أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سميرة الوردي - تباً لكم ولما فعلتم في الدورة !














المزيد.....

تباً لكم ولما فعلتم في الدورة !


سميرة الوردي

الحوار المتمدن-العدد: 2502 - 2008 / 12 / 21 - 08:38
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


تبا لكم ولما فعلتموه في العراق وفي الدورة ، تلك المدينة الجميلة الرابضة على ضفاف دجلة ، تلك المدينة التي وجد فيها فقراء بغداد ومتوسطي دخلها ، مسكنا آمنا لهم عشرات السنين ، تلك المدينة التي امتازت عن مدن كثيرة بخيرات أرضها وطيب ناسها بالرغم من عهد الإستبداد والتسلط .
ما أن تقطع العاصمة بغداد ، خارجا من أحيائها الثرية كالمنصور والحارثية واليرموك ، وصولا للعامرية ، متجاوزا أحياءً داخليةً كثيرة سكنها اناس من أنحاء بغداد والعراق ، حتى تصل لتلك الأرض التي استدارت بدورة نهر دجلة ، لتدخل مدينة البترول والنخيل .
إنها الدورةالتي تضج أسواقها ومدارسها ومساجدها وكنائسها بشتى الناس من كل أطياف الشعب العراقي ، وأنت في الدورة وبالرغم من ظروف القهر وسنينه الطوال تشعر أنك بين أهلك وناسك ومحبيك ، فالسنة كلها أعياد يشترك فيها الجميع ، دون النظر للدين والطائفة والمذهب والعرق ، توحدهم أعيادهم وطيب نفوسهم ، تلك المدينة المقدسة بمآذنها وكنائسها ، تشم عبير التاريخ والحضارة في دروبها ، تنمو فيها أشجار النخيل والتوت والنبق دون عناء لتصبح زادا لأطفال الدورة أيام الحصار .
ما جرى في العراق لم يُعرف منه الا النزر القليل و هذا القليل يكفي ليدمر ويقضي على أجمل الشباب وأحن الناس من أهل الدورة .
للدورة قصص طويلة مع الموت ، منذ بدء حرب البوابة الشرقية المشؤومة ولحد الأمس القريب ، فالصواريخ القادمة من ايران كانت تجد مسارها على أحياء الدورة وناسها المدنيين ، مبتعدة عن المصفى المستهدف بالقصف ، لحمايته بشبكة لا يمكن اختراقها ، فلم يكن هناك حي من أحياها الكثار لم يتلق حصته من الموت أثناء السنوات الثمان ولم يُعفَ مرفق ديني أو صحي أو تعليمي من نصيبه من الموت الجماعي والمجاني ، وأبرز شاهد على ذلك ، مأساة مدرسة بلاط الشهداء الإبتدائية ، فأصبحت صلاة الدورة هي الصلاة المقامة على الشهداء القادمين من جبهة القتال والشهداء الجالسين على رحلات العلم .
عندما كان يكتب الأهل أن الدورة أصبحت مقبرة بعد التحرير بعامين تقريبا لكل سكانها ، وأن هناك أُناس أغراب يسكنونها استهجنا قولهم ولكن الرائي ليس كالسامع ، بالأمس أدركت عمق الجريمة التي ارتكبت في الدورة فبرنامج ( صناعة الموت ) كان مخصصا لما حدث في الدورة من تقتيل واغتصاب واستباحة لكل المقدسات تحت راية الإسلام وتلك الأناشيد التي انحرفت عن غاياتها الإنسانية فتستبيح أرواح الناس وتقتل انسانيتهم لترميهم جثثا في النهر وفي الطرقات .
عشرون عاما وأنا بين أجمل شباب وشابات الدورة أتنقل من مدرسة لأخرى أتعرف فيها على أنبه الطلاب وأكثرهم حبا للعلم والمعرفة ، يشدوني لهم بفتوتهم وطموحهم ، وأشدهم للعلم والأدب ولما تمنحه المعرفة من حكمة ورؤية وأمل لمستقبلهم ومستقبل بلادهم ، يشدني وميض عيونهم لأبيات شعر ينشدونها أو لقول مأثور اعجبهم أو لمسألة علمية عصت عليهم ، تشدني عيونهم الذكية بنظراتهم الموعودة بمستقبل زاهر وحياة تخلو من هموم الحرب وما اغتصبته من اخوة وأباء وزملاء في أعمارهم ، رغم قساوة سنوات الحرب فقد كان الناس نسيجا واحدا .
بالأمس كانت الدورة مدينةً للأشباح ، فقد اغتصبها الإرهابيون الذين آلفوا الجحور والمخابئ واستطعموا رائحة البارود والدم والنار ، ولم يتركوا حياتا تُذكر من تلك المدينة الشهيدة . إنه ليل طويل وطويل جدا عليكم يازهرات العراق ونبعه ويامن تركتكم والأحلام ترقد بين جفونكم ، من منكم أرعبته الأيادي السوداء ؟!، من منكم نجا ؟!، أين أنت يا أحمد ويا علي وياعبد الوهاب وياعمر ويا مرتضى ؟ !، أين أنت يابتول يا فاتنة الحي ؟ ! ويا أوراس ويا فاطمة وياعائشة ويا قيثارة وياوهران ، وسحر ؟!، ويا جيفارا الذي فاجأتني ذات يوم أنك ستتخرج بعد سنتين مهندسا، أين أنتم يامن أعدادكم تربو على الآلاف يامن كنتم تفرحون برؤيتي وتُسعدوني بأخباركم المملوءة بالأمل ، وبأنكم ستنالون ثمرة أتعابكم وسهركم وصبركم وتحملكم لتلك الليالي من الشقاء والرعب . وما أن انتهت الحرب حتى نَمَت آمالكم من جديد ، ونفضتُم غبار الموت ، ولم تعلموا أن موتا أكبر قادم من وراء الحدود ليشرب دماءكم بدم بارد ولينمو سرطانا في بلدتكم الجميلة الوادعة في أحضان دجلة .



#سميرة_الوردي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قلبي معك وعقلي ضدك يا منتظر
- هل نكتب ما شاهدناه أم نشاهد ما نكتبه ؟
- متى نعتزُ بالجمال !
- لماذا الموت ؟
- بذور الحنظل
- سميرة الوردي تهنئ وتقول الأسود في البيت الأبيض
- أنا وولدي والوطن بين ... سيغموند فرويد ... وعلي الوردي
- الفن والحرية ... شعب في الإغتراب و شعب تحت التراب
- جواب
- القرضاوي وميكي ماوس
- ليلى والذئب وحكايات أُخرى
- جدلية الموت والحياة وغبارالحق الإلهي
- أحاديث منتصف النهار
- لماذا البكاء
- عينان خضراوان
- بين أوباما وماكين
- مسرح اليوم أو مسرح الستين كرسيا
- ! لماذا التشظي ؟
- التربية والتعليم والعقل
- أنموت بصمت !


المزيد.....




- السعودية.. مكتب محمد بن سلمان ينشر فيديو على قارب وينعى بدر ...
- السعودية تقتص من الغامدي بقضية وفاة شعيب متأثرا بطعنة آلة حا ...
- ماكرون يواصل -غموضه الاستراتيجي- تجاه روسيا
- أميت شاه: استراتيجي هادئ، يخشاه الجميع، وكان وراء صعود مودي ...
- عالم روسي يتحدث عن تأثير التوهج الشمسي
- مركبة كيوريوسيتي تكتشف ماضيا شبيها بالأرض على الكوكب الأحمر ...
- أسباب الرغبة الشديدة في تناول الجعة
- أيهما أسوأ، أكاذيب إسرائيل بشأن غزة أم الداعمين الغربيين لتل ...
- البيت الأبيض يعترف بأن المساعدات الأمريكية لن تغير الوضع في ...
- تقارير: لا اتفاق حتى الآن في مفاوضات القاهرة بشأن غزة والمنا ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سميرة الوردي - تباً لكم ولما فعلتم في الدورة !