أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - عذري مازغ - حكايا العبور















المزيد.....

حكايا العبور


عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 3115 - 2010 / 9 / 4 - 20:45
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    



بعد عملية العبور السري إلى الضفة الأخرى والتي اضطرتني للمكوث ببلاد العم خوسي عدة سنوات في انتظار تسوية قانونية،امضيت خلالها ثلاث سنوان بالتمام والكمال، متنقلا بين ثلا مناطق على الأقل، من الأندلس شرقا إلى بلاد كاستيا دي لامانتشا وسطا واسقرارا ظرفيا بمدريد،،سنتين على الأقل، ولن اتحدث في هذه المناسبة عن مدريد على الرغم من ان الجزء الأكبر من هذا الحكايا يتناول هذه المدينة الرائعة والجميلة. كانت إذن جهوزيتي الأولى لزيارة المغرب في مدريد، وكنت أعرف مسبقا ان الدخول الأول إلى البلاد الأم، وحسب حكايات المهاجرين الذين عبروا إلى المغرب لأول مرة، تتخلله بعض المشاكل الأمنية في نقطة العبور، وهو ما كان يحملنا دائما على الإحساس بنوع من عقدة الذنب، وهي عقدة طفولية غالبا،تتعلق بنا حينما كنا أطفال ونذهب بعيدا دون اشتئذان الوالدين، كنا ما أن نعود حتى يجد كل منا والدته مكشرة بحزام الصرامة تسأله أين ابتعد، وطبعا سينال كل واحد منا وجبة جيدة. كان المغرب أبيا يمثل دور الولي الوصي على رعاياه،كذلك ما ان يعود المهاجرون السريون إلى عتبة الدار حتى تجد والدا جبارا وليس أما يسألك بخشونة وصرامة: أين كنت؟
كانت هذه العلاقة الأبيسية تربطنا دائما بالوطن، وكان على كل مهاجر ان يدبر تبريرا للوالد الجبار على هجره للوطن، وكنا لأول مرة في تاريخ حياتنا نشعر بالإنتماء إلى الوطن، فلأول مرة سندبر أكذوبة بيضاء كالتي نتدبرها مع الأم المتكشرة بالخوف على أبنائها،، لأول مرة سيسألك الوطن أين كنت؟ وستتدبر كذبة طفولية بيضاء قائلا: “كنت في الشاطيء أتعلم السباحة مستعينا بمطاط هوائي فانجرف بي التيار والموج لأجد نفسي بعد ليل من الرعب في المدينة المنورة”، وسيسامحك الوطن الأب على رعب ليلتك المختومة بحج مقدس...،كم هو جميل مثل هذا الإحساس الرائع، أن تكذب على الوطن ويسامحك سماحة الأبوة أو الأمومة كما تفعل الأمهات، حين تسامح ابنها حتى عن كذبته، وعندما يأتي الوالد تقول له الام:” لقد كان بارعا في الوصف، قويا في بناء تبريره الكاذب ولم أستطع أن أجرح ذكاءه وكبرياءه، بصحته يعرف كيف يفبركها”. والحقيقة أن الكثير من الآباء والأمهات لا يدركون روعة ان يكذب أبناءهم، إنهم يعلنون بذالك عن أحد اهم مباديء الحياة في الدفاع عن الذات، والآباء الجيدون هم الذين يتسامحون عندما يكون الكذب مبنيا بشكل جيد ومقنعا، وكثيرا ما تجد مثل هذا التبني بين الآباء حين يفاضلون بين أبنائهم بالقول مثلا: “قلبي على ابني الأكبر الذي على نياته أما الصغير فيعرف من أين تؤكل الكتف”ـ .
كانت أغلب المعلومات التي نستقيها من أغلب المهاجرين الذين امتحنوا سؤال الوطن كما قلت، او سؤال العبور، كانت تتمحور حول إجراءات تافهة يمكن تجاوزها ببقشيش متضمن بين صفحات جواز السفر، صك غفران الوطن، وإذا كنت ممن يعاند، ستلقى ترحابا من نوع آخر في أحسن الأحوال هو ترحاب قاعات الإنتظار البيروقراطية، إجراءات عقابية مستفزة في جوهرها، بحيث يمكنك ضياع يوم كامل قبل ان تستأنف رحلتك إلى عمق الوطن، إجراءات تقوم بها ثلة من الموظفين الصغار كما يقال بينما هم شبكة جادة في تحرير الرسموم المقنعة، تستغل فينا عقدة الذنب تجاه الوطن: الهجرة بدون استئذان، الهجرة السرية في آخر المطاف. كانت شخصيتي من هذه الفئات المعاندة، وكنت أعرف أني سأقاوم بشراسة تلك الإجراءات، كان في جعبتي ظهير شريف مفاده ان المهاجر حين يسوي وضعيته سيعفى من تلك الإجراءات، ظهير قرأت عنه بصفحات إحدى اللمجلات اللندنية الناطقة بالعربية،وبما ان إمضاء الوثائق يتم على ظهر سفينة الإبحار، وهي الخدمات الجليلة التي تفضلت بها رعاية الحكومة، كانت لدي شحنة من التمرد في حالة إجراء تعسفي يناقض مضمون الظهير الشريف، من قبيل ان أعود لتوي إلى إسبانيا في نفس الباخرة كما سأعتصم بظهرها في انتظار استئناف عودتها، وسأعلن الطلاق الثلاث من الوطن.
رحلت من مدريد إلى الميريا التي استقبلني بها احد رفاق الدراسة وهو مهاجر غير شرعي حسب القاعدة، كان قد طلب مني حمل وديعة إلى والدته بالمغرب، وصلت إلى ألميريا بعد الظهيرة وعلي الإنتظار حتى الساعة الحادية عشر ليلا للعبور، اقترح الرفيق استضافتي بإحدى الحانات الألميرية المعروفة بمأكولاتها المشوية، وكان بصحبة مهاجرين اثنين آخرين،كان اقتراحا جيدا حيث بددت كل مخاوفي بفعل الثمالة، تناولنا بالطبع موضوع عبوري الأولي إلى المغرب،وقدموا لي النصائح الواجب تتبعها، وأتذكر أني أقسمت لهم أني لن أخصر سنتا في تلك العملية.
في الحادية عشرة ليلا تقدمت بخطوات متثاقلة نحو الباخرة، كان يمسكني صمت غريب، توجس أشبه باللحظة التي تسبق المرأ حين يدخل إلى امتحان ما، اخذت مقعدا بزاوية منعزلة في مقهى على ظهر السفينة، استأنفت شرب الجعة ، بعض الحبات بالتعبير المغربي، وما هي إلا لحظات حتى هالني رف من المهاجرين حول مكتبين متفرقين واحد في الجهة الأمامية والآخر في الجهة الخلفية، فطنت إلى أنها العملية الإجرائية التي سمعت عنها قبلا، أي إمضاء الوثائق الإدارية والجمركية ، تعمدت الإنتظار حتى ينتهي الجميع، وهي عملية طالت رحلة السفر، أي وصل دوري عند الوصول قبل ان ترسو السفينة بقليل، كنت قد استمتعت براحة كاملة قياسا على أولئك الذين أمضوا رحلة العبور في الصف الطويل، تقدمت إليه، كان شابا في مقتبل العمر في بدلة مدنية، يبدو من خلال إشاراته على باقي الموظفين انه اكثرهم رتبة، قدمت له وثائقي الرسمية،، تفحص جيدا جواز السفر ثم سألني:
ــ كيف دخلت؟
ــ دخلت من الباب لماذا؟
ــ أقصد كيف دخلت إلى إسبانيا؟
ــ هاه ! أنت لا تدري ذلك، غريب! انت لا تعرف أن هذا الكم الهائل من المهاجرين، كل واحد منهم دخل بطريقة ما، هناك من تسلق مطاطا هوائيا وهناك من تسلق شاحنة وهناك من دخل سباحة وهناك من رحلوا جماعة في باتيرا وهناك...
ــ نعم أعرف أعرف ، أقصد ماذا سأفعل معك؟
ـــ هناك قانون، أليس كذلك، قم بالإجراءات القانونية.
ــ وهل تعرف انت القانون؟
ــ في هذه الحالة ، نعم، هناك ظهير شريف يعفينا نحن الذين سوينا وضعيتنا من هذه المسطرة التي تلوح بها، صحيح؟
ــ نعم صحيح
ــ تصرف إذن وفقه، هناك إجراء آخر يقوم به المهاجرون..
ــ ماهو؟
ــ يغرسون وريقات مالية في الجواز وتمضي العملية بسهولة فائقة...
ــ أنا لا أقبل ذلك..
ــ انا محظوظ إذن لأني صادفت شابا نزيها، كم عمرك؟
ــ لماذا؟
ــ يبدو انك شاب في مقتبل العمر ويبدو انك لم تعاني ماعانيناه نحن في البطالة بعد الدراسة، وأخمن انك لم تكمل دراستك الجامعية، وها أنت موظف من درجة معينة تسائل شخصا يكبرك سنا في المسائل القانونية، أليس ذلك رائع؟
ــ أنا مثلك عانيت البطالة واتممت الدراسة، خذ جوازك وسنتمم الإجراءات في المكتب
ــ من سيقوم بالإجراءات؟ شخص آخر؟
ــ لا ، أنا شخصي
ــ حسن، دع الجواز معك مادمت انت من سيشرف ...
ــ حسن هو كذلك
عدت إلى مقعدي فيما البعض ممن اخبرتهم بأني في أول عبور لي إلى المغرب، يسألونني كيف تم الأمر، اخبرتهم بما حصل،نصحني البعض بأنه كان علي أخذ الجواز عندما منحني الموظف إياه، كما لامني البعض الآخر عن جرأتي محذرين إياي أنه كان علي فعل ما يفعله الآخرون وينتهي الأمر، أي كان علي زرع ورقة مالية في الجواز اختزالا للوقت والسين جيم،وما إلى ذلك.
عند النزول، اعترضني رجل أمن آخر يسألني عن جوازي، كما أجبته بأنه مع مأموره، سألني عما إذا كنت اعرفه او ما إذا كانت لي قرابة معه أو دورت معه(1) أو ....أجبته بأني لا أعرفه ولا تجمعني معه قرابة ولا أي شيء آخر، مجرد حسن تفهم لا أقل ولا اكثر، أخبرني بأنه يستطيع حل المشكل إذا دورت معه، أخبرته بأن المسالة حلت ولا انوي بصق سنتا في العملية، وليطمئن بأني أقصد ما أقول، تقدمت إلى المكتب فيما الرجل مازال يناوش إصرارا بأن امنحه شيئا، نظر إلي الموظف الأول وأشار أن انتظر قليلا، بعد ذلك نادني باسمي ومنحني الجواز قائلا:
ــ خذ جوازك أباراكا من التفلسيف (خذ جوازك واعفينا من تفلسفك)ـ
اخذت الجواز واتجهت مهرولا نحو الهواء الطلق فيما الرجل الثاني لا زال يناوش معي، أخبرني أنه لم يتناول قهوته الصباحية، فهزتني خلالها حالة من الإشفاق أنستني أنه رجل أمن فناولته قطعة نقدية من فئة يورو ثمن كأس البن مخالفا بذلك ما وعدت به رفاق الحانة من أني لن أدخر جهدا في ممانعتي، أخذها وهو ينظر في وجهي، قرأت في عينيه يقول: ياله من رجل بخيل.

(1) دورت معه تعني أرشيته،والعملية تدويرة وهي تقال بهذا المعنى الدوراني تخفيفا من قداحة كلمة الرشوة درءا لما تحمله كلمة الرشوة من شحنة العار



#عذري_مازغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلاقات المغربية الإسبانية
- خواطر سياسية: كل الاحزاب المغربية أحزاب الملك
- تأملات رمضانية: الجنة قبر جميل حالم
- حكايا من المهجر: لاموخنيرا (2)
- رمضان من وجهة نظر مختلفة
- أبواب الجنة
- نداء الأرض
- رفاق الفرقة
- النيولبرالية المتوحشة3 : وضع الطبقة العاملة المحلية
- حكايا من المهجر: آلة الوتر
- النيوليبرالية المتوحشة (2)
- اشراقات أمازيغية
- النيولبرالية الجديدة: الزراعة المكثفة نموذجا، إلخيدو (ألميري ...
- إعلان عن احتجاج عمال مهاجرين بألميريا (إسبانيا)
- العمالة المهاجرة: ودور التنسيق النقابي
- مدخل لفهم نمط القطاع الخدماتي
- سلام لذاكرة المعتوهين
- هل حقا انتفت الطبقات
- الإجماع الوطني، أو ميتافيزقا الجلاد المغربي (دفاعا عن الجمعي ...
- يوميات مغارة الموت: إضراب 1990


المزيد.....




- أطلقوا 41 رصاصة.. كاميرا ترصد سيدة تنجو من الموت في غرفتها أ ...
- إسرائيل.. اعتراض -هدف مشبوه- أطلق من جنوب لبنان (صور + فيدي ...
- ستوكهولم تعترف بتجنيد سفارة كييف المرتزقة في السويد
- إسرائيل -تتخذ خطوات فعلية- لشن عملية عسكرية برية في رفح رغم ...
- الثقب الأسود الهائل في درب التبانة مزنّر بمجالات مغناطيسية ق ...
- فرنسا ـ تبني قرار يندد بـ -القمع الدامي والقاتل- لجزائريين ب ...
- الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى قرارا يندد بـ -القمع الدامي و ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن أخفت عن روسيا معلومات عن هجوم -كروكو ...
- الجيش الإسرائيلي: القضاء على 200 مسلح في منطقة مستشفى الشفاء ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 11 ...


المزيد.....

- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون
- في مسعى لمعالجة أزمة الهجرة عبر المتوسط / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - عذري مازغ - حكايا العبور