أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاطمة ناعوت - اِصمتْ حتى أراك!














المزيد.....

اِصمتْ حتى أراك!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2269 - 2008 / 5 / 2 - 12:04
المحور: مقابلات و حوارات
    


ماذا تعني لحظاتُ الصمت التي تطلُّ بين سطور نغمك؟ قال: هذه "السكتةُ" نغمةٌ. نغمةٌ صامتة. ستعطي النغمةَ التاليةَ معناها. سؤال ورد في حلقة تاريخية من "العاشرة مساءً" سجلتها منى الشاذلي مع عمر خيرت في دار الأوبرا المصرية، لتجتمعَ مفرداتُ الجمال: المكان، الحدث، الشخوص، والحوار. عطفًا على الجمال الخام الذي هو قطعةٌ من جمال الله: الموسيقى.
عتبي، وحسب، أنها نادته "الملحّن"! وما هو بملحّن. "لَحَنَ" تعني: أخطأ في الإعراب أثناء القراءة، "لَحَّنَ" تعني: طرّبَ الكلامَ فأنشدَه. وأبدا لم أفهم هذا التناقض! لأن في سلامة الإعراب، برأيي، موسيقى كاملةً ونغمًا يفوق تفاعيلَ الخليل طربا وشجوًا. وهو أحد أسرار عبقرية العربية. فكيف، و"الحقُّ لا يضادُّ الحقَّ"، تضادُّ الموسيقى الموسيقى؟ فيصير الخطأ الإعرابيُّ "لحْنا"؟
الملحِّنُ يموسقُ الكلماتِ فتغدو أغنيةً. وخيرت ليس ملحّنًا، وفقط. بل مؤلفٌ موسيقيّ ما يسميه الغرب composer، لأنه قادرٌ على نظْم قطع موسيقية صافية خلوٍ من الكلمات. وهي رسالته التي كرّس لها عمره. إذ لاحظ أن الأذُنَ العربية لا تتعاطى الموسيقى إلا إذا صاحبتها كلماتٌ. فكان رهانه أن الأمرَ محضُ عادة وتراكم إرثيّ، وليس جينات عِرقية. واختبر رهانه فأبدع الإبداعَ كلَّه.
الطريفُ أنني قررت كتابة مقالة عن الصمت بطلها عمر خيرت أثناء إشارة مرور طويلة كالدهر ومن حولي ضجيج الكلاكسات والبشر، وإذا بزجاج السيارة المجاورة يُفتح ليقذف قائدها إليّ شريط تسجيل قائلا: اسمعي ده! شريط عمر خيرت! هل لم يرق له ديميس روسوس في سيارتي؟ أم اخترق رأسي فرأى عمر خيرت؟ إنه حدسُ المصريين!
لحظاتُ "الصمت" العبقرية تلك أدركها هارولد بنتر، فزرعها في حوارات شخوصه، في أماكن محسوبة، لتصنع اتزانا إيقاعيا، ومضمونيًّا، ومن ثم تهب الحوار فنيّته.
وكما يقوم إيقاعُ الموسيقى على الموازنة بين الدَّقّة والسكتة، ويقوم الإيقاعُ الشعريّ على الحركة والسكون، يقوم إيقاع العمارة على اللعب بالكتلة والفراغ. الجدارُ كتلةٌ في فراغ. والبابُ فراغٌ في كتلة. الكتلةُ هي القول، والفراغُ هو الصمتُ عن القول. والعكسُ صحيحٌ بامتياز. فالكتلةُ منطقةُ صمتٍ وخمول، مادامت تحجب عن عيوننا جزءا من الطبيعة الموّارة خلفها، فيما النوافذ هي القولُ كونها تَوَاصُلا مع السماء والغيوم والطير والشجر. إذ ذاك، بوسعنا أن نلمس إلى أي مدى كانتِ العمارةُ الفرعونيةُ عبقريةً في صمتها واستاتيكيتها وطغيانها أيضا. عمارةٌ بطريركية وسيادية بامتياز. كتلٌ عاتية تتخللها ثقوبٌ جدّ صغيرة. قد تصل في صِغَرها إلى فتحتيْن تكفيان بالكاد شعاعَ شمس واحدا يسقط على وجه الملك في قدس الأقداس يومين كل عام. يوم ميلاده ويوم تتويجه ملكا على عرش مصر. ضخامةُ الجدار تُقزّمُ الإنسانَ وتكرّس خضوعه. هيمنةُ الكتلة على الفراغ تشبه هيمنةَ الحاكم على المحكوم. إفراط الحجر في مقابل التقتير في الهواء يُمثّلُ رسالةً من فرعون لرعيته تريحه من مجرد "التفكير" في المطالبة بالحرية أو بالديموقراطية. علمّونا في كلية الهندسة أن عبقرية فرعون في العمارة التي لا تضاهيها إلا عبقريته في الفلك والطب والرياضة والتشكيل. والسياسة أيضا. وفي المقابل الضِّديّ سنجد عمارة أكثر ديموقراطية وحُنوًّا، بل وأنوثة. مثل الطراز القوطيّ Gothic. الذي وازن بين الكتلة والفراغ، سواء في الفتحات الزجاجية الملونة، أو في نحوتات الجدران والدعامات الطائرة والأبراج المدببة الرشيقة. ومثالنا الأجمل هو كنيسة نوتردام في باريس التي ألهمت فيكتور إيجو تحفتَه "أحدب نوتردام". ولئن قال سقراط لتلميذه: تكلّمْ حتى أراك! فإن السكونَ أحيانا يكون هو الجوهرَ النشط للفن. فطوبى للصمت حين يعلّمنا جمالَ القول.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلام شُعَرا...!
- أنفي والجيرُ المبتّل
- الجميلُ الذي أخفقَ أن يكونَ عصفورًا
- بالطباشير : عزيزي الله، من رسم الخطوط حول الدول؟
- بالطباشير: آخرُ مُعتزلةِ هذا الزمان
- بالطباشير:يا باب الورد، حِصَّة وين؟
- الشَّحّاذ
- بالطباشير: -سُرَّ مَنْ رآكِ- أيتها الغيوم
- بالطباشير: يحدثُ هذا، وشكرا لفلسفة المصادفة
- بالطباشير: أنا الأديبُ الألْمَعيُّ مِنْ حَيِّ أَرْضِ المُوصِ ...
- بالطباشير: اِسفكسيا الجمال
- قطعة من الفراغ-قصائد إيميلي ديكينسون
- صقيعٌ لم يَحُلْ دونه أحد
- الدينُ لله، فهل الوطنُ للجميع؟
- بالطباشير: لفرط حضورِكَ، لا أراك!
- بالطباشير: عِقابُ المرايا
- بالطباشير: يا قمر على دارتنا
- بالطباشير: عمتِ صباحًا يا استاطيقا القبح
- بالطباشير: أنا أندهش إذًا أنا إنسان
- بالطباشير: شاعرةُ الأشياء الصغيرة


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاطمة ناعوت - اِصمتْ حتى أراك!