أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فاطمة ناعوت - التخلُّص من آدم














المزيد.....

التخلُّص من آدم


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2797 - 2009 / 10 / 12 - 18:50
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


هذا كتابٌ عنصريّ. ولئن تكن العنصريةُ مذمومةً فلسفيًّا وعقائديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، فإن لها بعضُ الشرعية حالَ الكلام عن الأدب والفن. بل لعلّني أتجاوز وأقول إن الفنَّ في جوهره العميق قائمٌ على العنصرية، وإن لم نتهمه بذلك صراحةً في محكمة الأخلاق. فلم يتهم أحدٌ رينوار بالعنصرية لأنه قَصَرَ عصارةَ ريشته على أجساد النساء الممتلئات البضّات، ولا أحدٌ رمى مودلياني بها حين تخصص في رسم وجوه النساء، حتى وإن انتزع منهن عيونهن، وكذلك نجيب محفوظ لم نره عنصريًّا لأن الحارةَ الشعبيةَ المصرية كانت بطلَ رواياته الأوحد. الفنُّ إن لم يكن عنصريًّا غدا حياديًّا باهتًا لا طعمَ له مثل الماء الفاتر. ثمة خيطٌ من العنصرية واللا حياد ضروريٌّ في نسيج الفنّ، خليقٌ له أن يحقق الصدمةَ اللاذعة التي تجعل منه أدبًا أو فنُّا أو موسيقى أو قطعةً نحتية مائزة.
وصلني هذا الكتاب "العنصري" بالبريد، ممهورًا بإهداء موقّع بأسماء أربع نساء: نعمة ناصر، فاطمة هميسة، دينا يسري، ريهام زينهم، هن مؤلفات متن الكتاب "التخلّص من آدم"- خواطرُ نسائيةٌ جدًّا، الصادر مؤخرًا عن دار "أكتبْ" المصرية، وكتبتْ له مقدمةً قصيرة امرأةٌ خامسة هي عبير سليمان. يضم الكتاب قصصًا ونصوصًا مفتوحة وقصائدَ نثريةً وخواطر. والكتاب غُفلٌ من نبذات عن المؤلفات أو سير ذاتية لهن؛ ولذا يحقُّ لنا أن نظن أنهن فتياتٌ صغيراتٌ، أو شابّاتٌ يافعات، أو نسوةٌ ناضجاتٌ، أو كهلاتٌ أو طاعناتٌ في العمر. كلُّ قارئ سيضع لكل كاتبة منهن تصوّرًا يستخلصه من روح كتابتها وكلماتها ومدى امتلاكها أدواتها الوجودية والتعبيرية واللغوية. على أنني لم أرمِ الكتابَ بالعنصرية لأن مؤلفاتِه جميعَهن نساءُ، ولا حتى لأن العنوان يشي بإقصاء الرجل "آدم" من الحياة، أو حتى تصفيته، لصالح بقاء جنس المرأة، كما فعل كاواباتا في "بيت الجميلات النائمات" مثلا، بل جاءت عنصريتُه بعكس ما وشى العنوان. هذا كتابٌ عنصريٌّ لصالح "الرجل" وحده، وليس لصالح المرأة كما حاول العنوانُ أن يوهمنا، وكذا الغلافُ الذي شطرتْ فيه رصاصةُ مسدس كارتَ الورق الحامل صورة الملك: "الرجل" . فالرجلُ موجودٌ بكامل ثِقله وبطريركيته في أذهان أولئك النسوة الأربع، حتى بات حلمُ التخلّص منه لونًا من الحَّج إليه والتعبّد في محرابه! وهنا، لم أندهش حين صدّرتِ الكاتباتُ كتابَهن بمقولة "رجل"؛ هو أبو الحيّان التوحيديّ: "القلبُ ذهنٌ يحومُ حول معنى مستحيل."
تقول عبير سليمان في مقدمتها: "الكاتبات الأربع أحببن بشدّة، وكرهن من فرط الحب. لأن حبّهن كلفهن الكثير الكثير وأرهقهن فتمنين لو يتعذب مَن أحببن بمثل عذاباتهن. تمنت كل واحدة منهن أن يحترق مَن تحب ويمد يده لها لتنقذه. تمنت أن يكون على شفا الموت ويناديها وحدها. تمنت لو يعبدها وهي تتمنع عليه. إن مثل هذه العذابات جعلت مخيلتهن تموج بصور العداوة والانتقام والقتل والكراهية المعلنة، ذلك لأنهن أحببن جدًّا فكان حبهن قاسيًا ولاذعًا في نفور وبغض بقدر ما فيه من عشق. إنها لعنة الحب."
وبعيدًا عن الإدانة الأخلاقية التي يمكن أن نصبَّها على تلك الكلمات، لأن الفنَّ ليس عليه بالضرورة أن يمرَّ من بوابة الأخلاق، وحتى بعيدًا عن هنات اللغة المفرطة التي كانت تستوجب أن يمرَّ هذا الكتاب الجميل على محرّرٍ لغوي لكي يخرج كما يليق به، إلا أننا، بعدما نقرأ نصوص تلك الفتيات، لن نجد كراهيةً ولا عداوةً ولا رغبة في الانتقام أو القتل، لن نجد إلا عشقًا صافيًا وتدلّهًا مفرطًا في الحب، حتى في لحظات مراودة الانتقام والقتل والتعذيب، الذي تودُّ البنت إذاقتَه لحبيبها الرجل.
تقول ريهام زينهم، في القصة التي تحمل عنوان الكتاب: "غدًا يومٌ آخر، يعيدني لأكتب إليك من جديد، عن الطرق المشروعة لقتلك." ثم تستعرضُ مزايا وعيوب بعض أدوات القتل المعروفة من رصاص، إلى أنشوطة خنق، حتى تقرّر في الأخير أن تتبنى أسلوبَ انتحار كليوباترا فتقتل حبيبها بسم الأفعى. لنكتشف أن الرغبة في الانتقام من الحبيب قادتها إلى منتهى العشق الأسطوريّ، ذاك الذي خلدته حكاية كليوباترا وأنطونيو. وتقول دينا يسري: "دونك، هي نصفُ امرأة ترقد في زاوية مهملة من الليل، وتسألني عنكَ في وهنٍ...، وقبلَ أن تعودَ حبرًا على ورق ورماد ذكرى، تُرسلُ لها قبلةً أخيرة، عبر الهواء وبخيبة واضحة توليها ظهرك، تاركًا إياها في حالة غضب." وتقول نعمة ناصر: "سيدي وحبيبي، ضياعي لديك، برغم كونه غايتي، إلا أنه محيط ألمي، عشقي الأبدي،" أما فاطمة هميسة فتقول: "أستيقظ كل صباح بذات النشوة التي أحسستها عندما كنتَ معي. ألامسُ وسادتك بدفء، برفق، أبحث عن بضع شعرات قد تناثرت منكَ عليها."
وهكذا خرج الكتابُ الذي اِفتُرِضَ له، عبر عنوانه كعتبةٍ أولى للنصّ، أن يخرج كبيان ضدٍّ للرجل، بيان تصفية وإقصاء وقتل، لم يكن إلا وثيقةَ اعترافٍ بالعشق والتدلّه في ساحة الحبيب: "الرجل"، ليس إلا قربانًا تقدمه النساءُ على مذبح الرجل، واعترافًا أبديًّا بديمومة حاجتها إليه. اللهم إلا إذا تحليّنا ببعض السماحة النقدية وسعة الأفق التي تجعلنا نفكّر أنه لونٌ من التطهر الأرسطيّ من عشق الرجل؛ عن طريق جلد الذات بمزيد من سياط العشق له. تمامًا مثلما يفعلُ المَصْلُ الطبيُّ بحقن المريض ببذور من خلايا المرض، لكي تفرزَ خلايا المريض مقاوماتٍ طبيعيةً للمرض، من لدن الجسم البشري ذاته. - جريدة "الحياة" اللندنية 12/10/2009








#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلال فضل، وزلعةُ المِشّ
- الثالثُ -غير- المرفوع
- كريستينا التي نسيتُ أنْ أقبّلَها
- أعِرْني عينيكَ لأرى العالمَ أجملَ
- أنا عيناك أيها الكهلُ
- التردّد يا عزيزي أيْبَك!
- قطارُ الوجعِ الجميل
- بوابةُ العَدَم
- الشَّحّاذ
- الإناءُ المصدوع
- الملاكُ يهبطُ في برلين
- ناعوت: الإبداع العربي الراهن فرسٌ جموح والحركة النقديّة عربة ...
- تحيةٌ للشيخ طنطاوي
- بالأمس فقدتُ مَلاكيَ الحارسَ
- مينا ساويرس، موحِّد القطرين!
- شوارعُ تُغنِّي بالفرح
- ذاك الذي غبارٌ عليه
- القتل صعب يا هنادي!
- يا صغيرتي، ليس كلُّ فأرٍ -جيري-
- أنا في طبلة المسحراتي!


المزيد.....




- السعودية.. فيديو دموع امرأة مغربية في الحرم ردا على سؤال يثي ...
- شاهد..امرأة في مصر تؤدي دور المسحراتي خلال رمضان وتجوب شوارع ...
- السعودية تترأس لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة والإعل ...
- صلة رحم.. معالجة درامية إنسانية لقضايا النساء
- السعودية تترأس لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة رغم ان ...
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام السجينات في مراسم خميس العهد ...
- السعودية رئيسا للجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة عام 2025
- انتخاب السعودية لرئاسة لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة وسط ...
- -اكتشاف هام- يمنح الأمل للنساء المصابات بـ-جين أنجلينا جولي- ...
- ما حقيقة مشاركة السعودية في مسابقة ملكة جمال الكون بالمكسيك ...


المزيد.....

- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع
- النسوية.المفاهيم، التحديات، الحلول.. / طلال الحريري
- واقع عمل اللمراة الحالي في سوق العمل الفلسطيني الرسمي وغير ا ... / سلامه ابو زعيتر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فاطمة ناعوت - التخلُّص من آدم