جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 3188 - 2010 / 11 / 17 - 20:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن هناك أسئلة دارت وما زالت تدور حول طائفية العهد المالكي, وبطبيعة الحال فإن تلك الأسئلة لا تنطلق من غايات أكاديمية هدفها تقييم الوضع ذاك بحرفية علمية دقيقة ولكن كانت جرت في معظم الأحوال, وخاصة من قبل كتاب حاليين لغرض بناء نظرية تفسر مذهبية وطائفية النظام الحالي كونها كما يقولون كانت قد أتت كرد فعل مشروع على مسلسل ما كان انقطع من التوجهات والسياسات الطائفية للعهود السابقة.
الأجوبة على جملة التساؤلات تلك, أو على غيرها, ستكون ببساطة الأسئلة ذاتها وبعفويتها وحسن نية بعضها أيضا:
أولا - لأن التاريخ السياسي للعهد الملكي كان تاريخا علمانيا, ولم يكن الإسلام السياسي قد طرح نفسه بعد كبديل سياسي, لذلك فإن العودة لقراءة تلك المرحلة على ضوء معطيات المرحلة الحالية سوف تؤدي إلى أن تأتي القراءة مجردة من زمانها, وهو خطأ كبير قد يقلب المعاني والحقائق.
ثانيا - إن الشيعة كان أمامهم آنذاك فرصة التعبير عن أفكارهم الوطنية من خلال تنظيمات قائمة ومتناغمة مع طبيعة المرحلة تلك وبالاتجاه الذي يمكنهم من تغيير المجتمع وطنيا وبأشكال أكثر تحضرية وليس من خلال الفعل الطائفي البديل.
ثالثا – ولا يفترض كل ما تقدم أن المجتمع العراقي آنذاك كان خاليا من الممارسات والأفكار الطائفية وإنه لا يمكن الوقوف أمام حالات شاخصة من التفرقة والتمييز الطائفي, بل إن القول بعكسه سيخالف عندها لغة التاريخ وأحكامه. وضمن مجتمع كهذا لم يكن مستحيلا أن تجد الطائفية الاجتماعية حيزا لها في عقيدة السلطة وفي سلوك البعض من رجالاتها وأن يعبر عن نفسه من خلال سلوكيات شخصية كان مقدرا لها أن تتضاءل لو كتب لتلك الدولة المدنية الاستمرار ولو تقدر لتجربتها البرلمانية الديمقراطية أن تتطور باتجاهات متناغمة مع التطور الاقتصادي والحضاري.
رابعا – نعم كانت مصلحة الاستعمار البريطاني في التعبئة الطائفية حقيقية ومع ذلك فلكن لم يكن مقدرا لها أن تعبر عن نفسها بالقوة التي عبرت عنه المصلحة الأمريكية في الوقت الراهن لغياب تأثيرات الفكر الديني والطائفي آنذاك, وبالتالي غياب الحاضنة التي تحول ما هو اجتماعي إلى سياسي وما هو شخصي إلى جمعي, ولهذا يمكن القول أن العراق الإنكليزي كانت فيه طائفية أما العراق الأمريكي فهو طائفي بامتياز.
وإذا أضفنا إلى ذلك مجمل ما مرت به المنطقة, والعراق في مقدمتها, فإنه ليس من الصعب معرفة أن ردود الفعل الطائفية كانت مكتسبة بفعل معطيات سادت المراحل التي تبعت العهد الملكي, وخاصة في المرحلة الأخيرة من العهد الصدامي والتي لا يمكن نكران تأثير رد الفعل على تعميقها وبخاصة بعد الانتفاضة الشعبانية وكنتيجة أيضا لصعود دور الحركة الإسلامية وتزايد نفوذها الفكري والتنظيمي.
خامسا– إن كون ملوك العراق كانوا من الطائفة السنية وكذلك الأغلبية من رؤساء وزارات ذلك العهد لا يمكن لوحده أن يؤسس لهوية الدولة المذهبية, ففي السياسة لا يمكن لعامل واحد أن يؤسس نظرية, ولو حدث وإن كان, لأمكن تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية كدولة بروتستانتية, لأن كل رؤسائها منذ التأسيس ولحد الآن هم من الطائفة البروتستانتية ما عدا رئيسا كاثوليكيا واحدا هو الرئيس جون أف كندي, ولأمكن تصنيف روسيا الشيوعية الملحدة من خلال الأصول الطائفية للأغلبية من رؤسائها.
سادسا - ومع أن أمريكا على مستوى السلطة والدستور والثقافة قد تجاوزت العنصرية فليس معنى ذلك إن المجتمع الأمريكي بات خاليا منها, وهذا ينطبق أيضا على النظرة للمرأة ولقضية المهاجرين ومن حزمة من القضايا الأخرى التي لا يعني انفضاض مؤيديها حال رفض الدولة لها, ففي المجتمع يبقى الموروث لفترات متغلبا أو متنافسا مع المكتسب, ولذا فإن الحملة التي يشنها خصوم أوباما المحافظين لا تخلو أبدا من توجهات عنصرية ودينية, بل هي قد تنطلق منها.
سابعا – وكما قلت في مقالة سابقة فإن الاستشهاد بالجداول الرقمية التي كانت تحدد حجوم المشاركات الرسمية لهذه الطائفة أو تلك على مستوى البرلمان لن تكون محاولة موفقة لكتابة التاريخ لأن التاريخ لا يقرأ أو يكتب بشكل رقمي ولا يقاس بالمساطر والفراجيل الحسابية, ولغة الأرقام قد تكون خادعة ما لم تقرأ كنتيجة لأسباب مركبة ومتفاعلة, وفي تواريخ الطوائف في العراق وظروف المرحلة بمناظيرها الاجتماعية وميراثها الطائفي وظروفها المركبة المؤثرة آنذاك ربما يوجب ضرب عدد رؤساء الوزارات الشيعة الخمسة بما يجعلها أكبر بكثير مما تبدو عليه كرقم حسابي مجرد.
ثامنا– وكما أن الموروث التاريخي والثنائية المذهبية كفيلة بإحداث التصدعات الطائفية فإن قدر العراق الجغرافي قد وضعه إلى الجوار من إيران, ونظرا لطبيعة الفكر المذهبي والديني العابر للدول والأقاليم والقارات, ولجنوح بعض رجالات الفقه السياسي والمذهبي الشيعي بإتجاه ولاية الفقيه فإنه ليس من باب الاتهام أو التجاوز أو التعدي القول إن تخوفات السنة وحتى رد فعلهم الطائفي السياسي بهذا الاتجاه هو أمر له ما يفسره, وإن الجانب الشيعي يتحمل مسؤولية معالجة هذه الإشكالية من خلال توجه جاد لفك كل من شأنه أن يضع الفقه الجعفري بالضد من الفقه الوطني.
تاسعا - نعم, سأوافق على أن النسبة والتناسب هي معادلة لا يمكن إغفالها مطلقا لتأسيس نتيجة وصفية, ففي الحكم الملكي لا يمكن التغاضي على أن الأغلبية السياسية القيادية كانت للأقلية الدينية المذهبية, لكن ذلك الوصف سيكون كافيا لتأسيس نظرية تغيير بإتجاه طائفي معاكس فيما لو كانت الدولة ذاتها معرفة دستوريا ومحددة سياسيا بإطار مذهبي وفيما لو كانت ممارساتها السياسية والفقهية متمركزة ومتوجهة لاضطهاد الشيعة, لكن الدولة الملكية لم تكن كذلك.
عاشرا - وحتى حينما سننتهي إلى أن التمييز أو التفضيل المذهبي في العهد الملكي كان قائما فإن ذلك لا يكفي لاعتماد جداول ذلك التمييز الرقمية لاختيار الحل الملائم, وسيكون من الباطل أن يعتمد بعض السياسيين والكتاب على هوية رجالات الحكم الملكي لتحديد هوية الحكم المذهبية ولاستغلال جداول بأعداد المسئولين السنة للقول بأن ذلك الحكم كان طائفيا, فلا الملك فيصل ولا الوصي عبدالإله ولا الباشا نوري السعيد كانوا طائفيين بالمعنى السياسي أو الديني لأنهم لم يحكموا بإسم الدين أو المذهب ولم يتجهوا لإقامة دولة دينية لا من قريب أو بعيد حتى يقال أن بنية الدولة الفقهية هي التي تتحدث عن طائفيتها, كما أن المؤسسات العراقية على مختلف أشكالها ومؤسساتها لم تكن صممت لتعمل بآليات وأجندات مذهبية.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟