أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاضل فضة - انحسار الوطن في الذاكرة














المزيد.....

انحسار الوطن في الذاكرة


فاضل فضة

الحوار المتمدن-العدد: 1964 - 2007 / 7 / 2 - 10:33
المحور: حقوق الانسان
    


يمر السحاب الأبيض من امام تلك النافذة، الباب العريض، يلتمس سلاماً صباحياً على فنجان قهوة مازالت سورية، ويكفهر لونه مرات بعد ايام متواصلة من حرّ متصاعد، متحولا من الأبيض المتراكم في عجالة إلى إلى لون الرماد، ليدفع تكاثفه السماء إلى حزن مكفهر، فيمطر بغزارة لامثيل لها، مترافق برعد قوي، يدعو للقلق عند الرغبة بمراقبته من خلف الزجاج، خوفاً من اقترابه منك او من منزلك، بآثار قد تكون اكثر من كبيرة.
إنه السحاب الصيفي الجميل الذي يمر كقافلة من اللوحات كمعرض يومي تضطرب عدسة الكاميرا الرقمية امامها بأشكالها الفنية اللامحدودة. إنه الذكرى والخيال وحزن عميق يطل من نافذة القلب يوماً بعد يوم. حزن مجبول بإحباط اقله إنساني، على مسار وطن ومواطنين، اجبرهم الزمن على مغادرة ارض، كان لهم وجوداً بها، امتدّ إلى ماقبل التاريخ. كونهم بقاياً الحضارات الإنسانية القديمة في سورية بلاد الشام، موطئ العمارة الأولى.
بعد اكثر من ثلاثين عاماً في اغتراب متنقل في بلاد الله الواسعة. كان لا بد للثقافة الغربية وشمال امريكا ان تطغي على ذاك التراث العميق، وتؤثر بنا بشكل كبير، ليجعل من قبولنا لمعايير مفاهيم المواطنة في بلادنا الأصلية كما هي اليوم، غير مقبولاً مالم تتغير هذه المعايير بشكل متناسب مع حقوق الحياة في المجتمعات المتقدمة، المضمونة بالدستور والقانون، وحق المساواة مع جميع ابناء الوطن الجديد، ومسألة فصل الدين عن الدولة، وحق الإنتخاب والترشيح، وممارسة ديموقراطية حقيقية شفافة على مستوى الدولة، وحرية الإعلام والصحافة، وحقها في مسائلة المسؤولين في ادائهم، او في ممارساتهم، كونهم يعملون عبر انتخابات قام بها الشعب.
ولإن هذه المعايير غير موجودة إلا على ورق للإستهلاك المحلي في عقول سياسي الوطن الأصلي والمؤسسات السياسية الفاعلة في الوطن وخارجه، فإن قضية العودة إلى الوطن ضمن ظروفه الحالية او المستقبلية، قضية خاسرة على كافة المستويات.
ومع ذلك فإننا لسنا سعداء كابناء جيل اول للهجرة في اوطاننا الجديدة. إذ مازال الشوق يتلظى بنا، لإن الذكريات الأولى كانت ومازالت ماتبقى لنا من تاريخ نتسامر به، وهي التي تبقى تاريخاً حقيقياً لنا، وان اصبحت بعيدة المنال في واقعها وواقع ابطالها، بسبب عدم تواصلها. فاكثر من ثلاثة عقود كاملة بالغربة، هو انقطاع عمري لا يمكن اصلاحه بأي طريقة، لاننا تغيرنا اولاً وتغير الوطن الأصلي وابنائه ثانياً. أما بناء ذاكرة جديدة في وطن آخر فإنها قضية غير كاملة ابداً، لإننا لانملك الجذور ولا التاريخ ولا ذكريات الإجداد او المدينة او القرية. فهي ذكريات قد تصلح لاجيالنا القادمة، وهي حكايات تجاربها منهكة يمكن كتابتها في روايات للأخرين، لكن لا يمكن استعادتها مع ابطالها إلا نادراً. فهم متغيرون عبر المكان والجغرافيا، اما الحكايات مع ابناء الوطن السوري في تلك المغتربات، فإنها مشابهة لذكريات الإجازات السياحية فقط، فهم ندرة في مجتمعات جديدة، ولا يمثلون شريحة منسجمة إلا عبر مايجمعهم من قليل، خاصة هؤلاء الذين يعيشون حالة من الأنفصال، تتراكم بها هواجس المصلحة الذاتية على حساب اي قيم جديدة، لا يمكنهم فهمها أو لا يرغبون بذلك، أو هؤلاء الباحثين عن احلام بطولات سياسية، بنفس الطرق والأساليب القديمة، بدون قدرة ايضاً على فهم بيئتهم الجديدة، أو معاييرها، والتعلم منها. لذا تكبر المعاناة، في تواصل السوريين المتقطع، فهم اضعف تجمع جاليوي عربي في كندا، لايدري اي سوري سببه الحقيقي بكل تفاصيله.
نعم لسنا سعداء بسبب الإنقطاع والتغيير في وطننا الأصلي، وبسبب الثمن الكبير المدفوع للتواصل مع ثقافة اخرى قد تصبح ثقافتنا ومن بعد ثقافة اجيالنا، خاصة بعض قيمها الإجتماعية وليست السياسية، بعض الإجتماعية التي لا يمكن التوائم معها خاصة بما يتعلق ببعض العادات والتقاليد الشرقية. لكننا نعوض عن خسارتنا المعنوية من طرف، باستقرار إنساني لا حدود له، تؤمنه ثقافة وقيم المجتمع السياسية، وحرية حقيقية لا خلاف على ممارستها، ومحاولة استيعاب من قبل بعض ابناء البلد المضيف لنا، من خلال سلوكهم الطيب والحضاري في كثير من القضايا.
ومابين نداء الذاكرة لوطن كان الهم الأول والأخير في اوراقنا، تبتعد الحكاية الحقيقية عن واقعها اليومي المعاش، وتصبح كتابات السياسيين سلطة ومعارضة، حكاية اقل فاعلية في كيان جرده الزمن من كل امل بتغير جذري يصب في خانة بناء دول الوطن الأصلي المتقدمة. فالطريق طويل جدّاً، لا بل اكثر من طويل، ومالم لم تستطع دول الأغتراب الأوروبية والأمريكية "شمالاً وجنوباً"، ان تعلمه لشرائح متعددة من سياسيينا، لن يستطيع الواقع السوري الحالي في مخاضه الأقسى ان يعلمه لهم. وكأن الإنسان يعيش القرون السابقة عندما نقرأ هنا او هناك. فلا وإلى هذا اليوم، اي برنامج سياسي حضاري مكتوب لدول سورية المستقبل، ولا برنامج سياسي راق يمارس على أي مستوى، وأتمنى بأمانة ان اكون خاطئاً هنا، اتمنى ان يظهر على الملئ بعض من الجماعات التي تتحلى بمصداقية القراءة والتحليل، جماعة متحررة من آثار القرون الماضية، وآفات الطائفية، أو المقولات والشعارات الخلابة التي لا معنى لها على صعيد الواقع. اتمنى ان يظهر من هو محب حقيقي للشعب السوري، بدون ان تدفعه مصالحه الشخصية، او الفئوية إلى فعل جماعي ما، ليكتبوا برنامج الدولة السورية الحضارية بما يتناسب وعمرها الروجي والتاريخي، كملتقى قسري كان لحضارات تاريخية سابقة للعالم القديم.
إنه الوطن الذي لا تهم كثيراً جغرافيته المصنوعة من قبل الدول الأخرى، فهو وطن بعض القيم الجميلة والطقوس المعاشية البسيطة، في مدن متعددة وقرى منتشرة على سهوله وجباله وصحرائه. قيم كانت تخيم على بلاد كاملة اسمها بلاد الشام منذ القدم. إنه الوطن الجميل في ذاكرة قد يصيبها النسيان في تغير وتبدل الأجيال القادمة.



#فاضل_فضة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة التخلف
- السياسة وأولياء الأمر
- واقع غريب
- الحرية كلمة...غالية الثمن
- الاستقرار السياسي ومسألة الاختلاف.. سوريا مثالاً
- طقوس الإنحطاط
- إنه الوطن لا تعبثوا به مجدداً
- ايران والحاجة إلى التكنولوجيا النووية
- تراكمات
- في العالم العربي فقط
- من اجل حفنة من الدولارات
- زمن البؤس
- إنهم يحرثون العقول
- في هذا الشرق الراكد
- في زمن التحولات والركود الأصعب
- موقف الإغتراب السوري سياسياً
- من اجل بناء وطن سوري للجميع
- إلى المبدعين السوريين، أين مهرجانكم الخاص بكمزز!!
- من أجل بناء وطن سوري للجميع
- الخروج من تجني الزمن


المزيد.....




- فيديو.. سمير فرج يُشكك في عدد الأسرى الإسرائيليين: حماس تخفي ...
- برنامج الأغذية العالمي: أجزاء من غزة تعيش -مجاعة شاملة-
- مديرة برنامج الأغذية العالمي: شمال غزة يواجه بالفعل مجاعة كا ...
- -جيروزاليم بوست-: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ...
- فعلها بحادثة مشابهة.. اعتقال مشتبه به دهس طفلة وهرب من مكان ...
- المياه ارتفعت لأسطح المنازل.. قتلى ومفقودون وآلاف النازحين ج ...
- طلاب نيويورك يواصلون تحدي السلطات ويتظاهرون رفضا لحرب غزة
- خبير عسكري: المواصي لن تستوعب النازحين من رفح والاحتلال فشل ...
- آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بصفقة تبادل للأسرى
- الآلاف يتظاهرون في تل أبيب مطالبين بالإفراج عن الأسرى ورحيل ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاضل فضة - انحسار الوطن في الذاكرة