أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نقولا الزهر - مداخلة حول الإصلاح والتصليح















المزيد.....

مداخلة حول الإصلاح والتصليح


نقولا الزهر

الحوار المتمدن-العدد: 793 - 2004 / 4 / 3 - 08:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الصلاح والإصلاح والتصالح لغةً هي النقيض للفساد والإفساد والتفاسد(لسان العرب). وفي اللغات الأوربية اللاتينية والأنكلوسكسونية والسلافية، يعبر عن مفهوم الإصلاح، بكلمة (Reform=reforming)، التي تعني إعادة التشكيل، المختلفة في معناها تماماً عن مفهوم التصليح (Reparation) الذي يحيل في استعماله التاريخي إلى تبديل بعض الأجزاء وإجراء بعض التحسينات السطحية والمؤقتة في شيء ما.
وإعادة تشكيل الأشياء المكونة لبنية أو وحدة ما، في الحقيقة لا يتناول تغيير مظهرها وصورتها الخارجية أو استبدال بعض أجزائها، إنما يتطلب الأمر إعادة الهيكلة لعلاقاتها الداخلية. فنحن إذن بصدد تغيير العلاقات بين الأشياء أكثر من تغيير الأشياء ذاتها. فالإصلاح البروتستانتي على سبيل المثال في القرن السادس عشر في أوربا لم يغير في النصوص، إنما غَيَّر في صلبِ العلاقات التي كانت قائمة بين الكنيسة ورعاياها، وكذلك العلاقات بين الكنيسة والدولة، ولقد انسحب تأثير هذا الإصلاح خارج إطاره الديني ليؤثر على مجمل علاقات البنية الاجتماعية، وجعل الكثير من المفكرين لهذا الإصلاح دوراً رئيساً في إقلاع النظام الرأسمالي؛ وقد اعتبره (فريدريك انجلز) بالنسبة إلى أوربا أهم من نشيد المارسيلييز.
في الواقع ما غيَّر أوربا وحدَّثها إصلاحان تاريخيان: الإصلاح الديني الذي أعاد تشكيل العلاقة بين الدين وكلٍ من الدولة والمدرسة، والإصلاح التاريخي الآخر الذي قامت به الرأسمالية في غرب أوربا هو الإصلاح الزراعي الذي ابتدأ منذ القرن السادس عشر والذي أدى إلى تغيير علاقات الملكية الزراعية الإقطاعية. وقد اختلف هذا الأخير تماماً عن الإصلاحات الزراعية التي قام بها محمود الثاني في عهد السلطنة العثمانية أو التي قامت فيما بعد في روسيا وبلدان أوربا الشرقية والأنظمة الشمولية في عالمنا العربي.
إن مفهوم التطور والتطوير{ من الطور} لا يحمل في طياته الكثيرَ من مفهوم الإصلاح كنقيضٍ للفساد وكإعادة للتشكيل، فالتطوير يبقى حاملاً معنى التغير الزمني أكثر مما يحيل إلى التحسين والتحديث والتقدم؛ ففي كثير من الأحيان تتوالى أطوار الزمان وحقبه ولا تتغير الأحوال الاجتماعية وقد تبقى قرون في(الاستنقاع) وبطبيعة الحال هذا يعني النكوص إلى الخلف(الانحطاط). ففي العالم العربي، العقود الأربعة الماضية أو بالأحرى الأطوار الأربعة الماضية كانت مرحلة استنقاع وتخلف ونكوص وانحطاط على كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية بالرغم من دخول كل وسائل الحضارة الحديثة من السيارات الفارهة والفنادق الفخمة والحاسوب والأنترنت والهاتف المحمول. فالتخلف الهائل كان على مستوى العلاقات بين الفرد والدولة، بين الدين والدولة، بين مؤسسات المجتمع المدني والدولة، وأخيراَ بين الفرد والفرد. فالأزمة أزمة علاقات أولاً وأخيراً. أزمة حقوق وقوانين وأزمة إقامة الفصول بين الأشياء. ففي العقود الأربعة الماضية كان الزمن يتطور من طور إلى طور ولكن الأحوال تتراجع من نكوصٍ إلى نكوص آخر.
************
طبعاً في كل بنية اجتماعية تحافظ بعض الأفكار والمفاهيم على صلاحيتها، ولكن هنالك الكثير من الأشياء التي تنتفي صلاحيتها واستمراريتها؛ فالإصلاح إذا كان لا ينفي كل الماضي لكنه ينفي جزءاً كبيراً منه.
وقبل أن يكون الإصلاح ممارسةً في المجال السياسي يبدأ بمعركة فكرية تستهدف نقد الواقع للبدء بتغييره نحو الأفضل، ودون هذا الجدل الفكري يغرق في متاهة التجريبية والفوضى وتفاقم الفساد القائم. فالإصلاح التجريبي، غير المستند إلى مقدمات فكرية وسياسية يبقى يعاني من عمى الألوان وينتهي إلى الفشل.
وفي سياق الكلام عن الإصلاح لابد من الكلام على مقولة (الهدم والهدامين). هنالك أنواع من الهدم؛ هدم من أجل إعادة البناء والتغيير التقدمي والتحديثي، وهدم من أجل النكوص واستعادة بناء الماضي، والهدم الثالث هو التمسك بالاستمرار على إعادة إنتاج الراهن الذي هو في مظهره وصورته لا يتكلم علىالهدم، لكنه في مضمونه وأبعاده يحيل إلى العجز وافتقاد القدرة على التحديث والوصول إلى عدم الصلاحية والموت(الانهدام الذاتي). هذه الصورة هي آخر أشكال العالم العربي الحاضرة أمامنا الآن. بهذا الشكل يمكن تلمس الشيء الموضوعي والتقدمي في مقولة الهدم التي يحملها الإصلاح بين طياته؛ وبهذا الشكل لا تبقى مقولة الهدم فقط تهمةً توجه لدعاة الإصلاح. فموضوعياً لا يمكن تصور أي إصلاحٍ دون شيءٍ من الهدم و إلا أصبح ترقيعا. وفي هذا السياق، ذهب البعض من الذين يدافعون عن بقاء الراهن وتأبيده (بدافع الحفاظ على مصالحهم) يلتف على مفهوم الإصلاح ويعرِّفه على أنه (بناء على بناء)؛ لكن هذا الالتفاف الإيديولوجي سرعان ما أفلس لاصطدامه بمنطق الواقع وتاريخيته. لأن الإصلاح الذي يقتصر على ترميم الصورة الخارجية يحيل إلى التصليح الآني والمؤقت، فالطين الجديد لا يوضع بحسب تراث البنائين على الطين القديم لأنه لا يعلَق به وسرعان ما يتساقط!!!
طبعاً هذا لا يعني أن الإصلاح أو إعادة التشكيل ينسفَ كل القديم ويهدمه، فإلى جانب القديم الرثِ والمهترئ، هنالك ما هو قديم/جديد يحوي في داخله راهنيته ومستقبليته، وفي آن هنالك ما هو حديث/أسوأ من بعض القديم، ولكن الجدل والتنافي بين ما هو قديم وجديد لا يتم عبر صراعاتٍ داحسية بين أنصار القديم وأنصار الجديد، بين السلطة الحاكمة ومعارضيها، بل في الاعتراف بموضوعية هذا التناقض ومشروعية الخلاف والحوار والتعايش والاعتراف بالآخر(التصالح على الاختلاف).
وهنالك مسألة أخرى تتعلق بمفهوم الإصلاح في بنية اجتماعية ما، وهي تأثره بعوامل الداخل والخارج التي يدور السجال حولها حامياً في هذه الأيام. في رأينا أن الإصلاح أي إصلاح يعبر في الأساس عن حاجةٍ داخلية وجوانية عميقة في أي مجتمع، ولكن هذا الداخل أي داخل لا يعيش خارج التاريخ وهو موضوعياً ليس بمعزلٍ على الإطلاق عن خارجٍ يؤثر فيه موضوعياً. وتأثير الخارج يتناسب مع جدل تفاضل تناقضات الداخل وتفاضل تناقضات الخارج. هذا التفاضل بين القوى الخارجية والداخلية لا يمكن تغييره بمقولة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخيل..) وإنما يتعلق الأمر بقدرة هذا الداخل على الإصلاح وإعادة التشكيل في العلاقات السياسية والاجتماعية وطبعاً القدرة على إصلاح الفكر بما فيه الفكر الديني.
دمشق/26/3/2004



#نقولا_الزهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صور متقاطعة من شرقِ المتوسط
- ليلة أحلام وثلوج وشموع في البرج السادس
- أبوسلمى
- لجوء الموتى - قصة قصيرة جداً -
- رسالة إلى أمي
- فنجان القهوة -قصة قصيرة جداً-
- أبو شمعة - قصة قصيرة جداً
- مصلحة كل التنويعة العراقية في دولة قائمة على الوِفاق والمواط ...
- رسالةإلى وردةٍ بيضاءْ
- ساحة ...في عاصمةٍ مملوكية
- مداخلة في مفهوم الفصل


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نقولا الزهر - مداخلة حول الإصلاح والتصليح