أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء كعيد حسب - أوراق من هاوية الماضي ( الجزء الأول )















المزيد.....

أوراق من هاوية الماضي ( الجزء الأول )


علاء كعيد حسب
شاعر و كاتب صحفي


الحوار المتمدن-العدد: 3163 - 2010 / 10 / 23 - 23:33
المحور: الادب والفن
    


لم تكن لي في العيد هدية و لا دراجة هوائية أسابق بها الريح ، مع ذلك أحب طفولتي كثيرا و أفتقدها شفافة ضائعة وسط كومة الكتب و اللعب و التفاصيل ، فأحيانا ، عبر استحضار ذكريات المدرسة و المشاجرات و الأحداث الحزينة و السعيدة , يدرك المرء إنسانيته دون الحاجة إلى شمعة تنهار أمامه أو شاعر يفتح عاطفته على المجاز . أركب الماضي و ألحق بالخريف الأخير من سنوات الصبى ، و أتلاشى مع صوت الطعريجة (آلة موسيقية تقليدية) أيام العيد و هتاف أقراني حين نعد حبات البرتقال التي قطفناها ليلا من المدرسة القريبة من الحي ، و نجد حصة كل واحد منا برتقالتين ، الصخب و الشغب من جملة مقبلات تلطف مرارة الوضع ، وضع لا يجيد الصغار ببراءتهم ، قراءته في عيون الكبار.

لكل ليلاه ، و لي جمال مراكش الباطني و كافة عيوبها . هذه المدينة تحفظ خطواتي في الأصيل و عمرا سريعا تلتهمه الفصول الأربعة ، ينفذ من بداياته دون وعي أو إدراك . كتبت مرة لأجنبي استفسرني ، كان ينوي زيارتها :

((مراكش الحمراء . كثيرون كتبوا عنها و رسموها : مدينة استثنائية السحر و الهواء . استراح في فنادقها ورياضاتها (دور قديمة فخمة تقليدية الطابع) ملايين السياح ، ممثلون و مغنون و ملوك و شعراء و رسامون و أناس عاديون جذبتهم المدينة بطابعها الآخاد و روائح العطرية و الجلد و المأكولات و زمن أكل عليه الدهر و شرب ، صنع مجدها و دروبها الضيقة و رجالها السبعة . و في حدائق أكدال و المنارة و تحت صومعة الكتبية و بين البهارات و أرواح العبيد القدامى في الرحبة القديمة و على وقع الشموع المنثورة ليلا على امتداد ساحة جامع الفنا المغمورة بدخان الأطعمة المتصاعد نحو السماء ، شرقيون و غربيون أجمعوا على أنها تحفة نادرة و وجه جميل للحياة المغربية )).

الطفولة التي أحن إليها كلما تذوقت في لعابي طعم الحليب ، و رغم بساطتها ، معقدة و مركبة و متصلة بالألم كعين الذبابة . و لعل عيون الكبار المهشمة بشمس لا تمسح البؤس عن الوجوه و خطوات العابرين وحيدين في الأصيل ، من جملة الوضع الذي لم نفهمه حين كنا صغارا ، نلعب و نتعارك و نتسابق في زاوية أو درب قديم طويل لا يفضي إلى شيء . في الهامش ، حيث رسم الله وجها مشوها للمدينة ، لا يعرفه السياح . جنوب سكة حديد تفصل قلبها النابض حي جليز ، حيث الأغنياء المغاربة و الأجانب و المحلات و المطاعم و المقاهي الراقية و الحانات ، و كذلك المدينة القديمة مقر أكثر السياح ، عن أحياء الأوباش ، دوار عريب و دوار سيدي امبارك و دوار إيزيكي و دوار ماشو و دوار العسكر ، أحياء التهميش و الإقصاء ، و الوجوه الموغلة في قدم لا يمت للألفية الثالثة بأي صلة و لا يحمل في قسماته شيئا من ملامح العهد الجديد.

.

***************************************************

و على دوار العسكر يحل الأحد الثالث من شهر مايو زائرا غير مرغوب فيه ، يصلني صامتا في خلوتي و في جيبي فراغ سنوات الضياع . لا مال . لا سجائر ، لا حشيش ، لا خمر ، لا شيء .. . جو الغرفة الدافئ تلطفه نسمات دخلت من النافدة ، و في العلبة الإسمنتية الأخرى تشاهد والدتي التلفاز ممددة على (كنبة) غير آبهة بظلم الحكام و الاحتباس الحراري و اصطدام الحضارات ، في حكمة و هدوء عميقين يستوقفاني حين أكون ذليل نفسي و العزلة . و قراراتها التي تكاد تكون جميعها صائبة ، جعلتها في نظري إنسانة مدهشة تستحق الحياة . لم تتلقى تعليما و لم تدخل مدرسة ، لكنها مبللة بالمعرفة الفطرية العذراء كطين طاهر مبلل . أمية لا تعرف الألف من الهراوة و ترى بوضوح عكسي أنا المغرور بتعليمي البسيط و بعض القصائد العربية التي أحفظها عن ظهر قلب ، و تردد : أن الحياة كفيلة بتعليم المرء ما يريد و ما لا يريد .

نداء المزاج كان قد بلغ ذروته بعد أذان العصر ، و تأجج نارا في صدري . نفسيتي كئيبة بسبب ساعات لم أدخن فيها الحشيش . هموم . أفكار غير واضحة في الرأس لهبها يتصاعد في كل مرة أحاول تمييزها . الصواب بدأ يفقد قوته الحسية علي . فرصة العدول كانت صفرا ، و قدرتي الشخصية على رفض السياسات البديلة أو بالأحرى أهوائي تضاءلت ، و تضاءلت حتى خمدت . و كل القيم لم تك حاضرة إلا لتمنحني أعذارا لتنفيذ ما نويت القيام به . رجال حول النبي ، الأحاديث القدسية ، تلبيس إبليس ، و غابة الحب فينا مترجما للفرنسية لأدونيس ، كانت الكتب التي وقع عليها الاختيار للتضحية بها في سبيل إيجاد طبيعتي . في شرود مباغت شاهدت نفرا من حاملي الشواهد و الحقائب يلعنونني من نقطة عميقة في عقلي و يتوعدونني بالجحيم . لعنتهم في لاوعي و بصقت على البلاد و العباد و مضيت في نكراني بلامبالاة أحيانا و بتأنيب مرات أخرى ، مضيت في الحافلة رقم ثلاثة المتجهة إلى باب دكالة ، حيث المحطة الطرقية و سوق الكتب المستعملة . كان السوق عبارة عن أكواخ مصطفة من الخشب مسقوفة بالقصب و القصدير في أحسن الأحوال ، تعكس وضع الثقافة و المثقفين على العموم .

بابتسامة ماكرة استقبلني البائع بين ركام الكتب و المجلات و الدراسات المتفرقة في الدكان ، علم من كيس البلاستيك الذي أحمله أنني جئت لبيع بعض الكتب . عرضتها عليه ، تفقدها جيدا و قال :
_ سأعطيك خمسين درهما.. و أصلا لا حاجة لي بهذا النوع من الكتب.
أخبرته أن الثمن دون المرجو ، و شرحت كيف يمزقني فراق الكتب . التفت نحو خمس مجلدات لألف ليلة و ليلة محشوة غصبا على أحد رفوف الدكان و قال : هذه المجلدات الخمسة اقتنيتها بخمسين درهما ، و هي في حال جيدة كما ترى . ثم أتم بعد رشفه من كأس شاي : سأعطيك سبعين درهما و هي أخر كلمة تسمعها من فمي .
بانكسار كبير قبلت سبعين درهما في الكتب الأربعة ، و بنظرة محتقرة ودعني البائع اللئيم . لم أكن راضيا بالمبلغ ، لكنني مضطر في سبيل مزاجي للقبول به . حزن يشوب هذه السعادة المؤقتة بمال لن يبقى بعد قليل . حصار عقلي و شخوص و أطياف مبهمة الملامح تجذبني من ثيابي و قدمي إلى هاوية الندم السحيق .

في طريق عودتي ، خلف الزجاج ، لمحت مبتهجين و بؤساء تجمعهم مراكش داخلها . من باب دكالة إلى دوار العسكر مرورا بجليز ، تشق الحافلة رقم ثلاثة المسافة و تفتح ثغرة لها في مسام المدينة , و على متنها عينات من الشعب التعس . رغم اختلاف البدايات و الزمن و المكان ، عبيد العمل و المال و الجنس و النرجسية و عبيد الله ، يعودون إلى بيوتهم ، أعشاشهم ، سجونهم ، إلى وجعهم الشخصي . بعد أن يتحدثوا في الحافلة و الشوارع و محل المأكولات و كل مكان يسمح فيه بالكلام ، عن عوزهم و كثرة الأرباب و القمع و المستقبل الذي تذوب باسمه شموع الماضي و تغير تحت يافطاته الأسماء القديمة .

توجهت مباشرة إلى مقهى العربي . علبة سجائر صغيرة و خمسون درهما من الحشيش و كأس حليب بنسكافيه ، كان ما صنعت بالسبعين درهما ثمن الكتب . بعد الجوان (لفافة محشوة بالتبغ و الحشيش) الرابع بعد أن وجد طبيعته و شبع دوخة و بواقة (تخدير) ، استيقظ ضميري فجأة و امتلأ قلبي حسرة على ما فقدت . كلمات تحولت إلى دخان مخدر و كافيين ، يا لخيبتي . لست إلا واحدا من البؤساء .. موبوء بحمق أسلافي .

اعترض ضميري منير ، بدا مرتبكا و خائفا . جر كرسيا نحوي و جلس على شمالي مادا بصره حوله ، متفحصا الكل . و قال :
_هربت من البوليس
استنبطت قبل قوله ، من لونه المصفر أن توتره ذو صلة بالبوليس . ببديهة من أمضى عمره في رأس الدرب خارجا عن سلطة العائلة و القانون و ما يجب أن يكون و لا يكون .
و سأل :
_مكيف (تعني بلغة الحشاشين المغاربة : هل لديك حشيش)
_اجلب سيجارة و وريقة (قطعة رقيقة من الورق تباع في أكشاك التبغ ، تستعمل كلفافة يجمع داخلها التبغ و الحشيش)
ذهب و عاد . جلس في مقعده . أعطيته القليل من الحشبش ، فصل رأس السيجارة ، بقر بطنها و أخرج التبغ و وضعه في كفه ، سخن الحشيش بعود ثقاب ليسهل تفتيته و مزجه مع التبغ ، جمع الخليط في الوريقة ، لفه دائريا باحتراف ثم لصقه بلعابه صعودا ، أزال ما تبقى من الوريقة بأسنانه . دك الجوان دكا ، و أشعله .
و هو يدخن حكى كيف اعترض البوليس طريقه راكبا على دراجته النارية ، و كيف كان سيصدم أحدهم ، و كيف شتمهم بعد تأكده من محالة لحاقهم به و قبضهم عليه .
نظرت في يده إلى الجوان الذي تبقى نصفه ، ثم في عينيه السوداويين المهشمتين بخوف المرضى و عروق الكره و الشقاء . و ذكرته بأنه لم يناولني نصيبي . تحدث عن عمله الذي طرد منه و عن صديقته و أمه و أخيه المسجون قبل أن يعتذر ممررا الجوان .
أمسكت باللفافة ، دخنت نترة (جرعة حشيش) و أخرى ، قبل أن أسأله :
_ لما لم تتوقف حين طلبوا ذلك منك ؟ لست مجرما و لا ذا سوابق.
_ هربت لأني لا أملك وثائق تثبت أن الدراجة لي .
_ و أين هي الأوراق ؟
_الدراجة أخدها أخي قبل أن يعتقله البوليس عنوة من شخص كان رفقة عشيقته في حديقة خلف السوق .
_آهاااا . عليك أن تزيل قميصك الأحمر إذن ، فربما وشموك به عبر اللاسلكي لباقي الوحدات .
_عندك الصح (أنت على حق) . لقد وشموني . شتمت أصولهم و فروج أمهاتهم ، و كدت أصدم أحدهم عند فراري . الحمد لله ألبس اليوم قميصين .
نزع القميص الأحمر و بقي في أخر أخضر مزينا على الصدر بكرات حمراء و أسطوانات زرقاء . الآن يبدو آت من كوكب الكرنفانات و الألوان القوية الواضحة من بعيد ، همست لنفسي و أنا أرمي عقب الجوان بعيدا عن الطاولة .. عنا .

ثلاثتنا في السكون المقيت , تحت تأثير المخدر و الضمير , بين الحلم و اليقظة ، و الدم و السيوف و الممسوخين الذين لعنتهم الآلهة . ثلاثتنا من نفس الحي ، هو و أنا و الفقر ، هذا الذي يجعل الإنسان ذرة قابلة للانشطار و الانفجار . شربناه في حليب أمهاتنا ، تجرعناه مع الهواء ، و لامسناه في أكف أبائنا المتعبين . كان هنا , على الأرض ، منذ الخليقة . و مؤخرا ازدهر و ساد ، و أصبحت له كتلة و ألوان في عمقها جميعا سواد . أسرتينا قدمت من مكانين مختلفين لتتقاسم مع الفقر وحدته ، و لتتعلما منه تعب العيش و قتامة الليل . جاءتا لتنجبا ذرية حسنة تؤنسه و تشكر الله على نعمه ، في مدينة اللواط و البؤس و العهر ، مدينة كل ما هو أحمر .

*******************************************

ليس الصباح بمحبب إلي ، على الأقل حين أكون مفلسا . الاستيقاظ باكرا يعني كثرة المصاريف . أنام حتى الثانية أو الثالثة بعد الزوال نوما خفيفا مهددا بأي صوت و أدنى حركة . لا أشعر بعده براحة أو نشاط ، نومي عذاب من نوع مختلف ، لا أحلم إلا نادرا و إن حصل ذلك أنسى التفاصيل .

مقهى العربي المحطة الأولى دائما . السيجارة الأولى مستدانة كالعادة من علي بائع السجائر (في المقهى) . لا قهوة أو شاي أو أغنية ترافق أولى رعشات النكوتين . كثيرون مثلي (مفلسون) يشغرون مقاعد دون طلب شيء . لا صوت يعلو فوق صوت . سيمفونية خافتة للهامسين . الفقر يجعل الناس متساوين في البؤس و عقلانيين أكثر من اللازم . سميرة (نادلة المقهى) تقدم لي أحيانا القهوة على حسابها ، نادرا ما ترى عابسة ، كثيرة الكلام و الابتسام ، قصيرة و نحيفة قليلا ، بشرتها بيضاء ، و نظراتها حادة . عيناها كبيرتان و تحت خدها الأيمن تموضعت شامة صغيرة يحرسها شعرها الأسود . شابة في الثانية و العشرين من عمرها ، تمضي ساعات العمل في سماع الشتائم و الأسرار و الوعيد و الأخبار التي يتبادلها رواد المقهى بينهم . تعلم الكل و لا نعلم عنها إلا ما جادت علينا به شفتاها الورديتين :
_أنا سميرة و عمري اثنتان و عشرون سنة .
أدركنا فيما بعد من خلال تصفحها اليومي و البطيء للجريدة أنها متعلمة ، فكرت مرة : سيدة فضاء المقهى لا تملك غير البؤس الظليل و أنوثتها ، فلما لا أدعوها للعشاء ، و ألوثها بعد ذلك بسم اللذة الأبيض ؟ . لكنني لم أحاول دعوتها قط ، و لا التقرب منها رغم تلميحاتها المتكررة و نظراتها الغاوية بينما تضع القهوة أو الشاي أمامي . يمنعني دوما عجب من مواصلة الطريق ، مسخ داخلي يكبل الغريزة يسمونه قيما.


********************************************

أحب الكتابة حين تقيدني الحياة بشروطها . الأبجدية وحدها تجعلني حرا على طبيعتي ، محششا أو سكرانا أو دون ، لا يهم ما دمت أحمل قلمي و أحفر على الورقة أحاسيسي وأعمقها . اللغة سجن الغرباء و كوخ التعساء المجروحين ، المنبوذين ، الذي يصنعون فيه نعشهم و دموعهم الرخيصة . ترجمة الشموع و الموت و معنى الحب و الشك ، تعكسها عيونهم المتوجسة من أي حضور .

بعد سنين ، أذكرها ، مرتعشة خائفة من شبح شخص كان فيما مضى رعبا قائما بذاته ،. أراد سرقتها ، ضربه و هروبه كانا كافيين لترافقني . صراخ السكارى و المجانين المتفرق في الظلام ، و أصوات المسجلات و الموسيقى الصاخبة تعطي الليل طابعا غابويا _وحشيا في هذا الدوار ، دوار العسكر .
اسمها سعاد . دخلت العهر مرغمة حسب قولها . تزوج والدها بعد وفاة أمها بالسرطان من عاهرة أذاقتها الويل مباشرة بعد تعرضه لحادت سير أصيب على إثره بشلل نصفي . أصبح يرى الزلالة و الزبائن يدخلون بيته . يتابعهم بنظراته دون أن يتحرك إنش منه . كان عاجزا . وحده السخط يتطاير من عينيه .
تروي سعاد ماضيها بمرارة من يعرض آثامه و ذنوبه على ربه ليتفهمه و يغفر له ، كانت تتأوه و تتكلم راحلا في جسدها كقصيدة رومانسية أو ملحمة ، لا أذكر ضحايا المجاعات و الحروب و لا أسماء النجوم البعيدة . رائحة أزمنة و فصول ما قبل التاريخ تزكي ، عند الطلوع و النزول أنفاسي . حين تهاوت كجدار تغمره فيضانات صرخت بانفعال:
_أنا لست منهن . زوجة أبي ، القوادة ، هي من دفعني إلى الشارع .رفضت في بادئ الأمر ، لكنها في الأخير جلبت شخصا اغتصبني بمقابل مادي و فرضت أمرها الواقع .
و نحن جسدين في عش واحد تصاعدت من البخار المنبثق من شظايا أحرقتها اللذة ، صورة والدها المقعد يلاحق بعينين جاحظتين مغتصب طفلته الوحيدة يدخل عليها ليأكلها . لا شك شاهد ابتسامات زوجته و دموع ابنته ترجوه أن يتحرك ، أن يستفيق من سباته الشللي ، ليقتل الأسد الذي يشحذ عضوه التناسلي ، لافتراسها .

شبح كملايين الأشباح التي أشاهدها في سهوي ، هي الآن . كانت ذات جسد ، و عينين عسليتين يزين رموشهما الكحل ، و ثديين ممتلئين ، و صوت ... لكنها اليوم ، و منذ ذاك اليوم ، مجرد مجموعة من الذكريات تصارع في لاوعي لتطفو في وعي ، محدثة حزنا طفيفا بعمر نبضة قلب .

*******************************************************

احترامي لغيري كبارا أو صغارا ، ذكورا و اناثا ، تم وحشيتي و استماتتي في الدفاع عن نفسي ، كانا سببا في سلامتي في حي لا يعترف بالحوار و النقاش كوسيلة لحل النزاعات . سكين ، قنينة زجاج مهشمة ، آسيد ، غاز ، حجر ، شفرة حلاقة ، عصي و أسلاك و سواطير ، أسلحة تركت أثرها في وجوه و أجساد كثيرين ، فبالعنف تحل هنا المشاكل و الخلافات وسوء الفهم .
ندوب تزين الأعناق و الوجوه و الصدور و كل مناطق الجسم . ندوب يكرهونها كلما ولوا وجههم للمرآة و يحملونها مرغمين أينما حلوا و ارتحلوا . بعض اليائسين ، بعد أن يتناول القرقوبي (الحبوب المهلوسة) و يدخن الحشيش و يشرب الخمر ، يضرب نفسه بنفسه ، و من دون سبب أحيانا . أعرف شخصا كتب بالسكين على صدره و بخط واضح عميق : لا ثقة في .
ألسنتنا أمر من أيدينا . في تبادلنا الشتائم نسب كل شيء بأي شيء . القبيح مباح . البيئة المتعفنة فكريا لم تكن تجعلنا نتعفف من انحطاطنا الشفهي ، على العكس نشعر بفخر لكوننا نتحدث لغة دون قيود .
في المنزل كان الأمر أشبه بلعبة . يمنع منعا كليا حسب الشريعة و قوانين الأسرة و الأصول ، النطق بكلمة بل بحرف يجرح الحياء العام ، و بالنسبة لمراهق منحرف يمضي يومه في رأس الدرب في الحديث مع أقرانه بطلاقة ليست لها حدود ، اختيار الكلمات اللائقة عمل شاق و وجه من وجوه انفصام الشخصية . كان المنزل بمثابة صفيحة تكتونية تمنع نفوسنا البركانية بالتصرف على طبيعتها ، فيما الشارع غابة نعي فيها معنى البقاء ، و مدرسة تراجيدية مفتوحة دائما ، و مسرح تسع خشبته جميع الشخصيات .



#علاء_كعيد_حسب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطفولة على الهامش
- صوت مفلس
- الشاعر السويسري برينو ميرسي و رحلة اكتشاف الآخر
- لحسن لفرساوي : سريالية اللون و الحرف
- شاعرية الماغوط و القارئ
- محمود درويش , الشاعر الحاضر فينا
- المالكي و ديمقراطية الفؤوس
- هلوسات في حضرة الشهود
- قاض بمحكمة نواحي مراكش , يغتر بنفسه
- مريم
- هي و الليل
- التعبير عن الرأي: بين التعتيم و التنوير
- ثيمة النضال في ديوان أبابيل الصمت للشاعرة المغربية زليخة موس ...
- إنفلوانزا الخنازير : الكابوس الذي يفزع المغاربة
- حسنا , سأكون كما تحبون
- أمريكا و المالكي و مقهى الحشيش
- إيران : النهضة التي تحاول الأغلبية إخمادها
- بين النارنج و النخيل
- الوصية
- واحة رغبات


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء كعيد حسب - أوراق من هاوية الماضي ( الجزء الأول )