أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - أمين أحمد ثابت - في الثقافة ... مقدمة لما قبل النص















المزيد.....


في الثقافة ... مقدمة لما قبل النص


أمين أحمد ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 2976 - 2010 / 4 / 15 - 00:01
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


من المتعارف عليه بأن الفن – كنص في أي مجال أو نوع أو جنس أو لون من الفن – قد تم إخراجه إلى الناس – لم يعد مستحوذاً فردياً بشكل صرف ومطلق , يُعتبر منتجاً مكتملاً – أي نصاً كاملاً – بغض النظر عمَّا ممكن أن يرى فيه المتلقي ( المتخصص , والمهتم , والعام ) من نقص أو اكتمال , من قوة أو ضعف , من جمال أو قبح – ورغم صفتي الاكتمال والكمال لأي نص فني مطروحاً للتداول – والمتحول من ملكية فردية ( يخص صاحب المنتج لوحده ) إلى ملكية جمعية عامة في كل ما هو معنى ومبنى , وما هو معلوم ومجهول , ومنكشف ومتخفي في بنية النص – هذا الخروج للمنتج الفني من المحيط الفردي للفنان ( في ذاتيته المفردة ) إلى المحيط الوسطي أو الاجتماعي الأعم , يجعل النص الفني رغم اكتمال العناصر الدعامية – من خصوصيته كفن – أن تفرض وجوده اجتماعياً في خارطة الإنتاج الإبداعي للفنون , في ذات المجال والنوع الجنس , وهو فرض جزئي تكميلي لخارطة إنتاج الإبداع العقلي – البشري لمجمل المجالات المتنوعة لنشاط الذهنية الممارسة – الهادفة , لمُشكلِّة في مجموعها بما يُعرف بالثقافة الاجتماعية ؛ الخاصة ( فيما يُقصد بها في المجتمع الذي تنتج فيه هذه الثقافة وما يقوم منه فيها ) وهي نخبوية في مساحات قيمية مختلفة ( فكرية , ذوقية , اعتقادية وممارسية ) , وعامة في مساحات قيمية متعددة ( إدراكية وتملية عفوية الممارسة ) – والعامة ( والتي يقصد بها ما تحفل فيه الثقافة الخاصة – الاجتماعية ( روحية ومادية ) من منتجات التثاقف الإنساني , الكوني العام , من منتجات ثقافية لمجتمعات أخرى , دخلت إلى الثقافة الاجتماعية الخاصة عبر التأثيرية – النقلية , أو التأثرية التحويلية – رغم هذه الدعامة الاستثنائية للفن دوناً عن بقية أشكال منتجات العقل البشري الإبداعية – في أن أي نص فني يفرض نفسه كإبداع9 قائم بذاته , ولا يمكن إلغاء هذه الصفة عنه – بغض النظر عن طبيعته وخصائصه , ولا يمكن التعامل معه ( أي مع النص الفني ) إلاَّ كمنتج إبداعي , حتى وإن كان ركيكاً , وحتى وإن اجتمعت المناهج والطرق الاستقرائية والتذوقية في الموقف الحكمي , فإنها لن تتحد أبداً في إلغاء صفة الإبداع عنه , ولكن ممكن لها أن توصِّف درجة هبوط الإبداع من ارتقائه .
وعلى هذا الأساس يصبح الفن – كتخليق إبداعي ذاتي – بقدر استحالة تجريده عن سمة الإبداع , بقدر ما تنعدم عنه القيمة الاجتماعية ( المحلية – القومية والإنسانية العامة , الفردية والوسطية أو العامة ) إذا لم تجد هذه الفنون – الإبداعية – نقداً ( أي حركة نقدية صادقة وعلميــــــة ) – فبــــدون هذا الأخير ( النقد القيمي , الإبداعي ) , فإن كل منتجات الإبــــداع الفني لن تحضر في قيمــــة فعليـــــة ( اجتماعية ) , بل ستحضر آنياً وترحل , وحضورها الآني لن يكون مبنياً على معيارية – جمالية وإبداعية وعلمية نقدية – متصلة بذات المجال , بما فيه الخصوصية الفردية للنص , ومنهجية المعرفية والذوقية – المعرفية ( الذي تتكئ على أحد جانبي الموقف الاستنطاقي – الحكمي ( العماد الأول للمعيارية ) ولا على العماد الثاني للمعيارية في الفرق الفردي ( التميزي ) في إجلاء منظومة القيمة الكلية للفن – النص الفني – الفارضين لحقيقة الوجود لهذا المنتج قيمياً في الواقع بما يجعلانه رافداً جديداً للثقافة ( العامة والخاصة في جانبها الروحي ) – بل إن هذا الحضور الآني – الراحل يكن متكئاً على الدوام على روافع أخرى تماماً – ليس لها علاقة بالإبداع الفني والعلوم المعرفية المختصة بدراسة ذات المجال الإبداعي , ولا بالذوقية المعرفية – وهذه الروافع الفارضة لشيوع أعمال فنية وفنانين مشار إليهم بالبنان بفرادتهم الإبداعية , تفرض معاييراً أخرى للمنح ( لتوصيف الإبداع والمبدع ) وكنه هذه المعايير ارتباطها مباشرة في القيمة النفعية ( الاجتماعية والإنسانية ) بصورتها الضيقة لمصدر ذلك الحامل أو الرافعة لفرض التفضيل وشيوع المفضَّل ( من منتجات الإبداع الفني ) – الخادم لمصالحها . هذه الروافع السائدة في مجتمعاتنا العربية – واليمني بصورة خاصة – تفعل على الدوام على استمرارية غياب النقد الأصيل – القيمي الفعلي , وتعمل على استمرارية تغييبه إذا ما وجد أعداداً من النقاد المبدعين , عبر حملات فرض تغييبهم المباشر – بغرض واقع ثقافي معادٍ للنقد – أو عبر تجاهلهم , أو تسييد فرادات بشرية من أنصاف المتعلمين والمثقفين ........... ( الأميين في القيمة والجمال ) , لتلبيس المنتجات الفردية ( المُتْدَّعية بالإبداع الفني ) لبوساً فنية , وتلبيس الإبداعات الفنية الركيكة لبوساً لإبداع قوي ( رفيع ) , وتلبيس الإبداعات الفنية الاعتيادية القاصرة – غير القائمة على أصالة رفيعة في التجريب المسنود على عمق وسعة الثقافة – الكبيرين , وطول وعمق خبرات التجريب الممارسان , المعجونان بإبداع إرادة التميز , الباحثة على الدوام خلق فتوحات للتفرد الدائم , وغير القائمة على تلك الذات المرهفة , الشفافة , المتحررة عقلاً ونفس – عقلي , الحاملة لتلك الخصائص سابقة الذكر , المنتجة جزماً ( يقيناً ) إبداعاً فريداً يتحلى بأصالته الجوهرية , دون وجود أية إمكانية لتجريد مثل تلك الإبداعات ( الحقة ) صفتها في الفرادة , والإبداع – مثل تلك الإبداعات الاعتيادية المفروضة على واقع الثقافة العربية – الروحية , في مجال الفن , وخصوصاً فن الكتابة ( نوعه الأدبي), في جنسيه ( الشعر والقصص ) – تُلبَّس تلك النصوص – الاعتيادية القاصرة , الفاقدة للتفرد والارتقاء – ألبسة كاذبة ومخادعة تمنحها التفرد والرقي – بما هو غير موجود فيها , ويتم إشاعة هذا التلبيس عبر قنوات استلاب وعي وذوق المجتمع – كما وتسعى روافع تسييد زيف الثقافة – الفنون هنا والأدب بوجه خاص من هذه الأخيرة – عبر مرتزقتها ( الواطين ) – من حملة الشهادات الأكاديمية العليا أو دونها – على جنب محاولاتها في إشاعة نقد مخاتل , سطحي متهافت – في واقع الثقافة الروحية والحياة الثقافية للمجتمع ( النخبة والعامة ) , فإنها تعمل على إجهاض أية مشاريع نقدية حقة– فردية أو فئوية محدودة – فإلى جانب أن إغراق الواقع الثقافي وثقافة عقل إنسان المجتمع بثقافة نقدية ( باطلة ) تعمل على تغطية وجود وأثر تلك المحاولات النقدية الجادة , فإن أدوات تزييف الفن والأدب – البشري , لا تتوانى بكثرتها العددية , ومساحات تنفذها على نوافذ الاتصال بوعي المجتمع , تلهب سياط إرهابها الفكري تلك القلة العددية ( القيمية ) من المشاريع النقدية الفردية الجادة , وتنعتها بأقذع المسميات , وتحرض عليها العقلية ( المغبونة ) للعامة , وتكيل لها سيل الاتهامات ( التي لا تستهدف فقط إيقاف انتاجاتهم الفكرية – الابداعية , بل حياتهم ) وتعمل روافع إشاعة الزيف عبر آلياتها , على إغلاق مساحات التنفس للمبدعين ( الأصليين ) , وقهرهم في حياتهم المعيشية ( المادية والروحية ) أو عندما تعجز عن إلجام حالات فردية منهم , تستخدم أضر وأعتى أسلحتها اللاإنسانية , في تصفيتهم جسدياً .
ومن باب الإدراك العلمي للتعامل مع الواقع الثقافي , يمكن القول بأن هذا الأخير مثله مثل واقع الحياة العامة في اليمن والوطن العربي قد طرأ عليه تأثرات مع رياح التغيير العالمية – منذ تسعينيات القرن العشرين ,وصولاً إلى الوقت الراهن , وهي تأثرات ذات وجهين متناقضين تماماً , الأول وهي السلبي الخطر , المتسرب كعفن شيطاني إلى جسد الثقافة الروحية للمجتمع , والمُسمى بعولمة الثقافة , والذي عبره يتم إحلال ثقافات نقلية غاية في السطحية والابتذال الشكلي محل ثقافاتنا الخاصة , مما يدفع إلى إشاعة ثقافة اغترابية شاملة , منتجة من هجائن ثقافة خاصة جامدة , وثقافة أجنبية قشرية , مدعمة واقعاً ثقافياً مؤصلاً لنمو العصبيات التقليدية المحلية أو مشيعة ثقافة عصرية – طفيلية تنزع نمو الحكمية الباطلة المتكئة على مرجعية ثقافية – عصرية فقيرة تعرف بثقافة السندويتش أو الثقافة الإخبارية المستقطعة – وهو جانب يقود المجتمع اليمني والعربي يوماً بعد يوم نحو تأصيل وعياً زائفاً للمجتمع .
أما الجانب الآخر – من استجابات الواقع الثقافي في رياح التغيير العالمية – فإنه يتكشف بانخفاض دوائر ثقافة الإرهاب , وندرة اللجوء إلى التصفية الجسدية والتنكيل الجسدي بالمبدعين , وتوسع مساحات التنفس والمواجهة للعقول الحرة المبدعة , هذا التحول لم يتم كتعبير عن تحولات اجتماعية جوهرية , ولم يتم نتيجة حتمية لانتصارات الوعي الحر ( العقل المستنير ) في معركته مع نقائضه المدعمة بروافع التنفذ المالي والسلطوي والعائلي والفصائلي أو المذهبي ... إلخ , كما ولم يتم نتيجة موضوعية لتحولات قناعة الحكام الفرديين بتحويل أنظمتهم نحو البناء المدني , وتعميم روح الليبرالية في متعلقات حرية الفرد والمجتمع , لكنه تم – أي التحول – بفعل التناسب العصري المستجيب لضغوط القوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية – في شؤون الحقوق والحريات للإنسان – فكان للأنظمة السياسية استبدال أساليب القهر الفكري المباشر والقمع الجسدي , عبر الاحتماء وراء إطلاق الديمقراطيات والرأي الآخر , وهو احتماء قائماً عبر امتطائها لتلك الديمقراطيات الزائفة في الواقع الممارس , بإحمال وتجاهل أكثر لكل ما هو عقلي وعلمي وإبداعي نافع , تجاهلاً للنقد , وتحقير الثقافة, ووضع الفنون في أدنى مهنة اجتماعية وظيفية , وإطلاق سمة متعاطي الشعر والقص بالعنصر الخامل, البليد ( مش حق شغل ) , وعلى الناقد ( في الفن والأدب ) بالهدَّارين كثيري الكلام والهرطقة , والنقاد ( في مجالات العلوم المختلفة ) , بالبكَّاشين , والتحذلقين الاستعارضيين , ومن لا يقابل بامتعاض شديد من قبلهم , يلطقون عليه صفة الحالم , الواهم , غير القادر على فهم واقعه , أما أولئك المستهدفين جوهر الإعاقات – الواقعية – فيوسمون بزراع الفتن والتآمر والخيانة ونُشَّاز الديمقراطية الممنوحة .
إن هذا التحول في مناخ التنفس ( الديمقراطي الزائف الشكلي ) للمبدعين الملجَّمين سابقاً بكل القيود, لم يجد تجاوباً انتفاعياً من قبل أصحاب العقول المبدعة والعلمية – التي كانت تقاوم بشراسة لا مثيل لها لها في ظروف القهر الشامل المعلن السابق – والذي يحتجبون الآن في ظروف مواتية لهم , ومواتية لاتصالهم بالمجتمع الذي فُصِل عنهم انسانه في أنظمة السياسة القهرية الماضية ,والذي كما يبدو أن الكثرة من الأقلية المبدعة من النخبة الاجتماعية لم يستطيعوا أن يخرجوا من الإرث القهري القديم الذي كان مسلطاً عليهم فأصابهم بسيكوبائية الخوف المرضي , واللاثقة واللاجدوى بأي شيء ليس حتى بأن يكون لهم دوراً فاعلاً في المجتمع , وهي الإشكالية الراهنة للحياة الثقافية اليمنية والعربية , حيث تستشري النخب الثقافية ( العصبوية ) في تجريبية الثقافة المعاصرة كأقنعة تتخفى وراءها , وكذلك النخب الثقافية السلطوية التي تدفع نحو إشاعة عصرية الثقافة الاختزالية – اللاقيمية , والنخب الجديدة من الأجيال المتعاقبة التي وعتْ على مفهوم الثقافة في واقع تربوي وتعليمي مفرغ للثقافة في وجود مُسمَّاها واقعاً , فتخوض هذه النخبة الأخيرة ضروب التحديث – رغم اتسام عناصر منها بالموهبة الإبداعية – بواقعية الافتقار إلى الأصالة والتأصيل , فحتى أولئك المهتمين بالاطلاع المعرفي , فإن اطلاعه ينبني على مؤسسات الإصدار السريع , وعلى الصحف السيَّارة والمجلات الدورية , ويندر التعامل مع الكتاب , وإن كانت هناك ندرة من المتعاملين بقلة مع هذا الأخير , فإن ثقافة انتقاء الكتاب معدومة , وإن وجدت فإنه لا يوجد التراكم المعرفي القبلي المهيء للتعامل مع الكتاب الموضوع للقراءة , فتنتقطع صفة الاستفادة والتزود العلمي والارتقاء الذوقي – ولغياب المنهجية والمعتقد المحرك للإرادة والإبداع , ولعدم وضوح ما يطلبه هذا الموهوب , ولسيادة الاستعراض المعرفي – السيَّار , والاستعراض في كثرة النشر – في واقع الحياة الثقافية – كإثبات للاتصاف بالمثقف أو المبدع – دون التعويل على قيمة وعمق تلك الثقافة وذلك الإبداع – يسعى أعضاء هذه النخبة في التعامل مع الثقافة الروحية كاستهلاك يومي أشبه بالقيء , وذات التعامل مع الكتاب , ويزداد سوءاً عندما يطنب أفراداً من النخبتين السابقتين أي من أفراد هذه النخبة الأخيرة , يزداد الغرور الغر لديهم , يتلذذون بذكر أسمائهم وامتداحهم , وهم لا يدركون أن ذلك الدور ليس أكثر من مشرحة تجهز لقتل موهبتهم الإبداعية , التي ما زالت في طور التفتح , يُضخمِّونهم حتى يصدقون بعبقريتهم وتفردهم , فلا يقون على تجاوز أنفسهم ودرجة إبداعهم الذي تم تثبيته عند البدايات , فمات نموه الحيوي – أي توقف مهارات تطوير وصقل تجلي ( موهبة ) الإبداع عند مرحلة بداية التخلق – تحته وهم ترسخ يقين واهم بالتفرد الإبداعي المنفرط في سيكولوجية موقف الفرد من ذاته تحت الاندلاق اللاهث نحو الربح السريع للشهرة والاشتهار .
إن انهزامية المبدعين الحقيقيين في الظروف الراهنة للواقع الثقافي , وعدم قراءتهم لهذا الأخير قراءة علمية مدركة , ليضيعون فرصة تاريخية غير متكررة طالما حلموا بها , من إفراد إبداعاتهم على المجتمع – المحلي الداخلي والخارجي – وامتلاك مساحات أوسع في الصراع الثقافي الوطني , مع تخفف شدة القمع الفكري والاضطهاد المعيشي للمبدعين وتغييبهم عنوة , وهي فرصة وحيدة أيضاً لتثبيت دعائم التحول الشكلي لفرضه واقعاً حقاً , حتى يكون لهذه المجموعة الرابعة من النخبة الثقافية ( الخاصة ) – المبدعين الأصليين – موقعاً في الصراع الثقافي قابلاً للنمو , وهو من جانب آخر , إذا لم تتخلص النخب القيمية من حالة اليأس الخنوعي , فإنها أولاً في هذه الوضعية – الفوضوية – المناسبة لم يعد فعل التغييب لهم ولأدوارهم في الحياة الثقافية محمولاً على قوى التنفذ السلطوي والمالي – كما كان على الدوام – بل إنهم في هذه الظروف هم أنفسهم يمارسون فعل التغييب لأنفسهم – إلغاء أنفسهم وعقولهم وإبداعاتهم بأنفسهم , على اعتبار أن رياح التغيير الشكلية تمثل مدخلاً موضوعياً للمواجهة الندية في حدود الممكن الراهن – الذي كان مفقوداً قبلاً – والذي بالحتمية الموضوعية قابلاً للنمو , لدرجة على الأقل لن يسمح لواقع الثقافة والحياة الثقافية أن تعاد إلى الوراء – كعودة للتبعية المطلقة للثقافي إلى السياسي , وتبعية الثقافة لسلطة التنفذ السياسي , وفق مصالح وأهواء وأمزجة هذا الأخير– وهي عودة لتغييب ثقافة التحرر وحرية الإبداع .
وكما يشاهد ويلمس في الحياة الثقافية تلك الوتيرة العالية لإشاعة الانتهازية الطفيلية على عموم الحياة الثقافية – كتلك الجارية على صعيد الحياة الكلية للمجتمع – وهي وتيرة ليست محصورة فقط في آليات التثاقف الحر ( الرسمي وغير الرسمي ) في التربية والتعليم للأجيال ( الناشئة ) , الذين بين عام أو ثلاثة أو أكثر مؤهيئين لدور المشاركة في المثاقفة الحرة , تلك المشاركة للأفراد الرافدين للحجم العددي للنخبة , تكون متكئة على زاد معرفي سطحي , ونزعات ثقافية طفيلية , يمثل هذا الرافد فعل التسييد للثقافة الهشة والعقلية الضحلة , والذي يقود إلى تعمم قيماً هابطة في الموقف والممارسة والاعتقاد – أكان تجاه قضايا الثقافة أو العقل أو الحياة, بل وتجاه كل شيء – وهذه الوتيرة سريعة التعاظم للفساد الثقافي والانحلال القيمي المتصل عضوياً فيه , رغم أننا لا نمتلك قوى الإلغاء أو التوقيف له , لكننا نظل قادرين على مواجهته , وبشكل أفضل عمَّا كنَّا عليه في السابق , وهذه القدرة تمتلك فاعليتها في تخفيف وتيرة التسارع تلك , وتحجيم حقيقة تسيُّده على واقع الحياة الثقافية وعقول وقناعات الناس – نخباً وعامة – ( بالطبع بصورة نسبية ) , ولا يمكن الحديث عن سقوط أو إيقاف ثقافة الزيف إلا عبر معركة جادة وحقيقية وواضحة , وبنفس طويل – هذه المعركة سمات السابقة ستفرض حتماً تزايداً للأجيال ( الناشئة ) المنخرطة في الحياة الثقافية – عملاً ومواجهة – نخبة فريق المبدعين الحقيقيين وسترفد ظروف الإعاقة الناتجة عن شيوع قيم الفساد اجتماعياً , خلق مناخات لتوسع دوائر الحصار الثقافي والاجتماعي ( العام على كافة أصعدة الحياة ) لمساحات الثقافة الباطنية لزيف القيم , وتعرية مضامينها الضدية , الخادمة لمصالح أفراد أو فئات محدودة على حساب المجتمع والتاريخ وحقوق الإنسان ووعيه وإبداعاته الفردية والجمعية – من هنا ندق ناقوساً للخطر المدمر القادم , ليس على صعيد الثقافة , بل على صعيد الحياة برمتها , ووضع وقيمة الإنسان – اليمني والعربي – في وضعية عالمية تنزع بوضوح نحو تحقيق عبودية اختيارية كونية موحدة – إعادة التاريخ القديم للقنانة بشكل جديد والأول من نوعه , والذي هو ليس إلا انهزاماً للبشرية جمعاء – قنانة نظامية عالمية ( على كافة الأصعدة ) , يكون فيه جنساً بشرياً – واحداً أو أكثر بما لا يزيد عن عدد أصابع الكف الواحدة – هو السيد المالك والأمر لبقية الأجناس البشرية , ويكون مجتمع ذلك الجنس المتسيد هو السيد لكل المجتمعات البشرية , ويكون المُلاَّك الفعليين من ذلك الجنس المجتمعي المتسيد على العالم , هو سيد الكل من أبناء جنسه وبقية الأجناس – إننا لن نكون أكثر قطيع مخلوق ومتكاثر إلا لخدمة الجنس الأبيض , ولن نكون إلا أدواة وفائض بضاعي لمُلاَّك رؤوس الأموال الغربية , ونخَّاسة لإشباع رغباتهم المرضية – للجنس الأبيض .. خصوصاً .
هذا الناقوس الذي نقرعه , نفترض فيه التحذير لأولئك السائد من فرقة النخبة القيمية – الأصيلة , بضرورة الاستعجال في خلع أردية « الخوف , الهروب , الاستسلام السلبي , اليأس , الذرائعية » , فالمرحلة الانتقالية الراهنة لن تطول كثيراً , وأية صحوة متأخرة نسبياً ستكون غير ذي جدوى , بعد أن يكون الزيف قد كلس الحياة ومنطقها , ونخر في الإنسان عقلاً ومسلكاً , وأعاد تشكيل الضمير والاعتقاد , وسادت ثقافة – وطنية وقومية – مهترئة , شديدة الهشاشة والسطحية , فاقدة لمعالم التميز الاجتماعي الخاص ( في مفهوم الحضارة الخاصة ) , مقطوعة الجذور بالإرث – القديم الإيجابي لحضارة المجتمع , وقائمة على جذور عصرية رخوة لا تمنحها سوى تسليم إنسان مجتمعها طواعية للقنانة الكونية – ذات الاستهداف الغربي للمستقبل , بل إنها تمتلك خاصية التعجيل لتسليم إنسانها , مقارنة بتلك المجتمعات الأخرى من العالم الثالث , التي ما زالت متسمة بالحياة ( أي الحيوية ) , لكونها تحتوي ثقافاتها الخاصة إرثاً عظيماً من فكر المعارضة والصمود المتجدد على الدوام , في دائرة صراع الوجود المصالحي للبشر و والتي – أي ثقافاتها الخاصة – تقيم من ذاتها معادلاً صعباً في قبول أو تقبل العالمية ( المعاصرة ) بصيغة العولمة ( الغربية ) – خاصة في الثقافة – فتجعل مصير نجاح مشروع العولمة – ثقافياً – أمراً مشكوكاً فيه بالنسبة لمجتمعاتها .
إن كل ما تقدم من طرح مختزل , يمثل أرضية جوهرية للتعاطي النقدي – الفني , الأدبي والعلمي – فهو يكشف غياب النقد , ويكشف ثانياً كذبات النقد السائد في الحياة الثقافية , ويكشف ثالثاً كذبة الحداثة التجريبية في الفن والأدب , تلك التجريبية في الحداثة التي لا يمكن التعامل معها كإبداعات أصيلة – على الإطلاق – فلا أصالة لها – مهما كانت – إذا لم يجر تأصيل نقدي جمالي وعلمي رصين لها , وليدرك كل الواهمين بالفرادة والتجديد , ومتعاطي نقد الإطناب أو التشهير في سوق الثقافة الخبرية أن المعركة معهم لن تتوقف , وهي دعوى أيضاً لكل الأصلاء من المبدعين المقتدرين على الخروج إلى المواجهة الشريفة ضد تدمير قيم الثقافة – الوطنية والإنسانية – في واقعنا الاجتماعي , وليدرك كل ممنوح لوسام الإبداع والثقافة – في وقتٍ زمني مشبوه , وهو لا يرتقي لتلك التسمية , أنه لن يكون سوى عابر منسي , ونصيحة لتلك الروافد – المغبونة – من الناشئة حديثي ممارسة الإبداع ودور المثقاقفة , الذين يقعون في دوائر وهم التفوق والتفرد , أن يتنبهوا لعدم اجترار وهم ما صُوِّر لهم , وليعترفوا بموهبتهم والاعتزاز بها , كموهبة فردية لا يمكن أن تثمر تفرداً إبداعياً عبر النشر في صحف ومجلات هذه الأيام , ولا عبر صيغ المخاتلة والإطناب الشفوي أو المكتوب من أناس سُيِّجتْ حولهم كذبة الثقافة والنقد , وهم معروفون بذلك الدور المتكرر لتحطيم كل موهوب قادم , من خلال إعلاء شأنه وهو ما زال يحبو في بدايات اكتساب الثقافة والممارسة لفرع من فروع الإبداع الفني والأدبي الفني – موهبة لن تثمر غلا في وجود نقد علمي جمالي صادق , يفضي إلى تأصيل القيِّم من التجريب الإبداعي , ويفتح أفق تجاوز العثرات , وتجاوز الذات المبدعة في تجريبيتها من الارتهان لقيود تقود على الدوام إلى تجدد انتاج العثرات في كل خلق تجريبي , إذا ما جيَّر المبدع ( في الفنون والأدب ) , منصوصات خلق الإبداع النقدي ( الأصيل ) لصالحه , فإنه بالضرورة سيصل في التجريب الحداثي ( بالدلالة الزمنية) إلى خلق النص الكامل , الرائع .. على الدوام ...



#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسألة الإسلامية. . وجدل الضرورة ( الجزء الأول )
- المجتمع العربي . .قراءة في الدوران في الفراغ خارج مسار التار ...
- مجموعة أغنيات مرتبكة . . لبغداد 2000 - 2004 م. نثر شعري
- بيعة . . لباحث عن ثمن نثر شعري
- وحدك . . ايقونتي نثر شعري
- اغاني حزينة في المقابلة اقصوصات نثر شعري
- حين . . . نثر شعري
- القادم مع الشروق قصة قصيرة
- بغداد . . اغنيات مرتبكة ( 1 )
- صاحبي يفتقر للعروس - قصة قصيرة
- ماذا لو ؟ ! . . قصة قصيرة
- في رداء امرأة . . لن يغادر المسيح قصة قصيرة
- أغنية مرتبكة . . لزهرة الاقحوان نثر شعري
- السياسي .. قصة قصيرة
- تسريب
- حلم الورد المتعب قصة قصيرة
- احلام الفراشة قصة قصيرة
- وعد قصة قصيرة
- المعذبة قصة قصيرة
- غرباء – نحن – في بلد الجنرال ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - أمين أحمد ثابت - في الثقافة ... مقدمة لما قبل النص