خرافة المصمم الذكي والتقدم الى الخلف لدى الربوبية


محمد يعقوب الهنداوي
الحوار المتمدن - العدد: 7221 - 2022 / 4 / 17 - 10:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

علاقة الوهية الأم بديمقراطية الحياة والتنوع البيئي ومحبة الأم لبناتها وأبنائها وتوزيع الامتيازات والمسؤوليات بينهم، وعلاقة الأبوية البدوية الدكتاتورية الشرسة بالإله الواحد واحتكار القدرات والسلطات!

واضح من كل مسارات العلوم والمعارف البشرية ووقائع الكون والوجود ان ليس هناك أي تصميم وأي "عقل" أو "فكر"، ذكي أو غير ذكي، مفترض وراء الوجود على الاطلاق، بل هو عشوائية بحتة استغرقت مليارات السنين لتنتج شيئا مثلنا (نحن البشر). وربما "منتجات" أكثر تقدما بقليل أو كثير في عوالم أخرى ضمن عوالم هذا الكون الفسيح.

وهذا ما أدركه أو توصل اليه العقل البشري المتحرر من الخرافة منذ آلاف السنين يوم أسس أولى حضاراته الراقية قبل ظهور الأديان الابراهيمية عدوة الفكر الصافي والانسان (الذكي) فجعلته، وجعلت كل المجتمع، البشري عبدا للخرافة. يومها كانت البشرية تعبد المرأة وجسد المرأة بوصفه مصدر الحياة والعطاء والتجدد وهو عنوان الكرم اللامحدود وعنفوان الوجود!

وجاءت الأديان البدائية بوهم الآلهة التي تتحكم بظواهر الكون والطبيعة في مسعاها لتفسير ما لا تستطيع تفسيره بحكم ان العلوم التي كانت في متناول البشر لم تكن كافية لتعينهم على فهم منسجم متكامل وناضج لمجريات الطبيعة وظواهر الكون. وكذلك بحكم صراعات الحضارات المتباينة ومحاولة كل حضارة انتاج آلهة أقوى من آلهة خصومها.

وبلغت بعض المراحل الحضارية حدا من النضج أدركت فيه تناقضات الآلهة المتفرقة وصراعاتها، والتي لا تتجاوز في حقيقتها انعكاسا لصورة المجتمع البشري العادي حيث يتكون من عائلة فيها أبوان وأبناء ذكور واناث يؤدي كل منهم مهام معينة ويتمتع بمستويات متباينة من القدرات الفكرية أو البدنية، فاخترعت فكرة الإله الواحد المنشطر الى شطرين (إله الشر وإله الخير) أو (أهرمان وأهورا مزدا) أو (الله وابليس) أو (إله النور وإله الظلام) أو (الله والشيطان)،

واتخذت هذه الأساطير صورا مختلفة باختلاف مستويات النضج الحضاري التي بلغتها المجتمعات البشرية التي تلقفتها، فترى هذه الافكار تتخذ صورا مختلفة بين شعوب وادي النيل واليونان والرومان والهند والسند وغيرها، لكن الدراسات الحضاراتية وبحوث التاريخ البشري اجمعت على ان بلاد ما بين النهرين (وادي الرافدين) كانت هي الأرض التي نشأت فيها أولى الحضارات وأولى الأساطير المقدسة ومنها انتشرت الى باقي بقاع الأرض.

وبينما اتجهت الحضارات البشرية الراقية وذات الطابع الانساني (التقدمي) والروح الايجابية في المناطق الغنية والخصبة والمتعددة الكائنات والمنتجات ومظاهر الحياة الى تبني اساطير عن آلهة (أليفة) بسيطة ومتعددة الوجوه كما تتعدد وجوه الانسان وحالاته ومظاهر الطقس وتضاريس الطبيعة وتقلبات الفصول، فظهرت أساطير الهنود وآلهتهم التي تتجسد حتى في الفئران والابقار والقرود، اتجهت الحضارات البدوية القاسية الشرسة وذات الطبيعة العدوانية القتالية الى انتاج آلهة شمولية كلية القدرة ذات طبيعة وحدانية عليا مطلقة على طريقة (قل هو الله أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) لكنها (هذه الأديان ذاتها) لم تفلت من معضلة التناقض في جوهر هذا الإله الذي تنسف بعض صفاته بعضها الآخر،

فتجلت تناقضاتها في الصراعات والعلاقة المضحكة المليئة بالغباوات والتهريج التافه بين الله وابليس، فهما كائن واحد مرة وهما عدوان يقتتلان مثل الأطفال الحمقى مرة أخرى.

ولأن تطور الحياة ومجرياتها وصراع الشعوب كان يفضح عيوب تلك الخرافات وتناقضاتها مع الزمن، اضطرت تلك المجتمعات الى محاولات "تصحيح" عقائدها عبر انتاج (أنبياء) جدد بين حين وآخر بزعم رسالة سماوية جديدة تصحح ما قبلها وتنسخه،

والشعوب المنتصرة في الحروب، وهم البدو الأكثر شراسة وعنفا غالبا، لم تكن تكتفي بقتل واغتصاب واستعباد الشعوب المهزومة فقط، بل وكانت تتعداها الى "قتل" آلهتها وتصفيتها من الوجود وفرض الإله البدوي الأكثر همجية وشراسة والمنتصر في الغزوات الى جانب حرق وتهديم وإزالة كل العناصر الحضارية والفكرية والمعرفية المرتبطة بتلك الأمم المهزومة الأكثر تحضرا وتقدما وابداعا ولكن الأقل همجية وروحا قتالية، وهذه من اسخف واحقر وجوه التطور في المجتمعات البشرية حيث يهيمن الأكثر عنفا وشراسة وهمجية على حساب الأفضل والأجمل والأكثر تقدما، وهذا ما حصل في بلاد العرب وحيثما توجهت جيوش الإسلام.

وهذا ما حصل مع الديانات التي أنتجتها الطبيعة البدوية الصحراوية التي سميت لاحقا بالديانات الابراهيمية والتي هي تلفيقات متعددة واصدارات متعاقبة لنفس الخرافات التي بقيت تتجلى في عناصر مجتمعية وحياتية مهمة مثل الموقف من المرأة واحتقارها والانتقاص منها واحتقار الطفولة واهمال شؤونها وطغيان الدعوات القتالية وتحكيم السيف أكثر من العقل واللهفة المجنونة الى الجنس الى حد ان حتى الفاكهة على الاشجار يمكن تخيلها إناثا ونكحها، هذا الى جانب تصوير الأطفال من بنات (كواعب أترابا) وصبيان (ولدان مخلدين) منتهى الغاية في اللذة الجنسية. وبلغت البذاءة بهذه الأديان والعقائد انها صورت حتى أنبياءها مهووسين جنسيا أو أنهم هم أنفسهم مادة للجنس واثارة الشهوات،

وهكذا ظهرت صورة يوسف في القرآن، فهو بوجوده الحي صورة للشهوة الجنسية والاثارة حد الفتنة وتهديم العوائل والدول، أما عقله فغائب تماما ولا قيمة له وكل قيمته في هذا الصدد هي وحي من الله الذي قدر له مديات وتوقيت معارفه ومصيره! ولن اتحدث هنا عن مشاكل محمد على هذا الصعيد ففي خزعبلات السيرة وصحاح البخاري ومسلم وبقية المسلسلات الكوميدية عن تاريخ الإسلام ما يكفي من المخازي التي يقرف منها الشخص العادي والحس السليم!

والأهم من كل شيء فيها كان تحريم التساؤل الانساني المشروع المدفوع بالفضول والرغبة بالفهم والتعلم، فكان ان حرم الاسلام بشكل قاطع استخدام العقل وحرم السؤال البسيط الذي تميز به الوعي والعقل البشري منذ البدء ويتجلى بشكل واضح وجميل لدى الانسان منذ طفولته وقدرته على الكلام، وهو سؤال:

(لماذا؟)

وجاءت آيات القرآن الاسلامي بتحريم هذا السؤال المشروع تماما بالقول (ولا تسألوا عن اشياء ان تبدُ لكم تسوؤكم!)

والدعوة الى تبني النقل وتحريم استخدام العقل واعتبار العقل والتفكير معادلا للمرض ولوسوسة الشيطان!

فلماذا لا يستوعب الكائن الشرقي (أتباع الأديان الابراهيمية بشكل خاص) فكرة الديمقراطية وعداؤهم الشرس (الغريزي) لها، ولماذا يتشبثون بفكرة (المصمم الذكي) الغبية تماما؟

السبب ببساطة هو أن فكرة المصمم الذكي المزعومة تتوافق تماما مع فكرة الدكتاتورية الأبوية ورفض الديمقراطية، وهي بطبيعة الحال (ذكورية) بالضرورة وتنحو الى قمع المرأة واحتقارها والانتقاص منها.

ومن سخافات الفكر اللاهوتي (الديني/ الغيبي/ الميتافيزيقي/ الخرافي أو سمه ما شئت) التشديد على فكرة ان "علوم" الأقدمين قادرة على تفسير الكون والوجود والحياة بأفضل مما تستطيعه علومنا الحديثة وان العقل الخرافي الذي صدر عن بدو الجزيرة أفضل من العقل العلماني الحديث الذي تتسارع منجزاته العبقرية حتى لتفشل ايقاعات الساعة عن مجاراتها.

وبينما فشل أسلافكم وقادة عقيدتكم في صناعة مناديل صحية يمسحون مؤخراتهم بها حين قضاء الحاجة (ولا أقول التواليت لأن هذه الكلمة بحد ذاتها شتيمة بحق ارثكم الحضاري المضحك) وفشلوا في حفر آبار الماء تحت اقدامهم ليزرعوا ارضهم، وفشلوا في تطوير اية علامة من علامات الحضارة التي كان جوارهم يزخر بها، ورغم فشلهم في كل شيء سوى تحكيم السيف في الرقاب وأعضائهم الجنسية في قراراتهم العقلية، لا زلتم تزعمون أنهم خلفوا لكم ارثا معرفيا جديرا بالاقتفاء ولهذا انتم على خطاهم الغبية العقيمة ونزعاتهم الاجرامية سائرون!

وأنا طبعا لا أتحدى محمدا ورهطه في استخراج النفط والغاز من تحت أقدامهم لبناء اقتصاد قوي فهو ورهطه كانوا اغبى واتفه من ان يفكروا بشيء اسمه الاقتصاد.

ان غنى وثراء الطبيعة في بلاد معينة تجعل مجتمعاتها أكثر خصوبة وثراء في مخيلتها الفوقية أيضا فتاتي آلهتها جميلة متعددة المواهب والقدرات الإبداعية والوجوه كما تتعدد وجوه الانسان وحالاته ومظاهر الطقس وتضاريس الطبيعة وتقلبات الفصول. وكذلك الطبيعة الصحراوية المقفرة تنتج آلهتها أيضا التي تتسم بصفاتها المقفرة المقرفة القاسية الحادة الدموية!

ولأن الصراعات والحروب هي داب الشعوب الهمجية والصحراوية فقد دأبت على غزو الأمم الأخرى طمعا بما تتمتع به من ثراء وخصب وغنى، وكان الانتصار في معظم الحالات نصيب الهمجية والبربرية على حساب الحضارة. وانعكست نتائج تلك الحروب بطبيعة الحال في طبيعة المعتقدات.

والشعوب المنتصرة في الحروب، وهم البدو الأكثر شراسة وعنفا غالبا، لم تكن تكتفي بقتل واغتصاب واستعباد الشعوب المهزومة فقط، بل وكانت تتعداها الى "قتل" آلهتها وتصفيتها من الوجود وفرض الإله البدوي الأكثر همجية وشراسة والمنتصر في الغزوات الى جانب حرق وتهديم وإزالة كل العناصر الحضارية والفكرية والمعرفية المرتبطة بتلك الأمم المهزومة الأكثر تحضرا وتقدما وابداعا ولكن الأقل همجية وروحا قتالية، وهذه من اسخف واحقر وجوه التطور في المجتمعات البشرية حيث يهيمن الأكثر عنفا وشراسة وهمجية على حساب الأفضل والأجمل والأكثر تقدما، وهذا ما حصل في بلاد العرب وحيثما توجهت جيوش الإسلام.

وتتضح مسألة غياب الفكر وتغليب الحواس البدائية والجوع الجنسي، في رموز الدين الإسلامي، فأعظم أبطال ورموز وشخصيات الإسلام هم أبطال سيف وقتل وتنكيل وسفك دماء وليسوا أبطال أفكار فلسفية أو عقائد إنسانية أو قدرات إبداعية أو أفكار علمية، ولنأخذ أمثلة من خالد بن الوليد وعلي بن ابي طالب والحجاج بن يوسف وعقبة بن نافع، فكلهم أبطال سيف ومجرمو حرب، ولا فكر لديهم ولا مفاخر حضارية!

وكلما أوغل المجتمع في بدائيته وصحراويته وعقم الطبيعة من حوله كلما انعكس ذلك في عقم مخيلته وقدراته العقلية والحضارية، وكلما افتضحت تفاهة تصوراته عن آلهته الطينية وعجزه عن تفسير الوجود بها كلما سعى الى ابعاد آلهته عن متناول الحواس وجعلها عصية على اللمس والادراك خوفا من أن تتفتت اذا لمستها أيادي الناس وحواسهم الطبيعية، والعكس صحيح!

وكان الحل في الإله السماوي الذي لا يشبهه شيء!

ومع تقدم العلوم الحديثة ومنجزاتها وافتضاح حقيقة الآلهة البدوية وعجزها وتفاهتها، لجأ السلفيون الجدد الى اختراع عبقري جديد هو:

"المصمم الذكي"!

لكن عقولهم الغبية لا يمكنها طبعا انتاج ما يفوقها ذكاءً، فجاء مصممها "الذكي" المزعوم دليلا على غبائها وغبائه هو أيضا!

ولكن ثمة نقطة قاتلة أخرى هنا:

فالإله الذي خلقته مخيلة الانسان البدائي كان قوميا قبليا مهمته حماية مصالح القبيلة أو المجموعة البشرية التي خلقته وتقدم له النذور وطقوس العبادة، ويعتبرها (خير امة اخرجت للناس) أو (شعب الله المختار) وما شابه ويتكلم لغتها التي يعتبرها اقدس اللغات وهي (لغة أهل الجنة) كما يزعمون، وهو لا يتقن بقية لغات العالم،

فكيف سيتلاءم مع طبيعة العصر ومتطلبات الحضارة وتداخل الثقافات؟

وكيف سيحب إله العرب شعوب الهند والصين؟

وكيف يحب إله المسلمين اليهود والمسيحيين والبوذيين والهندوس؟