أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - جنازة عسكرية لشهداء العيد















المزيد.....

جنازة عسكرية لشهداء العيد


إكرام يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 2882 - 2010 / 1 / 8 - 13:47
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


مثلما اعتدت كل عام، أحضرت أجندة التليفونات استعدادا للاتصال بالأصدقاء والصديقات لأهنئهم بعيد الميلاد المجيد، وككل عام أشعر بالخجل من نفسي لأنني لم أبذل ما يكفي من جهد لمعرفة طريقة للاتصال بميس جورجيت صبحي ـ مدرسة اللغة الإنجليزية في مدرسة حدائق القبة الإعدادية قبل أكثر من ثلاثة عقود ـ التي كان لها فضل تعلقي باللغة وحصولي على الدرجات النهائية دائما فيها، ومازلت أحمل فضلها جميلاً سيظل يطوق عنقي حتى آخر أيام حياتي. فما أن هممت بالاتصال، حتى داهمني خبر اغتيال ستة من الأشقاء شركاء الوطن في نجع حمادي يوم العيد وأثناء خروجهم من دار العبادة فرحين مستبشرين بعام جديد سعيد وسط أهلهم وأحبائهم.

أسقط في يدي، وشعرت بغصة في حلقي ومرارة كالعلقم. بأي وجه أتصل بهؤلاء الأحبة؟ وهل أهنئهم بالعيد أم أعزيهم وأعزي نفسي في مصر التي كانت؟ يوم أن كان الدين لله والوطن للجميع ليس مجرد شعار وإنما حياة يومية وممارسة تلقائية بين أخوة شركاء أصحاب وطن واحد.. يوم أن كان شعار الجميع "الدين المعاملة" و"ربنا رب قلوب" يقولها البسطاء والمثقفون والفقراء والأغنياء.. يوم كانت مصر، التي احتضنت أبنائها بمختلف انتماءاتهم وأرضعتهم محبة الله وعشق الوطن ومشاعر الأخوة الحقيقية. يوم أن كان الأزهر رمز الاعتدال والوسطية، قبل أن تهب علينا أعاصير التعصب المحملة بغبار الكراهية الخانق الذي يعمي العيون وينزع المحبة من الأفئدة، ليستبدلها بعقيدة ابتدعوها (الولاء والبراء) لا تهدف إلا إلى شق الصف والتبرؤ من إخوة الوطن ادعاء لولاء مزيف يقولون كذبًا إنه لله وتعاليمه!

وعندما وقعت أولى ظواهر ما أسموه بالفتنة الطائفية في أوائل السبعينيات التي عرفت وقتها باسم أحداث الزاوية الحمراء، دقت أصوات وطنية مشفقة ناقوس الخطر، معلنة أن ما حدث غريب على الروح المصرية الأصيلة التي لم تعرف التعصب يومًا منذ أن كان المصريون يعبدون آلهة متعددة، ويحترم كل إقليم معبودات الأقاليم الأخرى، بل ويتشاركون في الاحتفالات، ولم تعرف مصر التعصب بأي من أشكاله إلا في عصور الانحطاط، عندما حكمها من استطاعوا في غفلة من الزمن تولي أمرها وهم لا يستطيعون مجاراة ثقافة أهلها وتحضرهم. ثم توالت الأحداث بعدما أدمنت الحكومات المتعاقبة اللعب بالنار، في كل مرة تشعر باحتدام غضب الناس من سياساتها وفسادها، تشعل فتنة تلهيهم وتصرف أنظارهم عن فسادها وقراراتها المدمرة للوطن.

وكنا جميعا، مسلمين ومسيحيين، نردد في كل مرة أن مثل هذه التصرفات لايمكن أن تصدر عن مصريين حقيقيين، وإنما هي بفعل أصابع من الخارج ـ صهيونية غالبا ـ تحرك عملاء جهلة ومجرمين في الداخل لا يعنيهم أن تتمزق البلاد وينشق الصف الواحد. ومع وجاهة الرأي وصحته أيضًا، إلا أن الأحداث المتوالية تكشف أنه ليس سببًا وحيدًا. فمع تردي أحوال مصر بسبب فساد حكامها الذين صار ولاءهم لأولياء نعمتهم خارج الحدود، ومع اضطرار شباب المصريين للنزوح شرقًا بحثا عن لقمة عيش لدى مجتمعات هبطت عليها ثروات فجأة فصارت بحاجة لمن يساعد في بناء مجتمعات حديثة، بدأ تغير مخيف يعتري عقول بعض من سافروا وعادوا بأموال النفط وقدرًا من ثقافته التي استقوها من "شيوخ" بلاد الأشقاء. ولما كان لقب "شيخ" يحمل في مصر مدلولاً دينيا، صار لدى شبابنا الذي هجر بلاده للمرة الأولى استعدادا نفسيًا لتقبل آراء أي "شيخ"، غير مدركين في أول الأمر أن هذا اللقب لديهم إنما يحمل مدلولا اجتماعيا يدل على الوجاهة وليس على التبحر في الدين.

ولا شك أن بعض هذه الأفكار التي لا تنتسب في الحقيقة لأي دين بقدر ما ترجع إلى عادات وتقاليد شعوب تأصلت لديهم من قبل ظهور الإسلام، لقيت هوى عند بعض متلقيها من شبابنا لأنها غازلت نزوعًا متخلفًا لديهم يعلي من شأن الذكر على حساب الأنثى بصرف النظر عن التمايز الفكري أو الثقافي أو العلمي، ويعلي من شأن من يمتلك المال على حساب من يمتلك العلم أو الثقافة. فصار البعض منهم يشعر بتميزه على أقرانه وأقربائه في الوطن بسبب الأموال التي عاد بها ومكنته من امتلاك بيت وسيارة بينما يعاني أبناء محيطه ـ ومنهم من يتفوقون عليه علميا وفكريا ـ شظف العيش في ظل حكومات فاسدة أضاعت ثروات البلاد كما أضاعت هيبة مواطنيها وكرامتهم. فلم يكن غريبًا أن يسعى هذا "البعض" إلى تقمص ثقافات المجتمعات التي منحتهم فرصة الصعود الاجتماعي، بل ويحاولون فرضها على أقاربهم في الوطن بحجة أنها تمثل الدين الصحيح.

والمفزع أن العدوى انتقلت إلى حصن الاعتدال الديني؛ الأزهر الشريف نفسه، الذي صار بعض أساتذته يتوقون إلى فرصة الحصول على إعارة بمرتب مجز في بلاد الأشقاء، فكان لا بد أن يتبنوا ثقافات مجتمعاتهم ويظهروا تشبثا بآراء "علمائهم" التي تعلي من شأن النقل على العقل؛ بداية من دوران الشمس حول الأرض، وحتى رضاع الكبير والتبرك ببول الرسول.
وهكذا لم يعد الأمر مقصورًا على أصابع أجنبية تعبث بأمن الوطن وتثير الفتنة بين أبنائه، وإنما تطور إلى ثقافة متعصبة مفعمة بالكراهية أخذت تنتشر انتشارًا سرطانيًا في صدور البسطاء والجهلاء تغذيها جهات تنفق بسخاء على سلب مصر أعز ما تملك وهو ثقافتها وتراثها الحضاري بما يحمله من تسامح واستنارة وحب لكل ماهو جميل، وراق.
ولما كانت حكومتنا ـ حماها الله مشغولة للغاية بتبديد ما تبقى من ثروة البلاد وتوزيع أكبر قدر منها على المحاسيب في الخارج والداخل، وآخر ما يهمها هو أمن شعبها وسلامته، فلم يكن مستغربًا أن تتغافل عن التغلغل السرطاني لهذه الأفكار إلى وسائل الإعلام و منابر المساجد، لتصل إلى جلسات الأصدقاء وحواراتهم في المقاهي وفي البيوت.
وهكذا، لم يعد مجديًا تعليق كوارث الاحتقان الطائفي على "شماعة" المؤامرة الخارجية وحدها. فإن كانت هذه المؤامرة نجحت في بذر البذرة، إلا أنها وجدت أرضًا خصبة لاحتضانها ومناخًا مواتيًا لنموها وتكاثرها، تواطأ على إعداده حكومات انشغلت بأطماعها وفسادها واستغلت مناخ الفتنة للتعمية على مصائبها، وعناصر داخلية تعمل ـ عن جهل أو عن غرض ولحساب مؤسسات تدفع بسخاء ـ من أجل إحلال ثقافات ظلامية ومتعصبة محل ثقافة مصر وحضارتها، نجحت حتى الآن في إيقاع الكثيرين بالفعل في حبائلها.
لقد آن الأوان أن ننتبه جميعا إلى خطورة هذا الوضع الذي لم يعد يجدي معه أي محاولة لتجاهله، وأن يعلم الجميع أن كعب أخيل مصر ومقتلها ـ لاقدر الله ـ لا يكمن في الجوع، لأن المصريين جبلوا على التكافل فيما بينهم، وإنما في تشويه ثقافتها وسلبها روح التعددية السمح التي مكنتها من الاستمرار آلاف السنين واستيعابها كل الحضارات والثقافات التي مرت بها دون أن تفقد روحها الأصيلة.
ولتكن البداية دعوة لإقامة جنازة عسكرية وشعبية مهيبة لشهداء عيد الميلاد المجيد نؤكد احترام الدولة لمواطنيها ورفضها محاولات التفرقة بينهم، وتنظيم وقفات احتجاجية لرفض دعاة الفتنة والدفاع عن وحدة الصف بصورة حقيقية تلقم المتعصبين حجرا، ووقف أي برامج تليفزيونية أو صحف تنشر أفكارا تزدري أيا من عقائد أبناء الوطن الواحد وانتماءاتهم، والتأكيد على أن إعلام الدولة يملكه جميع أبناء الوطن بمختلف منابعهم الفكرية والدينية. وعزل أي مدرس يلقن تلاميذه كراهية أشقائهم في الوطن.



#إكرام_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات مصرية غير كروية
- العربة والحصان.. أو فقه الأولويات 2-2
- العربة والحصان.. أو فقه الأولويات 1-2
- مصداقية البديل.. أعز ما تملك
- إلا أزهار البساتين!
- احذروا.. إنهم يحرفون البوصلة! مسميات ثورية بنكهة المارينز
- انتبهوا.. إنهم يسرقون الحلم!
- هلوسات.. بمناسبة يوم المرأة
- أزمة .. وتعدي 22
- أزمة .. وتعدي 1-2
- صعوبة ألا تكون سوى نفسك!
- المشتومون في الأرض!
- غزة قبل عشرة أعوام 2-2..البديل الثالث
- لا وقت للمزايدة.. الكل مدان
- قبل البكاء على لبن يسكب
- الآن، وليس غدا
- المثقف المخملي .. وأولاد الشوارع
- -الباشا-.. عريس
- سلمت يمينك يا فتى!
- سلمت يمينك يافتى!


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - جنازة عسكرية لشهداء العيد