أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جمال علي الحلاق - إحباط ليس في أوانه















المزيد.....

إحباط ليس في أوانه


جمال علي الحلاق

الحوار المتمدن-العدد: 3123 - 2010 / 9 / 13 - 07:47
المحور: حقوق الانسان
    




يُهيمن عليّ إحباط ثقيل ، وهو ليس شعوراً جديداً ، فقد حدث ذلك معي كثيراً ، ويحدث ، ولا أظنّه سيتوقّف عن مطاردتي ما دمت على الأرض ، وبين الآخرين .

أذكر مرّة ، وكان ذلك في النصف الثاني من عام 1996 ، وكنّا ( فرج الحطاب ، سليمان جوني ، عباس اليوسفي ، أحمد علي الشيخ ، بشير حاجم ، جلال نعيم ، وأنا ، وآخرين ) في ذروة الإعلان عن سمات الجيل الشعري التسعيني في العراق ، كنّا نقيم أمسياتنا في ( قاعة حوار ) في منطقة ( الوزيرية ) ، وفي قاعة ( منتدى المسرح ) في شارع الرشيد ، وحدث أن توجّهت لنا دعوة لإقامة أمسية خاصة في إتّحاد محافظة ( بابل ) ، كان هوس الإعلان عن تجربتنا قد بلغ أقصاه ، في المقاهي ، وفي أندية الجامعات ، وفي الصحف الرسمية ، وكنّا قد بدأنا بإصدار مجاميعنا الشعرية عن طريق الاستنساخ بدون موافقات رسمية ، وتبنّي عملية توزيعها بشكل شخصي ، الأمر الذي تحوّل الى ظاهرة إجتماعية ، ففي أقل من خمس سنوات كانت حصيلة الكتب المستنسخة خارج نطاق المؤسسة قد بلغ قرابة 150 كتابا ، في الشعر والقصة القصيرة والرواية والنقد الأدبي والدراسات الفكرية ، كان كلّ شيء يدفعنا الى التحرّك ، فهناك رغبة في الإعلان المغاير ، تجربة حياتية مغايرة ، وتريد أن تعلن عن نفسها ، كانت اللغة المفتوحة أداتنا في الإعلان ، ففي حقل الشعر كان النصّ القصير ، المكثّف ، المفتوح ، بابا الى موضوعة ( التعدّد الدلالي / تعدّد مستوى القراءات ) ، وبالتالي كانت الكتابة الشعرية التسعينية تتضمّن دعوة صريحة الى ( التعددية الفكرية ) أيضا ، كنّا نتحرّك تحت هذا الهاجس ، هاجس إمتلاك هامش من الحريّة ، ولو على صعيد اللغة والكتابة ، وقد تجسّد هذا الهامش بإصداراتنا الخارجة عن نطاق الموافقات المؤسّساتية .

ثمّ فجأة حاصرني الإحباط ، ولم ينبت هذا الإحساس المباغت إعتباطاً ، على العكس تماماً ، فقد تأسّس على سببٍ قتل في داخلي الشعور بهامش الحريّة الفاعل ، بل جعلني أشعر بالعقم ، وبلا جدوى الممارسة الكتابية ، جعل الحدث الإجتماعي أكثر قدرة على التغيير من الكتابة ، حدث جعل الكتابة هامشاً ضئيلا خارج نطاق الضوء تماماً ، وبالتأكيد فإنّ الأحداث الإجتماعية تتبع منابعها الفكرية ، وبعض الأفكار هي من الضيق بحيث تقود الشارع ليس الى رصيف ، بل الى ركن معتم خارج دائرة التاريخ ، هكذا ، موجودون بلا وجود ، أصوات ولا كلمات ، يومها بلغ الصراع بين قادة الجماعتين الكرديتين ( اليكتي والبارتي ) أن طلب ( مسعود البرزاني ) من ( صدام حسين ) التدخّل ومطاردة جماعة ( جلال الطالباني ) الى سفوح جبال إيران ، لقد كان هذا الحادث ضربة قاسية ضد شعوري بالحريّة ، وضد شعوري بالقدرة على التغيير ، فثمّة صراعات تافهة كانت تقود الشارع من ياقته الى دوّامة فارغة لا تنتهي ، كان ( صدام حسين ) بحاجة الى أيّ ضوء أخضر ، من أيٍّ كان ، كي يستعيد وجوده الكارتوني بعد أن تمّ تحجيمه داخل قصوره الفارهة ، ولم يكن هناك متنفّس لنا لكي نفتح نوافذ أو كوىً للتغيير ، لم يكن هناك أمامنا سوى الكتابة ، نتقدم عبرها خطوة ، فتعيدنا الصراعات التافهة هنا وهناك الى سنين الى الوراء .

لم أذهب الى محافظة بابل ، ذهب الأصدقاء جميعا ، وأقاموا أمسية في العتمة على ( ضوء الفانوس ) ، قيل أنّها كانت أمسية ناجحة ، فقد تخللتها حوارات ثقافية جميلة ، حوارات خارج نطاق الصراعات التافهة حتماً .

واليوم يهبط عليّ الإحباط ذاته ببرشوته القديم ، برشوته المتهالك ، لكنّه ، رغم تهالكه يصرّ على أن يحتلّني من أقصاي الى أقصاي ، فكما هبط عليّ هناك ، يهبط عليّ الآن ، وهنا أيضا .

صراع آخر ، صراع في جوهره تنمو شجرة السخف ، شجرة لا تثمر إلا تفاهات وترّهات أيضا ، لكنّها تفاهات تمتلك القدرة على تأزيم مناطق كثيرة على الأرض ، لقد أصبح العالم أضيَق من غرفة ضيّقة ، لذا ، فالصراعات الصغيرة - حجماً وقيمةً - كسرت نطاقها المحلّي ودخلت العالمية ، كلّ حدث مهما كان صغيراً وتافهاً ، يمكن باتّساع هيمنة الإعلام ، وسرعة وسائل الإتصال ، أن يكون حدثاً مركزيا للكوكب كلّه ، والكارثة هنا ، كم من الأحداث التي يمكن أن تقود الكوكب من ياقته الى أزمنة خارج نطاق اللحظة الراهنة ؟!

حَدَثَ أن صرّح ( قس ) متطرّف يقود حلقة من خمسين فرداً أو يزيدون ، أن سيحرق نُسَخاً من القرآن في الحادي عشر من سبتمبر ، فأثار ذلك لغطاً إعلاميا هائلا ، وأدخل بلداناً عديدةً تحت طائلة التهديد والإنذار .

عمل غير مسؤول ، لكنّه ليس بلا جذور أيضا ، فالحدث لم ينبت من فراغ ، وتصريح القس المتطرّف هذا وإن كان تصريحاً غبيّاً ، فإنّه أيضا ، وفي نفس الوقت ردّة فعل على ممارسة غبيّة متطرّفة أخرى ، فالإعلان عن بناء مسجد قرب منطقة الأبراج المنهارة لا يخلو من غباءٍ متطرّف أيضا ، الطرفان يتحرّكان بآلية غبيّة ، آليّة تكشف عقم الطرفين معا ، وتكشف أيضا مدى هشاشة الصراع الذي يقود العالم الى زوايا حادة ومربكة .

ليس هناك ضوء وظلمة في هذا الصراع ، بل ظلمة واحدة تتنافس على فراغ ، فعلان يتحدان في ترسيخ الكراهية والحقد ، وينبشان معاً - في الوقت ذاته - في تراب أحقاد قديمة .

صراع لا علاقة له بالمدنيّة ، ولا علاقة له بحقوق الإنسان ، لا علاقة له بقيمة الإنسان أصلا ، صراع صوري مبني على أسطورتين ، ترجعان معا الى جذر واحد ، ليس بعيدا عن الأساطير السومرية ، صراع قائم على تبنّي الأسطورة ، وبالإكراه .

لا أجادل هنا حول إمكانية أن يتبنّى المرء أيّ فكرة يشاء ، فهي حقّ من حقوقه المدنيّة ، لكن ، ينبغي أن لا يقود هذا التبنّي الى تأزيم الكوكب ، وإدخاله في كهوف ودهاليز أصبحت في عداد الماضي القديم .

لا بأس أن يكون هناك إنسان قديم ، شرط أن لا يمثّل هذا الإنسان القديم تهديداً للمدنيّة الجديدة .

طرفي الصراع ينتميان الى هناك ، الى مراحل ما قبل المدنيّة ، وكلاهما معا يمثّلان تهديداً للإنسان على الأرض ، وأعتقد أنّ القضيّة هنا تعود الى الفهم الضيّق لمفهوم حقوق الإنسان ، لأنّ تطبيق حقوق الإنسان يؤدي بالضرورة الى متّسع من الرفاهية ، غير أنّ ما يحدث ، وتحت صراعات خارج نطاق فهم اللحظة التاريخية الراهنة ، أقول ، أن الفهم الغبي لمفهوم حقوق الإنسان ، يجعل الحقّ بيد الأغبياء لغماً أو قنبلةً موقوتة ، ويجعل الأرض كلّها أرض حرام ، وهذا بحدّ ذاته إقرار عالمي بالجهل الذي يُفصح عن جبروته هنا وهناك .

نريد أن ننتبه لقدرة الإنسان على الخلق ، وليس لقدرته على التخريب والدمار ، نريد الإنتباه للإنسان الذي يخلق الحب ويدعو إليه ، ولا نريد أيّ كائن يدعو الى الكره والعدوان ، نريد أن نستثمر عقولنا الى أقصاها ، نريد أن نثبت جدوانا خارج الأساطير ، نريد أن نتابع آخر الكشوفات العلمية في كلّ حقول المعرفة ، نريد أن نقترب من آخر الإبكتارات البشرية ، من التقنية الهائلة التي تتقدّم ، نريد أن نقترب من الإنسان المتفوّق ، الإنسان المنفتح ، المحلّق بعيدا خارج الأُطر الإسمنتيّة الجاهزة ، لأنّه الوحيد القادر في النهاية على انتشال الأرض من وحول الأساطير الراكدة عليها هنا وهناك .



#جمال_علي_الحلاق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين كلب جياكوميتي وكلب أبي / صفحة من كتاب أصدقائي
- آني جدّي قرد
- مراسيم الدّفن الجميل / صفحة من كتاب أصدقائي
- الى ليلى محمد أقف على رؤوس أصابعي
- قراءة منحازة لحادثة أحمد عبد الحسين وتداعياتها
- لا يزال كامل شياع يقود دراجته بإتّزان جميل
- علاقتي ببيتهوفن - صفحة من كتاب أصدقائي
- التضامن تمرين في النجاة رسالة الى السيدين جلال الطالباني ونو ...
- موت حبّابة وانتحار العالم / الانتباهة التي تلد خروجا
- دور المكان ووضوح المفاهيم في استئصال العنف
- رؤوس أقلام مدبّبة في الإستمتاع
- تعطيل آية السيف أو حذف نصف القرآن
- كيف نؤسّس جيلا يعرف كيف يعيش ؟ القسم الثاني
- كيف نؤسّس جيلا يعرف كيف يعيش ؟
- الى ( صفيحة ) المدى وجاراتها : درس في الأمانة الثقافية
- عوني كرومي : الجاد في لحظة هازلة
- عيسى حسن الياسري : قديس خارج الوقت
- الشعر العراقي الحديث : قراءة اجتماعية
- فلنمت وحيدين بعيدا
- يموت المعنى وتستمر الحياة


المزيد.....




- مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة
- -حماس- تعلن تسلمها ردا رسميا إسرائيليا حول مقترحات الحركة لص ...
- تحتاج 14 عاماً لإزالتها.. الأمم المتحدة: حجم الأنقاض في غزة ...
- اليمنيون يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة
- عائلات الأسرى تتظاهر أمام منزل غانتس ونتنياهو متهم بعرقلة صف ...
- منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن معارض مسجون في تونس بدأ ...
- ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويحمي اقتحامات المستوطنين ...
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يعرب عن قلقه إزاء تصاعد العنف فى ...
- الأونروا: وفاة طفلين في غزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة مع تفا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جمال علي الحلاق - إحباط ليس في أوانه