الرحيل للقمر -قصص قصيرة

كواكب الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 2987 - 2010 / 4 / 26 - 20:02
المحور: الادب والفن
    

في ذلك الريف الذي انبّحت رئتاه بالحرمان والعوز والجهل. و القرية ضاربة البعد عن الحداثة كأنها خرجت عن النص لدورة التاريخ .انبثقت عنه الحياة في بيت طيني متداعٍ. كان متمرّداً على كل شيء حوله. عيناه تشعان ببريق يختزن آلاف النوايا حتى الرحيل للعاصمة الكبيرة لم يكن آخر آماله. وفي المقهى المتواضع "الصلة الوحيدة لقريته بالعالم الكبير" رآه متحلقين حولة أترابه وهو وسط الدائرة يبزّ أقرانه بالحديث وفي القيادة كأنه خطيب مفوّه تنبّأ له بالكثير وعدهم:
 سيكون له شأن !
ضحكوا منه ملء الأشداق:
 كيف ؟وهو ابن الفلاح المعدم الذي لا يجد قوت يومه وكوم من اللحم فارغو الأفواه.
ما إن وقعت عيناه على كتب (لامارتين وبلزاك وايلوار واندرية جيد وجان جينية), هام حبّاً وغدت مدينة النور أول وآخر المطاف كان يقطع من لحمه ليشتري مطبوعاتهم ويداورها بالبيع مرة أخرى. ودّعتهُ بصّرةٍ صغيرة ومصحف صغير ودمعتان.
 يا إلهي !
كم انبهر بذلك العالم المضيء صرخ على ضفاف نهر السين بما أوتي من قوة:
 مدينة النور, هل صحيح أنا أحد قاطنيك؟
اهتزت لفرحته النوافير والنُصب والتماثيل حتى البرج العتيد رنا إليه بشفقة. ولما امتصّ صدمته عزم على ما يريده تلطّم بها كثيراً, تشققّت يداه من غسل الصحون والأطباق.نام في الزوايا المعتمة للمطاعم والحانات ملّته الأرضفة ,اجتاحه الزمهرير حتى سحق عظامه و صهر نخاعه أصابه الهزال, أطّرت لياليه المدامع أغلق عينيه عن كل المباهج حتى العيون التي كانت تشاكسه بالسحر وما أكثرها هناك واقترن بالكتب والبحث الدؤؤب نجح بتفرد. وصلت أخباره, استنكروها منذ ايام وبعد ثلاثين عاما بنفس المقهى لمحوه بفضائية عربية بمرأىً يسرّ العدو قبل الصديق وشأن لا يقل درجة عن الكبار وازدياد ببريق العينبن نكسوا عيونهم متشاغلين وربح ذو النبوءة الرّهان .
2
ابتعثته لينهل العلم في المدينة البعيدة فارق الوسن أجفانها. حبه تسلق قلبها كاللبلاب على الجدران علّقت على قلبها تقاويم إيابه كلّما أزالت واحدة منها نبتت شعرة بيضاء في مِفرق أيامها .
3
القادم الجديد أطلقوا عليه اسم الملوك. ابتهلت أن يكون العمر المديد تاجة والسعدة صولجانة وان يبصم على ناصيته بعض من اسم أمه وإبداع أبيه. أسمعوها صوته الصاخب في الهاتف هامت به قبل أن تلتقيه .
4
لا تصدق متى يعانق رأسها الوسادة بعد يوم حافل بالتعب دخلت مخدعها حانت منها التفاتة للنافذة.رأته القمر باذخاً بالضوء الساطع جداً كأنه محتفلاً بالماء الذي على سطحه وحوله هالة يكتنفها الغموض والنجمات البرّاقة تتراقص بدلال إنه "حلم ليلة ربيع" واربت الستارة قبالته واستدارت إليه نادمته حتى انتصر الخيط الأبيض على الأسود .
5
حلمت بها البارحة بهيّة الطلعة حسنة المُحيّا انتشت كأنها التقتها هاتفوها صباحاً اختطلت عندها التواريخ إنها الذكرى الثالثة لوفاتها ابتسمت وبكت .

#كواكب_الساعدي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات