أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - حكايا من المهجر: ساحة وليلي















المزيد.....

حكايا من المهجر: ساحة وليلي


عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 2964 - 2010 / 4 / 3 - 19:33
المحور: الادب والفن
    


أيام الأحد عند الزوال، يجتمع العمال المهاجرون في ساحة وليلي، وهي قطعة أرضية مربعة الشكل تحيط بها من كل جهة الحمامات البلاستيكية، تتوفر على بئر مردومة أو إن شئت بئر مليئة بالقاذورات، هي ساحة متفتحة على ممر عام من الجهة الشرقية ومنافذ ضيقة عند كل الزوايا المتبقية، وهو ماييسر الإنسلال هروبا في كل مداهمة بوليسية، سميت بوليلي(1 ) تيمنا بقشيب الوطن، تتوفر علي مخابيء بلاستيكية (تشابولات أو إن شئت نوالات) مدعمة بحيطان لأطلال قديمة بناها الغجر، هي عبارة عن أطلال متآكلة كأضراس حطمها التسوس، على جانب منها أنشيء فران عمومي من الطين لطبخ الخبز، وعلى الجانب الأيسر منها من جهة الممر أنشيء حمام عام أيضا للإغتسال، وإلى جانبه وضعت صخرتين مسطحتين على الأقل لغسل الثياب أو خردة الشغل، إلى جانبهما أيضا وضع برميل لقيط لتخزين المياه احتياطا لتفادي انقطاعها وزيادة وفرتها عند الحاجة استغناء عن صبيبها الضعيف، أما كيف حصلوا على الماء، الذي هو معجزة هذه الظفرة الإقتصادية لهذا الخلاء، فالأمر بسيط للغاية: تتوزع هذه المساحات الشاسعة من البلاستيك، قنوات السرف المائي للتسقية، أنشئت موازات مع الممرات التي تتوزع بدورها على الضيعات، وعلى مسافات متوازنة لهذه القنوات تنشأ إطارات لنظام يمتص الضغط في الأنابيب المائية كلما تجاوز الدرجات المسموح بها، عند هذا النظام يلصق العمال أنبوبا من المطاط بشكل محكم، وبشكل يسمح بتدفق الماء بالتأثير على نظام الضغط هذا بخفض درجاته إلى مستوى أقل بكثير مما أثبت عليه. في الساحة هذه نجتمع كل مساء أحد، نلملم همومنا المتقيحة، نستقي الأخبار الأسبوعية، نتبادلها فيما بيننا، ونتعرف بذلك علي مختلف المستجدات، سواء تعلقت بالشغل أو بالتسوية أو أخبار متفرقة، لذلك ستكون هذه المحاورة نقلا متواضعا لشكل حوارنا الجماعي التلقائي دون أن يكون النقاش بالضرورة ثنائيا وإن وجد فهو متفتح على أذان الجماعة إلا في الأخبار التي تهم فرص الشغل، فهي عموما تكون سرية بين الأصدقاء تجنبا للمزاحمة، تجري هذه التداعيات فيما البعض ينتظر دور مجموعته التي تتكون من خمسة أفراد للعب كرة القدم وسط الساحة بينما البعض الآخر يغتسل بالحمام وآخرون يغسلون ثيابهم أو أوانيهم المنزلية، البعض منهم يحتسي جعة، أو يلففون جوانات من الحشيش، أو يدخنون ببساطة لفافات السجائر، وكان الحوار يتناسج بشكل تلقائي قد يبدأ ثنائيا وينتهي جماعيا دون تكلف:

ـ فلان وجد هذا الأسبوع ميتا في البركة عند الضيعة التي يعمل بها، قيل أنه انتحر، لكن الشهود ينكرون ذلك، كان في ذلك المساء سكرانا، عموما، في الصباح جاء الباطرون، أخرج آثاره من الكورتيخو، نادا على رجال الحرس المدني، وأنكر معرفته به، في اليوم التالي جاء أخوه من غرناطة، شحنو جيوبه بالعزاية، أرسلوا جثته إلى أهله بالمغرب وانتهى الأمر...
ـ والشهود؟
ـ الشهود حراكة ( يعني بدون أوراق تسوية) لا يستطيعون الإدلاء بما رأوا..
ـ أخوه لم يفعل شيئا؟
ـ لا بل فعل، ذهب إلى المقاهي والمساجد ليتسول مساريف إرسال الجثة، أما التعزية التي جاد بها عليه الباطرون، كانت ثمن صمته: الحي أبقى؟!!
ـ لا إله إلا الله!

ـ هل سمعتم عن فلان ابن فلان، الزغبي قفرها..،
ـ فلان صاحب الميرسديس المقاتلة؟
ـ نعم، هو بعينيه، وجد متلبسا وهو يسوق باثنين من الحراكة، سأله البوليس عنهما فقال بأنه فاعل خير، وجدهما في الطريق وأراد مساعدتهما في إصالهما إلى قصدهما، وعندما جاء الترجمان سألاهما، قالا بأنهما دفعا له، لأهله في المغرب عشرة الف درهم لإيصالهما حيث يريدان، وأنهما نزلا في منطقة موتريد ويقصدون ألميريا..
ـ قفرها المسكين، كان يجري فيها دائما.. والمقاتلة؟
ـ من يدري..( يسمون السيارات بالمقاتلة نظرا للممرات غير المعبدة التي تنفذها في هذا الخلاء البلاستيكي وهي كنية ساخرة على عكس ماتوحيه هذه السيارات في المغرب حيث ينفثون عنها الغبار وتبدوا سيارة أخاذة)

ينقلب الموضوع، يتدخل أحدهم ليسأل عن صديقه الذي لم يحضر..

ـ أين فلان؟ يسأل أحدهم ، لم يأت اليوم..؟
ـ ذهب لتعزية فلان الذي يعمل عند خوسي، في وفاة أخيه الذي غرق في بداية هذا الأسبوع
ـ يا الهي! ماذا وقع له؟
ـ هم خمسة من منطقتنا، أكلهم عباب البحر، قيل أن قائد الباتيرا( تعني القارب) التي كانت تحمل حوالي خمسين شخصا أمر نصفهم بالنزول ليعود إليهم في الرحلة القادمة، فأبوا جميعهم متشبثين بمواقعهم وهو ما كان يفوق طاقة الباتيرا، مما حدى بصاحبها أن أبحر حتى ابتعد من الشاطئ فأدارها على زاوية مغلقة بسرعة فائقة، ليزيح أكثرهم في البحر كما أتم رحلته بالباقي دون أن يهتز له قلب، مات أغلبهم غرقا ولم ينجوا إلا من كان يتقن السباحة، وطبعا أهلنا لايعرفون..
ـ يا الهي..! علينا بتعزيته نحن أيضا.

آخر يتحول الى موضوع آخر..

ـ سمعتم عن المعتصمين؟
ـ هل من جديد؟
ـ نعم، سويت وضعية المها جرين المعتصمين بحرم الجامعة..(هو أحد الإعتصامات الناجحة في نضالات العمال المهاجرين التي خاضوها لأجل التسوية في أواخر سنة 2000)
ـ خبر جيد يفتح شهية الأمل..، قالها أحدهم وهو يستشف المزيد من الخبر
ـ أعطوهم وثائقهموأرسلوهم للعمل بموسم التوت بويلبا
ـ الله أكبر، هكذا هي الحكومات الديموقراطية، هذا مانريد أن تكونه حكوماتنا، أن يحتج عليها وتبحث هي في حل مشاكلنا، لا أن يشبعون بالهراوات..
ـ لكن وقعت مشكلة... ما أن بدأوا في العمل حتى جاءت دورية من شرطة الهجرة وطردت متزعمي الإعتصام..
ـ آسفاه.! لابد من الضحايا في هكذا نضال..
ـ لذلك لا زال المعتصمون بالكنيسة متشبثين بإضرابهم حتى الآن، يطالبون بالضمانات.. وأرسلوهم للعمل بموسم التوت بويلبا
ـ الله أكبر، هكذا هي الحكومات الديموقراطية، هذا مانريد أن تكونه حكوماتنا، أن يحتج عليها وتبحث هي في حل المشاكل، لا أن يشبعون بالهراوات..
ـ لكن وقعت مشكلة... ما أن بدأوا في العمل حتى جاءت دورية من شرطة الهجرة وطردت متزعمي الإعتصام..
ـ آسفاه.! لابد من الضحايا في هكذا نضال..
ـ لذلك لا زال المعتصمون بالكنيسة متشبثين بإضرابهم حتى الآن، يطالبون بالضمانات..(اعتصام الكنيسة كان موازيا لاعتصام الجامعة، لصعوبة التنسيق بين الإعتصامين بسبب المراقبة البوليسية وحصار الإعتصام الأول الذي سبق إلى الجامعة)
ـ يا إلهي.. ضمانات أيضا؟
ـ طبعا لما لا.. والله هم رجالة، تدخل آخر.

يتشعب الحديث ويسترسل دون حواجز، تتفتح شهية الذاكرة وتنتشر على مصراعيها، تستلهم الجديد وتحفظ القديم، تتداعى إلى ماوراء البحر وتنسج لوحتها السوريالية في اقتحام عفوي تنولد فيها الأمكنة والأزمنة وتترصع في محيط الذاكرة، وليلي هذه ليست سوى لعبة التماهي في الذاكرة تحاور لعبة الغزو المتبادل، قديما أسس الرومان وليلي قرب مدينة زرهونة وهانحن الآن نؤسسها على طلل الغجر.

ـ فلان الحراك الجديد الذي عند فلان، هل تعرفون كيف جاء؟ جاء به مهاجرون من إطاليا، جاء محشوا في كيس كبير وضعوه فوق العربة، ولم يفطن به بوليس الجمارك لا في المغرب ولا في إسبانيا، حيلة جميلة، لكن كادت أن تؤدي به إلى التهلكة، كاد يختنق كما ابن فلان الذي وجد مرميا بجنبات السيار، قصير مثله كما لو أن ابن فلان قد هلك مختنقا في كيس، من حسن حظ المهاجر الجديد هذا كما قال بنفسه أنه جيء به من منفذ المضيق وعبر السريع، أما لو طالت به الرحلة كما معبر الناظور لكان قد سلم روحه للسماء، ومن حسن حظه أيضا كما يقول، أنهم تداركوا أمره قبل أن يلفظ أنفاسه، قال بأنهم أخرجوه وهو مبلل ومحروق كالفرخ من البيضة فيما كانت ثيابه ملتسقة بجلده..، هو الآن لايخرج كثيرا لأنه مازال لم يتعافى جيدا.

ـ فلان الذي يسكن عند ضيعة الدنيا، يحتجز خمسة عشر حراكا، التقطهم بداية الخميس الفائت من شاطيء الميريمار، ولا زال يغلق عليهم في انتظار أن يدفع أهاليهم له..
ـ ياه.! عار الله عليه، لماذا يحتجزهم وهم قد وصلوا؟
ـ هم لايدركون أنهم وصلوا؟
ـ بالتأكيد هم لايدركون، وأهالي البعض منهم قد دفعوا ياه..! الأرجح أنه سيفرج عليهم الليلة بعد دورة شرفية في الأرجاء ليوهمهم بأنه سافر بهم حيث يريدون..
ـ الأغبياء..، هم من نادوه ليلحق بهم، لم يدركوا أن الباتيرا خرجت بهم إلى حيث يريدون..
ـ لو كانت لدي أوراق رسمية لشكوته عند رجال الأمن، ابن الزلط هذا..

جاء آخر لينقل إلينا الجديد عن المهاجر الذي أمسكوا به يوم أمس..

ـ لقد أخلوا سبيله.. منحوه انذارا بالإفراغ في أجل 48 ساعة، الإفراغ من كل اسبانيا..
ـ هه! اسبانيا، بل قل كامل أوربا، محظوظ الزغبي..، سلام عليه..، الأمر سهل.. سيذهب إلى الجمعية أو النقابة ويستأنفون طرده..

في موضوع آخر..

ـ هل سمعتم ماوقع لفلان، كان في طريقه إلى السوبير..(يقصد السوق المغطات) فهاجمه إسبانيان كانا على دراجتان ناريتان، هو الآن في المستشفى.
ـ عبيط وعلى نياته.. أنا .. إذا وقف علي أي شخص راكبا دراجة أو سيارة في هذا الخلاء، علي بالحجارة وإن لم تكن سأطلق ساقاي للريح..

(1) وليلي هي مدينة أثرية بالمغرب وتسمى أيضا قصر فرعون، بناها الرومان



#عذري_مازغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايا من المهجر: صراع الهيمنة 3
- حكايا من المهجر: صراع الهيمنة 2
- حكايا من المهجر: الموضولو 3 وصراع الهيمنة
- حكايا من المهجر: هلوسة عبابو 3
- حكايا من المهجر: هلوسة عبابو 2
- هل يعيد التاريخ أحداث إيليخيدو مرة أخرى إلى الواجهة
- حكايا من المهجر - هلوسة عبابو
- الدرس الثاني ديالكتيك البراءة
- الدرس الأول لأطفالنا في الديالكتيك
- مقاربة تصورية حول الحتمية الاشتراكية
- نحو تأسيس مزبلة إلكترونية
- بمناسبة 8 مارس
- من وحي ألميريا
- حول تأصيل اللغة الأمازيغية
- كولن ولسن وتجريد اللامتجرد
- أحلام دونكشوت مغربي4
- أحلام دونكشوت مغربي3
- لي في عينيك
- أحلام دونكشوت مغربي2
- أحلام دونكشوت مغربي


المزيد.....




- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - حكايا من المهجر: ساحة وليلي