحه فزعة من غفلتها المستطيلة وسباتها العميق...عبر سفرها النائي في مفازات التيه، ويخفق فؤاده المتعطش لوجودهما الأليف...فرحاً...حزناً...قلقاً...ليس يدري...!!
خاصة أثناء الليل الطويل... ووقع خطاه الثقيلة على أديم مشاعره التي باتت مرهفة جداً، حداً يكاد يؤذيها معه مرور النسيم!، وقد أضحى حتى للثواني، والدقائق ثقل الجبال الرواسي، وهياج الرياح العاتية، وغضب الأمواج، وأمسى يتشاءم أيما تشاؤم، ويجتاحه الحزن من قدوم المساء المتكرر يومياً...شيء ما، يولد... يموت ... يصرخ... يتحرك... يسكن...يضمحل...يهيج... يبرد... و... و.......!! مع بدء حلول فصل شتاء جديد لهذه السنة، ولشدّ ما أرقه هجوم ذلك الشيء، أو اجتياح ذلك الخيال المتكرر لسكون وحشته أثناء النهار أو الليل، وكلما أغمض جفونه يشعر به وكأنه يربض فوق صدره، وتشدّ أصابعه بقوة فوق رقبته... وأحياناً يحس به كأنه ريح تمرق من فوقه ... من تحته، وتتساقط الأشياء إلى الأرض، وتصدر صوت مدوي، أيادي مجهولة تحاول فتح الخزانات المقفلة، وتتلاعب بحركة الأبواب والشبابيك، وتحرك مقابضها؛ فتصدر ذلك الصوت المخيف كمواء القطط، أثناء الفتح أو الغلق، وأحيانا تصطفق بقوة دونما سبب معقول غالباً... عواء غريب، أو شبه نباح مخنوق يقتحم وحشته، ويبعثر هواجسه، ويهيج كوامن ظنونه النائية...ظل كائن ممطوط يمرق من خلفه... من جانبيه... من فوقه ... يحرك الستائر رغم حرصه على إغلاق ضلفات الشبابيك بإحكام، وإسدال ستائرها، ومن ثم تأكده من إقفال الأبواب...حركات مريبة تجعلنه ينكمش في زاوية ما...أو ينحسر لكي يحمي نفسه من ذلك العبث المريب بمقدراته، لكن ما يلبث أن يطلق الشيء ضحكات سخريته منه، وقهقهات استهزائه به، في خضم بؤس الحياة التي تحيط به ،حتى بات يعاني الأرق الدائم، وتضاءلت ساعات نومه... بل كادت تتلاشى في خضم قلقه، فالنوم والقلق لا يجتمعان في كيان واحد مهما كان متعباً، وحينما استطالت الأيام، واستمرت معاناته؛ شحب لونه، وغارت عيناه في محجريهما، وشهيته للطعام تضاءلت... بل باتت شبه معدومة في الآونة الأخيرة.
بيد إنه وبعد صراع عنيف، وتفكير مضني، وتردد طويل، والأخذ والرد مع نفسه...حسم أمره مقرراً بضرورة التخلص نهائياً من هذا الشيء اللعين...أجل قتله ...!!
فإنه ما فتيء مصراً على تعذيبه دونما رحمة، ولن يكف عن اقتحام وحدته بصلفه القذر، والتطفل على حياته بفضوله اللعين.
وفي الليلة التالية من اتخاذه القرار الحاسم، إنسل على أطراف أصابع قدمه إلى حيث المطبخ، لجلب أكبر سكين يملكها...من أجل تنفيذ ما نواه مع نفسه، وعقد العزم عليه ... ثم راح متمدداً بهدوء غريب فوق سريره بسكون كالعادة ودون حراك...ليوهم الشيء اللعين بأنه قد نام... لكن وسنات الكرى راحت تداهمه بقسوة ما بين الفينة والأخرى نتيجة ما كان يعاني من السهاد لليال عديدة سبقت هذه الليلة، ومن ثم للتعب الذهني الشديد ... وشدة الضعف الذي بدأ يدب في قواه البدنية والذهنية، ويسيطر على حركته...لحظات قاسية من الانتظار كأنها دهور من الفراغ، صرفها بانتظار لحظة مجيء الشيء المعتادة، والاقتراب منه، ليدس السكين في قلبه، فيمزق بنصلها الحاد أحشائه، ويتخلص منه والى الأبد...عمر من الانتظار المرّ ظلّت تزحف ببطيء شديد على أديم مشاعره، قبل أن يستشعر بقدومه اللعين، ويتحسس دبيبه الماكر على أطراف أصابع يديه وقدميه، كدأبه في كل مرة يشاكسه فيها، وهو يطلّ برأسه صوبه أولاً...قبل الانسلال إلى داخل الغرفة...لكي يطمئن بأن النوم قد غشيه تماماً، وليمارس عبثه الممجوج معه، بذاك المزاح الماجن بالجلوس فوق صدره أو وجهه وكتم أنفاسه...دهور أخرى من الزمن الصعب مرت كحقب للمأساة...وحينما أحس به بالفعل فوقه، راح رافعاً يده بالسكين من أجل مباغتته، وبكل هياج الغضب في داخله طعّنه ...طعنة قاتلة؛ إلا إنه سرعان ما شعر بألم حاد يجتاح خاصرته كلهيب نيران فيها، ثم أحسّ بخواء غريب في بدنه، وشعر بدمه الحار، وهو ينفجر كعين ماء ، ويتدفق متغلغلاً إلى داخل ملابسه، ويسيح على جلده نازلاً إلى الأسفل...!!
[email protected]



#طالب_عباس_الظاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نداءات الوهم
- الحصان العجوز
- - طعنة -
- القارب الورقي
- قصتنا اليوم - التركيب السردي وانفتاح النص
- صلصال - نص من الخيال السياسي
- القنطرة
- قصص قصيرة جداً جداً
- لحظة حصار
- نثيث أحزان كالمطر
- الزمان والمكان في منظور القصة الحديثة
- قصتان قصيرتان جداً
- تجليات بطلسوما* قبل موته الأخير
- لص ومجانين
- تشييع الذي لم يمت..!!
- أزمة وطن؟ أم أزمة مواطنة؟!
- عروس الفجر
- صراخ الصمت
- هجرة الطيور-قصة قصيرة
- رحلة إلى العالم الآخر- قصة قصيرة


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عباس الظاهر - الشيء...!!