أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 24 ) - الشفاعة كتأسيس لمجتمع الواسطة والمحسوبية .















المزيد.....


الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 24 ) - الشفاعة كتأسيس لمجتمع الواسطة والمحسوبية .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3293 - 2011 / 3 / 2 - 01:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في مقال سابق تناولت قضية الاستبداد كمنتج طبيعي للفكر والتراث الديني والذي يبدأ كبذرة أولى بإستبداد الفكرة ذاتها ثم ما يلبث أن يتحول إلى منظومة كاملة من تعاملات وأنساق تُشرعن لحضور الاستبداد فكرا ً وممارسة مُتيحة لدوائر عديدة أن تشملها فلا تكتفي بإستبداد الحكام والطغاة بل تتغلغل في داخل نسيج سلوكيات الفرد العادي ليُمارس استبداده على من يقع تحت سلطته سواء إمرأة أو أي انسان آخر ليصبح الاستبداد هنا منهج حياة نقع تحت وطأته ونُمارسه فلا يُصيبنا الغرابة أو الاستهجان , ولعل هذا يفسر سبب خضوعنا لمُستبدينا لعشرات السنين في صبر نُحسد عليه .
الاستبداد يخلق بجواره الفساد كضرورة حتمية فلن يستبد المرء دون أن ينتفع ولن يقدر أن يأكل الكعكة بمفرده فلابد أن تشاركه نخبة أو طبقة في النهب حتى تتعاضد أركانه وهذا ما أشرت إليه سابقا ً في مقال النذور كمنهج وسلوك يمتد ليخلق الرشوة .

مع وجود الاستبداد وشيوع الفساد كمنظومة مرافقة تنشأ مراكز القوى لمن يمتلك السطوة والقوة والمال لتتولد المحسوبية والواسطة كنتاج طبيعي لهيمنة المُستبد والفاسد على كل مناحي الحياة لنجد عقلية تحتفظ في ذاكرتها برموز قوية لأصحاب السطوة والنفوذ تشفع لها عند أي مشكلة أو إحتياج .
مفهوم المحسوبية والواسطة بقدر ما هي نتاج طبيعي لمجتمع عفن إلا أن له تراثه الديني الذي يُمنهجه ويجعل لها حضور داخل العقل الديني من خلال مفهوم الشفاعة والذي يؤسس بسهولة لمجتمع تسوده الواسطة والمحسوبية .. لنسأل هنا هل الواسطة هو فكر تم تصديره من خلال الدين , أم أن الدين هو مُنتج بشرى عَبر عن مجتمعات الاستبداد والسادة وقام دوره على خلق المظلة الشرعية للمُستبدين و مراكز القوى من خلال إسقاط هذه المفاهيم على فكرة الإله .

* المصدر البدئى للشفاعة .
بداية يجب أن ننوه بأن أي فكرة في الوجود لم تأتى إلا لتلبية حاجة ورغبة إنسان في أمل الحصول على الراحة والسلام واللذة متجنبا ً فى الوقت ذاته دروب الألم ..فلا توجد فكرة معلقة في الهواء وليس لها مصالح وجذور في الأرض .. وأي فكرة ارتدت لباسا ً مقدسا ً لن يعفيها أنها فكرة لها حاجة وغاية وهدف .. فهكذا الشفاعة هي فكرة جاءت لتفي حاجات إنسانية معينة في زمن معين .

لم تكن الشفاعة إبداع وإحتكار الأديان الإبراهيمية بل تمتد جذورها إلى معتقدات الإنسان الأولى كتعبير عن عجز بشرى في مواجهة الحياة بكل قسوتها وشرودها وجنوحها بالإتكاء على وجود وسيط بين الإنسان والإله ليخفف من محنته الذاتية أو يمنحه أماني مُرتجاة .. وبفعل قوى الصراع كان الوسيط هو الملك وزعيم القبيلة والكهنة ثم لمدعى النبوة كوسيلة تدعم من موقفهم وسطوتهم وتجعل لهم حضور .. الشفاعة هي أمل وأمنية الضعفاء في أن يجدوا طوق نجاة في عالم قاسى غير معنى بهم ولا بضعفهم وجهلهم .

الشفاعة هي مسلك يطرحه التراث الديني كوسيلة سرابية تُحقق النجاة والأماني وتتم ممارستها بإتخاذ وسيط له حظوة خاصة لينقل طلبات ومنافع .. ولكن مفهوم الشفاعة لن يترك الإنسان دون أن يُفقده البوصلة التي تُعينه على فهم الحياة فهما ًموضوعيا ً

الشفاعة في اللغة العربية هي التوسط بالقول في وصول شخص إلى منفعة دنيوية .. وفي التنزيل : "من يَشْفَعْ شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها" ..إذن هي السؤال في طلب التجاوز عن الذنوب والجرائم أو لجلب منفعة دنيوية.
تعالوا نتعرف على مفهوم ورؤية الشفاعة في الأديان التوحيدية ومغزاها ومكانتها في التراث الديني ..

* الشفاعة في الإسلام .
الشفاعة هي سؤال النبي من ربه العفو لأمته أو بعضها وهى مسألة أساسية في العقيدة الإسلامية وثابتة ولها ما يدعمها من آيات وأحاديث تجعل منها مسلك أصيل وفاعل وذو شأن .
الشفاعة في القرآن إما مَنفية أومُثبتة .! فتكون منفية حين تطلب من أوثان ورموز المشركين كقوله ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) 254 - البقرة ... وبالطبع هذا يكون بديهيا ً فلا يشذ الإسلام عن أي معتقد آخر في هذا المنحى .. فالدين ليس سوبر ماركت للجميع بل لأصحابه وشخوصه المقدسة فقط .
وتكون الشفاعة مُثبتة حين تكون لبعض أنبيائه وأوليائهم ممن ارتضى الله لهم ذلك وبإذنه كقوله : ( يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ) 1 09 طه - و ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) 255 البقرة آية الكرسي - ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) الأنبياء 28

وفى الأحاديث نجد مدد هائل على لسان نبى الإسلام فيقول ( أنا أول شافع وأول مُشفع ) ... ويقول ( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ) صحيح مسلم .
وفى حديث آخر : ( لكل نبي دعوة مُستجابة ، فتعجل كل نبي دعوته لأمته ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ، فهي مائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا ) متفق عليه .

وفي القرآن " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " يراد به ما سيكون عليه يوم المحشر عندما تتوجه الأمم إلى أنبيائهم و يسألونهم أن يشفعوا لهم عند ربهم من شدة هول المشهد ، فيتراجعون عن ذلك ويطلبون منهم أن يذهبوا إلى محمد يطلبون منه الشفاعة فيقول : أنا لها أنا لها !!، ويسجد تحت العرش فيناديه الله تعالى : يا محمد ارفع رأسك سل تعط ، واشفع تشفع ، فيشفع في قضاء الله في الخلائق يوم القيامة .!!
وهذه هي الشفاعة العظمى ، وهي من سمات نبى الإسلام وفقا لقوله ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي .. وأعطيت الشفاعة ) صحيح مسلم .
وفي صحيح البخاري أن الرسول قال : من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة )

إذن الشفاعة في الإسلام أنواع :
النوع الأول : هي شفاعة في فصل القضاء ، لإراحة الناس من هول اليوم ، وقد ذكرناها وتكون لمحمد دون غيره .
النوع الثاني : الشفاعة في قوم يدخلون الجنة بغير حساب ، ودليل ذلك حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب !! وسؤال عكاشة بن محصن أن يكون منهم .
النوع الثالث : الشفاعة في زيادة الدرجات لبعض من يدخل الجنة ، فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم ، وهذا النوع متفق عليه أيضا.
النوع الرابع : شفاعة النبي فيمن استحق دخول النار من عصاة المؤمنين أن لا يدخلها ، أو لمن دخلها أن يخرج منها !!
ويذكر الحديث عن صحيح مسلم ( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي )
وأخرج الشيخان قول النبي في الشفاعة ( يا رب أمتي أمتي ) يقول الله للنبى : ( انطلق فمن كان في قلبه حبة من شعير من إيمان فأخرجه من النار ) فإذا انطلق النبي ففعل ثم عاد للسؤال قال الله له : ( انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها ) فإذا عاد الثالثة قال : ( انطلق فمن كان في قلبه أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها ) فإذا عاد الرابعة قال : ( رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله ) قال تعالى ( ليس ذلك إليك ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال " لا إله إلا الله " ).!!! ...أي أن نهاية المفاوضات هو مجرد ذكر "لا إله إلا الله "!! وهى شبيهة لحدث المفاوضات بين نوح و الله في قصة الطوفان الأسطورية ولكن يبدو أن مفاوضات نبي الإسلام هي ذات جدوى وتأثير .!!

قصة أخرى في التوسل والشفاعة ولكن لها مذاق خاص .!
روى البيهقي في دلائل النبوة:عن عمر رضي الله عنه قال:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا ما غفرت لي، فقال الله عز وجل: يا آدم كيف عرفت محمدا ولم أخلقه، قال: لأنك يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمدا رسول الله،!!! فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك" !! أخرجه الطبراني في الأوسط الصغير.

وفى نفس السياق هذا الحديث الطويل للبخاري ( ص 2727 ج 6 )
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد حدثنا معبد بن هلال العنزي قال ثم اجتمعنا ناس من أهل البصرة فذهبنا إلى أنس بن مالك بثابت البناني إليه يسأله لنا عن حديث الشفاعة فإذا هو في قصره فوافقناه يصلي الضحى فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه فقلنا لثابت لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة فقال : يا أبا حمزة هؤلاء إخوانك من أهل البصرة جاؤوك يسألونك عن حديث الشفاعة فقال حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم فيقولون اشفع لنا إلى ربك فيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله فيأتون موسى فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته فيأتون عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيأتونني فأقول أنا لها فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل فلما خرجنا من ثم أنس قلت لبعض أصحابنا لو مررنا بالحسن وهو متوار أبي خليفة فحدثناه بما حدثنا أنس بن مالك فأتيناه فسلمنا عليه فأذن لنا فقلنا له يا أبا سعيد جئناك من ثم أخيك أنس بن مالك فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة فقال هيه فحدثناه بالحديث فانتهى إلى هذا الموضع فقال هيه فقلنا لم يزد لنا على هذا فقال لقد حدثني وهو جميع منذ عشرين سنة فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا قلنا يا أبا سعيد فحدثنا فضحك وقال خلق الإنسان عجولا ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم حدثني كما حدثكم به وقال ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله

للمسلمين أن يعتقدوا بهذه القصص الطريفة والتي تُمرر الشفاعة ولكنها تعطى معنى غريب وطريف بأن محورية الوجود هو نبي الإسلام .!! ولكن نلاحظ أيضا ً أننا أمام عرش الله وهو عرش بمعنى الكلمة له قوائم ومكتوب عليها " لا إله إلا الله محمدا رسول الله " وكأن الله يريد التذكر والتباهي والتمايز أمام الآلهة الأخرى ذات الكراسى .. كما تعطى لنا إشارة لقصة العرش الملكى فترى الله ملكا ً أو إمبراطوراً يجلس على عرش له قوائم لتنسف فكرة الإله الغير محدود وتمنح فكرة الإله المشخصن عضدا ً ودعما ً .

* الشفاعة في المسيحية .
الشفاعة في المسيحية تعتبر فكرة محورية بل لب العقيدة اللاهوتية فالمسيح هو شفيع للإنسان عن خطيته البدئية وهو ما يعرف بالشفاعة الكفارية .. "فمن ثم يقدر أن يخلّص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حيّ في كل حين ليشفع فيهم" (عبر25:7)، "لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة من أجل أنه سكب للموت نفسه وأُحصي مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين" أش12:53
كما توجد الشفاعة النيابية : وهي التي يقوم بها الروح القدس في قلوب المسيحيين كما يقول بولس الرسول: "وكذلك الروح أيضا يعين ضعفاتنا لأننا لسنا نعلم ما نصلّي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنّات لا ينطق به . ( رو26:8 ).

وتتفرد المسيحية بإتاحتها لطابور طويل من الرسل والقديسين تتقدمهم العذراء مريم في أن يكونوا أطراف الشفاعة وهو ما يعرف بالشفاعة التوسلية و هي توسلات وتضرعات وصلوات المؤمنين بعضهم لأجل بعض ومنها شفاعة الأحياء على الأرض لأجل المنتقلين و شفاعة المنتقلين لأجل الأحياء الذين على الأرض .
و عن صلوات القديسين وفعلها : " ... الأربعة والعشرون شيخا أمام الخروف ولهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب مملوءة بخورا هي صلوات القديسين" (رؤ8:5)، "وجاء ملاك آخر وأعطي بخوراً كثيراً لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم على مذبح الذهب الذي أمام العرش فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله" (رؤ3:8،4

* هراء فكرة الشفاعة لتجر معها المنظومة الدينية .
قبل التطرق للأثر السلبي والمُخرب لفكرة الشفاعة عندما يتم إسقاطها على الحياة لتُرسخ من مفاهيم المحسوبية والواسطة دعونا نتطرق لإشكالية الشفاعة مع المنظور والفكر الديني ذاته ..فالشفاعة تقوض الفكرة اللاهوتية من داخلها لتضع فكرة الله والمنظومة الدينية في مأزق وتناقض .

- الإشكالية الأولى :
يكون الفكر والإرادة الإلهية مرهون بشفاعة النبي أو طلب الشفاعة بواسطة وسيط .. فهل ما هو مُقدر ومُرتب ومُعلوم بالنسبة لله بل مسجل منذ البدء سينتابه التعديل وتغيير المسارات مع ورود الشفاعة فهنا ستسقط فكرة الإله العليم والمقدر !!.. وسيصبح فعل الشفاعة هنا حدث جديد علي الله وسيترتب عليه فعل لم يكن يُدركه .!
ولكن قد يقول قائل بأن الله يعلم بحدث الشفاعة وأنه مُدرك أيضا ً بأنه سيكون ترتيبه هكذا منذ البدء .. ولكن لو سلمنا بهذا السيناريو الغريب فهل لنا أن نسأل لماذا هذه الجلبة .؟!!.. وما معنى هذا العبث ؟!!... فألا تعطى انطباع بأننا لا نزيد عن روبوتات مُبرمجة لا نحيد عما هو مُخطط ومرسوم لنا , فتكون كل خطواتنا في الحياة أن نفعل أفعال محددة ليست لنا فيها أي إرادة .. فأنت مُجبر في لحظة ما أن تتوجه لله بطلب من خلال الشفيع سواء النبي أو العذراء فيستجيب الله وليتوافق مع ما هو مُدون لديه .!!.. ولنقول هنا : لما عرض هذا الفيلم البائس من الأساس .

* الإشكالية الثانية
أن مفهوم الشفاعة ينسف كل المنظومة الدينية فليس هناك أي معنى للثواب والعقاب والموازين الدقيقة والرفيعة فكل هذا هراء وعبث طالما فعل الشفاعة ستولج المرء إلى الجنة أو تنقذه من الجحيم بل تمنحه درجات متميزة من الجنة على أثر شفاعة النبى ..فلما المحاكمة الإلهية التي لن تحيد عن العدل طالما هناك من يتسلل من الخطوط الخلفية كرمال النبي .
عندما نجد أن شفاعة نبي الإسلام لها كل هذا التقدير والقوة لتصل إلى أنه سيُسمح بدخول الجنة بغير حساب فنقول هنا لماذا وجع الدماغ هذا ؟!!.. وعندما يصل إفلاس المسلمين من الإيمان لدرجة أن تقل عن مثقال حبة خردل ليتم الإكتفاء بقول "لا إله إلا الله " فيخرجون على أثرها من النار بعد أن وصل نبي الإسلام في مفاوضاته مع الله إلى هذا العرض والذي لن يكون عسيرا ً بحال من الأحوال فالأمور لن تصل إلى الإيمان بل مجرد ترديد عبارة من أربع كلمات .. لنقول في سريرتنا لماذا هذا الفيلم السخيف عن النار وعذابه وما معنى هذا التمييز.!
وعندما تكون الشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة فنقول ولماذا العمل الصالح والتقييم والميزان العادل الدقيق وكل هذه الميديا الهائلة عن المحاكمة الرهيبة فالشفاعة ستكفى لتمنحك درجات أعلى لا تستحقها .

نرى أن مفهوم الشفاعة في الإسلام مثلا ً هي رخص مجانية منحها الإله لنبي الإسلام لتكون شفاعته فعل دخول المسلمين الجنة بل اعتلاء درجات أعلي ويصل فنتازيا المشهد بقدرة شفاعته على إخراج المسلمين من أتون الجحيم بعد أن اقتصرت الأمور على قول "لا إله إلا الله " لنطرح سؤالنا الكبير ما معنى المحكمة الإلهية المنصوبة إذا كانت الأمور ستتم بالواسطة والخاطر.. عذرا ً نقصد الشفاعة .
سنسأل ما معنى العدالة والميزان الإلهي وما قيمة الاختبار الإلهي طالما الأمور ستتغير وفقا ً لواسطات وشفاعات ؟!!

* * خطورة مفهوم الشفاعة .
- لا يعنينا بالفعل إيمان المؤمنين بمثل هكذا فكر وتصديقهم لشفاعة النبي والعذراء والقديسين فليؤمنوا كما يريدون حتى لو أدخلوا الكل جنتهم الموعودة أو تأملوا فى أماني سرابية ووهم .. ولكن ما يعنينا منطقية المنهج في التفكير وأثره وانعكاسه على نظرته لأموره الحياتية ..فهل هو يتبع منهج عقلي يعزى تسيير الأمور وفقا ً لدراسة ظروف موضوعية أم لمنهج ميتافيزيقي سينعكس على أموره الحياتية فتتوه معه البوصلة ويتصور أن وساطة وشفاعة فلان أو علان في زمان ومكان مجهول ذات جدوى وتأثير .!
عندما نتكئ على هذا المنهج في التعامل مع الأمور سنضل البوصلة بالضرورة ونسلك طريق بعيد لا يحل قضايانا الحيوية فيكون لنا الحظ الوفير من التخلف .. فعندما يتشفع الإنسان طالبا ً الشفاء من المرض فهو قد ذهب هنا بعيدا ًعن حل إشكالية المرض والسبب العلمي والموضوعي له .

- عندما نجد أن كل نبي أو قديس له هذا الحضور الغريب في المحضر الإلهي لدرجة أن تتم كل هذه التجاوزات , فهنا سيتحصن المؤمن دون أن يخوض في خرافاته فلما الخوض وهى تمنحه أمانا ً وشعور سرابيا ً لذيذاً أن مصيره سيكون طيبا ً متجاوزا ً كل العقبات بمجرد شفاعة فقط .. كما لن تتركه دون الشعور بهذا التمايز القبيح الذي يُرسخ شعور بالفوقية عن باقي البشر مما يخلق عنصرية بغيضة تجد سبيلها في الأعماق .

الشفاعة كما هو واضح في المنظور الديني طريقة ووسيلة فاعلة لتخطى أزمة أو التوسم في حالة أخرى ليقوم الشفيع بالتوسط لله أن يمنح هذا الإنسان مرتبة أعلى وليس على الله سوى الاستجابة للشفيع كونه القريب من الفؤاد الإلهي .

- ولكن نأتي لخطورة مغزى الشفاعة عندما تتواجد في الذهنية المؤمنة لتسقط على تعاملاتها ويصبح منهج ومنهجية حياة.
فإذا كان الله بجلاله يقبل الشفاعات ويستجيب لها ويغير من حساباته وميزانه فمن السهل أن يتقبل الإنسان ويأمل في شفاعة ووساطة من شفيع له مكانة وحظوة وسطوة في محيطه .
إذا قبلنا أننا سندخل الجنة وسنرتقي درجات لا نستحقها بناء على شفاعة النبي فمن السهل قبول أمر أقل شأنا ً بأن الباشا والبيه والوزير سيقوم بالواسطة ليجعلنا نتجاوز أزمة أو يمنحنا درجة أو منحة لا نستحقها .

- هنا الإشكالية الكبرى لهيمنة الفكر الديني على العقل والفكر الإنساني أنه لا يقف عند حد أنه طقس يُمارس ولكن منهج فكرى وسلوكي وسيكولوجية تتكون لتفرض سطوتها ورؤيتها على كل تمظهر في الحياة فتصبح الشفاعة حاضرة وممنهجة في تعامل الإنسان مع كل الدوائر المحيطة به من أصحاب المراكز المرموقة والحظوة والسيادة والسلطة والمال لتتم ممارسات علنية تأخذ المشروعية في طلب الوساطة من البيه المأمور والباشا والوزير ولتصل إلى بواب الوزير وغفير الباشا .!!

سنجد أن الشعوب التي تخلصت من هيمنة الموروث الديني تخلصت بالتالي من المحسوبية والواسطة بينما عالمنا العربي المؤمن الملتحف بموروثه الديني لازال غارقا ً في مستنقع الواسطة والمحسوبية لحد أنها أصبحت بمثابة ثقافة شعبية فتجد من يتباهى في كل مجلس و يتفاخر بأن فلان بيه معرفته وقد فلحت وساطته في نيل وظيفة , وعلان باشا الذى أنقذه من قضية كادت تودي به لولا شفاعته .. و ليتسلل هذا الأمر في مفردات الثقافة الشعبية ليقال " اللي مالهوش ظهر ما ينضربش على بطنه ".
أصبح المواطن العربي حريص أن يحتفظ في دماغه وحافظة نقوده على كروت وأرقام هواتف أصحاب السطوة والنفوذ فهم شفعاءه عند كل ملمة أو أمل في أن ينال حظ ومكانة.
أصبحت الواسطة والمحسوبية مفهوم دارج وأسلوب حياة لنيل حق أو تجاوز حق أو اغتصاب حق ..و لا تكون هذه الأمور غريبة طالما هناك رافد أصيل في ثقافتنا وتراثنا إسمه الشفاعة يمنحنا مزايا وحقوق لا نستحقها أونقفز على حقوق وأكتاف الآخرين لتضيع الشفافية وأى أمل فى التقدم .

دمتم بخير



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 23 ) _ لا تسأل لماذا هم مرتشون ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 22) - استبداد الحكام العرب هو ...
- خواطر وهواجس وهموم حول ثورة 25 يناير .
- هل تستطيع ثورة 25 يناير أن تٌقلع ثقافة الوصاية والقطيع وهل س ...
- هنيئا ً للشعب المصري .. ولكن حذار فأنتم أسقطتم رمز من رموزه ...
- مشاهد وخواطر حول ثورة الشعب المصرى .
- إنهم يجهضون ثورة الغضب مابين إنتهازية معارضة كرتونية وتواطؤ ...
- جمعة الرحيل وحتمية محاكمة النظام بسياساته وطبقته وأدواته ومم ...
- ثورة الغضب المصرية ما بين أحلام شعب والإنتقال السلس والرغبات ...
- هموم وطن - شرارة ثورة تونس تُداعب أحرار مصر .
- تأملات في الإنسان والإله والتراث ( 5 ) - التمايز الطبقى والت ...
- بحث في ماهية العلاقة بين التيارات الإسلامية وأمريكا .. العما ...
- هموم وطن - حادثة سمالوط .. ما الأمر؟! هل جُنِنَّا أم فى طريق ...
- لن تمر مذبحة الأسكندرية بدون إدانة ( 2 ) - محاكمة النظام وال ...
- لن تمر مذبحة الإسكندرية بدون إدانة ( 1 )- محاكمة الأخوان الم ...
- هموم وطن - مذبحة الأسكندرية والرؤوس الطائرة والرؤوس المدفونة ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 21 ) - لا يا رسول الله .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 20 ) - سادية وعنصرية إله أم قس ...
- حكمت المحكمة ( 2 ) - لا تدعوهم يحكموننا .
- حكمت المحكمة ( 1 )


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 24 ) - الشفاعة كتأسيس لمجتمع الواسطة والمحسوبية .