أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر جاسم قاسم - البريكان شاعر الانسانية بصمت















المزيد.....

البريكان شاعر الانسانية بصمت


ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)


الحوار المتمدن-العدد: 2957 - 2010 / 3 / 27 - 19:08
المحور: الادب والفن
    


.ويبقى البريكان في وهج الذكرى الانسانية حينما يركز على مفاهيم الموت فمحمود البريكان شاعر خرج في زمن شمل كل الازمان وزرع المجد في شعره حتى غدا شعرا انسانيا بامتياز نعم كان لا يقبل التمازج الظاهري ولكنه في لب التمازج الانساني الحقيقي ،وهكذا صنع البريكان سلما للانتقال من القاع الذي يبرز في بعض مناحي الانسانية الى القمة التي تعلو مع الانسانية كثيرا .
يقول في قصيدته ((انسان المدينة الحجرية )) والتي يناقش فيها البريكان الاطر والعمق الفلسفي لمعنى الحياة والموت وترابطهما المباشر واللامباشر بلغة حية صافية فيها من الرؤى الفلسفية الكثير والكبير وهو يعتبر ان الانسان في قبره انما هو في عالم كبير يسميه ((العالم المطمور )) والذي يراقب ويفلسف العبارة فان البريكان يعتبر القبر هو عالم كبير فيه من الحياة ولكن بشكل اخر وهو متاه لان الانسان لا يعرف شكل هذا العالم ولا يعرف فلسفته بشكلها الدقيق الواضح ثم يعطي البريكان كلمات يصف فيها طريقة بناء هذا العالم وهي ((قد من الحديد والاسمنت والحجر ...)) وهذه الكلمات الثلاثة الحديد والاسمنت والحجر كلها كلمات لها دلالات واضحة من حيث الصمت الذي يحتويها ومن خلال الصعوبات التي تدل عليها هذه الكلمات فالحديد له معاني تدل على الصعوبات والمهمات الجسيمة متى ما اراد الانسان ان يستخدمه والحذر الذي يجب ان يبديه في هذا الباب والمجال والاسمنت المادة الثانية المكملة للحديد والدلالات الصعبة التي يعطيها في معاني الصعوبة ولكن الاسمنت هو اقل صعوبة من الحديد من الناحية المادية وبالتالي ذكره البريكان في المرحلة الثانية وذكر المرحلة الثالثة والمتمثلة بالحجر وللحجر دلالات كثيرة على راسها دلالته الصعبة في التعامل والقتامة التي يسببها وبالنتيجة فان المواد الثلاث لها معاني ودلالات تدل على صعوبات العالم المطمور الذي هو عالم ما بعد الموت او عالم القبر قربه البريكان لمتلقيه من خلال الوصف المادي هذا الحديد والاسمنت والحجر ويكمل هذا الوصف المادي بقوله ((
حيث يمد عنكبوت الخوف والضجر
خيوطه في طرق الصمت ،ولا مفر ..
وهنا يعطي دلالات مادية لوصف العالم المطمور واخرى فلسفية فعنكبوت الخوف والضجر وكلنا يعلم ان هذا القرين الذي هو العنكبوت الحيوان الذي يكثر في مناطق الصمت اختاره البريكان لهذا الوصف لان المعلوم ان العنكبوت لا يبني اعشاشه الا في المناطق الصامته التي لا يزورها احد المتروكة وهنا دلالة وجوده في عالم ما بعد الموت ، ويصل البريكان بكل هذه الاوصاف لكي يقول عن ذلك العالم بانه عالم الصمت حيث ان خيوط هذا العنكبوت تكون موجودة في طرق الصمت وهنا النتيجة من كل هذا الوصف هي :ولا مفر حيث يحاول الانسان حسب مخيلة البريكان أن يرجع بنفسه الى حالة الحياة التي كان يعيشها ولكن دون ان يسمع من احد حيث يصيح ولا يستجاب له فهو في طرق الصمت ولا مفر من هذا العالم الجديد الذي بالنتيجة كلنا سنمر فيه.
ويعطي البريكان فلسفة اخرى لهذا العالم :
حيث يضيع الصوت، حيث يفقد الاثر
انت هنا تدور
كانما تلهث في لهاثك العصور
انت هنا ..ماذا تغني انت للقبور؟
ماذا تقول للظلام الفظ والصقيع؟
وماالذي تسر للوحدة؟
اما هذا العالم الغريب الذي يصطدم به الانسان في يوم من الايام لا بد انه قادم يصفه باوصاف يقربها البريكان من الاذهان فالصوت يضيع في عالم ما بعد الموت ومهما تصيح فلا تسمع من احد واعتقد ان هذه الصورة ماخوذة من مفهوم قرأني كذلك فان الاثر الذي يعطيه الانسان في حياته هو اثر مهم يدرس بعد وفاته ولكن يكون له الاثر المهم بخلوده في ما بعد الحياة اي بعبارة اخرى البريكان يريد القول ان الاثر يدرس بالنسبة لعالم ما بعد الحياة اما في عالم الحياة نفسه فالبريكان لم يناقشه في هذه الصور وياتي التاكيد الفلسفي المهم للانسان الوحيد في غربته فالعالم ذلك يخاطبه بالقول : انت هنا والسؤال المغمور: ماذا تفعل والجواب: تدور.
والدوران اسلوب لمحاكاة عالم الموت وما يعتري الانسان فيه من انقباض للروح وغيرها من الاوصاف التي تجعل الانسان يدور باحثا عن شيئ قلقا عما يبحث عنه والقلق دائما يتجاور مع الدوران اي ان الدوران يعتري الانسان عندما يكون قلقا ويفجر البريكان هذه الصورة الشعرية المثيرة والتي تجعل من الانسان تلهث في لهاثه العصور وتنطوي في معيشته لهاث العصور حيث ان العصور التي عاشها هذا الانسان تلهث معه باستذكارها واستعبارها وتمشي معه حيثما مشى وبالنتيجة فلهاث العصور يمشي معنا كذلك .

ويعيد البريكان التاكيد على مسالة انت هنا اي انت في هذا العالم لا تحاول التهرب من صورته التي وجدت فيها بالتالي يسال بعد هذا التاكيد ماذا تغني انت اي ماذا تريد ان تسال عن هذه العوالم او هل تريد ان تتكلم بشئ فانت لا تنس انت في عالم القبور فبالتالي عندما تتكلم فلن يسمعك احد من عالم الاحياء وتستمر الكلمات التي تعطي فلسفة العدم بشكلها الأزلي حين يعطي البريكان الدلالات الاخر لعالم الموت بقوله:
ماذا تقول للظلام الفظ والصقيع؟
وما الذي تسر للوحدة؟
فالقول للظلام الفظ والظلام الكبير الذي يحيق بالانسان في عالم ما بعد الموت والوحدة الكبيرة التي يعيشها الانسان في ذلك العالم المترامي الاطراف من ناحية تجمع صفات الظلام والوحدة واللهاث والوحدة العلائقية بين هذه الصفات والتي تعطي انطباعات مؤلمة للحياة التي سيؤول اليها الانسان من ناحية الوجهة النظرية لعالم الوجود وعدم المعرفة الحقيقية في ذلك العالم وانما قراءته بناء على نظريات الحياة نفسها .
يقول البريكان :
تدور –وهنا يؤكد على مسالة الدوران وما فيها من تلكؤ في مسيرة الحياة الانسانية-
في عينيك شيئ ما عن الربيع
وعن سماء لم يمر العدم المريع
بأفقها، وعن مكان ضاحك وديع
يغسله الفجر ويرويه السنى وحده
انت هنا في سجنك الصخري في دروب
تلتف،تلتقي، وتلتف ، ولا يؤوب
اسيرها ، تحلم بالعالم ،بالهروب
من السكون الوحش ،من خيالك المتعب
من صوتك الابح ، من وقع الخطى الاشهب
من الرؤى يدركها الذبول والجفاف
كالزهر ،كالعنقود بعد موسم القطاف .
ونرى استخدام البريكان للكلمات التالية ضمن النص الشعري :
((الربيع، ضاحك، الافق،الوديع، يرويه السنى )) وهذه الكلمات استخدمها ضمن واقع يشير الى عدد من التاملات الجميلة في الحياة او ما نسميه التفاؤل في الحياة على الرغم من بعد الشاعر عن مسالة التفاؤل في اغلب قصائده حيث انه سرعان ما يقول بعد استخدامه لهذه الكلمات ضمن السياق الشعري /
انت هنا في سجنك الصخري في دروب ...
والتاكيد من البريكان من خلال استخدامه للفعل ((تلتف )) مرتين في قوله:
تلتف ،تلتقي،وتلتف –وللتاكيد-"ولا يؤوب" ، بمعنى الا رجعة من سجنه الجديد الصخري الذي هو عبارة عن قبر من الحجر .
هذا الاسير يحلم بالعالم وبالهروب من هذا السكون الموحش ومن الخيال المتعب الذي تعيشه في هذه الافاق ونرى التركيز في الصورة الشعرية وذلك بقوله :من صوتك الابح . والصوت لا يكون بهذه الشاكلة الا بكون الانسان مريض و البريكان يعطي صورة المرض التي يعيشها الانسان في العالم اما الرؤى الانسانية التي هي غالبا ما تكون اخر ما يتبقى للانسان فيدركها الذبول والجفاف فهي كالزهرة وكالعنقود في موسم القطاف وكيف يكون عوده مريضا ومتعبا فالرؤى ضمن هذه الصور لهي ضمن المأساة التي يريد ان يصورها البريكان ضمن السوداوية التي يمر بها الانسان كجزء من الحياة التي يعيشها فالبريكان ضمن هذه الرؤى يحس بالغربة التي يعيشها في حياته وضمن ابناء مجتمعه فهو لا يقوم بتصوير هذه التصويرات القاتمة عن معاني الحياة وما بعدها وبالتالي فهو يستعذب الالم بدلالة تجاوز تلك الأجواء ضمن صور اليوتوبيا الرائعه" وهكذا اصبح الشاعر راويا صادقا لمحنة الانسان وازمته فالا نسان عند البريكان لم يمت ولكنه يحتظر ،انه متفائل في وجوده متشائم باصلاح حاله"
وبالعودة الى النص السابق فالبريكان قد استخدم كلمات اخرى موازية لكلمات التفاؤل التي استخدمها وهي /
سجنك،الصخري،لا يؤوب، الاسير، الهروب،السكون الوحش، الخيال المتعب، الصوت الابح، الذبول،الجفاف وكل هذه الكلمات ذات دلالات ومعاني غير تفاؤلية استغرق في وصفها البريكان بصورة جعلت من هذه الكلمات مرتبطة ارتباطا وثيقا ضمن مفهوم التصويرات الانسانية لمعاني ليست بالضرورة معبرة عن منهج الحب في الحياة بل عن العدم وما بعده هذه الثنائية التي ما فارقت البريكان في كل قصائده تقريبا.
يستغرق البريكان في الحلم الذي يعيشه الانسان تحت التراب ويصفه وصفا دقيقا وكيف لا والبريكان مستغرق في عالم اليوتوبيا فيبدئ بوصف الاحلام التي يعيشها في عالم الحياة متصورا فيها وعبرها عالم ما بعد الحياة وبالتالي هي صورة من صور احلام اليقظة :
تحلم بالعالم،بالشمس التي تضيئ
تلون الارض ورقص الزهر البريء
تحلم:ابعاد وافاق واغنيات
واعين ضاحكة، رائعة اللغات
شواطئ مديدة ، ليس لها مدى
جزائر مفعمة ، بالعطر والندى
مدائن غريبة، تموج بالحياة
عواصم مخيفة الهدير والصدى
ملامح تطبع في النفوس مصادفات
عجيبة، دموع واحزان،وقهقهات ....
تحلم بالعالم حيث ترسخ الجذور
وتلعب الرياح
حيث يكون الليل حلما فرحا جسور
بمشرق الصباح!
كم ساعة قضيت من امسية حزنى
تنظر في البحر الذي ليست له حدود.
اوصاف الحلم البريكاني تنبع من العالم المملوء بالرؤى المتعارف عليها من قبل البشر وهذه الرؤى هي /
الشمس ورقص الزهر ، والاعين الضاحكة والشواطئ الممتدة بمد البصر والتي ليس لها مدى بعين الرائي لها والمدائن الغريبة التي تموج بها الحياة والعواصم المخيفة ذات الهدير والصدى وهكذا نرى البريكان يرسم عوالمه المخيفة والجميلة بصورة يمتزج فيها الجميل بالقبيح وهي في الحقيقة صورة الحياة الحرة والمقيدة الحرة بحياة الانسان والمقيدة بصورته المنتمية الى ما بعد العالم الذي نعيشه فالعواصم يقصد بها البريكان المدن والمناطق التي نعيشها والتي لها ذكريات في حياتنا اذن هي الذكرى التي لا بد منها الذكرى التي تكون في نظر البريكان غريبة ولها مقاصيدها الحيثية من ناحية المكان الذي لا تخفى تاثيراته على الانسان والذي يسكنه دائما بفعل الملامح التي تطبع في النفوس مصادفات والمصادفات هي رؤى الحياة التي نعيشها وتنجمع في حياة الانسان تناقضات كثيرة حيث الدموع الناتجة اما من حزن او فرح لذلك افرد البريكان للحزن مكانة كبيرة في حياة الانسان وقال دموع واحزان وقهقهات لا يعرف الانسان بعدها ما هو ات اما الرياح فلها لعبها الخاص ويقصد بها حركة حياة الانسان المتذبذبة ما بين الزمان الذي يعيشه والمكان الذي يرتبط به حيث يكون الليل حلما عابرا يمر به الانسان وفرحا بمشرق الصباح عليه وبالتالي فهذه الحركة الزمكانية هي التي تقود الانسان الى منتهاه وحركته النهائية اي ان لفلسفة الزمان والمكان اثرهما في حياة الانسان ونتائجهما التي توصل البشر الى اواخر الحياة وبالتالي جمع البريكان في نهاية هذا المقطع الليل وما له من بعد وعمق والبحر وما له من امتداد وعمق وليل في دواخله فيقول:
كم ساعة قضيت من امسية حزنى ...
تنظر في البحر الذي ليست له حدود...
وبالتالي جمع البريكان الامسية الحزينة والبحر في نظرة الانسان الى البحر الذي وصفه بانه ليست له حدود والامسية الحزنى حيث البحر اي بعبارة اوضح انه قضى الساعات في اماسي حزينة ينظر في البحر الذي له عمق الحياة ووضعها الذي اخفى الكثير بين امواجه من الاسرار وهنا لدلالة البحر ينبثق دلالة الامتداد والعمق والاسرار التي يخفيها وهكذا حياة الواحد منا فيها من الاسرار ما يعجز الانسان ..
ويبقى البريكان واصفا مأساة ما بعد الحياة كما نتصورها نحن ضمن التصورات الذهنية المتاحة ومما لا يخفى فيه كيف اختلف الفلاسفة على مر الزمان فيما سيؤول اليه الانسان في عالم ما بعد الحياة وتبقى كل هذه التفسيرات ضمن الرؤى العقلية المتاحة.
يقول البريكان فيما اعتبره قمة ما وصل اليه من نظرة تشاؤومية في وصف حياة الانسان والخلود حين يقول:
ماذا تقول انت للموج الذي يعود
بعد ارتطام بالصخور الخضر (الخلود
للصخر.. للصخر الذي ليس له معنى)
ماذا تقول انت للطير التي تحوم
على اشتعال الماء ؟ والقش الذي يعوم
خلاله( لعله من منبت سحيق
جاء ونحو شاطئ محتجب عتيق
سينتهي!) وما الذي تقول للشراع
الابيض الخفاق ،والريح التي تهيم
في مرح كبهجة الاطفال واندفاع !
ماذا تقول انت في هدوئك الاليم
للافق المدور المغلق ؟ والشعاع؟
الم تكن يوما طليق القلب والبصر!
الم تكن يوما
طفلا جميل السر لا يحاكم البشر؟
الم تكن يوما تهرع للشمس وتشتاق الى القمر؟
من اين جاءت هذه الوحشة في قلبك؟
كيف تلاشى الدهر عن رؤيا بلا الوان؟
واين ترجو ان تلاقي ايها الانسان
ما ضاع من حبك؟
هنا قمة التشاؤم التي تكلمنا عنها حيث يعتبر البريكان مسالة الخلود مسالة ليس لها وجود مطلقا فالخلود للصخر وهو كناية عن ان القبر هو الخالد لصاحبه للصخر الذي ليس له معنى الحياة وانما يملك معنى الموت الابدي ثم يختم البريكان قصيدته انسان المدينة الحجرية بمجموعة كبيرة من الاسئلة المترابطة والتي تحمل جواباتها معها حيث انه ابقى الاسئلة مفتوحة دون اجابات واضحة من اجل التفكر والتفكير وهذا هو شان الفلاسفة على مدى التاريخ حين يضعون اسئلة مهمة وأساسية عن حياة الإنسان ويبقون الباب مفتوحا للاجابة عنها كلا حسب فهمه وهذا ما فعله البريكان في هذه القصيدة حين جعلها مفتوحة الأسئلة حتى نهايتها والوحدة الموضوعية التي تجمع هذه الاسئلة هي ملحمة الحياة والموت وثنائية الوجود والعدم التي ركز عليها البريكان حتى غدت جزءا اساسيا من حياته الشعرية فالقش يعوم وينتهي يوما ما على شاطئ عتيق وهكذا الانسان يبدأ حياته كالقش بخفته ومنبته ولا بد للشراع الأبيض الخفاق الذي يمتطيه الانسان في حياته أن ينتهي خفقانه وهو يسال ماذا تقول انت للشراع الابيض الخفاق يعني هل ستعتذر الى مباهج الحياة وتقول لها اني مغادرك حيث النهاية ويبقى الافق المدور المغلق هو الجواب النهائي لحياة الانسان بعد هذه البهجات التي عاشها وهذا جواب لكل اسئلته السابقة والقادمة ولكنه جواب مصاغ ضمن سؤال حين يقول :
ماذا تقول انت في هدوئك الاليم
للافق المدور المغلق ؟ والشعاع؟
ثم يضع البريكان استفهامات ولكنها استفهامات يستغرق البريكان فيها بحزن يقلق المتلقي ويجعله يدور في دوامة الانعزالية القاتمة في نظرتها للحياة حين يقول :
الم تكن يوما طليق القلب والبصر !
الم تكن يوما
طفلا جميل السر لا يحاكم البشر ؟
وبذلك طرق البريكان على وتر حساس هو وتر الطفولة وسحب المتلقي الى هذا الوتر لكي يرده الى تلك العوالم الجميلة التي فقدها الانسان وتحول الى العوالم الاخرى التي لا بد ان يمر بها كل البشر والاسئلة الاخيرة يتركها البريكان مفتوحة تماما دون اجابات على الرغم من اجاباتها الواضحة التي تدور ضمن فلك ثنائية الحياة والموت وبالتالي يختم البريكان بالرجاء حين يقول مخاطبا البشر :
واين ترجو ان تلاقي ايها الانسان
ما ضاع من حبك؟
نعم اين ترجو ان تلاقيه بعد فقدانك اعز ما تملك الا وهو حياتك ولكن على الرغم من كل هذه النظرات التشاؤمية للحياة يبقى البريكان معتزا بالإنسان ويعتبره موجودا في حالة عالم ما بعد الحياة اي عالم العدم كما يسمى ولكن البريكان يعتبره عالم الحياة الأساسي حين يجعل كل هذه الاسئلة وغيرها وكل هذه الاجابات هي على لسان إنسان يعيش في عالم ما بعد الحياة اذن البريكان يؤمن بالخلود ويعتبره روح الإنسان في هذه العوالم التي يعيشها ويمر بها ويتصورها في ثنايا شعره ولكن قد يتسائل سائل ويقول الم يقع البريكان في تناقض في هذه القصيدة عندما اعتبر الا خلود للبشر وانما الخلود للصخر وهي الابيات المضمنة في قصيدته وياتي مرة اخرى ويؤكد على خلود الانسان من حيث تبيانه لوجوده في عوالم اخرى ؟
ان البريكان لم يقع في تناقض حسب وجهة نظري وانما اراد القول الا خلود للبشر في عالم الدنيا بل الخلود في العوالم الاخرى التي لم يسميها باسمائها الحقيقة و يقودني هذا الكلام الى كلام الدكتور حاتم الصكر الذي يؤكد بان البريكان قد يظن ان هذه الحياة ما هي الا صور نعيشها حيث يقول البريكان
تصادف الاحلام
تفسيرها في لحظة اليقظة
....................
تصادف اليقظة تفسيرها
في حلم تدفنه الذاكرة
و يعلق الصكر قائلا (( لا شك انه يطارح هنا فكرة ميتافيزيقية عن الموت والحياة ،فكأن الحياة حلم او ذكرى تتبادل الادوار مع الغياب في اليقظة او مع اليقظة في الغياب ويركز فكرة اننا نعيش ظل حياتنا او ذكراها لا الحياة نفسها .كما يترك بتبادل الالفاظ : ( يقظة، احلام،غياب، ذكرى) امكان او احتمال ان تكون الحياة ذاتها تصورا لا حقيقة )) وقضية الاحلام هي قضية فلسفية في رؤية البريكان للحياة وهنا يقول تريبيليف ((ليس علينا ان نصف الحياة كما هي، او كما ينبغي ان تكون ،بل كما نراها في احلامنا )) كذلك كان سترندبرج يقول((الحياة حلم))فتأثر البريكان بهذه الرؤى الفلسفية نحجو الحياة يجعله يصيغ شعره ضمن هذه الصور الفنية المترابطة كما ان قصيدة انسان المدينة الحجرية التي تناولناها مسبقا تدلل في ختامها على مجموعة من الاسئلة الكثيرة عن عالم الموت وما بعده و تتعزز رؤية البريكان لهذه العوالم اكثر في قصيدته (حضور الاموات ) التي يقول عنها الصكر انها تعتمد في بنائها على الاسئلة فقط حين يقول((من يتسلل خلف خطانا
في الطرقات المهجورة؟
من ينقر عند هبوط الليل نوافذنا؟
ويحرك اطراف ستائرنا
حين تهب الريح ؟

ولكن الفرق بين اسئلته في قصيدة انسان المدينة الحجرية واسئلته في حضور الاموات انه في الأولى جعل الاسئلة ضمنية ولم يترك جواب صافي ولكن في قصيدة ((حضور الاموات)) جعل جوابا لسؤاله حين قال الاموات وهنا يعلق حاتم الصكر قائلا عن قصيدة حضور الاموات:
وبعد عدة اسئلة من هذا النوع تاتي الاجابة بعد فاصل بياض يدل على الصمت بكلمة واحدة منفردة في سطر شعري – وهي : الاموات.



#ياسر_جاسم_قاسم (هاشتاغ)       Yaser_Jasem_Qasem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنوع الفكري لدى العلامة الدكتور علي الوردي
- النظرة الى الموروث والقدرة على التقدم
- هل قامت الاديان باختزال مفاهيم الانسانية
- لقاء مع الدكتورة نوال السعداوي
- اس وتراب ..... دلالات فنية ومسيرة شعرية قراءة في مجموعة احمد ...
- المجتمع بين الواقعية والرمزية دلالات اليوتوبيا في تجسيد الوا ...
- الفلسفة التربوية لمعاني الثورة وأسس التربية التاريخية في نظر ...
- العولمة ... الاتجاهات والمناهج الفكرية ج2 : سياسات العولمة و ...
- العولمة ..الاتجاهات والمناهج الفكرية
- اشكالية الشرق والغرب في الاتجاهات الفكرية
- العقل الايماني وارتباطه بمظاهر العنف
- هشام شرابي قراءة في نظرية البعث الاسلامي والاصولية
- الفكر النقدي الادبي
- الارهاب وتقاطعات الانسنة في المشاريع الحيوية
- ثقافة العصر وتحديات الحداثة
- الطغيان السياسي وجذور الاستبداد


المزيد.....




- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...
- الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز تتحدث عن حصولها عن الأموال ف ...
- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر جاسم قاسم - البريكان شاعر الانسانية بصمت