أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - بعل الغجريّة..(رواية)6















المزيد.....



بعل الغجريّة..(رواية)6


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2478 - 2008 / 11 / 27 - 08:10
المحور: الادب والفن
    


***
تآلفنا أنا والبنت الصغيرة،صرنا نلتقي كل يوم،مرتان،صباحاً ومساء،أنا أذهب إليها،أذهب،يدفعني هاجس ما،تدفعني رغبة لا ترحم،الرغبة تدفعني،وأنا أدفع العربة،إليها اذهب،هناك في تلك الرقعة المهملة،هناك فقط البراءة،الفطرة،الحب،هناك فقط،العالم ينشغل بالتصدع السياسي،بالتصدع الإجتماعي،بالتصدع الأخلاقي،فقط هناك في الرقعة المهملة،ناس تقيم حضارتها الكونية،تقيم إحتفالات في عالم يتناحر،أذهب،بل أقولها بصراحة،أقولها من غير لف أو دوران،مذ أقلقني الهاجس،هاجس الحمّى الغريبة في جسدي،قررت أن أدفع مهنة الجد العاشر(الحمالة)وراء ظهري،مهنة الجد والأب،كرهت أن أنضوي تحت مسميات(نهبية)أكثر مما هي مسميات نفعية،كرهت التجمعات والنقّابات،تركت زبائني،قلت مع نفسي،خرج جدي من مهنة وأقتحم مهنة فتحت له آفاق الدنيا،أنا أريد أن أحذو حذو جدي،أريد برنامجاً حداثياً جديداً،التجديد مطلب دنيوي،ليس مطلب كل فرد طبعاً،أيها الولد الكاتب،ليس كل إنسان له مخ كبير،أو شهادة تعليمية نادرة له مطلب التجديد،صفة البشر التقليد،كل جيل يمشي على خطى الجيل الذي سبقه،الناس تقلد بعضها،امرأة تلبس ثوباً جديداً نساء الزقاق يقلدنها،فتاة تقص شعرها تظهر في شاشة التلفاز،بناتنا يقلدن قصتها وتسريحتها،أمخاخنا متحجرة،أمخاخنا لا تفكر،لا تنفلت من سكك الروتين والكسل،على المخ أن يجلس في حضرة التفكير،أن يحاول قراءة الظواهر الحاضرة ومحاولة إكتشاف ما ينفع ويفيد الآخرين،ليس كل فرد،ليس كل شخص يتمكن أن يجدد،فقط أصحاب الأحلام الواسعة،أصحاب الجرأة الكبيرة،الجرأة والحلم يدفعان المرء صوب تجريب حظه فيغامر،هناك تتوفر فرص التجديد،فرص دافعة لزخم الحياة،لذلك وجدت نفسي في حالة جديدة،رغبة وجرأة،أريد تبديل مهنتي،تدارست الأمر،ناقشت القضية الحاسمة مع نفسي،تحوطت من كل جانب،جانب المفاجئات وعواقب الأمور،أنا لست مثل جدي،هو قتل وتخلّص من عارض سبيله،أنا ليس بوسعي قتل ذبابة تطن في وجهي،حتى البعوض القارص،أتركه يأخذ ما يشتهي من دم من سحنتي،أقول للبعوض،أقول للذباب،دمي فقير،خالي من البروتينات والفايتامينات،أقول وقت جدي ليس وقتي،زمان يختلف عن زمان،وقته وقت،وقتي وقت آخر،زماني زمان وزمانه زمان،ناقشت الأمر مع نفسي هل بوسعي قتل من يريد أن يسرق مني زوجتي،فعل جدي ذلك مرتين،هل بأمكاني أن أستل مدية،ثم أنا لا أحبذ المدية،اكرهها،المدية آلة غدر وخيانة،يؤرقني رؤيتها،سمعت أن هناك شعوباً تتباهى بالمدية،رجل بلا مدية،رجل عقيم،لا رجولة له،لا أحد يعطيه امرأة،مختصر مفيد أيها الكاتب،من لا مدية له لا حيلة له ولا قوّة،تلك هي فلسفة شعوب تجد المدية رمز عزتها وكرامتها،لكل شعب إنبعاجة تاريخية مهولة،شعوب تحب الشوارب الطويلة،شعوب تتباهى باللحى،شعوب تلبس القبعات،شعوب جديدة تفكر بالعودة إلى الحياة الأولى،أعني حياة الكهوف والغابات،بدأت تؤسس جمعيات كي تجد لنفسها مكان بعيد،خالي من أتكيت الحياة،لا كهرباء ولا ماء قادم بالتقطير المكلف عبر الأنابيب،حياة عارية تماماً،يتغذون على الأعشاب والفواكه،ويعملون النيران بتقديح حجر على حجر،يتعايشون عراة في غابات وأمكنة نائية عن أورام الحياة،فلا تستغرب من شعوب تابعة لنا،الكبار والصغار،يتسلحون بالمدى،مدى معقوفة،مطرزة بالذهب والمنمنمات الملونة،في الأسواق،في المقاهي،يرفعون أبوازهم،يبرزون مدياتهم،عجائب ومصائب،الدنيا غريبة يا كاتب،ثم أنا لا أملك مدية،الناس تملك اسلحة،سرقوا اسلحة الجيش،اسلحة الدوائر كلها،الناس نهبت أسلحة الجيش الخفيفة والثقيلة،الثقيلة قصقصوها إلى قطع صغيرة وباعوها إلى دول الجوار،جلبوا آلات قطع تعمل بالغاز،حولوا هياكل عملاقة إلى خردوات،الأسلحة الخفيفة تاجروا بها،باعوها لناس تأتي من القرى وتشتري أسلحة،ناس تقول:القرى لماذا تشترى كل هذه السلحة..!!ناس تقول:القرى تحتاج للأسلحة،تخاف من هبوط الذئاب إليهم بعدما هرب الجيش من الحدود..!!ناس تقول: في الأمر(إنّة)..!!ناس تقول:أهل القرى تتوقع تفاقم الأمور..!!أنت تعرف ما أعني ياكاتب،أكتب ما اقوله،حرفيّاً،لا تغير في ما أقول،لن أمنحك تصريحاً أو تخويلاً بتبديل مفردة،أنا أروي،أنت فقط ناقل حكاية،حكاية هي حكايتي أنا،كل الناس تقريباً حصلت على أسلحة نارية،انا بقيت واقفاً أنظر إلى أرتال الناس تركض باتجاه المعسكر الكبير،تركض صوب الدوائر الحكومية،خرجوا مع الفجر،قبل طلوع الشمس،ناس تستحي من ناس،ناس تريد أن تسرق دون أن تراهم ناس،ترجع مركبات الحمل مثقلة بكل شيء،أشياء تنفع واشياء لا تنفع،ناس ترجع حاملة اسلحة،أسلحة كثيرة،رجل يسحل عشرات البنادق مربوطة بحبل،تفلت بندقية من الحبل،تفلت أخرى،الرجل لا يعير لذلك اهمية،الحمولة كثيرة،تنقص أو لا تنقص،سواء بسواء،نساء من فوق اسطح منازلهن يشاهدن ناس تسرق ممتلكات بلدها،رجل يسحب مدفع رشاش،مدفع يتكأ على أربع إطارات،(مدفع لا يبدو عليه إنّه قاوم الإحتلال)،مدفع مزيت،فوهته مكمومة بكيس أخضر(سر مهر)لا يبدو أنه أطلق قذائف على طائرات اثقلت أرض البلاد بالقنابل،الرجل يسمع صوت رجل واقف ينظر بحيرة،يقف ويده على حاجبي عينيه،يده الأخرى تعصر عصا معقوفة(عوجيته)يعصرها كي يتماسك ويحافظ على وقفته،يحاول أن يلم بما يجري على أكمل وجه:
ـ ماذا تعمل بهذا المدفع يا رجل..!!
الرجل الذي يسحل المدفع يصرخ:
ـ سأضعه أمام منزلي تذكار السقوط..!!
يرده الرجل الواقف:
ـ أسمعنا دويه وقت الأفطار في رمضان،سمّاعات الجامع لا تعمل..!!
الرجل الذي يسحل المدفع صار بعيداً،صار سعيداً بما يسحل،صار على مرمى حجر من بيته،منظره منظر بغل يسحب عربة،طفل يدحرج إطار مركبة،إطار مركبة كبيرة،الإطار أعلى من الطفل:
ـ (ولك شيطان كيف دحرجت هذا التاير)..
صوت امرأة واقفة في الباب،تراقب الإحتفال الكوني للنهب والسلب،ولد يحمل على كتفه كرتون،الكرتون ليس كبيراً،يقف،لسانه يخرج لاهثاً،ينزل الكرتون من على كتفه،تعب شديد يهده،الولد يفتح الكرتون،يفرغ نصفه،ست علب معجون الطماطم،ستة يكفيه هذا ما فكر به،يمشي خطوات،يتوقف الولد،يرمي بنصف ما تبقى من علب معجون الطماطم،صار يحتضن ثلاث علب معجون طماطم،يمشي خطوات يتوقف،يتناقش الموضوع مع نفسه،موضوع السلب والنهب..(أنا لم انهب ـ يقول ذلك مع نفسه ـ انا لست لصاً،كلام)آخر يضيفه لما قال،شمس قاسية فوق رأسه،يرمي علبة معجون طماطم،يرميها على الرصيف،يمسح عرق جبينه بكمي قميصه،الولد يمشي،علبة المعجون تتدحرج وراءه،تستقر منتصف الشارع،صوت امرأة من يمينه،يتوقف الولد:
ـ (خطية)حرامي فقير..!!
الولد لم يحتمل الإهانة،لا يلتفت لصاحبة الصوت..يصرخ:
ـ أنا لست حرامياً يا خالة،ليس لدينا معجون طماطم في البيت،لا يوجد معجون طماطم في السوق،شهران ولم يدخل بيتي معجون طماطم،جلبت علبتين لزوجتي،أشتهينا تشريب باميا،أنا لست حرامياً،يا خالة..!!
الولد يمشي،المرأة تهز رأسها،صبي صغير يحمل ناظور دبابة،ناظور أثقل من ثقل الولد،ينوء بحمله الثقيل،لاهثاً يجرجر قدميه،يركض فرحاناً بما جلب،يباغته أبوه:
ـ يا كلب الناس تجلب ذهب وأنت تجلب لنا حديد..!!
الولد الصغير يرمي بناظور الدبابة،يرميها في الشارع،في منتصف الشارع ويستدير،يبدأ الركض بإتجاه المعسكر،صوت من خلفه:
ـ (ولك)أركض اسرع المعسكر سيفرغ..!!
نساء يلهثن،واحدة تحمل كيس تمن،واحدة تحمل صفيحة دهن،واحدة تحمل كدس خشب،واحدة تنوء تحت جبل(بطانيات) عسكرية،النساء فرحات بما يحملن،نساء يلهثن صوب المعسكر الكبير،نساء يلهثن صوب البيت،يسرعن لألقاء حمولتهن والعودة لمشوار جديد،بنت صغيرة تبكي،تمشي وهي تتلفت يمنة ويسرة،تصل باب مغلق،تطرق الباب،لا أحد في البيت،أمها في المعسكر،أبوها في المعسكر،أخوتها في المعسكر،أخواتها في المعسكر، هناك يحتفلون مع الناس بأعياد التحرير،أعياد النور القادم بالنار والحديد،بلاد تتصدع وناس تحتفل نهباً وسلباً وتدميراً،البنت تجلس أمام الباب،تبكي بحرقة،تناديها امرأة مسنّة:
ـ لماذا تبكين يا بنت..!!
البنت الصغيرة لا تتكلم،تواصل نشيج الألم،نشيج إنسانة اسقطها السقوط،السقوط الذي سمّوه تغيير،سمّوه حرية،حرية التعبير،ناس تقول:حرية التدمير،ناس تقول حرية التهجير،تغيير..تعمير..تهجير..!!لا أحد يفهم هذه الحمّى،هذه الفلونزا الجامحة،البنت الصغيرة ترتعد،تفقد مع كل قطرة دمع حزمة مشرقة من رونق وجهها،تتقدم منها المرأة المسنّة،تمسك يدها،البنت ترتعد،المرأة المسنّة تقول للبنت الصغيرة:
ـ أسكتِ لماذا تبكين..!!
البنت تكاد أن تنخلع روحها عن جسدها،لا تتكلم،المرأة المسنّة تقول للبنت الصغيرة:
ـ ما هذا الدم على ثوبك..!!
البنت تبكي،تقول لها المرأة المسنّة:
ـ من فعل بك هذا..!!
تتوقف البنت الصغيرة عن البكاء،تعطيها المرأة المسنّة الماء،تدخلها المنزل وتشربها الماء،البنت تسكت،تكرر المرأة المسنّة نفس السؤال،البنت تجاوب هذه المرة:
ـ هو طرحني في غرفة على الأرض في المعسكر ونام فوقي..!!
المرأة المسنّة تقول للبنت الصغيرة:
ـ تعرفينه..!!
البنت تتردد،المرأة المسنّة تصرخ فيها:
ـ تعرفينه..!!
البنت الصغيرة تتشجع:
ـ هو..هو..هو..!!
المرأة المسنّة تقول:
من هو يا بنت..!!
البنت تنحت عينيها في عيني المرأة المسنّة،بصوت ذبيح تقول:
ـ هو..هو..ابنك..!!
المرأة المسنّة تتدارك ما عمل ابنها ببنت الجيران،تاخذ البنت الصغيرة إلى الحمّام،تغسل الدم العالق بثوبها،تعطيها حلوى و(الف دينار)،البنت الصغيرة تتردد،المرأة المسنّة تقول للبنت الصغيرة:
ـ لا تقولي لأهلك،سيذبحونك بالسكين..!!
البنت الصغيرة تهز رأسها،تخرج البنت الصغيرة وبيدها(الف دينار)،تهرع إلى بائع المرطبات،جوقة صبيان يمرقون،يدفع كل صبي إطار مركبة كبيرة،إطارات تتدحرج رتلاً،من الأمام يخال أنها تتدحرج فرحاً،إطارات تحتفل بأعياد النور،الصبيان أصغر قامة من الإطارات،رتلاً..رتلاًً..فرادى..فرادى، تتدحرج إطارات ظلّت راقدة في مذاخر الجيش،والجنود يتذمرون من جراء إستهلاك إطارات سياراتهم،اصوات طلقات تنطلق من منازل فرحانة،مركبات تهرب بإتجاه وسط البلاد،ناس تقول:سوف نرى مذابح علنية في الشوارع والأزقة..!!ناس تقول:لا توجد مذابح،رجال الحاكم هربوا من البلدة مع ذويهم..!!مركبات تأتي من المعسكر حاملة أجهزة كهربائية حديثة،(ناس لا تستحي ـ تصيح امرأة ـ تسرق وهي فرحانة)،أنا بقيت واقفاً على الشارع الوحيد للبلدة،أراقب ما يحصل،قلت المشهد يستحق الوقوف من اجله،لم أذهب إلى المعسكر كما ذهب الناس،رأيت اسلحة مرمية في الشوارع،ذخائر حيّة متنوعة،علب كاملة،رصاصات متناثرة،رصاص بنادق،رصاص تنوير،رصاص مسدسات،لم اسمح لنفسي مس شيء لا يعود لي،ليس لي سلاح،ليس لدي مدية،كيف أدافع مثلما دافع جدي عن حرمة شرفه،لا شيء أمتلك كي أدافع به عن كرامتي،لو تعرض لي عارض طارئ،كلام تدارسته جيداً،لم أخرج بنتيجة تقنعني،تركت الأمر جانباً،قلت جدي ترك مهنته،ساترك مهنتي أيضاً،تركت مهنة الحمّالة بعد عمر لا يستهان به،يوبيل فضي،أو ذهبي،لم أحتفل بسنوات الخدمة،لا أبحث عن أمجاد زائفة،أنا أبحث لقمة عيش،مع رغبتي أن أغدو مثل جدي،وجدت بيع الأشياء النسائية فيه منافع ومكاسب،تعلمت الجرأة والكلام ،تعلمت أن أركّز عيني في عيني أنثى بلا رجفة في قلبي،بلا رعشة في جسدي،وجدت النساء كائنات عادية، مخلوقات ضعيفة،يجهلها الرجال،ليس كل الرجال طبعاً،تعاملهن سهل،إقناعهن أسهل،يحبن المدح والتناقش ،يشعرن بقيمتهن حين يقفن أمام الفحول،الفحل يخاف المرأة،المراة لا تخاف الفحل،جرأة الفحل قليلة،جرأة فأر أمام قط،جراة المرأة أمام الفحل،جرأة القط أمام الفأر،كفتان لا تتعادلان،فقط الفراش يجمع الجرأتان ويقسمها إلى كفتين متعادلتين،يجمع الفحل والمرأة معاً،ينسيان العالم،ينسيان كل شيء،يغدوان حيوانين في لحظة سفاد، صرت أمتلك بصيص جرأة،جرأة تكفيني،صرت لا أتورع من قرص هذه ودفع تلك،تلتصق واحدة بي،تتحايل، تجعل من نفسها لا تدري،تقرب ردفيها من فخذي،ردفي المرأة ناعمة،ملتهبة بسخونة،تكهرب جسدي،كائني يريد أن يصرخ،لو يملك كائني لسان فصيح لصاح من فرط التوتر،عصبي جداً،لا يركن لنوم كلما أقف بين الغجريات،يقف،راية في لحظة خفقان،يهتز،يرتعش،ترتجف عروقي،العيون منحوتة في،لا اعرف هل راقبن ما يجري من غليان تحت بطني،عيونهن تقول:أنت مفضوح يا حمّال..!!كل شيء يصرخ بفضيحتك يا حمّال،أقول مع نفسي،صرت اشعر بسائل يندلق من الكائن،خلته يبكي على حظه التعيس،يذرف دموع الحرمان،صار يبكي ويخلد للنوم،اشعر بلذة نادرة،شجعتني اللذة على مناقشتهن،على مكاتفتهن،يتدافعن ويلتصقن بي،تعلمت اللعبة،صرت أقف في مساحات تؤهلهن أن يقتربن ليلتصقن بي،لصاق الانثى بالفحل سعادة بشرية لا تنتهي، الفحل لا يعيش بلا أنثى تلتصق به،الفحل سمكة،الأنثى ماء،وجدت نفسي منجذباً إليها،أنجذب إلى البنت الصغيرة،كائني نائم،بكى ونام،تخلّص من دموع التوتر وذبل في منامه،صرت انحت عيني فيها،البنت الصغيرة التي بكت يوم البرق والرعد والمطر تحدق بذهول في،تفتح فمها الحلو وتنظر إلي،افتح أنا فمي وأنظر إليها،نتبادل النظرات وفتح الفمّين،لعبة حياة وأمل وعالم في لحظة تكوين،تعلمت فن اختراق العالم الممتع،الواسع ،المخيف،النساء الشابات غير مجربات،يشعرن بخجل بادء ذي بدء،يتكيفن بيسر،حين تصف جمالهن،يفرحن ويرغبن أن يلقين بأنفسهن في حضنك،مختصر مفيد تعلمت كيف أفك مغاليق قلوبهن،كيف أقترب منهن كي يقرصنني أو يربتن على ظهري،زاد الطين بلّه بعد أن تجرأت واحدة منهن،امرأة تمتلك جرأة نادرة،امرأة في منتصف الأربعين،تقديري أنا،امرأة لا تتجاوز حدود منتصف الأربعين،راحت تمد يدها إلى أسفل بطني ومن غير استحياء تداعب كائني الثمين والمتوتر دائماً،بعدما تداعبه وتشعر ان كائني نام،قذف دمعه ونام،تسحب يدها،تنظر إلي وتفتح فمها،تعرف ماذا حصل،خبيرة ومجربة،قالت مرة في اذني،قالت بهمس ناعم وناعس:
ـ يا له من ولد يستحق التدليل..!!
أنا فهمت الكلمة هكذا،ربما هي قالت:
ـ يستحق التدليك..!!
لا فرق بين التدليك والتدليل،لا يهمني ما قالت،في البدء لم أفهم مقصدها،خلت القضية محض مصادفة،تحايلت في البدء،أسقطت حاجة إلى الأرض وانحنت،البنات مشغولات بتقليب وتجريب الحاجيات على أنفسهن،واحد تلبس الشال وواحد تنظر إلى نفسها في المرآة وتمشط،واحدة تشد خصرها بحزام،واحدة تلبس الحلي الكاذب،واحدة تجرب أنواع العطور،أنفها لا يستقر على عطر معين،كل واحدة منشغلة مع نفسها،المرأة انحنت،فجأة شعرت بيد تمسك الكائن،خشيت ان أتحرك،صرت في موقف محرج،قلت أي حركة مني،فضيحة، ظلّت تعصر الكائن،يدها بلا رحمة تعجن أو تعصر،لا فرق بين العصر والعجن،العجن عصر واسترخاء،كذلك العصر،كدت أن اصرخ لعصراتها القاسية،قذف كائني دموعه من فرط العصر وخلد للسكون،قامت المرأة من إنحناءتها،نحتت نظرها في،قالت:
ـ ولد يستحق التدليل..!!
أو قالت:
ـ التدليك..!!
مرة قالت:
ـ تعال في الليل..!!
أنا لم أذهب،في الليل لا أخرج،في الليل حضر التجوال،البلدة غير آمنة،مجرمون يحومون في الليل،يأخذون من يجدوه في الليل،المرأة قالت لي مرة:
ـ لم لم تجيء،أنتظرتك كثيراً..!!
تقرب رأسها مني وتكرر دعوتها لي بالخروج ليلاً والمجيء إلى حي الغجر،قالت مرة:
ـ دلّني على بيتك سأجيء إليك..!!
لم أسلَم مشيئتي لها،دافعت بصمت عن نفسي،كنت أبغي البنت الصغيرة،هي مبتغاي،قطرات ماء زلال في قيظ صيف شاوي،واحدة آخرى،امرأة شابة،امرأة لها صلة بالمرأة التي عصرت كائني،دائماً يتهامسن ويمشين معاً،فعلت ما فعلت المرأة التي عصرت كائني،أسقطت مشطاً من يدها،أنحنت،صارت أسفل العربة،ضربة مباغتة،شيء لاسع،شعرت برجفة تقفزني،يد ناعمة(سطر)كائني الواقف،البنات ضحكن،تراقصت أجسادهن اللدنة،وضعن أيديهن على ثغورهن،ضحكن،حاولن بأيديهن أن يكتمن جرس ضحكاتهن،بأيديهن الناعمة،منعن ضحكاتهن أن تتطاير إلى منازلهن،منازلهن الصفيحية،تمتد على طول سياج مدرسة البلدة الوحيدة،عيونهن الواسعات،الكحيلات،السود،تلامعت من فرط ضحكاتهن،أيديهن تركت ثغورهن،صفوف أسنان بييض،أسنان لا تحتاج إلى فرش ومعاجين لتغدو متلامعة،أسنان تبدو أنها لم تطحن السكريّات،أسنان دقيقة تلمع كلما تنفرج ثغورهن،صف أسنان بييض فوق صف أسنان بييض،صارت أيديهن تمسح دموع البهجة،دموع دفعتها الضحكة المتناغمة،تنبجس بروية،تترقرق في مآقي واسعة،مثل قطرات ندى،كلما يضحكن،تندفع دموع ليس فيها آثار أحزان أو نغمات أشجان،دافعت عن حرمة مملكتي البريئة،لم أسمح لتلك الواحدة الثانية،صديقة المرأة التي عصرت وأدمعت كائني،لم اسمح لها أن تعصر،خشيت أن يغادر الكائن(رشاقة)سمعته،ويكون خارج واقعيته،سردت لك يا كاتب،كيف رفض كائني،الولد المدلل،على حد زعم تلك المرأة التي عصرته وأذرفت دموعه،رفض التجوال في مملكة الدلالة،يوم نادتني،يوم أرادت ان ترافقني إلى غرفتي البائسة،غادرها القطار وبقت في المحطة،ضحى كائني بزبونة من أجل(شخصيته)المستقيمة،وسمعته النادرة،في زمن الحمّى الجماعية،حمّى في كل شيء،زكام عصيب حل بالبلاد وأسكر العباد،فقط تلك المرأة عصرته،وأبكته،غثيان أصابني،وجدت نفسي تريد أن تدلق احشائي،لا أعرف كيف تحملت تقلبات أغواري،عندما عدت استحممت وصرت في حالة نشاط،قررت أن أدافع عنه حين يتكرر التحرش،استجاب كائني لقراري،رفض التجوالات العشوائية في أزقة الخراب،خلد لعمل غير مكلف،كلما تشتد به الحمّى،يقذف دموع لا قيمة لها،دموع سيستبدلها بدموع أخرى،أستشرى مرض ربت الكائن بينهن،كلما أرفض تقليل سعر حاجة تود واحدة شراءها،تلقي جواً محموماً بفعلتها،تمد يدها إلي،تربت الكائن المستقيم،الفتيات والنساء يشاركنها فعلتها،أخجل وأتعرق أحياناً،احاول ان لا أصرخ،بينما كوكبة إناث يشعلن الجو ضحكاً،وحدها البنت الصغيرة تراقب الحدث،تراقب(من كثب)حلوة هذه العبارة(من كثب)اكتبها أرجوك،أكتبها بين قوسين،أكتبها كما أقولها أنا،لا كما أسمع،عن كثب..لا..لا..أرجوك لا تضع،عن كثب بين قوسين،لا اريدك أن تخلط بين ما أحكيه انا،وبين ما يحكيه الناس،أنا أريد اسطورتي،الفتاة(من كثب)تراقب الموقف،في عينيها بريق سؤال غريب،تنظر إلي مأسوفة،أجد في عينيها رغبة صادقة،رغبة طفولية،بريئة تولد،بريئة تنتحر،تريد أن تترجل من عينيها لمناصرتي،خجل كبير يمنع تلك الرغبة المتأهبة،ربما هي رغبة الحب الذي لا يريد أن ينتشر،حب خجول مجبول بالصمت والخوف والوله،في عينيها دفاع مستميت عني،أقرأ الرغبة،تشد من طاقتي،تزيدني تحدياً،أستأنس بها،من أجلها فقط،من أجلها اصمد،كل شيء يبكي،يبكي طويلاً،العيون تبكي حين الثغور تضحك،ضحك وبكاء،بكاء وضحك،يمتزجان،يتناصران،ترقص الأجساد،ترقص السماء،كل شيء يرقص،المنازل ترقص،العالم يرقص،كل شيء يبكي،يبكي ويبكي (هووووووب)..وقوف،لوحة منحوتة تغدو الحياة،العالم يتوقف عن الضحك،يتوقف عن الرقص،يتوقف عن البكاء،(هووووووووووب)..وقوف،نداء ساحر،سرّي،أوقف كل شيء،لا(هوووووب..طمس)(وقوف لا طمس)،لا(طمس)كما تروي طرفة شائعة،الطرفة تروي(رجل إستعان به سائق سيارة حمولة،أوقفه السائق وراء سيارته،أراد السائق منه أن يقف وراءه ويؤشر له،وراء المركبة حفرة عميقة،الرجل الواقف وراء المركبة الطويلة،ظلّ يؤشر لسائق المركبة الطويل..أر..جع..أر..جع ..أر..جع..،السائق ظلّ يرجع السيارة بناء على نداء الرجل الواقف خلف السيارة الطويلة،يرجعها على إيقاعات متوازنة،إر..جع..إر..جع..إر..جع..كلما أشار الرجل،(هوووووووب..)وقوف،السائق أوقف السيارة،(طمس)كلمة حجرته،السيارة دخلت إلى الحفرة العميقة،كل شيء حين يذرف دمعه،يستسلم لسعادة نادرة،كل العالم حين يتخلص من دموعه،يتحد،كتلة متراصة،متماسكة،متعاونة،يغدو العالم بعدما يتخلص من دموعه،دموع العالم ينابيع كونية،لا تنتهي،غيوم غادرة،مرعبة تغطي العالم،تمطر وتحقن الينابيع بدموع جديدة،الغيوم حين تنتهي،دموع العالم تتوقف،ناس تربط الدموع بالحزن،ناس تربطه بالضحك،ناس تربطه بالأثنين معاً،لا خلود للراحة إلاّ بعدما يقذف كل كائن دموعه،الأشجار تبكي،تقذف في الصباحات دموعها،قطرات شفيفة،متلامعة،صافية كالزجاج،يسمونها (الندى)،الأرض تبكي،تقذف دموعها عبر جداول تمشي إلى ثغور ضامئة،السماء تبكي حين تحجبها الغيوم،فلتبكي كل الكائنات،كائنات الفرح،كائنات العوالم السريّة،أفراح وأعياد هو الوجود،ضحك وبكاء هو معدن البشرية،طالما الدموع تتجدد،ترعش الكيانات المحتبسة،تهز عروشها النابضة بالحنين والرغبات،تجدد قوّة النشاط فيها،تدفعها لعالم سيبكي من جديد،سيبكي ويبكي ويبكي،ويخلد لراحة ضمير،بعد بكاء لذيذ،ليبكي كائني أقول هذا وأنا أسير لعبة ماكرة،ضحية حمّى،ضحية هذيان شامل،يفرض سطوته،حمّى..حمّى..حمّى،الفتيات يفرحن،دموعهن(خلص)،ضحكهن انتهى،اجسادهن صارت رغبة مشتعلة،فراش مفروش لحصان المسرات،أين هو هذا الحصان الجامح،حصان الحرمان واللوعة،الحصان خامل،طعامه حصار وحروب،يلوك بأضراس من رمل من رصاص،الحصان غير راغب بصولة،حصان عاف الحروب والصهيل وصار حصان للبكاء،بكاء صامت،نشيج غير مقبول،حصان خائف من الحروب،أتدارس الأمر،في الليل،النوم لا يأتي،النوم غادر أرض الحمّى والهذيان،النوم للكسالى هكذا قال الحاكم الذي فر،قال:
ـ لا تناموا العدو بينكم..لا تناموا أمتكم تنتظركم..لا تناموا النوم لأهل القبور..لا تناموا وراءكم نوم أبدي..!!
الحاكم كلما يتفلسف برؤوسنا،يغرد،لسانه طويل،لسانه حين يهذي لا طبيب يوقف هذياناته،أهذي،الليل لا يتوقف،يمشي بتثاقل أحياناً،وطوراً يمشي سريعاً،أنتظر الأوامر الحسيّة،انتظر جواب الكائن المسكين، ـ سأدافع عن..لن أدافع عن..ـ أقول هذا،وأقول أيضاً،ليفعلن الباقيات ما يفعلن،هي الدموع لا تخلص في هذه البلدة،لا تخلص في هذه البلاد،أقول ذلك مع نفسي وأنا أنظر إلى عيني البنت الصغيرة،واقفة تلتهمني،الناعمة،ذات الشعر المتهدل على الكتفين،عينان سوداوان،فم مستدق،قامة تشجع على العناق،رمانتان في لحظة تكوين،تبرزان من الصدر النابض،بكاء يستمر،بكاء يخثر حمّاي،البكاء يوفر لي عملاً مثمرا،مختصر نافع،كائن/كائني..أتقن لعبة الرزق واللذة في عالم يتذابح..!!
***
بعد مرور ثلاثة أشهر،نظرات نضجت،نظراتنا،نظرات البنت الصغيرة،بنت البرق والرعد والمطر،صارت نظراتها تفهم نظراتي،نظراتي فهمت نظراتها،التقت النظرات وسط الضحك والدموع،تفاهمتا،تعانقتا،تمازجتا،كائن/كائني أطاع وتأقلم على راهن الوضع،في يوم لن أنساه،يوم نامت عندي رغبة الخروج،بقيت في غرفتي،شيء عنيد يحجبني،يمنعني من الخروج،متمدداً على سريري،ناحتاً عيني في سقف غرفتي،نظرات البنت الصغيرة ملتصقة بسقف غرفتي،أحاول فك الغازها،تماري وتظهر،نظرات مغسولة بدموع اللوعة،(طاب..طاب..طاب)توقفت النظرات/نظراتي من مطاردة نظرات البنت الصغيرة الملتصقة بسقف غرفتي،نقرات،سريعة وغاضبة،نقرات أصابع مرتبكة،(طاب..طاب..طاب)،ثلاثة(طابات)،تبعتها(طابات)ثلاثة،وقفت ومشيت،من ياترى يطرق..!!الوقت ليس وقت طرق،لم يطرق بابي أحد،بابي حرم من أيدي الناس،بابي في مكان لا يليق بالناس أن يمشون فيه،مزابل متراكمة،الناس في الجوار يقذفون مزابلهم قرب غرفتي،قطط تتكاثر وكلاب سائبة وفئران وجيوش ذباب،لا أنف يستحمل الرائحة،طرق يتواصل،فتحت الباب،باب غرفتي،الوقت ـ أتذكره جيداً ـ ما بعد الثانية ظهراً،من شهر أيلول،بعد مجيء الأغراب بشهرين تحديداً،فتحت الباب،وجدتها،البنت الصغيرة وجدتها،خافضة الرأس تبكي،بكاء لم تبكيه في مساجلات البيع والغزل أمام منازل الغجر،مسكتها وسحبتها.. قلت لها:
ـ لم تبكين..هل هناك في السماء برق ورعد..
قالت لي وهي متوترة:
ـ لا تذكرني بالرعد أرجوك..
خوف بدأ يعتمل،خوف من بذرة صغيرة بدأ يتفاعل،قلت لها:
ـ أنه مجرد(قرقرات)معدة السماء..
قالت لا مبالية:
ـ البرق قتل أمي وأبي..
قلت مصطنعاً:
ـ آه..أنا آسف..
قالت بحزم:
ـ أنا في مصيبة..
بتعجب أجبتها:
ـ مـ..صـ..يـ..بـ..ـة..
قالت:
ـ غداً نرحل..
قلت مرتبكاً:
ـ كككككككككيف ذذذذذذذذذلك..
قالت:
ـ قرر كبيرنا ترك(جلبلاء)..
لساني تجمد،هي واقفة أمامي،البنت ذات الجسد الملتهب..قلت:
ـ ولكن يا(..........)..
أجابت على الفور:
ـ (منار)أسمي(منار)..
قلت:
ـ أنت تمزحين يا(منااااااااااار)..
قالت:
ـ أنا جادة فيما أقول،لا أريد أن أذهب معهم..
أجبتها بعد تشجيعها:
ـ أسمعي..أنت تبقين هنا..
أجابت واثقة:
ـ سأبقى..!!
كي أدفع عن نفسي الشبهات،قررت أن أوقف عربتي أمام بيوت الغجر،أرمق بطرف النظر ما يجري من تحركات ومشادات،صامتة هي بيوت الغجر،ناس تعلموا البراءة،شربوا ماء العفوية من مصادرها النقية، الرحيل..الرحيل..مساكنهم العالم بأسره،يمشون ويسكنون،البيوت تهتز،بيوت الغجر،ترقص وتصرخ،ناس تتحرك،تخرج وتعود،نظرات النساء،جارحات،توقفت عن مطاردة الكائن/كائني،لا ضحك..لا دموع،توقف الضحك،توقفت الدموع،بفعل فقدان البنت الصغيرة،تأخروا اسبوعاً عن رحيلهم،أنظر بعين متيقظة،بقلب هلوع،كل لحظة أسحب مرآة زينة لأرى وجهي،فرائصي ترتعد،كلما يصوّت دلاّل المدينة شارخاً صمت الأزقة وصخب السوق بصوته الجهوري،معلناً عن هدية مزجاة لمن يعرف شيئاً عن طفلة غجرية خرجت من بيت عمها في ظهيرة يوم الخميس ولم تعد..طفلة صغيرة أسمها..(منار)يا أهالي(جلبلاء) الكرام..!!
***
مثل فلذة كبد،مثل شجرة مثمرة،بذلت ما بوسعي كي أرعاها،وجدتها فرحة بما خصها الحظ من نهاية سعيدة،سعيدة البنت الصغيرة،سعيدة لي،سعادة تناصفناها،تندفع بوداعة وتكبر،مع كل خطوة على الأرض،ينمو جسدها خطوة نحو الأعلى،نحو الرغبة،نحو الثغر/ثغري،تريد ان تمد فمها مثل زرافة،تريد أن تلتصق بفمي،مثلما هي فرحة،تنهض في من مشاعر ودودة ودافئة،وجدتها ـ من خلال نظراتها ـ تشعر أيضاً أنها بحاجة إلى رغبات تستفز جسدها،بنت تسكنها رغبة صارخة،رغبة صريحة،تنمو أمامي،أريدها أن تنمو،اراقب نموها المدهش،ببراءة وحماس تتململ بين أحضاني كلما يتغلغل برد الليل إلى عروقها،تضحك،ضحك جهلت مرابعها،وقفت هي بين نساء يضحكن،وقفت تنظر،وقفت لتتعلم فن الضحك،النساء والبنات من حولها يضحكن،يبكين،هي تقف تراقب ضحكاتهن،ترغب ان تبكي،في عينيها بوادر بكاء،لا تريد أن تضحك مثلهن،تندفع نحوي،فراشي يكفينا،فراش على سرير بائس،يجمع كائنين يريدان الحياة،ترقص،جسدها الناعم،الدافئ،يحاول أختراق الحواجز،يريد إختراق هذا السر الرهيب،سر جسد دافئ،يستغيث،تشعر ببراكين أنفاسي،تشرب الحزن المتواري،تعب الأنفاس الرطبة،يلتحم وجهينا بفرح وتكركر(كركركركركركر)كركرات تكتمها،البنت واعية،لا تريد أن يشاركني السمع كائناً آخر،تريدني وحدي اسمع كركراتها،كلما أقبّلها تكركر،تكركر وتغفو،حين أعتصرها،تغفو،تشعر بلذة العصر،ليل يمضي،ليل ياتي،يوم يرحل وآخر يزحف،هذيان البلدة يتناسل،العالم مزكوم،كل العالم،السماء لا تبكي،السماء تراقب افراح البلد المنهوب،تراقب أفراح السلب والنهب،تراقب النحر العلني،لا تمطر،السماء منشغلة بإستقبال الوافدين إليها،يتوافدون جملة،لا بالمفرد،كواكب ناس تموت معاً،في كل رقعة،في كل مكان،السماء لا تريد أن تستقبل أرواح الموتى مبللين،تريدهم يابسين،تريدهم بنيران الموت،يوم يمشي،بصعوبة يمشي،يوم آخر يتبعه،اسبوع ينقضي،اسبوع يولد،شهر يموت،شهر..ثم شهر..ثم شهر على شهر يصير سنة،تنقضي سنة،تبدأ دورة الأيام الثقيلة،يوم..يوم،ذات يوم،بعد أربعة أشهر من لجوءها الغرامي،قلت لها:
ـ نتزوج..!!
فرحت كثيراً،لم ترتبك،لم تتفاعل،صامتة،راغبة،تنحت عينيها في،عيناي تريدان مغادرة كهفيهما،خشية توالدت مع سؤالي،وقفت البنت تراقب نمو خجلي،صمتها دليل عافية وقبول،دفنت رأسها المشعر بين صدري:
ـ (مي خالف)..!!
صوت هامس ذبح الشك في قلبي،لا مهر..لا حفل زفاف..لا أوراق روتينية تكلف وتثقل كاهل كل شاب يرغب أن يتزوج،أين تمهر كتاب مهرك،الدوائر تتحجج بفقدان سجلاتها،دوائر الجنسية،دوائر المحاكم،دوائر الشرطة المحلية،المختار(طاش)،هرب مع من هرب،الناس قالت:ستحدث مذبحة بشرية في البلدة..!!،ناس قالت:لا تحدث..!!ناس تقول:ستحدث..!!ناس هربت وناس جدد أتت،تمشي في السوق،وجوه جديدة تغزو،وجوه لا تستحي،تعمل بجد وتلتهم،تضاعف سعر الحاجة،تدس الفاسد بين الحسن،تشتري كيلو غرام،من الطماطم،تعود فرحان،في البيت تكتشف حالة مذهلة،أنت رأيت بأم عينيك كيف وضع البقّال ثمرات صاحية،ناضجة،غير عطنة،اختار امام عينيك طماطم من الدرجة الممتازة،خيار لامع،فلفل أخضر مغري،فواكه تصرخ برونقها،البقّال استقبلك بترحاب وبسمة عريضة،رشق وجهك بسيل إبتسامات أثلجت صدرك،(تفضل استاذ)لكل من هب وتقدم منه،يقول:استاذ..!!صار الحمّال استاذاً،صار البقّال استاذاً،صار السائق استاذاً،السافل والساقط والمنحرف واللص والمهرب صاروا اساتذة،ينقطع سيل الترحاب بعدما يستلم منك قيمة الطماطم..قيمة الفواكه..قيمة ما باعك،برتقال خائس،تفاح مدوّد،طماطم(ممرودة)باذنجان(أم البزر)بصل ذو رائحة عفنة،تفرح وانت تسلمه الفلوس،في البيت تلعنه،تقرر معاتبته،تتحمس للفكرة،يرتد غضبك،تستلين أعصابك،تبارحك حمّى الصدمة،تقول مع نفسك(سيلطش)رأسي بأوزانه..!!بالمناسبة أوزان البقّالين عبارة عن قطع حجر،وطوابيق فخارية،وصامولات كبيرة،لا أوزان حقيقية عند بقّالي بلدتنا،تقول مع نفسك:سيسحب سكيناَ ويدلق أحشائي..!! تقول مع نفسك:سيمسحني بالأرض بصلية رشاش يضعه تحت الطاولة..!!كل واحد لديه سلاح،فقط أنت،أنت الوحيد في بلدة لا سلاح لك،هذا ما قلته لنفسي،دائماً أقول هذا مع نفسي،البقالون يدلقون أحشاء من يقف بوجههم،يدلقونها مثل(شربة ماء)،انا لا سلاح لي،من سرق قطعة سلاح صار شجاعاً،لا يخاف من أحد،الكل نهب،لا..لا..ليس الكل،أولاد الحرام فقط سرقوا أسلحة الجيش،سرقوا كل شيء،أنت رأيت ما سرقوا،لابد أن وقفت مثلي وراقبت الناس تسرق،أنت كاتب والكاتب لا يسرق الأسلحة،الكاتب يسرق أفكار،يسرق أساليب،يسرق عناوين،يسرق جمل جميلة،يغلفها بحيلة ويدسها في كتاباته،كتّاب يعملون في صفحات تعتني بشؤون البراعم الأدبية،تأتيهم الرسائل مثل المطر،أكداس تلو أكداس،يقرأون تلك الرسائل،البراعم لا يهمهم سواء نشرت كتاباتهم أم لم تنشر،المهم يريدون رؤية أسماءهم،رؤيتها فقط في ركن(ردود عاجلة)يفرحهم سطر أو سطرين لمحرر الصفحة الثقافية،يتباهون فيما بينهم،محرر الصفحة كتب لهم(لديك مستقبل زاهر،واصل القراءة والكتابة،إتحفنا بجديدك)كلمات منمقة،كلمات تسعد أصحاب التجديد،البراعم فرحون،كتّاب الصفحات الثقافية،استولوا على الكنوز الآتية في صندوق بريد لا يتوقف،وجدوا أفكار هائلة،وجدوا أساليب،وجدوا عناوين،يكتبونها لأنفسهم،تلك هي سرقات الكتّاب، الكتّاب لديهم أسلحة فتاكة،سلاحهم المدمر هو القلم،البقّالون مطففين،يحتالون على الناس،يخسرون في الميزان،يبخسونهم أثمان الأشياء،يحتال عليك بقّال،تقرر أن تستبدل بقّالك،تقرر أن لا تشتري من البقّال الذي غشّك،وذلك أضعف الإيمان،ستكتفي بصب لعناتك عليه،سراً،لا جهراً،الناس تمتلك أسلحة ترمي ليل نهار،أسلحتهم ألسنتهم،تحت ظل الغرباء،غرباء العالم الراقي،العالم الشره،العالم الزاحف لتغيير الأوضاع،أوضاع الشرق الأدنى،أوضاع الشرق الأقصى،أوضاع الشرق السابت،العالم تقدم،صار فوق القمر،الشرق لم يتقدم،ما زال يبحث،ما زال يجادل حول الخيط الأبيض،رجل قال لذلك الملاّ،ليس الملاّ الذي باغته الولد بمسدسه،أنا أقصد الملاّ الذي تم تسليمه رقاب الناس بتزكية،قال له:كيف أعرف النهار من الليل..!!الملاّ أجابه أمام خلق كبير:خذ خيطان،خيط أبيض،وخيط أسود،مدهما،ستعرف الوقت،ظهور الخيط الأبيض هو ظهور النهار،عدم ظهوره يعني أنك ما زلت في الليل..!!،أجابه ولد كثير المزاح:مولانا..لماذا يأخذ خيطان،خيط واحد أبيض يكفي للتجربة..!!صاح ولد آخر:الملاّ يريدنا أن نشتري بكرات الخيوط من الخيّاطين..!!تلك هي معضلتنا أيها الكاتب،معضلتنا أننا ابتلينا بألسنة تتحدث،ألسنة تنفعل،ألسنة لا تنصاع لأحكام الدماغ،ستقرر أن تبدل البقّال الذي غشك،تفرغ هذياناتك وحمّى الصدمة عليه،سراً لا جهراً،ستنثره إلى الليل،إلى النجوم التي تراقب(من كثب)،بادء ذي بدء لا تلعنه،هو وضع لك ما هو حسن ونظيف،بأم عينيك رأيت يده تنتخب ما هو أفرحك وأثلج صدرك،رأيته،راقبت أنامله الرشيقة تتلاعب بأكوام الفواكه،في البيت،ذاكرتك تستفيق في الليل مثلاً،او في اليوم اللاحق،ستلعنه وتقرر تبديل البقّال الذي غشك،،تبدل كل يوم بقّالاً،كلهم أولاد الوقت،أولاد الحرام،غشّاشون،مطففون في الكيل،لهم نار جهنم،ملاّ الجامع الوحيد قال ذلك،الملاّ الذي غادر(جلبلاء)وتركها من غير إمام تصغي لخطبه الناس،قال لهم:لهم نار جهنم،سيخسرون آخرتهم،ستكوى جباههم وجنوبهم بنيران جهنم..!!رجل جريء هو الملاّ الجديد،ملاّ جاء بعد مغادرة ملولانا الذي دافع الله عنه وصد عن رأسه طلقة المسدس للولد الملثّم،ناس قالت:تم تنصيبه بتزكية..!!ناس قالت:بسبب عدم إنتداب أحدهم ممن أكمل الشريعة الحنيفة ليغدو ملاّ الصلوات الجامعة،دفع الناس لتنصيب شاب له لحية..!!الملاّ الجديد،إبتدأ مشروعه الإيماني بالبقّالين،هاجمهم في أوّل صلاة جامعة،قال عنهم:حرامية،ملعونين في الدنيا والآخرة..!!،البقّالون أرسلوا ولداً مفخخاً ونسف نفسه أمام الملاّ الجديد،ناس قالت:الولد(خوش ولد قشمروه)البقّالون قالوا له خذ هذه الفواكه إلى الملاّ،هم يعرفون الملاّ الجديد إبن رجل ميسور،لا يأخذ رشاوي،قالوا للولد الذي إنفجر،قل للملاّ أن يعطيه للفقراء والمساكين والمحتاجين والمتضررين والمهجرين والأرامل والأيتام..!!الولد توهم حين رأى شاب ملتحي وتقدم منه قبل أن ينفلق،نجا الملاّ،ناس قالت:الولد لم يصلي في حياته فأخطأ الملاّ..!!ناس قالت:حزام ناسف..!!ناس قالت:فواكه مفخخة،تم تفجير الولد من بعيد..!!تعجب الناس،تناقشوا كثيراً،صار الملاّ حديث الساعة،حديث الجلسات الليلية،انتهت الأمور على إتفاق تام،أولياء الله الصالحين محفوظون بعناية الله ورعاته،لكن المصيبة تفاقمت،الملاّ الجديد توقف عن تقريع البقّالين،أوقف حملته الخطابية،أكتب هذا يا كاتب في سيرة اسطورتي،لا تفعل ما يفعل بعض الكتّاب،يكتمون الأسرار ويلفقون الحكايات،خذ مثلاً القصّاب يتعامل بسكينته مع اللحم بجدية،لا يرحم ذبيحته،حين يغش الناس،حين يضع اللحم القديم،يخلطه مع اللحم الجديد،يغدو خائن مهنته،الفلاّح كذلك،لا يتهاون مع الأرض والماء ومحاصيله،يعزق الأرض بقوة ورغبة،يدفع ماعون مسحاته إلى أبعد نقطة من سطح الأرض،حين يغش الناس،حين يخلط الرديء بالحسن،يخون مهنته،خذ البقّال وخذ الجندي في الحرب،الجندي يتدرب،ينزف عرق،يخسر ايام من حياته،في الحرب،يقع في مجابهات،الجندي الذي يقاتل لا يخون مهنته،الجندي الذي يهرب يخون مهنته،الكاتب أيضاً يتوجب عليه سلوك طريق الشجاعة،إذا لم يقل الحقيقة فهو خائن من الدرجة العالية،كونه ناقل أخبار،العالم كله ينتظر الصدق،يريد أخبار موثوقة،إذا ما راوغ كاتب وسوّف الأمور وتغاضى عن حكاية ما يجري،فهو محتال يحتال على الناس،لعنة الناس ستداهمه في مماته،كتاباته ستغدو مثل الفواكه الفاسدة،أنت تلقي بكل فاكهة فاسدة إذا دسسه لك البقّال بين الفواكه الصحيحة،أكتب ما أقوله لك،يا كاتب ياولد،أنت كما قال لي صاحبي العاقل،تبحث عن التجديد والتحديث والفلتات الزمنية المقصية،اصرارك يقول لي أنت ستفلح في مهمتك الخطرة،هذا يتوقف على اسطورتي،لو تنقلها بما أحكيها لك،لك الأيام يا ولد،أكتب وغادر حياتك،قل ما شئت،قل ما يثور فيك،قل ما هو لا يلائم أمزجة النقّاد،قل وأمشي،النقّاد أدباء فاشلون،تعطلت ملكاتهم الإبداعية،قرروا اللجوء إلى أساليب التدمير،تدمير الأشياء النافعة،أنهم يزكون ويجاملمون أصدقاءهم،قل وغادر،إن لم تقل،سيقتلك الهذيان،ستعيش طويلاً بين الناس،فقط لو نقلت الحقيقة،ناس تنقل اسطورتك لناس ستأتي بعدهم..!!
***
أنا والبنت الصغيرة،قررنا أن نتزوج بلا أوراق تثبت زواجنا،جلسنا انا و(منار)تشهدنا على أنفسنا،رفعنا أكفنا إلى السماء،أشهدنا السماء على زواجنا،قلنا نريد أن نعمر الأرض،لا أن نخربها،التعمير مطلب لا يعاقب عليه القانون،قلنا سيتكفلنا الله،الله يحب المتوكلين عليه،ملاّ الجامع قال ذلك،قال قبل ان يغادر البلدة،قال:الله سيكفل أعمال البر،سيرزق من يخافه،سيفتح له باب الفردوس..!!الملاّ قال كل شيء،قبل أن يتفاجئ بولد يقف بدربه ويمد مسدسه إلى راسه،الله سيبارك لنا هذه الحداثة الحياتية،نحن ابرياء،بالفطرة تعلمنا اصول الحياة،بالفطرة سنقضيها معاً،من شجرتين مقطوعتين التقينا بالفطرة،التقينا نريد أن نحيي تينك الشجرتين المقطوعتين،صرنا زوجين متفاهمين،خفت أن اخرجها،قلت الوشاة سيقولون للغجر ما رأوه يوم المطر،سيقولون للحكومة،قلت مع نفسي،نسوة الغجر لابد أن رصدن ما كان يجري من نظرات فوق العادة بيني وبين البنت الصغيرة،مرت سبعة ايام،الغجر رحلوا،قالوا أولاد حرام خطفوا البنت..!!ناس سمعت منهم هذا الكلام،رحلوا بعدما تفاقم الوضع العام،صار الخطف في النهار أمام انظار الناس،قلت لها:لا أحب تمتمات رجل الدين..!!،قالت:أنا أيضاً لا أحب المثول بين يديه،سيفضحنا في خطبته القادمة،ويرجعوني إلى الغجر..!!صارت(منار) زوجتي،أخفت وجهها بحجاب،لبست ملابس جديدة،خفت عليها،بدأت أبيع حاجياتي قرب غرفتي،غرفتي ألحقت بها حمّام صغير ومرحاض،أجلب لها الطعام كل وقت،أجلب لها الماء النقي من أنابيب مكسورة،يجري الماء النظيف منها،قال لي صاحب كشك بيع الأطعمة السريعة:لديك ضيوف هذه الأيام..!!خفت أن يكتشف زواجي من البنت المخطوفة على حد زعم ذويها،قررت من لحظتها شراء الطعام من عدة أكشاك،سألني ثانية:قللت طعامك هذه الأيام..!!قلت:نذرت نذراً للفقراء والمساكين ،إنتهى نذري..!!ناس تجد منافذ للفضول،أي شيء تعمله،يداهمك شخص باسئلة فارغة،ناس لا شغل لها،تتابع الغادي والرائح،عيونهم منحوته فيك وأنت تمشي،تراقب بعيون حاسدة،عيون غيورة،ما تتسوق،تريد أن تعرف ماذا جلبت،ماذا تأكل،البنت كبرت راضية مسرورة،تسعدني كل ليلة،تدخل إلى روحي،تسعني بدفئها،بكركراتها الرشيقة،(كركركركركر)،بقبلاتها،تلتصق بي،تنام وهي فرحانة،مرت أيامنا حلوة،مرت الأسابيع،مرت الأشهر،احتفلنا بمرور عام على خطبتنا الحداثية،ذات يوم ـ بعد مرور سنة ونصف على ليلة زواجنا ـ صارت(منار) أمّاً لطفلة ولدت بعد ليلة ليلاء أسميناها(عشتار)،أنا لم أختر أسمها،هي أسمتها(عشتار)،قالت:على اسم أمي،(عشتار)..!!وافقت على ما اختارت من أسم مناسب،أسم جميل يلائم اسمينا،قلت..أنا قلت:شجرة العائلة بدأت بنفض غبار الفوضى..!!انا قلت ذلك،رغبة متواجدة في،رغبة إعادة صناعة الأساطير لعشيرتي،جدي صنع أسطورته،أنا أيضاً أريد اسطورة مناسبة لي،اسطورة تحايث الوضع الإنساني الراهن،تحايث العالم المخبول،الحياة بلا أساطير تغدو محض حياة،الأساطير تدفع الحياة نحو التحرر،نحو السعادة،(منار)قالت:سنحيي شجرتينا بحبنا..!!قالت ذلك وطبعت قبلة على ثغري،ثغري استقبل القبلة بمطر قبلات،قلت مع نفسي..مع نفسي قلت ذلك:لا تموت الأشجار حين نرويها بثقافة صادقة..!!قلت ذلك مع نفسي،الدموع الصادقة،الثقافة الصادقة،الحب الصادق،التعامل الصادق،الحديث الصادق،تلك هي فلسفة الأساطير الخالدة،الأساطير تريد تضحيات فوق العادة،تريد الصدق والعفوية،الأساطير تنبذ المبالغات والتهويل الخارق لحدود العقل البشسري،فرحتنا بـ(عشتار)لم تدم،فرحة ولدت في الليل،فرحة كبيرة عمرها ليلتين،في الصباح،صباح اليوم الثالث من ولادة(عشتار)طرق الباب،(دمدمدمدمدمدمدم)طرق عنيف،طرق البنت الصغيرة يوم لوجئها الحداثي،طرق خفيف،طرقات الصباح طرقات عنيفة،ارتبكت أجسادنا،احتضنت(منار)البنت (عشتار)،تكورت في زاوية الغرفة،خرجت لمن يطرق الطرق العنيف،شرطي ملتحي الوجه يقف،بيده رشاشته،يده على الزناد،متحمس الوجه،خفت لحظتها،جسدي ارتعش،طفر إلى مخي،حكاية جدي،جدي امتلك مدية عالج به طالب زوجته،أنا لا أملك مدية لأدافع عن زوجتي،ظلّ الشرطي ينحت بصره في،يريد أن يستجمع كلامه،يريد ان يجابه هيكلاً عملاقاً خرج من قمقمه،خرج من كهوف القرون الحجرية،تحرك فمه،وصلني صوت تلمضاته،هجست بظنون تناحرت،خلت أن واشياً وشى بي،واشياً رأى ما يجري في غرفتي،نقل الوشاية للحاكم الجديد،سيأخذني هذا الشرطي الصغير للسجن،سيحرمني من(منار)،ربما جاء ليأخذ(منار)منّي،هذيان توالد،حمّى تغلي،خوف يتفاقم،انا لا املك مدية كما ملك جدي واحدة،بماذا أدافع عن مملكتي،وقف الشرطي أمامي،عيناه جارحتان،لا إنسانيتان،الشرطي حين طرق الباب،تراجع ووقف على مبعدة امتار من باب غرفتي،حسناً فعل ذلك،لولم يفعل ذلك،ربما اكتشف كل شيء،لم ير من في الداخل،ذلك ما أثلج صدري،وقف ينتظرني،مشيت إليه،نقل رشاشته من يمينه ليساره،خلته تهيأ للرمي،كل شيء ممكن،ناس خرجت لإستقبال ضيوف في الليل،تلقت رصاصات في الرؤوس،أتقدم وعيني على رشاشته،عينه على هيكل عملاق يتقدم إليه،لم يلق ترحيبه،لم أرغب في تحيته،جدي كسب شرطة زمانه بماله،أنا لم املك ما يكفي لرشوتهم،..قال بغضب:
ـ أمهلك ثلاثة أيام لترك هذا المكان..!!
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعل الغجريّة..(رواية)3
- بعل الغجريّة..رواية/4
- بعل الغجريّة..رواية(2)
- بعل الغجريّة..رواية(1)
- حكاية عبّاس
- ثلاث قصص قصيرة
- السكن في البيت الأبيض
- ونثرنا ضمائرنا على الجدران//قصة قصيرة
- بجلطة شعريّة..مات بطل رواية(نافذة العنكبوت)
- الأتفاقية الأمنية بين مطرقة أمريكا وسندان الفوضى
- أنا كاتب تلك الفصة
- شيء ما يحدث
- لحظة فقد ذاكرته
- أنا كاتب تلك القصة
- في حدثين منفصلين
- حفيد العاشق محروس
- مضت ساعات الندم
- براءة اكتشاف..البرلمانيون لا يقرؤون
- صبر العراقي..أيّوبي
- الجنود لا يتحركون ليلاً


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - بعل الغجريّة..(رواية)6