أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر جاسم قاسم - الشريف الرضي بين عناد غزوان وعزيز السيد جاسم... دراسة مقارنة.-















المزيد.....



الشريف الرضي بين عناد غزوان وعزيز السيد جاسم... دراسة مقارنة.-


ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)


الحوار المتمدن-العدد: 3156 - 2010 / 10 / 16 - 01:27
المحور: الادب والفن
    


يعتبر الشريف الرضي من شعراء العصر العباسي الذين أحدثوا ثورة في الشعر العربي ساهم في إنتاج مجاميع شعرية مطولة وقصيرة لها أساسيات من الوجود الشيء الكثير حيث يقول عنه الثعالبي المتوفي سنة 429هـ ((ولو قلت انه اشعر قريش لم ابعد عن الصدق)) ويقول عنه الدكتور زكي مبارك ((الشريف الرضي أفحل شاعر عرفته اللغة العربية وأعظم شاعر تنسم هواء العراق)) ونحن في هذا البحث نريد أن نتناول وبدراسة مقارنة بين ما تناوله المفكر المغيب عزيز السيد جاسم حول شعر الشريف الرضي وبين ما تناوله الدكتور الناقد عناد غزوان حول شعره أيضا حيث قد قرأ كل منهما الشاعر الرضي من وجهة نظر مختلفة مما يدلل بشكل لا يقبل الشك على موسوعيته وعظمته كشاعر من تراثنا العربي.
فالدكتور عناد غزوان تناول البناء الفني للقصيدة الشريفية وأوضح المقصود بالبناء الفني للقصيدة العربية قبل الإسلام وحتى العصر العباسي وكيفية تطور قصيدة الشريف الرضي أما عزيز السيد جاسم فقد تناول الاغتراب في شعر الشريف الرضي وانسحب في تناوله لمسالة الاغتراب على كافة الجوانب الاغتراب السياسي والاجتماعي والجذر القومي للاغتراب السياسي، وغربة الناس وغربة المتفرد واغتراب الحب وغيرها من الجوانب التي تناولها كموضوعة في شعر الشريف الرضي ومنها الحب وغيرها .
إذن نستطيع القول إن عزيز السيد جاسم اخذ الجانب المعنوي في شعر الشريف الرضي ولم يركز على بناء القصيدة الفني أما الراحل عناد غزوان فقد ركز على بناء القصيدة لدى الشريف الرضي وكذلك على المعاني كما سنرى..حيث تناول عصر بناء القصيدة وما طرأ عليه حيث طرأت على البناء الفني العام للقصيدة العربية منذ مطلع القرن السابع الميلادي(سنة 609م) أول ظهور الإسلام قبل الهجرة النبوية بثلاث عشر سنة ،إلى العصر الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي –أي مطلع القرن الخامس الهجري- وهو عصر الشريف الرضي الذي ولد في عام 359هـ، 969م. وتوفي في عام 409هـ /1015م حيث عاصر القرنين الرابع والخامس الهجريين تغيرات وتطورات فنية كثيرة اقترنت بالمظاهر والمراحل الحضارية التي شهدها الفكر الأدبي العربي في ضوء مستلزمات جديدة ويعطي عناد غزوان أوصاف عصر الشريف الرضي التي كانت قائمة آنذاك في عصره والتي أثرت فيما بعد على شعره ومنها: البديع واختراع المعاني وتغميض الصورة الشعرية وحياة الترف ،والرفاء والدعة وما طرأ على الحياة العباسية من تغيير وتطور حضاري مس بعض جوانب الحياة الاجتماعية فبرز شعر المجون والفراغ والدعابة والسخرية غرضا شعريا جديدا في القصيدة العربية العباسية ليعكس ويصور جانبا نفسيا وفرديا واجتماعيا من جوانب تلك الحياة المترفة،أما وصف عزيز السيد جاسم فيكاد يكون مختلفا عن هذا الوصف لعصر الشريف الرضي حيث ذكر عزيز إن عصر الشريف الرضي اتسم بتفاقم الفساد والاحتيال والغدر وهدر الأخلاق وسيادة منطق القوة والقهر والابتزاز والارتشاء وكل المباذل التي تهوي بالمجتمع إلى الحضيض وفي عصره أيضا تعرض الوجود العربي إلى مؤثرات فارسية قوية ،فكان البويهيون يسوسون الأمور بأهوائهم ونزعاتهم الطائشة ،فيصادرون ويعزلون ويولون ،ويقطعون الاقطاعات الواسعة لمن يشاءون فكانوا عاملا مباشرا في سوء توزيع الثروة ،مما أدى إلى تفاوت طبقي فاحش واوجد طبقة ممعنة في الترف والنعيم وطلب المسرات والخروج بها إلى حد الشذوذ ،ولعل من أسباب ذلك أيضا :ما طرا على هذا العصر من ضعف الوازع الديني ومن فساد الأسرة بسبب الاختلاط والتزاوج ،وبسبب كثرة القيان وإباحة المنكرات ،والتعلق بمظاهر الحياة المادية تعلقا شديدا مفرطا فقد رأى هذا العصر سيلا هائلا من العناصر الدخيلة ،كما نشطت فيه تجارة الرقيق ،كل ذلك ساعد على الانحلال الاجتماعي ،بحيث صارت محلات القيان والغلمان أمرا معتادا يتردد عليها الناس ويرتادها الكثيرون وتطرح فيها الحشمة وكانت مجالس الأشراف والوزراء ((تالف هذا النوع من الحياة التي أصبح فيها المجون والخلاعة نوعا من الترف الحضاري والتظرف الاجتماعي)) حيث ركز كلا الناقدين عزيز وعناد على مسالة المجون التي رافقت هذا العصر ولكن الدكتور عناد أشار إليها من خلال الشعر ووصفه لشعر تلك الحقبة أما عزيز السيد جاسم فقد أشار إليها صراحة بوصفه تلك الحقبة واختلفا بعض الشيء لا سيما بوصف الحقبة من قبل عزيز بتعرض الوجود العربي إلى الخطر أما عناد غزوان لم يركز كثيرا على هذه المسالة .
في ظل هذا المناخ ولد الشريف الرضي وهذا المناخ كان جامعا بين حب التراث والدعوة إلى الحداثة تطرفا واعتدالا تقليدا وتجديدا ،مدحا وقدحا وهنا يعلق د.عناد على إن الشريف الرضي كان فخورا بنسبه الشريف ومبادئ دينه الحنيف كما كان حريصا على تراثه وعروبته وتعتبر هذه إشارة من عناد غزوان إلى أن عصره قد تعرضت فيه الهوية العربية للخطر كما أشار عزيز السيد جاسم ولكن كما قلنا لم يذكر الدكتور عناد هذه المسالة صراحة ويقول المرحوم عزيز السيد جاسم بما اعتبره مقاربة فكرية مع الدكتور عناد غزوان ((إن شعر الشريف الرضي ملئ بافتخار الحسب والنسب فالنبي جده والإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والده )) فمن قوله يفتخر ويذم الزمان في قصيدة مطلعها:
أتذكراني طلب الطوائل أيقظتما مني غير غافل
إن أمير المؤمنين والدي حز الرقاب بالقضاء الفاصل
وجدي النبي في أبائه علا ذرى العلياء والكواهل
فمن كأجدادي إذا نسبتني أم من كأحيائي اوقبائلي
وقال وهو يفتخر بآبائه عموما:
لنا الدولة الغراء ما زال عندها من الجور واق أو من الظلم منصفُ
بعيدة صوت في العلى غير رافع بها صوته المظلوم والمتخيف
ونحن اعز الناس شرقا ومغربا وأكرم إبصار على الأرض تطرف
ويعلق عزيز السيد جاسم ،انه بالرغم من إن القصيدة تصل إلى هدف محدد يتعلق بوالده السيد (أبي احمد الموسوي) ألا إن الابتداء الفخاري بالحسب والنسب واللقب وبالتاج النبوي الأكبر ،سرعان ما يتدرج إلى لازمته الضرورية التي لا مناص منها ،وهي التفجع ومرارة التأسي والتي سنأتي على ذكرها.
كذلك فقد ذكر الشريف الرضي أباه في أكثر من موضع فيذكره في قصيدة يقول فيها :/
نصافي المعالي والزمان معاند وننهض بالآمال والجد قاعد
فدى لك يا مجد المعالي وباسها فعال جبان شجعته الحقائد
فما تركت منك الصوارم والقنا ولا اخذت منك الحسان الخرائد
وما كنت الا السيف يمضي ذبابه ولا ينصر العلياء من لا يجالد
كذلك قال في مدح ابيه سنة 374هـ ـمن قصيدة طويلة تبلغ 119 بيتا ومطلعها:/
بغير شفيع نال عفو المقادر اخو الجد لا مستنصرا بالمعاذر
أما الدكتور عناد غزوان فيتناول قصيدة الفخر الذاتي والحماسة ويعتبرها من القصائد التي عرف بها الشريف الرضي في حياته الأدبية والسياسية حيث تجلى فيها ،كاشفا عن طموحه بطلا يقود الفرسان ليسنده في ذلك تراث نسب وبطولة عريقة في التاريخ العربي والإسلامي، فقصيدة الفخر عند الرضي تمثل بالإضافة إلى عاطفتها الحماسية الصادقة مثله وقيمه الأخلاقية الرفيعة التي صيرته فارسا يتمتع بأخلاقية عالية .إن قصيدة الفخر والحماسة من حيث بناؤها الفني المتمثل بمقدمتها وحسن تخلصها ووحدتها الموضوعية ذات ثلاثة ألوان فهي: أما قصيدة فخر وشكوى من زمان بما يشبه المقدمة البدوية المتضمنة ذكر الديار والبرق والليل وبعض ذكريات الشاعر كقوله :
أيا لله ! أي هوى أضاءا بريق بالطويلع إذ تراءى
المَّ بنا كنبض العرق وهنا فلما جازنا ملأ السماء
حيث تؤلف هذه المقدمة 23 بيتا يتخلص بعدها إلى الفخر ابتداء بالبيت الرابع والعشرين إلى نهاية القصيدة /
انا ابن السابقين إلى المعالي إذا الأمد البعيد ثنى البطاءا
إذا ركبوا تضايقت الفيافي وعطل بعض جمعهم الفضاءا
كما وتعتبر قضية مدحه لأبيه جانب من جوانب الفخر فقد تكون مقدمته الذاتية من هذا النوع متفائلة ويعلق عناد غزوان عليها : وهي قلما يذكرها الشاعر في مدائحه ومثالها ما يقوله في أبيه من قصيدة مطلعها سنة 380هــ :
انظر إلى الأيام كيف تعود والى المعالي الغر كيف تزيد
كذلك يذكر المرحوم عناد غزوان مدح الشريف الرضي الذي كان على شكل شكر وثناء بمقدمة تصف طيف الحبيب يذكر من خلالها بعض همومه وشكواه من الزمان مع إشارات واضحة إلى الاعتزاز والفخر الذاتي-وهو ما يهمنا في هذا المجال- ،كقصيدته التي يشكر بها الشيخ ابا فتح عثمان بن جني النحوي على تفسير إحدى قصائد الشاعر :
أراقب من طيف الحبيب وصالا ويأبى خيال ان يزور خيالا
وهل أبقت الأشجان إلا ممثل تعاوده أيدي الضنا ومثالا
الم بنا والليل قد شاب رأسه وقد ميل الغرب النجوم ومالا
واني اهتدى في مدلهم ظلامه يخوض بحارا أو يجوب رمالا
ولاشك في إن مقدمات المدح هذه في قصيدة الشريف الرضي وما حوت من هموم وشكوى وفخر ذاتي وهو ما يهمنا هنا تمثل مدى التطور الحضاري الذي شهده عصر الشريف في القرن الرابع للهجرة على وجه الخصوص، فهي عباسية النكهة والصنعة والروح من الناحية الفنية، فيها أصالة الرضي في التجديد والحركة في فنه الشعري،ويعلق هنا عناد غزوان إن فيها الأصالة الذاتية المنطلقة من واقع الذات في آمالها وهمومها وشكواها وطموحها، فيها انتماء عربي عميق لجذور القصيدة العربية القديمة بوصفها تراثا فكريا أصيلا يجسد خصوصية الفكر الأدبي العربي بين آداب الأمم والشعوب الأخرى كذلك فان الفخر والحماسة نراه لدى الشريف الرضي بقصيدة تتمتع بوحدتها-كما يقول عناد غزوان- الحماسية المتكاملة معبرة عن فخرها الذاتي المنسجم مع تطلعات وطموح الشاعر كقوله:/
لغير العلى فني القلى والتجنب ولولا العلى ما كنت في الحرب ارغب
اذا الله لم يعذرك فيما ترومه فما الناس إلا عاذل أو مؤنب
إن هذه الحماسية المتكاملة بوحدتها الموضوعية اقرب إلى الوصف المستلهم من امتزاج الفخر الذاتي بالوصف الحربي الحماسي الذي يقدم فيه الشاعر النموذج أو المثال لجو المعركة بسلاحها والاتها وخيلها وفرسانها ثم يرسم فارسه النموذج ويعبر عن تصوره للثورة التي يتمناها ان تتحقق كما انه يصور نفسه بطلا ثائرا ويعتبر عناد غزوان ان أروع القصائد الحماسية التي عدها الدكتور زكي مبارك نشيد الفتوة العربية لما فيها من جذوة حماس متقد ومن رجولة فذة ولم ينتبه الناقد عناد غزوان لما في هذه القصيدة من بدوية واضحة تشيد بصفات الرجولة والفروسية كما يعتبر ها الشريف الرضي وهي في حقيقتها قصيدة تعمل على إذكاء الصفات العنفية التي امتازت بها بعض شواهد تاريخنا فكان من الأحرى على عناد غزوان إن ينتقد هكذا قصائد ولا يشيد بها مطلقا إلا من جوانب لغوية بلاغية فقط إما أن تكون نشيدا للفتوة العربية كما يعبرون أو غيرها فهي أولا وأخيرا قصيدة عنفيه تعطي صفات عنفيه وتبين إن الرجولة والسيادة تقع بالسيف لا بغيره. وقد بلغت 43 بيتا:

نبهتهم مثل عوالي الرماح إلى الوغى قبل نموم الصباح
فوارس نالوا المنى بالقنا وصافحوا أغراضهم بالصفاح
لغارة سماع إتيانها يغض منها بالزلال القراح
ليس على مضرمها سبة ولا على المجلب فيها جناح
حيث نرى امتزاج الفخر الذاتي بالوصف الحربي وهو ما يهمنا هنا .حيث نرى كذلك ان جانب الفخر اهتم به كل من د.عناد غزوان و المرحوم عزيز السيد جاسم حيث شكل هذا الجانب أهمية كبيرة في شعر الشريف الرضي أراد من خلاله أن يظهر لأعداء البيت الهاشمي موقعه ومنزلته الرفيعة.
وفيما يخص الانتماء للقصيدة العربية الذي ذكره الراحل عناد غزوان كما تطرقنا إليه في أعلاه نرى تركيز الراحل عزيز السيد جاسم على إن الشريف الرضي انتماءه للقصيدة ينبع من انتمائه للفكر العربي وقوميته وأصالته وفي ذلك يقول عزيز السيد جاسم ((ويمكن تقدير غربة الشريف الرضي ،الذي رفع شعاره السياسي (الخلافة العربية، المجد العربي، بعث ذي قار) في مقارعته السلطة البويهية ،فقد كانت أكثرية العوام مخمدة ،تابعة ذليلة، تشترى بالعطايا الضئيلة،وتساق بعصا البطش)) والملاحظ إن عزيز السيد جاسم يذكر صراحة سبب الانتماء العروبي الأصيل لدى الشريف الرضي انه كان بسبب الوضع السياسي المتردي بسبب سيطرة البويهيون الفرس ولكن عناد غزوان لا يذكر هذا الشيء وإنما يذكر فقط انه لديه انتماء عربي أصيل للقصيدة العربية وكما مر أي كأنما هو يشير إلى ذلك ضمنا. فالانتماء للقصيدة العربية هو الانتماء للعروبة والدفاع عنها .كذلك فان عزيز السيد جاسم يعطي للجذر القومي لدى الشريف الرضي أهمية كبيرة مع اعتراضنا على لفظة الجذر القومي التي استخدمها الراحل عزيز السيد جاسم فهي نظرة قومية لمبدأ العروبة والتي من الممكن أن ننظر إليها نظرة إنسانية ونعتز بهويتنا ضمن الأصالة العربية.
حيث ركز عزيز السيد جاسم على الأصل القومي للاغتراب فالشريف الرضي من حيث الهوية القومية عربي الأصل والنشأة وكذلك عربي النزعة والاتجاه –وهنا استخدام عزيز السيد جاسم للفظة الهوية القومية فيها شيء من الارتكاز البعيد عن المفهوم الإنساني –فهو لو يستخدم لفظة الهوية العربية بعيدا عن لفظة القومية تكسب النص بعدا إنسانيا اكبر- وهو في اغلب شعره ألافتخاري كان يبث أفكاره العربية لا بصورة افتخار شخصي منعزل كما يعبر السيد جاسم وإنما في موقف موحد فردي وقومي فهو إذ يفتخر بنفسه وبأهله ،فإنما يرمي بكل ثقله التاريخي لصالح أمته العربية ،كما انه في الوقت عينه يذكر مجد العشائر العربية وبطولاتها في معرض الافتخار الذاتي ،والواضح من كلام المفكر عزيز السيد جاسم إن هذه مزاوجة بين الافتخار الذاتي والجذر العربي فقصائد شعره التي تتضمن أفكاره العربية تربط الذاتي والقومي ربطا محكما وطبيعيا تماما فترد أشعاره عن شجاعة قبائل عربية بالقوة الافتخارية نفسها التي يرد فيها ذكر شجاعته ،وشجاعة قومه، أو بالاسترسال نفسه ،وغالبا ما تنمو القصيدة وهي تنتقل من شجاعة الأهل والقوم إلى شجاعته الشخصية أو بالعكس ،لان الرابطة بين الذات والأهل والعروبة هي رابطة موحدة تشكل ركيزة عضوية واحدة في حياة الشريف الرضي وهذا مما فصله عزيز السيد جاسم فيما يخص الانتماء العروبي للقصيدة الشريفية ولصاحبها ولم يدخل في تفاصيله الناقد الراحل عناد غزوان بل اكتفى بالإشارة إلى عروبة القصيدة الشريفية.فهو يذكر بمعركة ذي قار ،مذكرا بالقدرة العربية الغلابة ،والتي وان مرت بأزمات صعبة إلا أنها ذات أساس تاريخي :

نذكركم بذي قار طعانا وما جر القنا يوم الكلاب

ويستعرض أيضا قريشا ،والصولة العربية والعقاب العربي الإسلامي القاسي/

عليها كل أبلج من قريش لبيق بالطعان وبالضراب
يسير وأرضه جرد المذاكي وجو سمائه ظل العقاب
وعندي للعدا لا بد يوم يذيقهم المسمم من عقابي
فانصب فوق هامهم قدوري وامزج من دمائهم شرابي
وأركز في قلوبهم رماحي واضرب في ديارهم قبابي
فان اهلك فعن قدر جريء وان املك فقد أغنى طلابي

والمتتبع للقصيدة يرى فيها إلى جانب الحس العروبي والدفاع عن القضية النهج الدموي الذي أُسِس له في الإسلام فيريد الشريف الرضي أن يمثل بهم بعد قتلهم فينصب فوق هامهم أي رؤوس الأعداء القدور التي يطبخ عليها الطعام وهذه صورة دموية قاسية جدا كان من المفروض على المفكر عزيز السيد جاسم عدم التركيز عليها كارتكاز يدل على عروبة الشريف الرضي وهذه الصورة تذكرنا بما فعله خالد بن الوليد عندما دخل على قوم مالك بن نويرة وقتلهم عن آخرهم واخذ الرؤوس ووضعها تحت القدور وطبخ الطعام ،كما يذكر ذلك السيد ألقمني في كتابه شكرا بن لادن.
وبالنسبة لكثير من الشعراء قد ترد النزعة العربية بصورة كلمات مفردة أو أبيات شعر محدودة لمناسبة معينة ،لكنها عند الشريف الرضي ذات أولوية فكرية ومصيرية تكتسح كثيرا من الأحيان الاهتمامات العاطفية الأخرى لتظل سيدة الموقف في القصيدة ،وقال الشريف الرضي يجسد عروبته والمضمون الذي يجب أن تكون عليه/
اذا عربي لم يكن مثل سيفه مضاء على الأعداء أنكره الجد
وفي هذا البيت نرى كيف إن صفة السيف ملاصقة للعربي وهي من الصور المؤلمة التي تعكس التاريخ الدموي الذي ابتلى به العرب والمسلمون وانعكس في أدبهم حتى.
ولكن للأسف نرى تعليقا ممجدا لهذا البيت من قبل المفكر عزيز السيد جاسم حيث يقول:/
ثمة اتصاف جميلة لو قلنا إن العربي كالسيف ،وأجمل منها لو قلنا إن السيف كالعربي ،لكن قولة الشريف الرضي ((اذا عربي لم يكن مثل سيفه)) خرجت عن نطاق البلاغة الشعرية ،الوصفية ،أو الاستعارية، خرجت من المعرفة المتدبرة ،ودخلت في عظمة الفطرة النبيلة ،التي هي المصدر الأول لكل معرفة منزلة ،لا يحس المتلقي إلا بالإحساس الواحد ،وهو يقرأ أو يسمع إنشاد الشريف الرضي ،إن العربي والسيف توأمان ولدا في اللحظة الواحدة ،وبالصورة الواحدة وبالأجل الواحد الذي لا مبدل له.فالعربي سيف ،والسيف عربي،وهما منذ الأزل العربي كائن واحد ،لا يصلح هذا بغير(ذا) ولا ذا بغير هذا ،وان مجرد القول ب(هذا) و(ذاك) يعني المباعدة التي لا تقبل،وإنها لحقيقة تاريخية مؤكدة ان العرب حينما (وكلما) نسوا وتناسوا معنى القوة في هذه المطابقة بين العربي وسيفه ،كان السقوط مصيرهم المداهم. ففترة الازدهار العربي هي فترة تطبيق المقولة التي جلجل بها الشاعر الشريف بن الشريف ،إما فترات الانحطاط ،والانهيار، فهي التي افترق فيها العربي عن سيفه ،في تياه الغفلة.إما ماذا قالت القصيدة قبل أن تصل إلى حكمة البيت المذكور فذلك ما يعنيه التدرج العزيز لمرقى الحب المفجوع الذي يبتدا بقوة حكمة المطلع. فتاتي الأبيات المتلاحقة وكأنها مطالع وخواتيم زاهرة ومعذبة حيثما تواصلت مظنة العبقرية للشاعر الملهوف الذي وضعه العز بين الطرب والخذلان مثل زيت يحترق:/
لأي حبيب يحسن الرأي والود وأكثر هذا الناس ليس له عهد
أرى ذمي الأيام ما لا يضرها فهل دافع عني نوائبها الحمد
وما هذه الدنيا لنا بمطيعة وليس لخلق من مداراتها بدُّ
تحوز المعالي والعبيد لعاجز ويخدم فيها نفسه البطل الفرد
أكل قريب لي بعيد بوده وكل صديق بين أضلعه حقد
ولله قلب لا يبل غليله وصال ولا يلهيه عن خله وعد
يكلفني إن اطلب العز بالمنى وأين العلى إن لم يساعدني الجد
احن وما أهواه رمح وصارم وسابغة زعف وذو ميعة نهد
وليس فتى من عاق عن حمل سيفه أسار وحلاه عن الطلب القد
إذا كان لا يمضي الحسام بنفسه فللضارب الماضي بقائمه الحد
وحولي من هذا الأنام عصابة توددها يخفي واضغانها تبدو
يسر الفتى دهر وقد كان ساءه وتخدمه الأيام وهو لها عبد
ولا مال إلا ما كسبت بنيله ثناء ولا مال لمن لا له مجد
وما العيش إلا أن تصاحب فتية طواعن لا يعنيهم النحس والسعد
إذا طربوا يوما إلى العز شمروا وان ندبوا يوما إلى غارة جدوا
وكم لي في يوم الثوية رقدة يضاجعني فيها المهند والغمد
ولو شاء رمحي سد كل ثنية تطالعني فيها المغاوير والجرد
ألا ليت شعري هل تبلغني المنى وتلقى بي الأعداء أحصنة جرد
جياد وقد سد الغبار فروجها تروح إلى طعن القبائل او تغدو
خفاف على اثر الطريدة في الفلا إذا ماجت الرمضاء واختلط الطرد
كان نجوم الليل تحت سروجها تهاوى على الظلماء والليل مسود
يعيد عليها الطعن كل ابن همة كأن دماء الأعداء في فمه شهد
يضارب حتى ما لصارمه قوى ويطعن حتى ما لذابله جهد
تضرّب لا مستحقبا غير قوته ولا قائلا إلا لما يهب المجد
ولا خائفا الا جريرة رمحه ولا طالبا إلا الذي تطلب الأسد
اذا عربي لم يكن مثل سيفه مضاء على الأعداء أنكره الجد

ويأخذ التصعيد مداه في البيت الأخير ويلحقه بصورة ثانية:
وما ضاق عنه كل شرق ومغرب من الأرض إلا ضاق عن نفسه الجلد

ويعلق عزيز السيد جاسم على هذه القصيدة :إن العرب كانوا يسيحون شرقا وغربا وهم يدرعون بالحق ،يحملون راية الحق ،ويشهرون سيوف الحق ،فخطوا بأقلامهم ،مع سيوفهم ،رسوم الحضارة العربية المجيدة وأبعادها والذي يلاحظ كلام عزيز السيد جاسم يمكنه ان يسجل الملاحظات التالية عليه:

1- أنها لكارثة كبيرة أن يقرن اسم العربي بالسيف أي إن المعادلة تكون بالشكل التالي:

العربي= السيف
ولا يستقيم الأمر للعربي إلا بوجود السيف معه ولا يستقيم السيف الا بوجود العربي معه فهذه الصورة المتلازمة بين العربي والسيف والتي يعتبرها عزيز السيد جاسم مدعاة للفخر بالعروبة في شعر الشريف الرضي نعتبرها انتكاسة في شعر الشريف الرضي وتكريس لصورة الإرهاب التي عليها العرب والتي صوموا بها سبب تراثهم كما يصوره الشريف الرضي في هذا المقطع من شعره
2- والأدهى من ذلك إن عزيز السيد جاسم يعتبر سقوط العرب وانحطاطهم سببه تركهم للسيف هذا ما جاء في تفسيره للبيت ((اذا عربي لم يكن مثل سيفه...))، أي ان العرب لاشيء في علمهم وعلومهم المكونة لحضارتهم وان حضارتهم مبنية على الدماء والسيوف ومنطق القوة والغلبة .
3- يذكر مالك بن نبي إن شروط الحضارة هي الجمال والأخلاق ولم يذكر السيف حيث المعادلة التالية تلخص فكر مالك بن نبي حول الحضارة :
مبدأ أخلاقي + ذوق جمالي= اتجاه حضارة.ـــــــــ1
والذي لا يملك هذين المقومين لا يملك حضارة أما عزيز السيد جاسم فقد بين إن الحضارة العربية تستند على مفهومين هما:

السيف +القلم=الحضارة ــــــــــــــــــــــــــ2
وهذا ما ورد لديه في قوله((إن العرب خطوا بأقلامهم مع سيوفهم رسوم الحضارة العربية المجيدة)) وكما مبين في أعلاه.
وهذه كارثة كبيرة بين المفهومين فلا يوجد في الحضارة العربية حسب المقارنة بين المعادلتين (1)و(2) لا خلق ولا جمال .هذا حسب مفهوم عزيز السيد جاسم الذي أوقع نفسه فيه بإشكالية كبيرة ولكن الحضارة العربية إلى جنب السيف كان فيها من جمال الأدب والشعر والحكمة والفلسفة الشيء الكثير الذي لم يركز عليه عزيز السيد جاسم بل اكتفى بالنظرة إلى السيف والقلم والتمجيد بهما من خلال مقطوعة الشريف الرضي أنفة الذكر والتي من الممكن اعتبارها من التراث السيئ للعرب والذي يثير الضغائن والمفاهيم الإرهابية.
4- يعتبر عزيز السيد جاسم البيت ((اذا عربي لم يكن مثل سيفه...))من بيوت الحكمة في حين انه لم يحوي على أية صورة حكمة بل احتوى صورة من صور الإرهاب والتاريخ غير الجيد لبعثه وتمجيده.
5- هذا الكلام لعزيز السيد جاسم والذي ورد في أعلاه معلقا فيه على شعر الشريف الرضي لم يكن نهضويا ولا تنويريا بل على العكس عمل على إعادة بعث ماض غير جيد تمثل بهذه القصيدة للشريف الرضي كما انه كلام يكرس النظرة القومية للعرب كأمة وليس النظرة الإنسانية لديهم .
6- كما ويعتبر عزيز إن هذه القصيدة ((عربية المهابة إذن)) ولكن المهابة للعرب لا تنطلق من هذه الصور المأساوية للتاريخ والمهابة لا تتأتى من السيف بل تأتي من الجال والأخلاق والحلم والعلم وهذا هو شان الأمم.
7- لقد جانب الصواب عزيز السيد جاسم بهذا الموضوع كثيرا جدا عندما جعل العربي والسيف وجهان لعملة واحدة حتى انه يعتبر اذا قلت عن السيف (ذا) يجب أن تقول عن العربي(ذا ) اذا ولا يجب ان تقول (هذا )عن السيف(ذاك) عن العربي فهذه من باب المباعدة التي لا تقبل وهذه كارثة في التفكير على المستوى اللغوي أيضا وليس التاريخي فقط. ولو ترجم كلامه هذا رحمه الله إلى لغات أخرى لقال عنا الآخر صحيح اذن ما يشاع عن العرب أنهم دعاة إرهاب فهذا مفكر منهم يشيد بقصيدة عربية تمجد السيف والقتل بدعوى الحضارة وإشادتها لشاعر عربي هو الشريف الرضي يجب أن يرد عليها لا ان يفتخر بها .
اما الاغتراب فقد تناوله المرحوم عزيز السيد جاسم تناولا كبيرا وهنا يذكر عزيز السيد جاسم انه يمكن اجمال عوامل الاغتراب بشكل عام في عاملين متميزين هما:/
1- الاغتراب الناجم عن طبيعة الشعر ،لان كل شعر هو تدفقات صورية ،لا محدودة وتحليقات شعورية ولا شعورية تاتي في لحظة غياب الشاعر عن واقعه الحسي.
2- عامل الاغتراب الثاني يوحد جميع الظروف المادية والاسباب الشخصية والعامة المؤدية الى الغربة والمعاناة الدائمة وبلاشك ،ان هذه الضروف والاسباب تلعب دورا كبيرا في تغذية مضامين الشعر ،وتحديد اتجاه الشعر ،او تغييره ،وتتداخل العوامل تداخلا معقدا .
ومنطلق الاغتراب كما يفلسفه عزيز السيد جاسم ينطوي على حقيقتين :المجد والفجيعة ،مجد الشريف الرضي ،واسرته الذي ينطلق من الحسب والنسب من الامام علي بن ابي طالب واهل بيت النبي .
وكذلك فان مقاتل الطالبيين والفجيعة الحسينية الكبرى –على حد تعبير عزيز السيد جاسم- فلقد جاء الاغتراب من الفجيعة الاليمة ،والمأساة التي لا مثيل لها، من تلك البداية الجليلة ،في يوم عاشوراء فيما استشهد الحسين ومعه اولاده وهنا يعلق عزيز السيد جاسم انه جرى مقتل اهل بيت الرسول بايدي اناس كانوا يدعون الاسلام وهذا ما اعطى للماساة بعدا فجائعيا لم يتكرر في التاريخ ،وقد وصف الشريف الرضي هذه الفاجعة بقصيدة (رثائية عاشوراء)التي كتبها عام 387هــ وفي مطلعها يقول:/
راحل انت والليالي تزول ومضر بك البقاء الطويل
كما ويذكر عزيز السيد جاسم العناصر الاساسية المكونة للغاتراب الروحي في التجربة الحياتية والشعرية للشريف الرضي وهي اولا:/ الاصل الماساوي للسلالة الهاشمية .
ثانيا :/ الزهد والمعرفة الدينية وهما من سمات السلالة ومن ارثهما المنقول من الاباء الى الابناء.
ومن خلال هذا العامل يبين عزيز السيد جاسم خصائص عصر الشريف الرضي التي بيناها سابقا.
اما ثالث العناصر المكونة للاغتراب الروحي للشريف الرضي فهي تفوقه العقلي وتمتعه بمؤهلات ومزايا شخصية كبيرة تتناسب مع دوره الطليعي ورسالته الدينية والاجتماعية، وقد تجلت الجدارات العقلية والادبية ،ورهافة الشعور وشجاعة الطبع في الشريف الرضي منذ طفولته فكانت غربة الذكاء النادر من سماته الاولى ،فقد قال من احسن الشعر وهو في العاشرة من عمره ،وكانت غربة الاحساس الصقيل الانفعالي المرهف قد بكرت معه منذ طفولته ،فلا عجب ان زار الشيب شعر راسه في العشرين فبالنتيجة وصفه للشيب هو ارتباط بالاغتراب الذي يعيشه حيث ينقل عنه عزيز السيد جاسم هذه القصيدة بذم الزمان والشباب كيف يولي مسرعا:

ولى الشباب وهذا الشيب يطرده يفدي الطريدة ذاك الطارد العجل
وما غازل الشيب في راسي بمرتحل عني واعلم اني عنه مرتحل
من لم يعظه بياض الشيب ادركه في غرة حتفه المقدور والاجل

وبذكر المشيب فقد تكلم عنه عزيز السيد جاسم كثيرا حيث يعزي السيد جاسم كثرة الشيب على الشريف الرضي بسبب تكاثر المصائب عليه والتي منها سجن والده وفجائه ال البيت التي اثرت عليه فيما كان عمره 23 سنة راى في شعر راسه طاقات بيض فقال :/
عجلت يا شيب على مفرقي واي عذر لك ان تعجلا
إلى أن يقول:
قل لعذولي اليوم نم صامتا فقد كفاني الشيب أن اعذلا
كذلك قال الشريف الرضي كما ذكر عزيز السيد جاسم /
ما لقائي من عدوي كلقائي من مشيب
موقد نارا أضاءت فوق فودي عيوبي
وبياض هو عند أل بيض من شر ذنوبي
كذلك قال في المشيب وهو قرين الاغتراب في شعر الشريف الرضي :/
قال لي عند ملتقى الركب عمرو قوم العود بعدنا فانصاتا
أين ذاك الصبا وأين التصابي سبقا الطالب المجد وفاتا
من قضى عقبة الثلاثين يغدو راجعا يطلب الصبا هيهاتا
لم تزل والمشيب غير قريب ناعيا للشباب حتى ماتا
كنت تبكي الأحياء فاستكثر اليو م من الدمع واندب الامواتا
كذلك قال :
قل لليالي قد ملكت فاسجحي ولغيرك الخلق الكريم الاسجح
بعت الشباب به على مقة له بيع العليم بأنه لا يربح
لا تنكرن من الزمان غريبة إن الخطوب قليبها لا ينزح
وحينما تجاوز الثلاثين من العمر اخذ الشاعر يرثي شبابه مشيرا إلى حيف الزمان:/
وما زال الزمان يحيف حتى نزعت له على مضض لباسي
نضا عني السواد بلا مرادي وأعطاني البياض بلا التماسي
أليس إلى الثلاثين انتسابي ولم ابلغ إلى القلل الرواسي
فمن دل المشيب على عذارى وما جر الذبول على غراسي
سابكي للشباب بشاردات كصادرة السهام عن القياس
فمن يك ناسيا عهدا فاني لعهدك يا شبابي غير ناس
ويقول أيضا/
أرابك من مشيبي ما أرابا وما هذا البياض علي عابا
لئن أبغضت مني شيب راسي فاني مبغض منك الشبابا
يذم البيض من جزع مشيبي ودل البيض أو ما أشابا
ويقول أيضا :/
دوام الهوى في دوام الشباب وما الحب إلا زمان التصابي
أحين فشا الشيب في شعره وكتّم أوضاحا بالخضاب
تروعين أوقاته بالصدود وترمين أيامه بالسباب
تخطى المشيب إلى رأسه وقد كان أعلى قباب الشباب
ويبكي على الشباب –كما ينقل عزيز السيد جاسم- :/
لا يبعدن الله برد شبيبة ألقيته بمنى ورحت سليبا
شعر صحبت به الشباب غرانقا والعيش مخضر الجناب رطيبا
بعد الثلاثين انقراض شبيبة عجبا أميم لقد رأيت عجيبا
إما بكيت على الشباب فانه قد كان عهدي بالشباب قريبا
لو كان يرجع ميت بتفجع وجوى شققت على الشباب جيوبا
ويقول أيضا في المشيب:/
من شافعي وذنوبي عندها الكبر إن المشيب لذنب ليس يغتفر
اما المرحوم د.عناد غزوان فقد ذكر الشيب كذلك في شعر الشريف الرضي كعنصر اساسي وجد في شعره يذكر د.عناد غزوان قصيدة فخر تبدأ بمقدمة عن الشيب:/
من شافعي وذنوبي عندها الكبر ان المشيب لذنب ليس يغتفر
وهي نفس القصيدة التي وردت لدى عزيز السيد جاسم كما بينا في أعلاه.
كذلك يذكر د.عناد غزوان قصيدة حول وصف الشيب وتعلقه بالزمن حيث راى في شعر راسه طاقات بيض وكذلك في اوائل سنة 383هـ وسنه يومئذ 23 سنة وهي نفس القصيدة التي ذكرها عزيز السيد جاسم وتطرقنا لها في اعلاه والتي يقول في مطلعها:/
عجلت يا شيب على مفرقي وأي عذر لك ان تعجلا
حيث ركز عناد غزوان على ارتباط هذه القصيدة بعامل الزمن وكذلك يربط عزيز السيد جاسم عامل الشيب لدى الشريف الرضي بالزمن وكما سنرى .
كذلك يذكر الراحل عناد غزوان:/ مدحة تبدأ بذكر المشيب مباشرة وقد ترد فيها اشارات الى الغزل والحماسة وشكوى من الزمان والعتاب ومنها قوله في مدح الوزير ابي منصور بن صالح :/
أشوقا وما زالت لهن قباب وذكر تصاب والمشيب نقاب
وغير التصابي الكبير تعلة وغير الغواني للبياض ضحاب
وما كل ايام المشيب مريرة ولا كل أيام الشباب عذاب

ومدحته في أبيه:/سنة 380هـ

أرابك من مشيبي ما أرابا وما هذا البياض علي عابا

وقد وردت كذلك عند عزيز السيد جاسم كما بينا في أعلاه.

ومدحته في أبي سعيد بن خلف:/

ألان جوانبي غمز الخطوب واعجلني الزمان إلى المشيب
وقالوا الشيب زار فقلت أهلا بنور ذوائب الغضب الرطيب
ومدحته في احدهم سنة 394هـ:
الهاك عنا ربة البرقع مر الثلاثين الى الاربع
انت اعنت الشيب في مفرقي مع الليالي فصلي او دعي

ومدحته في الطائع لله: سنة 377هـــ:
مسيري الى ليل الشباب ضلال وشيبي ضياء في الورى وجمال
سواد ولكن البياض سيادة وليل ولكن النهار جلال
وما المرء قبل الشيب الا مهند صدي وشيب العارضين صقال

وفي مدح الطائع لله أيضا سنة 377هــ:
أراعي بلوغ الشيب دائيا وأفنى الليالي والليالي فنائيا
وفي مدح الطائع لله أيضا سنة 378هـ:
لون الشبيبة أنصل الألوان والشيب جل عمائم الفتيان
ومثلها في مدحته لابيه:سنة 379هــ:
ما ابيض من لون العوارض أفضل وهوى الفتى ذاك البياض الأول

كنا قد تكلمنا في اعلاه عن ان عزيز الشيد جاسم يربط عامل الشيب لدى الشريف الرضي بالزمن ووعدنا بتناوله حيث ارتباط الشيب بالزمن يشير اليه عزيز السيد جاسم ان الشاعر بتعامله مع الزمن كان يراقب سرعة انقضاء الاوقات الهنيئة،لقد تخللت دماغه ونفسه ،فكرة الضياع والتبدد حيث كانت الحقوق تضيع ،والفرص تهدر والجمالات تتباعد فلا يتبقى الا الحرمان وكبر النفس وتمر السنوات مسرعة كان الشباب ومضة وليس مرحلة كبيرة من العمر .
وما بين العشرين والثلاثين من العمر يتملى نفسه فاذا بغربان الليالي التي تنعق نعيقا لا يتوقف تطير غراب راسه فتحل محطة الثلاثين من العمر والشاعر قد تلفع راسه بالشيب فكالمه وصفا وعتابا وذما وتحسرا واسى، ويبلغ الاغتراب الزمني بالشاعر مبلغا مساويا فراى الثلاثين عمر اللاعودة ،حيث يضيع الصبا مثلما ضاعت الآمال النخلات التي حنظلت حين عبر عن ذلك قائلا:/
غرست غروسا كنت ارجو لحاقها وامل يوما ان تطيب جناتها
فان اثمرت لي غير ما كنت املا فلا ذنب لي ان حنظلت نخلاتها
وبالرجوع الى قصيدة :
عجلت يا شيب على مفرقي
وأي عذر لك أن تعجلا.
والتي اترك كلا الناقدين بإيرادها والتعليق عليها حيث لم يكد أن يعلق عليها عزيز السيد جاسم سوى بأمور عامة حول المشيب وارتباطه بالزمن وما تناولناه في ما مر ذكره اما عناد غزوان فقد علق على هذه القصيدة بالذات بما نصه:/
تقع هذه القصيدة في تشعة عشر بيتا غير مصرعة المطلع ،يجسد فيها الشاعر معنى الشباب ،ذي الدلالة المتحركة الواعية التي تمثل الوجه المشرق ،والمظهر المتألق للزمن في حياة الإنسان الزمن بمعناه الفكري الفلسفي الذي يعني توهج الإنسان بالخصب والعطاء وخاصة عند الرضي الطموح منذ نعومة إظفاره فالزمن مشحون بالمغزى بالنسبة للإنسان كما قيل لان الحياة الإنسانية تعاش في ظل الزمن ولان السؤال من أكون؟ يصبح بعيدا فقط بمعنى( ماذا صرت انا؟) أي بمعنى الوقائع التاريخية الموضوعية مضافا إليها نمط الترابطات التي لها مغزى والتي تشكل بدورها السيرة الحياتية او هوية الذات الشخصية فالشباب عند الرضي ذو قيمة زمانية ،يختلف عن أولئك البلداء الذين تختفي عندهم مثل هذه القيمة فهم عار الزمان اذا صح التعبير ،والشباب عند ضرب من التجدد فإذا اطل الشيب عليه يبدو وكان هذا الشيب ضرب من التحدي لذلك التجدد والنماء حيث يبدأ الفزع النفسي كما يظهر ذلك من الأبيات الأولى من هذه القصيدة ،وان كان الشاعر يحاول إخفاء هذا الخوف من خلال جدلية الطباق البلاغي الذي صورته هذه الأبيات(جاء )(مضى) (انجلى) (كان لي أولا)(صحا)و(ليل) ثم يستمر الرضي بوصف هموم الشيب هذا المتحدي الجديد المبكر عن شبابه العنصر المتوهج الفعال ،فيتولد هذا الصراع الداخلي في ذات الشاعر بين الشباب –التجربة المشحونة بالمعنى والشيب الخبرة والوقائع التاريخية في حياة الإنسان لينتهي ذلك الصراع نهاية الاعتراف بالواقع حين يلوذ الشاعر بالشيب درعا يقيه نوائب الدهر،فقد طابت نفسه لأنه قدره انه كالردى انه كالموت: طبت به نفسا ومن لم يجد إلا الردى ،أذعت واستقبلا
فقد انس الشباب والشيب بعمر الشريف الرضي فصارا زمنه ورمز وجوده وحياته من خلال هذه النظرة الى الشيب دبت شكواه من الزمان وبدأت تسري في أكثر قصائده وتغلغل في عروق وجدانه الشعري حيث وجدت فيها تنفيسا حرا عن كامن الأسى التي أججها الشيب المبكر في حياة هذا الشاب المتوقد حرارة المتوهج طموحا نحو المجد والعلى، هذا ما تناوله د. عناد غزوان معلقا حول القصيدة التي وردت نفسها عند السيد جاسم وكلاهما أكد على مفهوم الزمن وعلاقته بالمشيب ولشيب ولكن للشيب غرته لدى الشريف الرضي والغربة علاقتها بالزمن وطيدة أيضا ،كما إن تركيز عناد غزوان على قضية الزمن لدى الشريف الرضي وتأثيرها في شعره من خلال الشيب وغيره ،اما السيد جاسم فيجعل هناك مقارنة بين نظرة المعري إلى الزمن ونظرة الشريف الرضي إليه ،ويذكر السيد جاسم انه كان للمعري نظرة وجودية وعقلية ،مشتركة لا تلقي بالاتهام على الزمن ،وإنما على البشر الذين حق على الزمان أن يشكوهم لو استطاع تكلما:/
قال المعري:/
نبكي ونضحك والقضاء مسلط ما الدهر أضحكنا ولا أبكانا
نشكو الزمان وما أتى بجناية ولو استطاع تكلما لشكانا
اما الشريف فقد كان يرى في الزمان خصما لدودا لأنه الزمن الذي آل إلى فجيعة ال البيت أجداده –هذا ما ركز عليه عزيز السيد جاسم- وشهد دماءهم المتناثرة على ارض كرب وبلاء ،وهو الزمن الذي شهد سجن ونفي أبيه، ومصادرة أملاكه، وهو الزمن الذي يسوس فيه الأمور العلوج على حد تعبيره والسفهاء فيما يتعرض فيه أهل الرئاسة الحقيقة إلى المحن والمصائب ورغم إن الزمن مزدوج تارة كما يقول:/
كل شيء من الزمان طريف والليالي مغانم وحتوف
إلا إن لعبة الزمن ثابتة:/
عادة للزمان في كل يوم يتناءى خل وتبكي طلول
فالليالي عون عليك مع البي ن كما ساعد الذوابل طول
فنظرة الشريف الرضي الى الزمن هي نظرة سياسية بامتياز .
فالزمن والاغتراب يمثلان السيرة الحياتية والوقائع التاريخية وهذا ما ركز عليه عناد غزوان. فبالتالي ربط كلا الناقدين مفهوم الزمن بالوقائع التاريخية التي وقعت للشريف الرضي وسببت اغتراب الزمن لديه ،ولكن عزيز فصل هذه الحوادث بشكل اكبر وذكر ارتباطاتها بال بيت الرسول اما عناد غزوان فاكتفى بالاشارة اليها من خلال اشارته عموميا للوقائع التاريخية والسيرة الحياتية للشريف الرضي فقط.
وعزيز السيد جاسم يبين ان الشريف الرضي في لعبة الزمن مغترب كبير مهدور الطموحات كثير الشقاء شديد التحسس للماضي ،بذهاب اقوام وحتمية ذهاب اخرين ،وهو يرى الدهر وسط الاغتراب ،فهو لم ينصره يوما ما، بل احاطه بالخذلان فقال:/
فمالي طول الدهر امشي كانني لفضلي في هذا الزمان غريب
اذا قلت قد علقت كفي بصاحب تعود عواد بيننا وخطوب
ويقول :/
يقولون نم في هدنة الدهر امنا فقلت ومن لي ان يهادنني الـــــدهر
هل الحرب الا ما ترون نقيصة من العمر او عدم من المال او عسر
فلا صلح حتى لا يكون لواجد ثراء ولا يبقى على وافر وفـــــــــــر
ويستجيب الشاعر احيانا الى دعوة العقلاء الداعين الى مسايرة الدنيا، ولكنه يرى ان الدنيا مهما دخل في مداراتها ،فانها مخادعة حتى في زخرفها العلني ومتاعها اللذيذ ،وهو يشدد على عدم الانخداع بها :
هيهات يا دنيا وبرقك صادق ارجو فكيف اذا وبرقك كاذب
ومهما اوتي من قوة لارغام نفسه على مسالمة تصاريف الزمان ،فان النجاحات لم تكن بمستوى المامول ،بل دون ذلك بكثير.
ويعلق عزيز السيد جاسم بان الشريف الرضي كثيرا ما حمل شعره ردا على نفسه ،وهو في مونولوج الحوار الداخلي ،وتذكير نفسه بضرورة توفر الناصر والمعين ،فيما لا يجني من محاربة الزمان شيئا ،لانه في تلك المحاربة يبقى قليل الناصر ،فيقول:/
سالم تصاريف الزمان فمن يرم حرب الزمان يعد قليل الناصر
كذلك حمل شعره ردودا على الذين قالوا له بضرورة مماشاة الدهر لخصها بقوله:/
يقولون ماش الدهر من حيث ما مشى فكيف بماش يستقيم واظلع
وما واثق بالدهر الا كراقد على فضل ثوب الظل والظل يسرع
وقالوا تعلل إنما العيش نومة يقض ويمضي طارق الهم اجمع
ولو كان نوما ساكنا لحمدته ولكنه نوم مروع مفزع

وبالرجوع إلى الراحل عناد غزوان الذي شخص مديحا على لسان الشريف الرضي بدأه بمقدمة ذاتيه حزينة فيها وصف لهموم الشاعر وآلامه وخيبة الأمل والعتاب وقد وردت في مدحته في أبي علي :/
أماني الناس ما تناخ ركابها وغيبة حظ لا يرجى إيابها
ووفد هموم ما أقمت ببلدة وهن معي إلا وضاقت رحابها
وقد أشار الراحل عزيز السيد جاسم إلى أشعار كثيرة تدلل على هموم الشاعر وآلامه وخيبة الأمل والعتاب لديه ومنها: إن الشريف الرضي ورث في روحه ودمه الفجيعة الحسينية لكن الدهر لم يترفق به في حدود ذلك بل ادخر له أمرا عظيما ومنها سجن أبيه الذي كان سنده الكبير والشخصية العظيمة التي حملت قبسا من نور أهل البيت وحكمتهم وعدالتهم .
فالهموم التي ورثها الشاعر والآلام وخيبة الأمل التي تكلم عنها الراحل عناد غزوان فصلها أكثر عزيز السيد جاسم بظاهرة الاغتراب ومنها ما ورد في أعلاه وكذلك ورث آلام من نوع آخر إبان الغزو البويهي لبغداد فكان يعاني من ألام واغتراب المعنى الاجتماعي ،عندما وجد الشريف انعدام الناصر بالدلالة الاجتماعية ،وكان ذلك يعني في اقل تقدير إن جماعة الناس التي لم تنصره ،كانت تنصر العدو المباشر للعرب وهو السلطة البويهية ،حيث قرر الشريف الرضي ضمن قصائده انعدام العهد في أكثرية الناس وهو القائل:/

لأي حبيب يحسن الرأي والود وأكثر هذا الناس ليس له عهد
ثم قوله:/
أكل قريب لي بعيد بوده وكل صديق بين أضلعه حقد
كذلك تصعد عنده –على جد تعبير السيد جاسم- حدة التشخيص والإدانة درجة عالية فيعلن:/
الناس حولك غربان على جيف بله عن المجد إن طاروا وان وقعوا
فما لنا فيهم إن اقبلوا طمع ولا عليهم اذا ما أدبروا جزع
ويرى بنفسه إن الناس هم الداء وان الصراع بين العاقر والمعقور صراع المفترس والفريسة ،هو الذي يطغى على ما عداه فيا لضيعة من يرنو إلى القضية يقول :/

يطيب النفس عن قطعي علائقها إني أفارق من فارقت معذورا
كن في الأنام بلا عين ولا أذن أو لا فعش ابد الأيام مصدورا
غيب الرجال ظنون قبل مبحثه فما طلابك أن تلقاه موفورا
أيضا سوء الزمن وآلامه يدفع الشريف الرضي إلى أن يقول كما ينقل عزيز السيد جاسم:/
سئمت زمانا تنتحيني صروفه وثوب الأفاعي أو دبيب القارب
مقام الفتى عجز على ما يضيمه وذل الجريء القلب إحدى العجائب
حيث نجد ثمة حقيقة شاخصة في شعره وهي اعتزازه بعلو مكانته وشرفه ،وما المصائب والهموم التي حلت به إلا الثمن الذي لا بد للشرف من تقديمه وقال في أبدع تعبير:/
وضيوف الهموم مذ كن لا ين زلن إلا على العظيم الشريف
فهو إذ يعتز بكرامته وكبريائه وحريته وعزته يعلم الآخرين أيضا الاعتزاز بالكرامة ،,رفض الذل وتأخذ أشعاره في ميدان مكافحة الذل وعاره مكانة الحكم والمأثورات الغالية :/
فهو يقول:/
وموت الفتى خير من حياته
اذا جاور الأيام وهو ذليل
وكذلك يقول:/
وكل فتى لا يطلب المجد اعزل
وكل عزيز لا يجود ذليل
و:/
لا تخلدن الى ارض تهون بها
بالدار دار وبالجيران جيران
و:
الحر تنهضه اما شجاعته
الى الملم وإما خشية العار

كما وان جزؤ كبير من الام الشاعر الرضي هي غربة الاصدقاء ويعلق عليها عزيز السيد جاسم انها الحالة الثانية من الاغتراب الخانق الذي يسد ابواب التضامن الاخوي والروحي بوجهه ،والشريف الرضي كسب الاصدقاء فخسروه هم مما اثر ايضا وشكل غربة والما لديه:
واول لؤم المرء لؤم اصوله
واول غدر المرء غدر خليل

ويقول ايضا :/
اشكو النوائب ثم اشكر فعلها لعظيم ما القى من الخلان
وكذلك قال عن معاناته من نفاق الاصحاب:/
فكم صاحب تدمى علي بنانه ويظهر ان العز لثم بناني
وفي وحشة الوحدة ،وهو يجتاح الارض بهمته ومجده وعلو شأنه واماله الكبيرة ،يصدعه الخذلان فيرى نفسه وحيدا ليس له صديق ،اذن ليس له منزل او سكن .
ايضا فان قل الصديق كان الدهر مسؤولا عن ذلك:
توقعي ان يقال قد ظعنا ما انت لي منزلا ولا سكنا
يا دار قل الصديق فيك فما احس ودا ولا ارى سكنا
:: ويعلق عزيز السيد جاسم بان الشريف الرضي راى نفسه شاردا في البلاد دائما ،منكورا محروما جريحا لان حبل الوفاء انى ذهب وتوجه يتصرم كاللعنة:/
أأُنكر والمجد عنوانيه ومخبرتي عند اقرانيه
ويعرف غيري بلا ميسم مبين ولا غرة ضاحية
ألا قاتل الله هذا الأنام وقاتل ظني واماليه
ودهرا يمول ذلاته ولا يذخر العدم إلا إليه

ومما يزيد في غدر الأصدقاء والخلان على نفس الشريف الرضي مرارة ،انه شديد اللهفة على الصديق ،فروح الصداقة تغزو دمه وأعصابه وذهنه وقلبه وتبدو أثار قسوة الخيانة أو الجفاء الشديد عليه اذا ما علمنا انه يذكر عن نفسه انه تحفة للصديق قائلا:/
على إنني تحفة للصديق يروح بنجواي أو يغتدي
واني ليأس بي الزائرو ن أنيس النواظر بالاثمد
تغمض لي أعين الحاسدين كالشمس فيناظر الأرمد
فلا دخل البعد ما بيننا ولا فك منا يدا عن يد
وطول أيامنا بالمقام في ظل عيش رقيق ندي

ولكن قدره انه وهو الصديق والصادق ليس له صديق:/
كفى حزنا إني صديق وصادق ومالي من بين الأنام صديق
فكيف اريغ الأبعدين لخلة وهذا قريب غادر وشقيق
وظلت حسرته على الصديق تنتهي دوما بمقالة حكيمة :/

من لي بغرة صاحب لا يستطيل عليه عاب
ما حارب الأيام الا كان لي وله الغلاب
هيهات اطلب ما يطو ل به بعاد واقتراب
قل الصحاب فان ظفر تُ بنعمة كثر الصحاب
من لي به سمحا اذا صفرت من القوم الوطاب
من لي به يا دهر وال أيام كالحة غضاب

وغربة الأصدقاء هذه تناولها عناد غزوان في كتابه((بناء القصيدة في شعر الشريف الرضي ))
وكيف إن الأصدقاء خسروه بسبب تصرفاتهم اللاانسانية مما جعله يصف زيفهم بالقصيدة التالية:/
وكم صاحب كالرمح زاغت كعوبه أبى بعد طول الغمز أن يتقوما
تقبلت منه ظاهرا متبلجا وادمج دوني باطنا متجهما
فأبدى كروض الحزن رفت فروعه واضمر كالليل الخداري مظلما
ولو أنني كشفته عن ضميره أقمت على ما بيننا اليوم مأتما
فلا باسطا بالسوء إن ساء لي يدا ولا فاغرا بالذم أن رابني فما
كعضو رمت فيه الليالي بفادح ومن حمل العضو الأليم تألما
اذا أمر الطب اللبيب بقطعه أقول عسى ظنا به ولعلما
صبرت على إيلامه خوف نقصه ومن لام من لا يرعوي كان ألوما
هي الكف مض تركها بعد دائها وان قطعت شانت ذراعا ومعصما
أراك على قلبي وان كنت عاصيا اعز من القلب المطيع وأكرما
حملتك حمل العين لج بها القذى ولا تنجلي يوما ولا تبلغ العمى
دع المرء مطويا على ما ذممته ولا تنشر الداء العضال فتندما
اذا العضو لم يؤلمك إلا قطعته على مضض لم تبق لحما ولا دما
ومن لم يوطن للصغير من الأذى تعرض أن يلقى اجل وأعظما
فالصداقة حسب هذه القصيدة بناء اجتماعي حميم بين بني البشر ،تولد عن طريق الصدفة أو الإيمان أو العقيدة أو الحاجة أو الخوف أو الجوار أو الغربة والحنين إلى الأرض والوطن وحين تولد الصداقة وتنمو تولد معها قيم ومثل أخلاقية تجعل الوجود ذا طعم وحياة ...والصداقة الحقة مصدر اجتماعي مهم من مصادر دراسة طبائع الإنسان وان الإخلال بقيم الصداقة يعني الإخلال بتركيبها الاجتماعي وهدفها الإنساني لذلك فالانعزالية أو العزلة والانطوائية والتشاؤمية والعتاب والشكوى قد تكون بعض نتائج مثل هذا الاختلال ،ومن هنا فان قصيدة الشريف الرضي هذه التي تقع في أربعة عشر بيتا الخالية من المطلع المصرع تجربة صادقة عانى منها الشريف في ضوء صداقاته وعلاقاته الاجتماعية فعبر عن معاناته نحو بعض أصدقائه.
وهنا يعلق عناد غزوان على هذه القصيدة قائلا:/
فصاحبه يبدو منافقا يقبل الرضي منه وجهه الظاهري إيمانا نمه بحب الصديق والوفاء له ولا ينسى علاقاته الاجتماعية على وفق مبدأ المودة الصافية بحكم نشأته الشريفة وتربيته الأخلاقية المعروفة ،في حين يضمر له ذلك الصديق وجها متجهما على النقيض من واقعه فهو في الظاهر واضح أنيس ،بيد انه في باطنه معتم مظلم، وهنا يستثمر الشريف الرضي لغة الطباق البلاغي استثمارا رائعا في رسم الصور المتناقضة لهذا الصاحب ،الفكر المنافق ...(تقلبت) (ادمج)(ظاهرا مبلجا)، باطنا متجهما) ،ولكن الرضي يستمر في تجربته وهو يعلم سر هذا الإنسان ويعلم تقلبات سلوكه الظاهري والباطني ،أي انه خبير بسريرة وعيه ولا وعيه ولا يريد أن يبادره بالسوء ،مع ما يصاحب هذا التصرف الودود من قبل الرضي من الم (ومن حمل العضو الأليم تألما) إنها صورة شعرية رائعة تنساب بعفوية وغنائية سمحة بلا تكلف واصطناع ، فيصبر الشاعر متألما مع يقينه بموقف صاحبه الشائن ولكنه لا يريد لهذه الكف أن تقطع ،لان الصداقة عنده حي وألفة وأخلاق ومثل رفيعة تجسده أبيات القصيدة الأخيرة التي تظهر الرضي أوفى من الوفاء ،واخلص من الإخلاص ،أنها حكمة رائعة في بناء الصداقة والاعتزاز بالصديق
القصيدة أعلاه مهمة جدا في الواقع السيكولوجي النفسي الذي يؤثره الصديق بصديقه ويتبين لنا من خلال نهج القصيدة الأهمية السيكولوجية للصديق والصداقة كذلك للقصيدة بعد اجتماعي وذلك لان تأثيرات الصداقة لها أبعاد في التماسك الاجتماعي من خلال الترويح النفسي الذي يمثله الصديق لصديقه.
وهنا يعلق الراحل عزيز السيد جاسم عن مفهوم غربة الأصدقاء والألم الذي سببوه إلى الشريف الرضي مشابها بذلك ما ورد عند الدكتور عناد غزوان من تركيز كلا الناقدين على جانب الغربة الروحية التي سببها أصدقاء الشريف الرضي إليه بعد الخذلان له قائلا:/وحق ما قاله علي بن أبي طالب ((اعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان ،واعجز منه من ضيع من ظفر به منهم)) ،لكن الشريف الرضي وهو الأشجع كسب الأخوان فخسروه ،وكم ضيع أناس خيرة الناس، وأفضل الصداقات لأسباب تافهة ،لا يعدو بعضها الغرور ،أو لسماع القيل والقال ، أو قبول مصاحبة أهل السوء ،أو سوى ذلك، لكن الذين هجروا الشريف الرضي ،كانوا يتهيبون من علو همته وعظمة مسعاه
وهكذا ظل الشريف الرضي يشكو غدر الخلان والأصدقاء ،وهذا أسوأ ما يناله امرا في حياته.
اما غربة وألم الأقرباء عند الشريف الرضي فيمكن استقرائها كما ورد عند الراحل السيد جاسم حيث تحل هذه الغربة في المرتبة الثالثة للاغتراب الاجتماعي ،فيتطوق الشريف الرضي تطويقا مريرا ،لا فرار منه إلا بهرب الباكي فمن غدر الصحاب إلى غدر الأقرباء،فكأن خساسة الزمن وخذلان الناس وغدر الأصدقاء،وسوء الحظ ومرارة الدهر لم تكتف بمطاردتها له وهو الوحيد المتغرب ،فكأن صوت المؤامرة التي تضافر فيها الجميع يصرخ امنعوا الضفة عن الغريب وكانت له ضفة وأية ضفة الأهل والأقربون؟فإذا هم تواصلوا مع البلوى كبلوى ،فأدخرهم الزمان لتحميله فوق الأذى أذى جديدا فما هو فاعل إذن؟ وانه ليتأسى لنفسه وما نفع التأسي وقد كان غدر الأقرباء مدعاة لان لا يعجب من غدر الأصدقاء. وهذا ما قاله صريحا :/
تجاذبني يد الأيام نفسي ويوشك أن يكون لها الغلاب
وتغدر بي الأقارب والاداني فلا عجب اذا غدر الصحاب
وأيضا يقول:/
وبعض مقال القائلين مكذب وبعض وداد الأقربين خدوع
وكذلك يقول :/
ما كل نسل الفتى تزكو مغارسه قد يفجع العود بالأوراق والثمر
ومن اكبر الجفاء الذي تعرض له الرضي من الأقرباء ما ناله من أخيه الشريف المرتضى حيث يعلق عليها الدكتور زكي مبارك بما نصه: (( ولا تحدثنا كتب التراجم عن أسباب الجفوة التي وقعت بين ذينك الأخوين ،ولكننا نعرف إنهما لم يكونا مؤتلفين كل الائتلاف ،لان مذاهبهما في الحياة كانت مختلفة بعض الاختلاف ،ويمكن الحكم بان الرضي كان جمهوره من أهل الأدب وان المرتضى كان جمهوره من أهل العلم، وهنا تظهر أسباب المنافسة بين الأخوين إلى أن يقول : وقد شرب الرضي كؤوس العلقم من يد الزمان ،رأى من البلايا ما انطقه بالشعر وهو في العشر من سنيه ،ورماه بالشيب وهو في سن العشرين، ولكن هل تجوز الدنيا إلى هذا فيرى أخاه الشقيق وهو يمضغ عرضه بلا تورع ولا استحياء هل تفسد الدنيا هذا الفساد فنرى المرتضى والرضي يتباغضان ويتحاقدان بعد إن جمعتهما الأيام تحت جناحي أم رؤوم تروضهما على المودة والعطف ،وهي ترى الدنيا في وجهيهما حين زج زوجها في غياهب الاعتقال))
وها هي قصيدته الضادية التي يرد فيها على قدح شقيقه الكبير المرتضى :/
رضيت من الأحباب دون الذي يرضي وداينت من تقضى الديون ولا يقضي
إلى أن يقول عن أخيه المرتضى:/
اذا ما رمى عرضي القريب بسهمه عذرت بعيد القوم اما رمى عرضي
ولكن فيما بعد حدث رضا بين الأخوين فكتب المرتضى إلى أخيه الرضي القصيدة التالية التي ينقلها عزيز السيد جاسم عن زكي مبارك:/
تكشف ظل العتاب عن غرة العهد واعدى اقتراب الوصل منا على البعد
إلى أن يقول:/ تلين على مس الإخاء مضاربي وان كنت في الأقوام مستخشن الجد
اما في الرثاء فهنا تجتمع المأساة لدى الشريف الرضي فجزء من الغربة التي يعيشها هي تذكر ما نال أجداده الحسين وال البيت من حيف الدولة الأموية والمأساة التي تعرض لها الشريف بسجن والده والتي أججت لديه مفاتن الحزن حتى أضحت أحداث عاشوراء اكبر خيانة للنبي كما يذكر عزيز السيد جاسم لأنها كانت محاولة لامحاء ذرية النبي فافرد الشريف الرضي قصائد مهمة في رثاء الحسين وأهل بيته ومنها رثائية عاشوراء سنة 387هـ والتي تم ذكرها فيما سبق في ثنايا البحث في باب اغتراب الشريف الرضي.
ولكن المراثي لم تقتصر عند الشريف الرضي على رثاء آل البيت فلقد رثى أبي اسحق الصابي حيث كان للصداقة والمأساة المشتركة والرابطة الأدبية كلها عوامل وقف عندها زكي مبارك في تفسير الرابطة بين الصابي والرضي لذلك قال فيه راثيا قصيدة يعلق عليها السيد جاسم بأنها من روائع المراثي المشحونة بالمغازي يقول الرضي:/
أعلمت من حملوا إلى الأعواد أرأيت كيف خبا ضياء النادي
جبل هوى لو خر في البحر اغتدى من وقعه متتابع الازباد
إلى أن يقول:/ اعزز علي بان نزلت بمنزل متشابه الأمجاد والأوغاد
وبعد موت الصابي بنحو تسع سنين مر الشريف الرضي على قبره فقال:/
لولا يذم الركب عندك موقفي حييت قبرك يا أبا اسحق
إن تمض فالمجد المرجب خالد أو تفن فالكلم العظام بواقي
وتبقى الحقيقة الماثلة في شعر مراثي الشريف الرضي والمتمثلة بمقاتل الطالبيين والفجيعة الحسينية الكبرى كما يسميها السيد جاسم ويطلق عليه لقب((ثنائي المجد والفجيعة)) مما جعل شعره يتناول الرثاء بشكل أساسي ومهم كما إن مقتل آل البيت كما يقول السيد جاسم بأيدي أناس كانوا يدعون الإسلام هذا أعطى للمأساة بعدا فجائعيا لم يتكرر في التاريخ ،فلم يرو احد في جميع مراحل التاريخ إن بشرا يقتلون أهل بيت نبيهم وباسم خلافة الدين إلا في مناسبة واحدة هي ملحمة عاشوراء وهذا جانب ديني يتناوله السيد جاسم.
اما الرثاء لدى الشريف الرضي في نظر الدكتور عناد غزوان فيعتبرها من الفنون الشعرية الغزيرة لديه التي تضطرد في ديوانه بعد مدائحه وقد أجاد فيها الرضي إجادة شاعر فنان رقيق العاطفة ملتزم بالوفاء في علاقاته الاجتماعية العامة والخاصة فهي مرثاة في آل بيته وأقربائه أو في أصدقائه وخلانه أو في الخلفاء والأمراء والساسة والعلماء والأدباء المعروفين في عصره، وهي مرثاة تفصح عن رأيه في دنياه وتشهد بأنه كان يشعر بان نهايته قريبة وان متاعه في الحياة قليل وفيها بأس من وفاء الباكين وهو من خلال مشاعرها الحزينة وأنات وجدها وآهات أساها يبدو وكأنه يرثي نفسه ويظهر هذا الإحساس في مراثيه التي خص بها أهل بيته فهو في مرثاته المشهورة في أمه بلغت هذه المرثاة ثمانية وستين بيتا –يظهر فخره وحماسته التي لا تفارقه في أكثر مراثيه حتى لتبدو مرثاته ذات مقدمة حماسية وان كانت اقل من حماسته في مدائحه ،وليس ذلك بغريب فلعل فرق ما بين الموقفين ينسي الشاعر ثورته ،وبكلمة أدق فان يجعله يمزج هذه الثورة بالنشيج ويصبغها بالندب والنواح ففي هذه المرثاة يبدو فخورا متحمسا برنة حزينة على فقدان أمه الغالية الحنون:/
لو كان يدفع ذا الحمام بقوة لتكدست عصب وراء لوائي
وسرعان ما يهدأ هذا الحماس ليصور مأساته وكأنه يرثي نفسه وخيبة امله في الزمان والحياة والدنيا:/
كم زفرة ضعفت فصارت انة تممتها بتنفس الصعداء
لهفان انزو في حبائل كربة ملكت على جلادتي وغنائي
بين مراثيه الذاتية والعامة قصيدتان في رثاء الحيرة وال المنذر بن ماء السماء –جديدتا المضمون في هذا الباب ويمكن ان نصطلح على مثل هذا المضمون بمرثاة المدينة او رثاء الماضي وهو المضمون الذي يمثل مدى ارتباط الشاعر بارضه وعمق انتمائه لقومه وعروبته .
قال واقد اجتاز بالحيرة يرثي ال المنذر بن ماء السماء:/
اين بانوك ايها الحيرة البيضاء والموطئون منك الديارا
والالى شققوا ثراك من العشب واجروا خلالك الانهارا
المهيبون بالضيوف اذا هب ت شمالا والموقدون النارا
ويعلق عليها عناد غزوان قائلا: (( تتالف هذه المرثاة من خمسة عشر بيتا ليست مصرعة المطلع ،يبدأ الشاعر سؤاله عن بناة الحيرة الاوائل من المناذرة وهو سؤال يثير في نفسه حسرة على المجد القديم ،الحيرة البيضاءالتي كانت زاهية بنهضتها وخصبها وحضارتها ورجالها –حسب رؤية عناد غزوان التاريخية- الموقدين النار لضيوفهم نار القرى المعروفة في التاريخ العربي،وكلما هدأت النار اطعموها بالعيدان الطيبة برائحتها لتبقى نابضة متوقدة بديمومة الحياة يشمها من راها على بعد فيقصدها من اضل الطريق من الغرباء والضيوف ويقصد اهلها الشجعان الاماجد حماة تلك الأرض)) اما النونية وهي المرثاة الثانية موؤلفة من ستة وثلاثين بيتا ليست مصرعة المطلع نظمها الشاعر بعد خروجه من الكوفة لزيارة مشهد الإمام علي وعرج الى الحيرة فطافها ونظر عجيب اثارها وبناءها وراى الضباء في عرصاتها وذلك في 392ه.ويقسم عناد غزوان هذه المرثاة الى ثلاث لوحات فنية الاولى يصفها بلوحة الذكرى ومطلعها يقول:
ما زلت اطرق المنزل بالنوى حتى نزلت منازل النعمان
وتستمر حتى البيت السابع عشر.
اما ماضي الحيرة فيجسده بقوله:
ورايت عجماء الطلول من البلى عن منطق عربية التبيان
باق بها حظ العيون وانما لاحظ فيها اليوم للاذان
اما اللوحة الثانية فتبدأ من البيت الثامن عشر وحتى البيت الثلاثين:
امقاصر الغزلان غيرك البلى حتى غدوت مرابض الغزلان
اما تعانق الفخر والحماسة والدموع تعانقا يمثل نفسية الشريف الرضي في حبه للجسد وتعلقه بهذا الماضي الذي يمثل ركنا مهما من اركان فكره الافتخاري وعاطفته الحماسية ومشاعره الصادقة ،حيث تبدأ اللوحة الثالثة التي تبدأ من البيت الحادي والثلاثين الى نهاية القصيدة :
نعق الزمان بجمعهم عن لعلع واقض منزلهم على نجران
وكال جفنة ازعجتهم نبوة نقلت قبابهم عن الجولان
وعلى المدائن جلجلت برعادها عركا لكلكلها على الايوان
والى ابن ذي يزن غدت مرحولة نفضت حريتها على غمدان
زفر الزمان عليهم فتفرقوا وجلوا عن الاوطار والأوطان


والبيت الاخير الذي مر ذكره هو رثاء الماضي الذي انتهى بانتهاء أولئك الأفذاذ من الرجال .
ان قصيدة الرثاء عند الشريف الرضي قد تبدو ذات مقدمة حماسية او فخر ذاتي وخيبة أمل وشكوى من الزمان مع احتفاظها بوحدتها المضمونة أو قد تكون مرثاة مباشرة لا أية مقدمة أو مقدمة قد تكون مرثاة مدينة متميزة بمضمونها وأبعادها السياسية والأخلاقية.وبالتالي فان كلا الناقدين عناد غزوان وعزيز السيد جاسم قد قرا الشريف الرضي من خلال شعره واشتركا في جوانب الرثاء عند الشريف الرضي والفخر والحماسة والاغتراب في شعره والشيب الذي تميز به الشريف الرضي حتى غدا مقروءا عند كلا الناقدين ولكن تميز كل منهما ببعض الاختلافات في القراءة والتي سنشير اليها كالتالي:
1- مدائح الشريف الرضي ركز عليها الدكتور عناد غزوان ولم يركز عليها عزيز السيد جاسم بل لم يذكرها وقسمها عناد غزوان الى ستة اقسام كنا قد اشرنا الى بعض منها في سياق بحثنا ونلخصها بالتالي:
أ‌- مدحة تخلو من مقدمة مخصصة ولكن تتخللها اشارات الى الفخر الذاتي قال في مدح الخليفة الطائع لله سنة 377ه :
جزاء امير المؤمنين ثنائي على نعم ما تنقضي وعطاء
اقام الليالي عن بقايل فريستي ولم يبق منها اليوم غير ذماء
كذلك مدحته في خاله ابن الحسين احمد الناصر :
لكل مجتهد حظ من الطلب فاسبق بعزمك سير الانجم الشهب
وارق المعالي التي اوفى ابوك بها فكم تناولها قوم بغير ابي
ايضا المدائح التي كالها الى الخليفة القادر بالله سنة 383ه :
شرف الخلافة يا بني العباس اليوم جدده أبو العباس
وافى لحفظ فروعها وكنيته كان المشير مواضع الاغراس
ويقول مادحا:
لله ثم لك المحل الأعظم واليك ينتسب العلاء الأقدم
ولك التراث من النبي محمد والبيت والحجر العظيم وزمزم
ب‌- مدحة تبدا بمقدمة حماسية على ما يشير عناد غزوان ذاتية كقوله في مدح الطائع سنة 378ه :
لو على قدر ما يحاول قلبي طلبي ولم يقر في الغمد عضبي
او مدحته في ابيه سنة 377ه :
لغام المطايا من رضابك اعذب وبنت الفيافي منك اشهى واطيب
او مدحته في الصاحب بن عباد سنة 357ه التي بلغت ثلاثة وسبعين بيتا :
اباء اقام الدهر عني واقعدا وصبر على الايام انأى وابعدا
او مثل في مدحته في ابي سعيد بن خلف سنة 376ه:
امن شوق تعانقني الاماني وعن ود يخادعني زماني
ت‌- مدحة تبدأ بالمقدمة والشكوى والفخر بصورة غير مباشرة كقوله في مدح بهاء الدولة سنة 400هــ:
حييا دون الكثيب مرتع الظبى الربيب
واسالاني عن قريب في الهوى غير قريب
او مدحته في ابيه: سنة 375ه :
يا دار ما طربت اليك النوق الا وربعك شائق ومشوق


ث‌- مدحة تبدأ بذكر المشيب مباشرة ومنها قوله في مدح الوزير ابي منصور بن صالح وقد ورد ذكرها في بحثنا فيما سبق.
ومنها ايضا: مدحته في ابي سعيد بن خلف:/
الان جوانبي غمز الخطوب واعجلني الزمان الى المشيب
وقالوا :الشيب زار فقلت: اهلا بنور ذوائب الغضب الرطيب
د- مدحة بمقدمة ذاتية حزينة فيها وصف لهموم الشاعر والامه كمدحته في ابي علي:وقد وردت في ثنايا البحث اعلاه.
ذ- مدحة على شكل شكر وثناء بمقدمة تصف طيف الحبيب كقصيدته التي يشكر بها الشيخ ابا فتح عثمان بن جني النحوي .وقد مر ذكرها في ثنايا البحث فنرى مما ورد اهتمام الناقد عناد غزوان بالمديح عند الشريف الرضي وعدم اهتمام عزيز السيد جاسم بهذا الغرض .
2- اهتمام عزيز السيد جاسم بالغزل والحب في شعر الشريف الرضي وعدم تطرق عناد غزوان لهذا الموضوع في شعر الشريف الرضي بتاتا لذلك يعلق السيد جاسم على هذا الموضوع قائلا: ان حبه للمراة كان من نور جنس مشع بالحب ممتلء بالعاطفة والبشر في طبائعهم يتباينون فبعضهم خلق الوفا محبا والبعض الاخر خلق مبغضا لئيما والبعض الثالث موزع بين الاثنين يحب حينا ويبغض حينا )) ولو ان السيد جاسم يوزج زجا قضية حبه لامه ضمن العشق وينقل مراثيه عنها وهذه المسالة تعد خارج موضوع العشق لديه كان من الاولى على السيد جاسم نقل الرثاء عن امه ضمن ابواب الرثاء .
وقد ذكر السيد جاسم الشواهد التالية عن الشريف الرضي فيما يخص الغزل والحب:/يقول الشريف الرضي:/
وما كنت ادري الحب حتى تعرضت عيون ظباء بالمدينة عين
فوالله ما ادري الغداة رميننا عن النبع ام عن اعين وجفون
وقوله:/
يا صاحبي تروحا بمطيتي ان الظباء بذي الاراك سلبنني
سيرا فقد وقف الطعين لما به مستسلما ونجا الذي لم يطعن
ما سرني وقنا اللحاظ تنوشني اني هناك قتيل غير الاعين
كذلك يقول الرضي حسب ما اورد السيد جاسم:/
وما الحب الا ذلة واستكانة لمولى ارى اعزازه ويرى ذلي
3- ذكر وصف الذئب لدى الدكتور عناد غزوان عند الشريف الرضي وعدم ذكره بتاتا عند الراحل عزيز السيد جاسم وقد جاء وصف الذئب كما يلي :
قال يصف الذئب في قصيدة مؤلفة من سبعة عشر بيتا غير مصرعة المطلع:
وعاري الثوى والمنكبين من الطوى اتيح له بالليل عاري الاشجع
اغيبر مقطوع من الليل ثوبه انيس باطراف البلاد البلاقع
الى ان يقول:
تاوب والظلماء تضرب وجهه الينا باذيال الرياح الزمازع
له الويل من مستطعم عاد طعمه لقوم عجال بالقسي النوازع
وهذه القصيدة تذكرنا بقصيدة البحتري في وصف الذئب التي جاء فيها:
يقضقض عصلا في أسرتها الندى كقضقضة المقرور أفزعه البرد
عوى ثم اقعى فارتجزت فهجته ببيداء لم تحسس بها عيشة رغد

فكأنما الشعراء القدامى كانوا متأثرين بالذئب وكونه قريب منهم في البادية مما يسهم اسهامة كبيرة ان تكون موضوعة الذئب داخلة في قصائد الشعراء .
وهذه المسالة تناولها عناد غزوان بقوله((بيد ان الذئب في القصيدة بلونه وحركته وحذره وجوعه لا يختلف عن اوصاف الذئب في تجارب الشعراء الاخرين الذين سبقوا الشريف الرضي الا ان قصيدة الشريف تنفرد بصورة فنية بارعة جسدها البيت السابع :
اذا فات شيء سمعه دل انفه وان فات عينيه راى بالمسامع
حين جعل الشريف حواس ذئبه متوثبة يقظة متحركة متحدة بحاسة واحدة من شدة الحذر والتوتر وعنفوان الجوع فحاسة الشم هي حاسة السمع وحاسة السمع هي حاسة البصر ،فهو ذئب يرى بمسامعه وهو على الرغم من كل ذلك يعود خائب الامل فلا يحص على شيء حيث تنتهي اللوحة نهاية ماساوية تقليدية))
في نهاية هذه الدراسة عسى ان نكون قد قدمنا صورة واضحة عما بذله الناقدين عناد غزوان وعزيز السيد جاسم من بحث حول شعر الشريف الرضي المتشابك المترامي الاطراف والاغراض وعسى ان نكون قد وفقنا في اجراء نقد موضوعي حول اراءهم التي وردت في شعره والاماكن التي اغفلوها من هنا وهناك وتمت الاشارة اليها من قبلنا.
بالنتيجة فان ما بذلاه كلاهما لا يعدو ان يكون بحثا تميحصيا لشعره والساحة المعرفية النهضوية التي تخص قراءة شعر الشريف الرضي ما زالت بحاجة الى قراءة وقراءات متعددة من قبل النقاد لفرز ما نطمح ان نراه من تراث الشريف معينا لنا في نهضة مجتمعنا لاسيما رؤى التسامح لدى الشريف الرضي ورؤى المعرفة والابتعاد عن شعره الخاص بالفتوة كما ورد لدى بعضهم والخاص بكيفية مناجزة الاعداء ورؤى الانتقام والعنف والتي تكلمنا عنها في بحثنا انف الذكر ،وكل بحث هو قابل للصواب والخطا املين ان نكون قد وفقنا في هذه الدراسة واستطعنا ان نركز على الجوانب الايجابية التي وردت في شعر الرضي من خلال الدراسة التي قاما بها كل من عناد غزوان وعزيز السيد جاسم ولا يخفى جهد كل منهما في الساحة المعرفية الثقافية العراقية النهضوية .



#ياسر_جاسم_قاسم (هاشتاغ)       Yaser_Jasem_Qasem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب المرأة بين السلب والايجاب
- هل لدينا خطاب نواجه به الاخر
- خطاب المراة المستقل ضمان لتحقيق حريتها
- البريكان شاعر الانسانية بصمت
- التنوع الفكري لدى العلامة الدكتور علي الوردي
- النظرة الى الموروث والقدرة على التقدم
- هل قامت الاديان باختزال مفاهيم الانسانية
- لقاء مع الدكتورة نوال السعداوي
- اس وتراب ..... دلالات فنية ومسيرة شعرية قراءة في مجموعة احمد ...
- المجتمع بين الواقعية والرمزية دلالات اليوتوبيا في تجسيد الوا ...
- الفلسفة التربوية لمعاني الثورة وأسس التربية التاريخية في نظر ...
- العولمة ... الاتجاهات والمناهج الفكرية ج2 : سياسات العولمة و ...
- العولمة ..الاتجاهات والمناهج الفكرية
- اشكالية الشرق والغرب في الاتجاهات الفكرية
- العقل الايماني وارتباطه بمظاهر العنف
- هشام شرابي قراءة في نظرية البعث الاسلامي والاصولية
- الفكر النقدي الادبي
- الارهاب وتقاطعات الانسنة في المشاريع الحيوية
- ثقافة العصر وتحديات الحداثة
- الطغيان السياسي وجذور الاستبداد


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر جاسم قاسم - الشريف الرضي بين عناد غزوان وعزيز السيد جاسم... دراسة مقارنة.-