أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - عبوزان الصغير















المزيد.....

عبوزان الصغير


عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 3203 - 2010 / 12 / 2 - 19:08
المحور: الادب والفن
    


عبوزان الصغير
ولد الطفل عبوزان في منطقة نائية من الاطلس المتوسط في قرية صغيرة وسط غابات البلوط الأخضر، وكان اسمه هذا الذي ينادونه به في القرية، كان مقرونا باسم فنان شعبي محبوب لدى القرية، أما اسمه الحقيقي عاشور فهو مقرون بيوم ولادته ، في صباح يوم عيد عاشوراء، كان طفلا جميلا محبوبا عند جميع أهل البلدة، شعر أسود كثيف وناعم، عينان عسليتان وانف طويل لايبدو بارزا إلا عند المنخرين يتوسط حاجبين كما لو رسما بريشة فنان ، وكان لجماله هذا وقع خاصا لدى الجميع، كان محظوظا بكل صدر، فقد أرضعته جميع نساء الحي تحببا فيه وتبنيا له في جماله واصبح اخا للجميع، كانو يطلقون عليه اسم عبوزان أيضا لبروز بطنه مقارنة مع أقرانه آنذاك، وكانت والدته تعاتب النساء على إرضاعه قائلة: لقد حرمتم ابني هذا من أن يتناسب مع إحدى بناتكن وهو ما سيجعل امرأة من دوار بعيد تخطفه، وكنا يردن عليها ان لا مشكلة في الأمر مادام الآن ابنهن جميعا. وبعد مرور ثلاث سنوات من عمره مر فيها مرحلة الحبو بنجاح، لاحظ الجميع أن عبوزان يتعثر كثيرا في مشيته وغالبا ما يبدوا كما لو كان أحدب بحيث يمضي بعض الخطوات ثم يتوقف ليتكئ على ركبتيه كما لو أصيب بالشيخوخة او كما لو ان بطنه المشبع بحليب الامهات أثقل عما يمكن ان يتحمله جسمه الصغير، وعندما يعاود الإستقامة ليستأنف خطواته، كان يقوم بذلك بصعوبة فائقة، وكان يشير إلى ألم في ظهره، احتارت والدته في الأمر بينما جارتها حليمة لامتها كثيرا على تهورها في الإنتباه لصحته، آمرة إياها ان تبحث عن طبيب مداوي، وأن لا تبق هكذا متحيرة في أمره، استشارت زوجها في الامر، واتفقا أن يذهبا به إلى الطبيب في المدينة القريبة والتي يقام فيها سوق أسبوعي، حيث سيذهب هو للتبضع وتتكفل هي بالذهاب به إلى العيادة.
كان الجو ممطرا وصاقع برده، وتبدو العيادة في ذلك اليوم آهلة بزوارها، و يبدوا الأمر كما لو ان نزلة برد قد أصابت الجميع فاحتلوا كل زاوية من المستشفى الصغير والوحيد بالقرية المدينة حيث امست اليوم كله دون أن ترى وجه الطبيب مما اضطرها للمبيت عند بعض اهلها بالمدينة، التقت خلال ذلك بوالدتها التي أقبلت عليها بمجرد سماع الخبر، عنفتها كثيرا عن تهورها، قالت لها بأن الإبن لاتبدوا عليه ملامح مرض صحي من الامراض المعروفة، وربما الطفل مصاب بمس ما، عنفتها ايضا انها ذكرتها بنصائحها بأن لا تدع الطفل بين أحضان من هب ودب، فعين الحسود قاتلة، وربما الولد ضحيتها، كان الطفل بشوشا ومرحا ولا يبدي شيئا من علامات العياء إلا حين يهم بالوقوف، وكان كل الأهل ممن زارها ذلك اليوم قد أبدى غرابته من الامر واجمعت قبيلتهم ان الطبيب المخزني لن يقفل شيئا في مرضه، وقد تزيد الأدوية الإصطناعية من آلام الطفل خصوصا إذا كان مصابا بمس جني، فالجن يكره الحقن والأدوية الإصطناعية، وربما كان من الأجدر ان تبحث عن بعض الزوايا المتخصصة في مثل هذه الامراض،امضت الأم ليلة هوجاء زادت من فزعها، حيث زايد عليها الأهل بكثير من الإقتراحات، فهناك من أشار عليها بزيارة زاوية سيدي علي امهاوش، واخر اقترح زاوية سيدي بنور وآخر ذكرها ببعض الزوايا الحاسمة ببركة والييها المغفور لهم ومنهم من كانت الملوك تتعافى ببركة واليها، وأكثروا عليها شهاداتهم بنماذج حية ممن شفيوا ببركة هذا الوالى او ذاك، مما أغرقها في كثير من الهم والغم، فهي تنتمي إلى أسرة يعيلها أب يعيش على الحطب من الغابة وهو عمل سري تعتمد فيه الحيطة والحذر لتجنب عيون الفورستي أو حارس الغابة، وغالبا ما يتم هذا العمل أثناء الليل، وكانت زيارة الأضرحة تفترض مصاريف كثيرة وذبائح وشموع وما إلى ذلك مما تفرضه طقوس كل زاوية، كانت المسكينة تفضل لو أنها لم تبت الليلة في هذه المدينة الغريبة التي أغرقها أهلها في جحيم الهواجس المرضية التي لم تسمع عنها في كل حياتها وبدا ان كل تلك الامراض شبيهة بمرض عبوزان الصغير، لم تنم المسكينة تلك الليلة، ضاق منزل اهلها عليها كما لو كان خزانا لكل هذه الامراض الغريبة وودت لو أنها لم تأتي، وكان أن نامت قليلا بفضل العياء لستيقظ فجرا لتصبح امام بوابة العيادة قبل أن يسبقها غيرها إلى الطبيب حتى لا تضيع يوما آخر في رفوف العيادة الطويلة وانتظرت حتى أقبل الطبيب اخيرا لتدخلها الممرضة بعد ان تم فحص زبنائها المفضلين رغم انها كانت هي الملتصقة ببوابة العيادة قبل أن تستفيق الممرضة من نومها، أخذ الطبيب الطفل فوضعه فوق السرير لفحصه ثم بعد ذلك مدها ببعض العقاقير ونصحها على طريقة تناولها للطفل ثم انتهى كل شيئ في بضع دقائق كما انتهى رعب ليلة الجحيم التي امضتها عند أهلها.
عادت الام إلى قريتها الهاديئة هاربة من جحيم منزل الأمراض الغريبة، وبعد أسبوع من إحكامها تطبيق نصائح الطبيب، لم يطرأ أي تحسن في حالة طفلها، لا زال يحدب كما العادة ، لكن هذه المرة بدون آلام بل إن الطفل استعاد بشاشته المعتادة وبهجته الطفولية، ومرت الأيام حتى استنفذت كل العقاقير والطفل لازال على حاله، حيث بدأت الأم تخالجها بعض تلك الحكايات التي سمعتها تلك الليلة من أهلها، اخبرت جارتها حليمة أن بعض أهلها يظنون في أن طفلها مصاب بعين أو جني، بدت حليمة متفهمة، شاركنها مخاوفها وأكدت لها أنها هي السبب في ترك طفلها في يد من هب ودب، اكدت أن النساء حاسدات ويحتمل أن إحداهن هي من أصابته بعينها، لكن حليمة على الرغم مما بدا من تفهمها، لم تتووارى في إخبار جميع السكان من شكوك الأم، ولم يمضي المساء حتى امتلأ بيتها بجميع النساء، جئنا كالعادة للسؤال عن حالة الطفل، لكن إحداهن لم تخفي عنها ما روجته حليمة، عاتبت الأم كيف أنها تشك في جاراتها اللاتي أحببن الطفل وأرضعنه وهو بمثابة ابنهن أيضا وأخ لأبنائهن وبناتهن، أقسمت الأم للمرأة أنها لا تشك في أحد كما أخبرت الجميع بما دار من حديث في المدينة عندما ذهبت إلى العيادة، حينها نطقت أجرأهن صائحة في وجههن: لماذا لا يكون الأمر صراحة، أليس فينا من عيونها قاتلة؟ ثم هل فعلا أرضعتنه عشقا في عيونه أم أن في الأمر مكنون؟
ضج المنزل بخصوماتهن، فتارة تصح إحداهن في وجه أخرى وتارة يهدأن، لكن في الأخير أجمعن على أن الوحيد الذي يبغض الأطفال ولا يلاعبهم وعينه قاتلة هو راعي القرية ميلود الذي أجره أهل القرية لرعاية أبقارهم. كان ميلود إذن هو فاعلها، كان الرجل هذا مقطوعا من أهله، وكان بئيسا في حاله، ويجهل كل أهل القرية أصله وفصله، وكان مؤتمنا على رعي أبقارهم رغم جهلهم عنه كل شيء، لم يكن له منزل بالقرية التي كان مالكي البقر من اهلها يتناوبون في استضافته من حيث مبيته واكله، وكان على من يشتري بقرة في تلك القرية ان يعول على نوبته في استضافته، وكان المسكين لا يخاصم أحدا ونادرا ما يتكلم، وكانت خصومته الوحيدة غالبا ماتكون مع النساء حول تفريطهن في مأكله، كان يحتج كثير عن الأكل عندما يكون ناقصا لذلك كانت خصومته دائما فقط مع نساء القرية، كان قد ضبط ذات يوم امرأة تصف ابنها الذي كان يأكل بنهم حيث صاحت في وجهه واصفة إياه بأنه كاسح مثل ميلود، سمعها المسكين فاحتج على ذلك بطريقته الخاصة، خرج دون أن ينبس بشفة، غضب وأضرب عن الطعام عند تلك الأسرة مما اجبرها أن تخبر زوجها ليذهب إليه ويحثه على المجيء معه للعشاء حيث سيرد له اعتباره بتعنيف المرأة أمامه، كانت مسرحية صغيرة امامه، اضطر فيها هو بنيته الطيبة أن يهديء من أمرهما وإلا سيضطر للذهاب لأنه لايريد أن يتخاصما بسببه. كان يعرف عن ميلود فقط أنه كان محاربا في الهند الصينية، وكان يحكي عن بطولاته الخارقة في تلك الحرب للرعاة مثله فقط، كان يخبرهم بأن الأشجار هناك تذبح البشر، وكان يحكي عن المرات التي تصبح فيها عناصر كثيبته مذبوحة إلا هو، وهو لا يدري كيف كان ينجى وحده بأعجوبة من شبح الشجر.كانت مشكلته الوحيدة التي جعلت النساء تنسب له عينه القاتلة، هي مصادفة غريبة، كان دقيق الوصف وبليغ في التشبيه، كان يوما يتناول غذاءه عند أحدهم في رحبة البيت، وكان أن تقدمت نحوه دجاجة تجر اكثر من عشرين رأسا من فراخها، ابتسم في وجه الدجاجة وقال لرب البيت: سبحان الله، إنها تشبه الدبابة حين يحوم حولها الجنود بحثا عن الأعداء، فالدجاجة هي الدبابة والفراخ هم الجنود، هكذا كنا نفعل في لاندوشين.
ـــ قل لي ألم تصب ذات يوم في تلك الحرب، سأله رب البيت
ـــ لم أكن أقترب من الدبابة وإلا فكل قذيفة في اتجاهها ستصيبني شظاياها
قال ذلك ولم يحل الليل حتى غزا ثعلب خم الدجاج واتى على الدجاجة وفراخها، وكان ذلك بمثابة صاروخ أطلقه ميلود على الدجاجة التي تشبه الدبابة، ومن ثم عرف على أن عينه صائبة، وهو من الآن سيصبح قاتلا للأطفال في القرية منذ إصابة عبوزان بمرضه الغريب، سينتشر الخبر وسيصل إلى آذان ميلود وسيغضب ويودع القرية وأهلها احتجاجا على لسان نسوتها.
بعدما يئست الام من عقاقير الطبيب، سيتأكد لها أن جحيم الأمراض الغرائبية هو من أصاب ابنها، وستبدأ سلسلة من زيارات الأضرحة طيلة ثلاثة أشهر دون جدوى، وسيصادف أن أخاها الذي يدرس بإحدى المدن النائية، سيأتي لزيارتها في عطلة الربيع، ليجد أن ابنها ازدادت أحواله سوءا، كان والد الطفل قد خمن حلا طبيا من اختراعه، بدا شيء أشبه بالورم في ظهر الطفل، على مستوى عموده الفقري، فخطرت له فكرة كي ذاك الورم، وهكذا شحم قضيبا حديديا كانوا يستعملونه كوتد لربط البغال جعله في النار حتى احمر فوضعه فوق ذلك الشيء، فاستقام الطفل لحظتها من شدة الإحتراق أو الكي، لحظتها أيضا نطق الوالد: ألم أقل لكم هذا من قبل، يقصد الكي. وكان أن انضاف مشكل الكي من تدهور أحوال الطفل، حيث سيصادف ذلك مجيء خاله الذي لم يرق لحال الطفل وينصح أخته بالذهاب معه إلى المستشفى من جديد، أخبرها بأن الطفل سيصاب بالكساح إذا لم تتسارع إلى الطبيب، وأن مشكلته ناتجة عن سوء التغذية فقط، وأن بنية عظامه لا تتحمل بنية جسده، لم تصدق أخته ذلك لأن الطفل كان يرضع جميع أثذاء نساء القرية ولم تكن تنقصه التغذية.



#عذري_مازغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيه يا داحماد حين تأتينا بثورة بغلة (عن جبل سكساوة)
- وداعا الرفيق أبراهام السرفاتي
- حول دور الحزب الشيوعي (2)
- حول دور الحزب الشيوعي
- تيط إفسثن: العين الصامتة
- مأزق الديموقراطيات
- هنيئا للحوار المتمدن
- دور الآلة في الإنتاج الرأسمالي: رد على تحريفية فؤاد النمري
- سجين ملحمة العبور
- حكايا من المهجر: بيترو إفانوفيتش
- ضاعت مرة أخرى ملحمة جلجامش
- المغرب وإشكالية اللغة 2
- المغرب وإشكالية اللغة
- حكايا العبور
- العلاقات المغربية الإسبانية
- خواطر سياسية: كل الاحزاب المغربية أحزاب الملك
- تأملات رمضانية: الجنة قبر جميل حالم
- حكايا من المهجر: لاموخنيرا (2)
- رمضان من وجهة نظر مختلفة
- أبواب الجنة


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - عبوزان الصغير