سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 3278 - 2011 / 2 / 15 - 13:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ها قد انتصرت ثورة 25 يناير وهى ترفع شعارها " حرية .. ديمقراطية ..عدالة اجتماعية " فهل هي قادرة على إطلاق الحريات وترسيخ الديمقراطية وتحقيق عدالة اجتماعية ؟
هل الشعب المصري قادر بالفعل على استيعاب الحريات والديمقراطية .؟
هذا السؤال الأخير طرحه الكاتب الرائع سامي إبراهيم في إحدى تعليقاته في مقال سابق لي وتشككه في قدرة الشعب المصري على استيعاب الحرية والديمقراطية وهو الذي رضخ لعقود طويلة لهيمنة فكر ديني استقصائى وميراث طويل من الاستبداد السياسي .
ولكي نضع هذا التشكك والتوجس لعزيزنا سامي إبراهيم موضع البحث فسنطرح عدة اختبارات ستكون مطروحة يوما ً ما على الشعب المصري والمعنية بالحريات العامة والديمقراطية ..ولنسأل هل سيستجيب لها المصريون مع نسائم الحرية بلا استثناء أم يرفضون أو يستهجنون أو يمانعون .
فعلى المستوى السياسي .. هل سيقبل المصريون بوجود حزب شيوعي مصري له قواعد ومقار ونشرات وحضور ؟.. وهل سيتحمل المصريون تواجد حزب أعضاءه لا يعتقدون بفكرة الله والدين .؟
هل سيقبل الليبراليون والأقباط تواجد حزب للإخوان المسلمين يرفع رايات دولة مدنية ؟.. وهل يقبل الأخوان في المقابل بوجود حزب قبطي أو شيوعي.؟
وعلى المستوى الثقافي .. هل سيقبل المصريون بتواجد أفكار جريئة ومغايرة فيتحمل وجود مفكرين ملحدين ولا دينيين يعبرون عن أفكارهم ورؤيتهم في كتب ونشرات ووسائل إعلام ؟.. وهل سيتسامح المصريون مع أي عمل أدبي أو فني يخوض بجرأة في مواريث ثقافية ودينية .؟
هل سيتلاشى من يدسوا أنوفهم في أفكار وإبداعات الآخرين ليراقبوها ويفتشوا في نواياهم وأفكارهم ممارسين شكل من أشكال الوصاية عليهم ليصلوا ببجاحتهم إلى طلب مصادرة أعمالهم بل بمحاكمتهم , وترتفع أسقف البجاحة بالتدخل فى حياتهم الشخصية مُطالبين بتفريقهم عن زوجاتهم ؟.. هذا لأن الفكر لم يأتي على قناعاتهم وهواهم .!!
هل من الممكن أن نمتلك رحابة الصدر فنتقبل أي فكرة أو رؤية تتواجد وتخالف توجهاتنا ونظرتنا ؟ ..هل يمكن أن نحترمها ونرى أنها حق أصيل لكل إنسان وأننا من الواجب أن ندافع عن حقها في الوجود أو على أقل تقدير أن نتركها وشأنها دون أن تأخذنا الحمية ببترها ؟ .. هل يمكن أن نعى بحق الجميع أن يحمل أفكاره ولندع كل الأزهار تتفتح وما لا يعجبنا منها وغير قادرين على مواجهته فلنغير محطة الإرسال ونرى ما يحلو لنا .؟
قصدت أن أطرح بعض الأمثلة القابلة للجدل وهى ليست بعيدة عن الواقع المصري فنحن مررنا عليها سابقا ً ومشاهدها حاضرة من مصادرة الفكر السياسى وأعمال المفكرين والفنانين إلى قانون الحسبة الشهير إلى تواجد ثقافة رفض حرية الآخر .
ثقافة الوصاية التي تبدأ بأنظمة الحكم المستبدة إلى منظومات سياسية ودينية لتنتهي بالمواطن العادي تجد حضور غريب في الواقع مابين إقحام النظام والمؤسسات إلى المواطن بفرض وصايته على دماغ وفكر وسلوك الإنسان المصري ..فهل سيتخلص الشعب المصري من هيمنة وسطوة الساسة والدعاة والشيوخ والكهنة ؟..وهل ستزيح ثورة 25 يناير بزخمها كل الوصايات التي تلتحف بالحكمة أو القداسة .؟
إذا كنا نتحدث عن حريات وديمقراطية فليس هناك حد تقف عنده فلا معنى لمقولة فلنكتفي بالديمقراطية هكذا ولتقف الحرية عند هذا الحد !!..لأن مقولة مثل تلك تجعلك وصيا ً على الآخر وفق رؤيتك أنت ..ولم نفعل شيئا ً مختلفا ً عن النظام البائد الذي زعم أن سقف الحريات والديمقراطية يكفيه هكذا مستوى .!
من الخطأ أيضا ً الظن أن حديثنا عن سقوف عالية للحريات والديمقراطية هو ترف فكرى وعبث ولا طائل من إثارته لأننا نكون هكذا رجعنا للمربع الأول وهو فرض الوصاية وتحديد ما هو هام وضروري وما هو غير ذات أهمية .
إن وضع سقوف للحرية والديمقراطية يعنى أننا لم نبرح مكاننا بعد فلم نفعل شيئا ً سوى أننا بدلنا يافطة الحزب الوطني بيافطة ثورة 25 يناير ..فالنظام البائد بطش بأي فكر حر بزعم أن هذا فكر مخرب وذاك فكر ضار ينال من تراثنا وقيمنا مما جعله وصيا ً على الشعب ليعسف بكل فكر ورأي .
لا يوجد شيء في عُرف الحرية والديمقراطية تقول أن الظرف الراهن لا يسمح بهكذا حرية وديمقراطية وأن هذا الفكر يهز ثوابتنا ..فهذا ببساطة هو الاستبداد بعينه ومن يتفوه به جعل نفسه وصيا ً على الآخر وأن فكره ورأيه هو الصائب والحافظ والضامن .
بالطبع الموروث الاستبدادي لعقود طويلة وهيمنة الفكر والتراث الديني الاستقصائي لعقود أطول غمرت الإنسان المصري بحالة من التهميش بل تسلل للإنسان الفرد فكر الاستبداد والتسلط ليُمارسها في نطاقه الشخصي على من حوله من نساء وأطفال كرغبة في تنفيس طاقة الغضب من مستبديه في محتوى يقدرعلى تحمل استبداده .
فهل يستطيع الإنسان المصري في خضم هذا الموروث والأغلال أن ينتقل نقلة نوعية هائلة ليصبح قادر على قبول فكر الآخر وحريته ومحترما ً فى الوقت ذاته مفهوم الحريات والديمقراطية .. هنا يكون الشعب والحرية والديمقراطية على المحك .
إذن كيف تتحقق الديمقراطية والحرية في ظل هذا المناخ ..وكيف يؤمن المصريون إيمان حقيقى أنها حق أصيل لكل إنسان بل السبيل والضمانة الحقيقية والوحيدة لتحقيق حياة كريمة فلن تمنح الأنظمة والكيانات المستبدة أي حياة كريمة للإنسان وإلا ما معنى كونها مستبدة .
أعتقد أننا لو تعاملنا مع الحريات والديمقراطية كنصوص يمكن أن نرفع من أسقفها لتعادل أعظم الدول الديمقراطية التي سبقتنا حضارة وتقدم واكتفينا بهذا الأمر فنكون بذلك كمن بنى قصرا ً فخما ً على الرمال وسينشرخ يوما ً ما وحينها لن تصبح ثورة 25 يناير ثورة بل انتفاضة أحدثت بعض التغيير لن تكون ذات معنى وعمق كبير.. فالجماهير غائبة عن تفعيل الحرية والديمقراطية بالرغم أن نصوص الحريات والديمقراطية تم كتابتها بحروف ذهبية وبدماء الشهداء .
الحرية والديمقراطية لن تمارس وهناك بطون جائعة وخوف يجتاح الإنسان على حاضره ومستقبله ومستقبل أولاده ...
لن تكون الحريات والديمقراطية بالنسبة للإنسان المُهدر حقه في حياة كريمة لا تفي باحتياجاته الإنسانية سوى شعارات جوفاء ولن تزيد عن ترف فكرى يمارسه الشبعى والمترفون فهو مهموم بكيف يحصل ويؤمن لقمة خبزه عن مناقشة حرية تكوين الأحزاب وتعديل الدستور .
فكيف السبيل لحل هذه الإشكالية فنحن أمام شعب إنتفض وقام بثورته وتدور توجسات على قدرته فى تحمل معاني الحريات والديمقراطية التي هي سبيله الوحيد للخروج من محنته وتحسين حالته المعيشية . !!
حل الإشكالية في اعتقادي يكون بتزامن تحقيق عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية مع تجرع الديمقراطية وإطلاق الحريات .. فالثورة نجحت على أكتاف الطبقات المهمشة و من أجل حق الإنسان أن يعيش حياة كريمة فهو لا يعنيه تعديلات الدستور وإطلاق حرية الأحزاب في شيء ولكن كل ما يعنيه أن يحيا حياة كريمة تليق به كإنسان .
الإنسان المهدور حقوقه والمغتصبة لقمة عيشه بل المُهدد فيها ولا يجد الأمان للقمة عيش الغد لا تعنيه الحرية والديمقراطية لأنه في صراع حقيقى مع الحياة ولن يرى هذه الأمور إلا ترف فكرى بل على العكس سيظهر ضيق أفقه ورفضه لفكر ورؤية الآخر كوسيلة منه لممارسة غضبه وعنفه على قاهريه وهذا الأمر يتضح بصورة واضحة في العقود الثلاثة السابقة عندما تشرنق المصريون داخل مؤسساتهم الدينية كوسيلة احتماء من تهميش النظام وكمخدر لظرف مادي واجتماعي بائس ولتظهر النعرات الطائفية.
أن يدرك الإنسان البسيط بأن هناك بالفعل خطوات ملموسة ومحسوسة لتحسين حاله الاجتماعي ويرى بأن الثورة مهمومة به وبحياته وتبذل الخطوات حتى ولو كانت متواضعة في تحقيق ذلك سيدرك بأن هذا الشيوعي والاخوانجي وهذا الشاب الذي يحب فتاته دون أن يتزوجها هو من يحرص ويناضل من أجل لقمة عيشه وسيتقبل ويحترم أي فكر يدعو لحياة كريمة له بغض النظر عن هوية هذا الفكر .
سيتقبل المسلم القبطي وسيرشحه للقيادة وسيتقبل المسيحي المسلم ويفضله عن القبطي طالما هو من سيناضل من أجل لقمة عيشه وحياة كريمة لأولاده .
المفتاح لتقبل المصريين للحريات في سقوفها العالية أن تكون العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان هي الحاضرة دوما وعلى رأس كل نضال وأي نضال .
سنتعلم ألا نخوض في حرية فكر أي إنسان وما يعتقد به طالما هو يقدم نفسه أنه مدافع عن حقي وحق أولادي في حياة كريمة فلن يهمني أن أبحث عن إيمانه أو عدم إيمانه أو كونه على هويتي الدينية أم لا .
الإنسان فى خضم المعركة يبحث عن حلول عملية ويبتعد عن الأوهام والسراب فلم يستطع الأخوان في خضم ثورة المصريين أن يرددوا مرة واحدة شعارهم المعتاد "إسلامية.. إسلامية ".. ليس من باب عدم استئثارهم بالتواجد بقدر أن الشعار غير ذات مضمون فالشعب يريد حل فاعل وهو إسقاط النظام وفساده .
الشعب المصري شأنه شأن أي شعب آخر لا يريد أن يُغتصب حقه في الحياة ..لا يريد أن ينهش احد لقمة خبزه البائسة ..يأمل أن يتناسب أجره مع الأسعار ..أن يجد وظيفة عمل لإبنه الذي عانى من أجل تعليمه ليجده جالسا بجواره بلا عمل ..يحلم بأن يزوج ابنته ويجهزها ويفرح بها ..يأمل أن يفرح بأولاده متزوجون ومعمرون للحياة .
هذا ما يأمله الإنسان المصري البسيط , فإذا كنت قادر على تحقيقه فسأعضدك سواء كنت قبطي أو مسلم أو ملحد وسأحترم فكرك وحريتك وإيمانك الشخصي ...أما أن تطالبنى أن أؤمن بالحريات والديمقراطية وحياتى مهددة فعذرا ً فهذا ترف فكرى .
دمتم بخير .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟